إيران بين الياس والامل
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
آخر تحديث: 25 فبراير 2024 - 9:40 صبقلم:عوني القلمجي ليس غريبا ان يسود الاعتقاد لدى الكثير من المتابعين للشأن الإيراني، بصعوبة نجاح المعارضة الإيرانية، على المدى القريب، في اسقاط نظام الملالي، الجاثم على صدور الشعب الإيراني منذ 45 سنة. حيث تعترض طريقها صعوبات كبيرة. بل ان البعض حكم على المعارضة بالفشل، او اعتبر فرص نجاحها معدومة، او صعبة المنال.
ويبدو ان هؤلاء لا يرون الاشياء كما تجري حقا، وانما كما توجب عليهم مصالحهم المرتبطة بالنظام، او الياس من احداث التغيير. خاصة في حساب موازين القوى، بين نظام يتوفر على قوة عسكرية ضاربة، ويستند الى مليشيات منظمة، تسمى بالحرس الثوري الإيراني، مجهزة بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ودوائر استخباراتية وامنية متطورة،ولديها الاستعداد لقتل نصف الشعب الايراني، وبين معارضةسلمية غير مسلحة، لا ترفع بوجه النظام سوى شعار الحرية والامن والاستقرار والعيش الكريم للشعب الإيراني. بعبارة اوضح، فان هؤلاء المرتبطة مصالحهم مع النظام، او اليائسين من التغيير، يقيمون المعارضة كما يشتهون او كما يتوهمون، وليس كما هو الامر حقا. فالنظام الحاكم في إيران،على الرغم من قوته، قد استنفذ كل ما لديه من امكانات متاحة للخلاص من نقمة الشعب الإيراني، وشبح الثورة الكبرى. فلا هو قادر على انهاء المعارضة بالقوة العسكرية النظامية، أو قوة المليشيات المسلحة، ولا على الاستجابة لمطالبها المشروعة، او جزء منها، لان ذلك ينهي وجوده للأبد. في حين ان المعارضة الوطنية، على الرغم من ضعفها قياسا بقوة النظام، ما زالت قادرة على هز اركان النظام بين فترة وأخرى، من خلال الانتفاضات الشعبية، التي تشمل أحيانا، العديد من المدن الإيرانية بما فيها العاصمة طهران، وتشارك فيها فئات واسعة من الشعب الإيراني، ومن جميع القوميات والأديان والمذاهب.والاهم من ذلك كله، مشاركة المرأة الإيرانية بشكل واسع، كما حدث في ثورة الحجاب المشهورة، بسبب وفاة مهسا أميني في 16 أيلول/ سبتمبر، من العام الماضي بعد اعتقالها بثلاثة أيام،من قبل شرطة الأخلاق في طهران. لا لجريمة ارتكبتها ضد انسان، وانما لخلعها الحجاب المفروض عليها بالقوة. وقد تعاطفت شعوب العالم مع اميني، على وقع انتشار مقاطع فيديو لنساء يقصصن شعورهن ويحرقن الحجاب، تعبيرا عن احتجاجهن لما حدث لمهسا أميني، واعتراضا على ممارسات شرطة الأخلاق التي تفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامةبالقوة. اما تراجع الانتفاضات الشعبية ضد النظام، جراء استخدام القوة المفرطة وغيرها من الإجراءات القمعية والاعدامات العلنية، فهذا لا يعني نهايتها، فهي ليست تظاهرة تدعو لتوفير الخدمات المحدودة، او للدفاع عن حقوق الانسان، تبدأوتنتهي في وقت محدد سلفا، وانما هي بمثابة ثورة ذات اهداف سياسية ووطنية كبيرة، تستند الى قوانين اجتماعية تسري على جميع المجتمعات البشرية، التي تقرر التحرر من أنظمتها الدكتاتورية والعميلة والطائفية، وتوفير العيش بحرية وكرامة. بل هي فعل ثوري وكفاحي قد يمتد لسنين طويلة، وصولا لمشاركة القوى المجتمعية كافة، من الاحزاب الوطنية والشخصيات السياسية والكتاب والمثقفين والادباء والشعراء والفنانين وغيرهم. وبالتالي من الصعب على النظام،مهما بلغ من قوة واستعداد للقتل القضاء عليها. خاصة وان النظام لم يترك اي خيار امام الشعب الإيراني، سوى مواصلة الانتفاضات الشعبية السلمية، التي قد تتطور في أي وقت،الى ثورة مسلحة لأسقاط نظام الملالي، وإقامة حكومة وطنية مدنية متحضرة، تليق بشعب عريق مثل الشعب الايراني. ان سلطة الملالي بسياساتهم القمعية للشعب الإيراني، توفر للثورة المرتقبة في إيران كل فرص النجاح. فهي من جهة قد تخلت عن توفير الحياة الكريمة للشعب الإيرانية، وتوظيف ثروات البلاد لصالحه، بدل تجويعه واذلاله من اجل تنفيذ مشاريعها التوسعية في المنطقة، من خلال الثورة التي نادى بها الخميني، وأنفاق عشرات المليارات كل سنة لتشكيل مليشيات مسلحة موالية لها خارج الحدود، مثل المليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان. الامر الذي عزلإيران عن دول العالم الحر وشعوبه، جراء السياسة الدينية والطائفية المتشددة، والتدخل بشؤون الدول الأخرى وزعزعة امنها واستقرارها. وتحويلها الى كيانات هشة على يد ميليشياتها واتباعها ومريديها. مما ولد نقمة واسعة، كان من تداعياتها فرض الحصار على الشعب الإيراني بذريعة محاصرة النظام، فادخل البلاد والعباد في أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، اضرت بالشعب الإيراني عامة. حيث صعدت السلطة الدينية سياسة القمع والاضطهاد، وامتلأت السجون بالمعتقلين، وعمت البلاد اعدامات واسعة وبأساليب بشعة، بعد محاكمات صورية، وانعدمت الحريات، واختزلتالسلطة بمجموعة من علماء الدين لا يتعدى عددهم أصابع اليدالواحدة، وتربع علي خامنئي على قمة الهرم، ومنح لنفسه مكانة مقدسة ومعصومة من الخطأ، تحت ذريعة ابتكرها الخميني اسمها ولاية الفقيه، او نائب الامام المنتظر. الامر الذي أدى الى تعذر اصلاح الوضع السياسي من داخل السلطة بالطرق السياسية. سواء عن طريق الانتخابات او تعديل الدستور، او عبر ما يسمى بالجناح الإصلاحي في المؤسسة الحاكمة. الى درجة أصبح الإصلاح امرا شبه مستحيل من دون اسقاط السلطة. بل ان هذا الجناح الإصلاحي فشل تماما في تحقيق أية خطوة باتجاه الإصلاحات، حتى المتواضعة منها. اما على المستوى الاجتماعي، فقد انتشر التخلف في الطبقات الفقيرة، التي تشكل غالبية المجتمع، وازداد حجم الفساد بين صفوفها، والرشوة والمحسوبية والسرقة، وانتشار تجارة المخدرات وبيع الأعضاء البشرية، وهيمنة الغيبيات والخرافات والشعوذة في الحياة العامة. خلافا لحالة التطور التي شهدها الشعب الإيراني في الأنظمة السابقة على عيبوها. ومما شجع على هذه الظواهر السلبية، الفساد الذي شمل كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، وصولا الى قمة راس الهرم، علي خامنئي، الذي يعد اليوم من بين أكبر اغنياء العالم. حيث تجاوزت ثروته عشرات المليارات من الدولارات. ولم تكن الازمة الاقتصادية اقل سوءا من الازمات الأخرى. حيث لم يعد بإمكان المواطن الإيراني تامين قوت يومه بسهولة، في ظل الانهيار الحاد والمتواصل للعملة الإيرانية، الامر الذي دعا الاف الأكاديميين والأطباء والمهندسين، والعلماء للهجرة خارج إيران، سواء بطرق مشروعة او غير مشروعة. وفي ضوء هذه التداعيات، فقد زاد الفقر بشكل كبير، واختفت قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى، جراء الركود الاقتصادي والتضخم المرتفع الذي تجاوز نسبة الخمسين في المائة. والقائمة بهذا الخصوص طويلة وطويلة جدا. ان الاعتماد على الحتمية التاريخية لانتصار الشعوب لا يكفي، فهي تتطلب زمنا طويلا، وفي الوقت نفسه، تزيد من حجم المعاناة والتضحيات، كما لا يكفي ابدا القيام بنشاطات سياسية او تظاهرات او انتفاضات بين فترة وأخرى، وبالتالي لابد من استنهاض الفعل السياسي، والارتقاء به الى مستوى يتلاءم مع مرحلة الصراع مع السلطة، بما فيه التفكير بالفعل المسلح. والفعل السياسي الذي نعنيه، هو ضمن اطاره الواسع والشامل، وليس المحدود. حيث ما كان ملائما من فعل سياسي في مرحلة سابقة من الصراع مع السلطة الإيرانية، لن يكفي بالنسبة لمرحلة لاحقة. فالصراعات من هذا الوزن، لا تعتمد منهجا واسلوبا ثابتين، وانما تقتضي التغيير وفق متطلبات تطور الصراع في كل مرحلة من مراحله. فحصر الفعل السياسي بنخبة من المجتمع، او بحزب سياسي او بتحالف أحزاب محدود، لن يكون فعالا بالقدر الكافي، ما لم يشملمساحة اوسع من المجتمع، وله قدرة أكبر على تعبئة جميع مكوناته واطيافه، واشراكها في المعركة، جنبا الى جنب مع النخب والطلائع، ذات المؤهلات المتقدمة، ومن دون هذا التلاحم بين النخب والأحزاب وبين الجماهير الواسعة، فان هذا الفعل السياسي الراهن، على أهميته، سيتحول في نهاية المطاف الى مجرد مجموعة من السياسيين والمثقفين والمناضلين، قد تكون مصدر ازعاج لنظام الملالي، لكنها لا تشكل تهديدا وجوديا له. بالمقابل، سيزيد الفعل السياسي المتطور، من خبرة الفرد ويرفع لديه مستوى الكفاءة النضالية والكفاحية، بصرف النظر عن موقعه في المجتمع، وبالتالي يؤهله للقيام بالانتفاضات الشعبية وفي الوقت المناسب، وهذا يعد من اهم مستلزمات الهجوم الاستراتيجي ضد اي نظام حاكم. من له المام بسيط بعلم السياسة والمجتمع، او الواقع الاجتماعي والتأثير المتبادل بينهما، سيكتشف بان أي حزب،مهما كان قويا، حتى وان كان ضمن تحالف محدود، ليس باستطاعته منفردا، ان يحشد جميع مكونات المجتمع نحو اهدافه، مهما كانت نبيلة او مشروعة. لان الحزب يمثل طبقة او شريحة من المجتمع، وليس كل المجتمع. وفي المجتمع الإيراني، حاله حال أكثر الشعوب، تكون مهمة الحشد والتعبئة، باتجاه الهدف المنشود من قبل هذا الطرف او ذاك، أكثر صعوبة واشد تعقيدا، لكونه مجتمعا متعدد القوميات والاديان والمذاهب والطوائف، مثلما هو متعدد الاحزاب والتيارات والقوى السياسية. وبالتالي فالمعارضة الإيرانية بحاجة لإنجاز هذه المهمة، نقل المجتمع من مجتمع مساند للمعارضة، وداعم لها،الى شريك كامل في المواجهة ضد نظام الملالي، وصولا الى تحالف جميع القوى والاحزاب الوطنية والقومية والإسلامية والشخصيات الوطنية دون استثناء. ولا نعني هنا سوى قيام الجبهة الوطنية الايرانية الشاملة، وفق القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجميع، مثل اسقاط النظام واقامة النظام الوطني الديمقراطي التعددي. ان انجاز مثل هذه المهمات الكبيرة، لابد وان تعترضها عقبات تحول دون إنجازها بسهولة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر. اختلاف افكار الاحزاب الوطنية المناهضة لنظامالملالي وايدولوجياتها المتعددة، وما تحمله هذه القوى والاحزاب من موروث ثقيل شديد الذاتية، يستند الى ثقافة الاقصاء والتفرد والاستحواذ، والتي كلفت وتكلف المجتمع ثمنا موجعا، يستدعي مجابهتها من خلال المعنيين بالنقد التاريخي والديني. لا بد من الإشارة هنا الى الظروف الصعبة التي تحيط بالأحزاب الوطنية والشخصيات البارزة، من تامر وحصار وظروف امنية قاهرة، ومحاولات غادرة لشيطنتهاوتشويه سمعتها وزرع بذرة الشقاق فيما بينها. لكن نجد في المقابل قواسم مشتركة عظمى، تربط بين هذه الفصائل والقوى تكفي تجاوز كل هذه العقبات وانجاز وحدة المعارضة وقيام الجبهة الوطنية المنشودة.نأمل بان نرى الأحزاب والقوى الإيرانية الوطنية، قد توحدت في أقرب وقت، واقامت جبهتها الوطنية، لتصحو إيران على فجرها وقد تحول المجتمع بأكمله الى مجتمع مقاوم، وجدير بمهمة اسقاط نظام الملالي بوقت قصير وبتضحيات اقل.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الشعب الإیرانی الفعل السیاسی
إقرأ أيضاً:
وقفة في ساحة كلية الطب البشري بجامعة حلب إحياءً لذكرى المظاهرة الكبرى التي شهدتها الجامعة ضد ممارسات النظام البائد وتقديراً لتضحيات الشهداء.
جامعة حلب 2025-05-18Zeinaسابق وزارتا السياحة والثقافة تبحثان سبل تطوير الشكل الجمالي للعناصر السياحية والتراثية في سوريا انظر ايضاً جامعة حلب تنظم المؤتمر العلمي العاشر لطب الأسنان
حلب-سانا نظمت جامعة حلب المؤتمر العلمي العاشر لطب الأسنان بمشاركة عدد من الشركات العاملة في …
آخر الأخبار 2025-05-18وزارتا السياحة والثقافة تبحثان سبل تطوير الشكل الجمالي للعناصر السياحية والتراثية في سوريا 2025-05-18انطلاق الدفعة الأولى من الحجاج السوريين إلى المملكة العربية السعودية 2025-05-18مدير نقل دمشق: إلغاء معاملتي وثيقة “سند التمليك” و”استبدال محرك” مركبة لتقديم خدمات أفضل للمواطنين 2025-05-18بدء التسجيل في الماراثون البرمجي للصغار واليافعين لعام 2025 2025-05-18العدالة الانتقالية ومصادرها في التشريع الإسلامي ضمن كتاب جديد 2025-05-18محافظ السويداء ووجهاء المحافظة يؤكدون على وحدة الخطاب وعدم الانجرار خلف محاولات التحريض والتفرقة 2025-05-18اكتشاف لوحة فسيفساء في قرية مريمين بحمص 2025-05-18“إطلاق المخطط العام لدعم الكهرباء والطاقة في سوريا”.. في ورشة عمل بدمشق 2025-05-18السورية للاتصالات: توفّر بوّابات إنترنت بشكل فوري في عدة مراكز هاتفية بريف دمشق 2025-05-18سوريا تشارك في أولمبياد المعلوماتية الآسيويّ والمحيط الهادي في أوزباكستان
صور من سورية منوعات دراسة علمية تكتشف علاجاً واعداً لاستعادة البصر 2025-05-14 اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |