حرب إسرائيل على غزة تزيد الضغوط على الاقتصاد العالمي
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
بعد قرابة 5 أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما زالت التبعات الاقتصادية في إسرائيل ودول الإقليم والعالم تتوالى بصدارة قطاعي السياحة والتجارة.
وتوقع الخبير الاقتصادي في مركز "أورسام" لدراسات الشرق الأوسط، أوغوزهان ديمير دوغان، أن تزيد الضغوط على الاقتصادات العالمية والإقليمية، إذا استمرت حرب إسرائيل على قطاع غزة.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن الخبير الاقتصادي، ضمن تقييمه للتأثير الاقتصادي للحرب على غزة، قوله إنها تؤثر على أسعار النفط وطرق التجارة العالمية والتضخم العالمي.
طريق مسدودويضيف دوغان أن "الهجمات الإسرائيلية على فلسطين تجر الاقتصاد الإقليمي إلى طريق مسدود"، مشيرا إلى وجود خطر ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن ارتفاع أسعار الشحن الملاحظ منذ بداية الحرب.
وارتفعت أسعار النفط من المتوسط 75 دولارا قبيل الحرب على قطاع غزة، ووصلت إلى 86 دولارا في الأسابيع الأولى، بينما تستقر حاليا عند 82.4 دولارا لبرميل برنت.
وزادت كلفة الشحن المار بمضيق باب المندب بنسب وصلت إلى 170% بفعل هجمات جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا.
وأشار دوغان إلى أن التوتر في البحر الأحمر تسبب في تغيير مسار السفن المتجهة نحو أوروبا إلى رأس الرجاء الصالح جنوب دولة جنوب أفريقيا.
وأضاف "الطرق البديلة تزيد من تكلفة وقود السفن ذهابا وإيابا بنسبة 40% كمتوسط"، وتجاوزت كلفة بعض الرحلات 170%، وفق صندوق النقد الدولي.
ووضح دوغان "بالمحصلة، مع تراجع سعة الحاويات وارتفاع تكاليف الوقود والتشغيل بسبب فترة الإبحار الطويلة، تسبب ذلك في زيادة تكاليف النقل بشكل كبير".
وذكر أن تراجع الشحنات البحرية عبر قناة السويس أثر على الاقتصاد المصري، حيث تعتبر القناة مصدرا مهما للعملة الأجنبية في البلاد.
وأما عن التأثير السلبي للحرب في غزة على الصين التي تمر 80% من تجارتها الخارجية عن طريق البحر الأحمر، فذكر دوغان أن الصين تأثرت سلبا بالتطورات، وعلى إثرها وضعت الطرق البرية البديلة على جدول أعمالها لتلبية الطلب الخارجي.
وقال دوغان أيضا إن المستثمرين الدوليين الذين يشعرون بالقلق إزاء عدم الاستقرار المستمر، يعيدون إستراتيجيتهم الاستثمارية في دول المنطقة.
وتوقع أن تزداد الضغوط على الاقتصادات العالمية والإقليمية إذا استمرت الحرب، وبالتالي الوصول إلى طريق مسدود.
ومؤخرا، أعلنت شركة ميرسك الدانماركية للشحن البحري، تراجع أرباحها بنسبة 87% على أساس سنوي، خلال الربع الأخير من عام 2023، بسبب أزمة البحر الأحمر.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
التراث وآفاق الاقتصاد
حمد الصبحي
في عُمان؛ حيث تتنفس الصحراء اتساعًا، وتتماوج كثبانها كأنها أبياتٌ من قصيدةٍ لا تنتهي، لا تكون الإبل مجرد إرثٍ يجيء من ماضي البادية؛ بل حضورًا حيًّا يُرافق الإنسان في يومه، ويُذكّره بجذوره الأولى. فالإبل ليست حيوانًا فحسب؛ إنها ذاكرة الصبر، ومقياس القوة، ومرآة الكرم، وجسرٌ يصل بين الإنسان العُماني وأرضه، ويُجسّد علاقته العميقة بالطبيعة التي صقلته ورفعت من صلابته. واليوم، تعود الإبل لتحتل موقعًا جديدًا في مسار التنمية، موقعًا يجعلها تتجاوز رمزيتها التراثية لتصبح مجالًا اقتصاديًا متجددًا تتعامل معه الدولة بوصفه قطاعًا واعدًا ضمن رؤيتها لتنظيم الأنشطة التي تنمو خارج الإطار المؤسسي التقليدي.
ومن هذه الرؤية ينطلق ملتقى حوكمة التشغيل في القطاعات الأهلية بشمال الشرقية، (قطاع الإبل نموذجًا) الذي تنظمه وزارة العمل ممثلة بالمديرية العامة للعمل بمحافظة شمال الشرقية خلال الفترة من 1 إلى 3 ديسمبر 2025 بولاية بدية، تحت رعاية معالي الأستاذ الدكتور محاد بن سعيد باعوين وزير العمل. ويُترجم هذا الملتقى قناعة راسخة بأن التنمية الحقيقية تنبع من الأرض نفسها؛ من الموروث الذي يُصان، ومن الخبرات التي تتجدد، ومن الأصالة التي تتحول إلى منصة إنتاج، لا إلى ذكرى.
ويفتح الملتقى بابًا واسعًا لفهم قطاع الإبل بوصفه قطاعًا اقتصاديًا متكاملًا ظل لسنوات طويلة يُمارس نشاطه بعيدًا عن الأطر الرسمية رغم أثره الاجتماعي والاقتصادي. فالإبل اليوم تتجاوز صورتها التقليدية لتُصبح جزءًا من منظومة إنتاج ديناميكية تشمل سباقات الهجن، والمهرجانات التراثية، وأسواق، وصولًا إلى المسارات السياحية التي تستثمر حضور الإبل في البيئة العُمانية لتصنع تجربة ثقافية واقتصادية متفردة.
وبهذا المعنى، لا يعود تنظيم القطاعات التي تنمو خارج الإطار المؤسسي خيارًا تنمويًا ثانويًا؛ بل يتحول إلى ضرورة وطنية تُسهم في توسيع قاعدة الاقتصاد العُماني، وإدماج الخبرات التقليدية في الدورة الإنتاجية الحديثة. فاختيار قطاع الإبل كنموذج تطبيقي يعكس توجهًا استراتيجيًا يربط بين التراث والاقتصاد، ويُحوّل الذاكرة إلى قيمة مضافة، والمعرفة الشعبية إلى مهارة قابلة للقياس والتطوير.
ويناقش الملتقى بعمق تفاصيل الممارسة اليومية في قطاع الإبل؛ بدءًا من تنظيم المهن المرتبطة به، وتطوير معايير التشغيل، وبناء قاعدة بيانات شاملة تُسهم في قراءة الواقع بدقة وصياغة سياسات تشغيل أكثر فاعلية، مرورًا بتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية للعاملين، ورفع كفاءة الإنتاج، وانتهاءً بتمكين المربين من دخول الأسواق الحديثة عبر التدريب، والتمويل، والتشريعات الداعمة. كما يُبرز الملتقى أهمية التنسيق المؤسسي بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المحلي، بوصفه شرطًا أساسيًا لخلق بيئة استثمارية مُحفّزة في الصناعات المرتبطة بالإبل، ولتطوير سلاسل القيمة الاقتصادية لهذا القطاع.
ولا يكتفي الملتقى بدراسة واقع قطاع واحد؛ بل يتعامل معه بوصفه مدخلًا لفهم القطاعات التي كانت تعمل سابقًا خارج المنظومة المؤسسية، وكيف يمكن إدماجها في حركة الاقتصاد الوطني عبر التأهيل والحوكمة والتشريعات المرنة. إنه خطوة عملية في مسار تبنيه وزارة العمل لبناء سوق عملٍ منظم ومتوازن وعادل، سوقٍ يعترف بالخبرات الشعبية باعتبارها ثروة إنتاجية، ويُعيد توزيع الفرص بوعي، ويصون حقوق العاملين ويهيئ لهم بيئة تشغيل قادرة على مواكبة التحولات الحديثة في عالم العمل.
وتتجسد تجربة قطاع الإبل اليوم كنموذج تلتحم فيه الأصالة مع المستقبل؛ نموذج يجمع بين ذاكرة الإنسان العُماني الاقتصادية وبين روح الابتكار التي تفتح أبوابًا جديدة للاستثمار.
الصحراء هنا ليست مجرد امتدادٍ جغرافي؛ بل مهد هوية وفضاء إنتاج وثروة كامنة، والمؤسسة ليست إطارًا تنظيميًا فحسب؛ بل شريكًا في تحويل الحرفة إلى مشروع، والمهارة إلى قيمة، والإرث إلى صناعة.
وهكذا.. تنسج عُمان من خلال هذا التوجّه رؤيةً وطنية تعيد صياغة العلاقة بين التراث والتنمية، وتمنح القطاعات التقليدية طاقة جديدة تسمح لها بأن تكون جزءًا حيًا من المستقبل. إنها رؤية تُصغي إلى الصوت القديم، وتكتبه بلغة العصر، وتوحِّد بين الأصالة والتجديد في معزوفة واحدة لا تزال تتسع بالأمل والطموح والعمل.