«الشارقة التراثية».. نوافذ على الإرث الثقافي الشعبي العالمي
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
الشارقة (الاتحاد)
تحولت منطقة ساحة التراث في قلب الشارقة، إلى لوحات فنية شعبية متنوعة، تستعرض جانباً من تراث وثقافات الشعوب، وتعكس جماليات التمازج الحضاري على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة في الشارقة، وذلك في مستهل اليوم الأول لفعاليات الدورة 21 من أيام الشارقة التراثية التي تقام من 22 فبراير الجاري إلى 3 مارس المقبل، بمشاركة 13 دولة عربية وأجنبية.
شاهد جمهور الأيام، في أعقاب افتتاح الدورة الجديدة، مجموعة من الفرق المحلية والعالمية وهي تستعرض فنونها الشعبية على أنغام وكلمات متوارثة، وتؤديها بلباسها الشعبي المنسجم مع البيئات الجغرافية، والحرف القديمة، حتى صارت تشكل جزءاً من هويتها وشخصيتها المعروفة بين الشعوب، وهو ما نال إعجاب الحاضرين وأثار اهتمامهم وتفاعلهم.
وقال الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا لأيام الشارقة التراثية «تحمل الدورة الجديدة للأيام لوناً مميزاً من حيث طبيعة المشاركات وما يتضمنه البرنامج من فعاليات وأنشطة تشكل بمجموعها نوافذ مطلة على الإرث الثقافي الشعبي العالمي، وتسلط الضوء على الدعم اللامحدود لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وترجمة حية لرؤى سموه في أهمية التمازج الحضاري بين تراث وثقافات العالم، وتعزيز ريادة الشارقة انطلاقاً من عمقها التراثي والثقافي المؤثر، وعطائها المستمر والمتجدد».
وشهدت فعاليات اليوم الأول من البرنامج الثقافي المتعلقة بالتراث العربي فقرة القهوة العربية رمز الكرم، قدمها سفير القهوة سيف الدهماني، وتضمنت عرض صور وأفلاماً خاصة بآداب الضيافة المتعلقة بالقهوة في الإمارات.
وعلى صعيد متصل، تضمنت فعاليات البرنامج الأكاديمي «تواقيع وإطلاقات»، التعريف بالمؤهلات المهنية عند المستوى الخامس في مؤهل جمع وتدوين وصون التراث الثقافي غير المادي، ومؤهل الأعمال الإدارية في المؤسسات الثقافية والتراثية، ومؤهل الإرشاد المتحفي، ومؤهل ترميم المخطوطات وصيانتها، والبرنامج التخصصي في الإعلام السياحي، والبرنامج التخصصي في الإعلام الثقافي، والتي ألقاها كل من: د. بسمة كشمولة، ود. صابر مرزوقي، ومهى الدوري، ووفاء داغستاني.
وضمن فعاليات «بيت الحكاية»، التي تنظمها المدرسة الدولية للحكاية، أُقيمت 5 فعاليات مسائية، تعرف الزائرون خلالها على أساسيات القراءة وفن الإلقاء. وضمن فقرة معرض الخراريف برؤية جديدة «أعمال فنية»، قدم المجلس الإماراتي لكتب اليافعين ورشة «نصنع إطارات خشبية للفن الشعبي الكوري» بمشاركة رسامة كورية جنوبية مبدعة. وفي فقرة حكايا وموسيقى، قدمت مؤسسة ربع قرن للموسيقى عروضاً موسيقية حية من إبداعاتها. وضمن فقرة كل يوم حكاية، قدم د. أحمد سعد الدين حكايات من التراث الإماراتي، مع ورش إبداعية.
وتعرف الزوار لفعاليات أيام الشارقة التراثية إلى فقرات مختلفة أخرى، تضمنت ورشاً وألعاباً تراثية وفنية وترفيهية وتوعوية، إضافة إلى فقرة الحرف التراثية، فيما استقطبت العروض الخاصة بمجموعة من الفنون الشعبية الخليجية الجمهور من مختلف الجنسيات والفئات العمرية لاسيما: العيالة، النوبان، الرواح، التي قدمتها 4 فرق.
وفي الإطار ذاته، أضافت جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، التي تشارك للمرة الأولى في أيام الشارقة التراثية، فقرات متنوعة، تضمنت التعريف بفن الخط العربي وأنواعه، وعرض لوحات فنية تعكس جمالية الخط العربي، والتعريف بأدوات الخط التي يستعملها مشاهير الخطاطين. وضمن فقرة الحرف التراثية، أقام متحف الشارقة البحري ورشة تراثية بعنوان الحفر على الأكواب، لتنتهي فعاليات اليوم الأول للأيام بشيء من الفرح والمعرفة والترفيه الذي منح الجميع ذكرى لا تُنسى.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: معهد الشارقة للتراث أيام الشارقة التراثية أیام الشارقة التراثیة
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: فيلم «الحجر/ STONE» بيت بلا نوافذ وزمن لا يتقدم
في فيلمه «الحجر/ STONE» يقدم المخرج التونسي كريم برهومة حكاية امرأة تحاصرها نفسها كما يحاصرها المكان. حيث تدور القصة حول ليلى التي تعيش عزلة قاسية، ترافقها صديقتها سلمى وتحاول إنقاذها بمساعدة صديق قديم هو أكرم، طبيب نفسي. ومع تقدم الجلسات، يتكشف «السر» الذي يكثف هذا الصمت.
الفيلم من كتابة وإخراج كريم برهومة، تصوير أمين الذوادي، مونتاج دوريد بنزرتي، موسيقى إسحاق حدور، إنتاج نجلاء الباروني ومجدي الحسيني.
من الحجر كجِرم إلى الحجر كحالة
العنوان ثنائي اللغة يحمل دلالتين متداخلتين. كلمة «الحجر» بالعربية تستدعي معنى المنع والعجز عن الفعل، كما تستدعي في الوقت نفسه الثقل والجمود والصمت. أما «Stone» فتشير إلى المادة البكماء التي لا تفصح بسهولة. هذا التعدد يفتح مجال القراءة، فالفيلم يحرك حجارة ثلاثية المعنى، حجر في الذاكرة يثقلها، وحجر في الجسد يشل الإرادة، وحجر في المكان يحول البيت إلى صخرة يسكن داخلها كائن بشري.
الفضاء الحميمي بوصفه سجنًا
البيت في «STONE» يعمل كجهاز نفسي يترجم اضطراب البطلة. يستعيد المخرج تصور جاستون باشلار للبيت بوصفه "قوقعة الوجود"، لكنه يعيد تشكيله كقوقعة خانقة تنغلق على ساكنها. هنا تتجلى دراماتورجيا المكان، حيث يستخدم الفضاء كعنصر فاعل في تكوين الأحداث الدرامي والنفسي.
يتعاون كريم برهومة مع مدير التصوير أمين الذوادي على استخدام تضييق العمق البؤري وزوايا الكاميرا المغلقة ليجعل المشاهد يعيش الانفصال نفسه الذي تعانيه البطلة. أما الصمت الممدود وأصوات التنفس والخطوات فيعملان كنبض داخلي يعيد تذكيرنا بأن الزمن النفسي لليلى لا يسير إلى الأمام لكنه يدور حول جرح لم يغلق بعد.
يعمل فريق الديكور على بناء فضاء قائم على وحدات مربعة متكررة، أرضيات متقاطعة، فيشعر المشاهد أن كل شيء محسوب هندسيًا لإغلاق الأفق. النوافذ محجوبة بستائر سميكة تعزل ليلى عن الشارع، فلا تراه ولا تسمح للنور بالدخول. هذا الاختناق البصري يترجم حالتها النفسية، ويجعل الداخل مرآة للعزلة التي تسكنها.
الإضاءة المائلة إلى الظل تترك مناطق غير مرئية في الكادر، فتبدو الحقيقة دائمًا خارج الإطار. المونتير دوريد بنزرتي يضيف بإيقاعه البطيء بعدًا زمانيًا لهذا الاختناق، بينما تصميم الصوت يعيد ارتداد الأنفاس داخل الغرفة المغلقة.
بهذه العناصر يتشكل المكان ككائن درامي مستقل، نبضه يتطابق مع اضطراب البطلة، وفضاؤه يتحول إلى استعارة حسية للاكتئاب، بيت مألوف في مظهره، لكنه متاهة مغلقة.
الصوت بوصفه ذاكرة ثانية
يوظف «STONE» الصوت كامتداد للذاكرة، مساحة سمعية تتحرك بين التهديد والملاذ. الصمت هنا له حضور مكثف في صورته الخفية؛ صمت يلتف حول الجسد ويكشف خوفه الداخلي. الأصوات القريبة من الواقع اليومي -صرير الباب، وقع الخطوات، تنفس متقطع- تضخم أو تعزل عن محيطها لتقريب المسافة بين المتفرج والعالم النفسي للبطلة. يدخل الصوت في علاقة عضوية مع الصورة، فيحمل ما تعجز الصورة عن قوله. الموسيقى التي وضعها إسحاق حدور تأتي باقتصاد واضح، تعمل كقيد رقيق يضبط الانهيار ويؤطر الانفعال من دون أن تفسره. بهذه المعالجة يتحول المجال السمعي إلى ذاكرة ثانية تحفظ آثار الألم وتمنح الصمت شكله السردي داخل البناء النفسي للفيلم، ليصبح الصوت جزءًا من إيقاع الأثر نفسه، امتدادًا زمنيًا لما لا يقال وما يظل عالقًا بين الصمت والاعتراف.
الشخصيات: رعاية على الحافة
تقدم ميساء ساسي في دور ليلى أداء يعتمد على الصمت أكثر من الكلام، وعلى الجسد أكثر من اللغة. ليلى ليست حالة مرضية بقدر ما هي ذات تتشظى من الداخل، امرأة تحاول أن تستعيد توازنها في مواجهة خوف لا اسم له. كل حركة بطيئة، كل نظرة معلقة، تبدو كأنها مقاومة صغيرة للانهيار.
في المقابل تؤدي نجلاء الباروني شخصية سلمى بحس إنساني دافئ، تجسد من خلالها فكرة الرعاية كفعل يومي متكرر، سؤال، كوب ماء. وجودها لا يقدم حلولًا، لكنه يخلق مساحة آمنة تسمح للحياة أن تتنفس داخل العتمة.
أما أحمد الأندلسي في دور أكرم، فيمثل العقل الذي يحاول أن يفكك الألم بالمنطق، لكنه يدرك تدريجيًا أن الفهم لا يكفي، وأن ما تحتاجه ليلى هو أن يشهد معها على الجرح لا أن يشرحه. هنا يتحول العلاج النفسي إلى مشاركة وجدانية، إلى فعل إنصات يتجاوز العلم نحو التعاطف.
ويظهر مالك بن سعد في دور سمير كظل ماض لا يزول تمامًا، حضوره محدود زمنيًا لكنه جوهري رمزيًا؛ يمثل الجزء الغائب من السرد، الصوت الذي لم يُسمع، والمشهد الذي لم يُستوعب بعد. وجوده يذكر بأن الصدمة ليست حدثًا منفصلًا، وإنما كائنًا يواصل العيش في الحاضر بأقنعة مختلفة.
من خلال هذا التكوين الرباعي تبني الشخصيات شبكة دقيقة من العلاقات الهشة، يتقاطع فيها الرعاية بالعجز، والتواصل بالصمت. لا أحد يملك خلاصًا نهائيًا، لكن وجودهم جميعًا يمنح ليلى، ولو مؤقتًا، مساحة لتجربة معنى النجاة.
في لحظته الأخيرة، يترك «الحجر/ STONE» أثره كتنفس ينطلق إلى الخارج، فتواصل الصورة ما عجزت الكلمات عن قوله. لا يقدم الفيلم وعدًا بالفكاك، لكنه يلمح إلى مكانه، إلى تلك اللحظة الهشة التي قد يتحول فيها الحجر إلى خطوة. وهنا ينفتح سؤال معلق عن معنى الخروج ذاته، أهو خلاص أم استكمال للتيه؟ حين يخفت كل شيء، يظل الهواء في اللقطة الأخيرة شاهدًا على عبور حدث، -أو ربما لم يحدث بعد.