سودانايل:
2025-05-11@08:27:44 GMT

كيف انهارت الدولة القديمة؟

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

إسماعيل عبد الله
تتعدد الأسماء والدولة واحده، دولة ست وخمسين، السودان القديم، دولة النخبة الفاشلة، دولة المركز، جميعها مصطلحات طرأت على الواقع السياسي منذ قيام دولة ما بعد الخروج الآمن للمستعمر، وقد أرخ بعض المهتمين بالمشهد السوداني لبدايات تشكل هذه الدولة بمؤتمر الخريجين (مؤتمر الأفندية) – الصفوة، وآخرون أرخوا لها بموعد الغزو التركي - المصري للسودان، الذي جاء على صهوة جواد محمد علي باشا حاكم مصر، فالشاهد في الموضوع أن السودان لم يشعر بالتعافي منذ ما يقرب القرنان من الزمان، برغم حدوث الثورة الكبرى التي هزمت امبراطورية الحكم العثماني – الإسلامي – وأسست للدولة الوطنية الأولى القصيرة الأجل، التي سرعان ما كسر شوكتها الغزو البريطاني، الذي قضى نصف القرن وهو جاثم على جسد الوطن، ثم خرج مطمئناً ورهن البلاد لحفنة من أفندية حديثي التخرج من مدرسة غردون باشا التذكارية، فحلت الفوضى الدستورية، وطفح كيل التكالب العسكري على السلطة المدنية، وضرب السودان مثالاً بارعاً في عدد الانقلابات العسكرية المرتكبة بحق حكوماته المدنية والشرعية، التي كان آخرها انقلاب الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، الذي انتج حكومات متتالية على مدى خمسة وثلاثين عاماً لم تهتم لأمر التنمية، بل صوبت كل جهدها وبددت طاقاتها في سبيل تحقيق أجندة واهمة ومشروع (حضاري) هلامي، لم نقرأ عنه كتيب واحد من خمس صفحات حتى لحظة اندلاق هذا الحبر، فوصول جهابذة التيارات الإسلامية المتطرفة لسدة الحكم، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الدولة السودانية، وذلك لأن المشروع الإسلاموي الوهمي ولكي يتم تطبيقه، بالضرورة هو بحاجة لوصول الفئة المتطرفة لقصر الحكم.


لم تنعم الدولة القديمة بالاستقرار السياسي لكون برنامجها بني على باطل، وهو السباحة عكس تيار الوجدان الغالب لأهل السودان، وهو وجدان متعدد الروافد، التصوف والتسامح والتراث المحلي من كجور وطقوس كوشية، زحفت مع زحف الشعوب البانية لحضارة وادي النيل من نوير وشلك ودينكا ونوبة، لا يمكن لأي بارع في علوم التنبؤ والكشف الصوفي أن يصل للمحصلة المأساوية التي نحن بصددها اليوم، ألا وهي تصفير عداد الدولة القديمة وانهيارها الكامل بين طرفة عين وانتباهتها، فتاريخ منتصف أبريل الماضي سيذكره المؤرخون بتركيز واهتمام كبيرين، ذلك لأنه حدد مصير الدولة القديمة، وأكد على حتمية انهيارها وزوالها، وقد كان، ولكل عاقل وقارئ لابد وأن يتوصل لحقيقة أن فوضى الدولة القديمة، لابد وأن تصطدم بالرغبة الجماهيرية العاتية والعارمة، التي بانت ووضحت في إعصار ثورة ديسمبر المجيدة والمجدية، ذلك التسونامي الذي أرغم أنوف المغرورين من سدنة معبد كهنوت الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، وجعلهم يخرجون من عاصمة البلاد مقهورين نازحين بما تبقى من أجهزتهم الحكومية لميناء السودان الأول، والسؤال الذي نحن بصدده اليوم هو: من كان يحلم بمجرد إخراج رموز التطرف والإرهاب الإخواني من (المنشية)؟، ناهيك عن أن يكون إخراجهم من مركز الحكم الذي يحوي المطارين المدني والحربي الرئيسيين، والمصنعين الحربيين الأساسيين (اليرموك وجياد)، ومقار الأسلحة الذكية، هذه الانهيارات تعتبر بدايات شاخصة لنهايات الدولة القديمة، وهي شبيهة باستسلام حاميات الحكم التركي لمحمد أحمد المهدي حامية بعد أخرى.
خلافاً للدعاية المسمومة التي يبثها الفاشلون، فإنّ هنالك واقع مؤلم للمؤسسة العسكرية، وتحد لها سافر لم تشهده منذ أن كانت تحت مسمى قوة دفاع السودان، فإنّ العالم يشهد على خروج الخرطوم (العاصمة المثلثة) عن يد الجنرالات العسكريين الذين يدينون بالولاء لتنظيم الاخوان المسلمين، وهذا الواقع لم يحدث حتى للكنغو عندما دخلها لوران كابيلا، وبمقياس المعارك التي تدور رحاها في محيط العواصم، تعتبر معركة الخامس عشر من أبريل مخالفة لجميع الظواهر الحربية، ومجافية للتكتيكات العسكرية في إفريقيا، إذ أن الزحف المنادي بالحرية والديمقراطية وسيادة الحكم المدني، قد التف حول المعتدين من أنصار وحلفاء ومرتزقة و(فلاقنة) الدولة القديمة، ولقنهم الدرس تلو الدرس، حتى لاذوا بالكذب ليكون لهم نصير وظهير، دون أن ينتبهوا لقول المولى عز وجل:(أفلا يقرؤون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وأن كيد الشيطان كان ضعيفا، وأن الفلاح ليس في الاعتداء على الصائمين القائمين الليل، ولا في قصف النائمين صباح يوم أغر من أيام الشهر الفضيل – (المدينة الرياضية وطيبة)، وإنما يكمن في درء الفتنة وعدم الانسياق وراء نوازع النفس المجبولة على حب الدنيا وكراهية الآخرة، وهذه المخالفات الأخلاقية جميعها تصب في مصلحة من تم الاعتداء عليهم وليس لصالح المُعتدي (بكسر الدال)، وعلى هذا السياق فقس، وقد أخبرنا العالم بن خلدون بأن انهيار الدولة يسبقه تفشي الظواهر السالبة والشخصيات الباهتة، الكتبة الزائفون والقوالون والأفاكون والكذابون، وما أكثرهم اليوم؟.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
26فبراير2024  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة القدیمة

إقرأ أيضاً:

بين الخراب المسيّر والديمقراطية المؤجلة: أيُّ مشروعٍ ينقذ السودان

في زحمة المشهد السوداني المشتعل، كتب إليّ أحد القراء الكرام قائلًا:
“تحياتي، كل ما كتبته هو لذاتك ولفكرك. هل كل السودانيين مع ما تقوله؟ نعم نحترم ما تقوله، لكن هذا ليس وقته. الآن الوطن يكون أو لا يكون، فقط تطورات العدوان الآن وبالمسيّرات، يا رجل هداك الله.”

ردي على هذا السؤال لم يكن غضبًا، بل إصرارًا على الإضاءة وسط العتمة:
- إن التدمير الذي تمّ فعليًا في السودان لم يكن نتيجة لحرب عشوائية، بل كان تنفيذًا ممنهجًا لمشروع الإسلام السياسي، مدعومًا بتحالفات إقليمية ودولية. لقد تمّ تدمير أكثر من ٤٠٠ مصنع وجسر، بما في ذلك جسر شمبات وجسر جبل أولياء، وتدمير المنشآت التعليمية والمستشفيات والمتاحف، وتجريف ملايين البيوت وتهجير سكانها.

هذا الدمار طال البنية التحتية الحيوية ليس فقط في العاصمة الخرطوم، بل امتدّ أيضًا إلى بعض الولايات الصغيرة التي وجدت نفسها فجأة في قلب المعارك، دون حماية، ودون إعلام ينقل معاناتها، وكأنّ الخراب في السودان يكتفي بالعاصمة فقط!

لقد تم كل ذلك بتمويل وتسليح خارجي:
- قصف طيران الفلول والطيران المصري.
- استخدام أسلحة إيرانية وتركية متطورة.
- ضخّ أموال من “دولة غلط” لدعم الفوضى والتمكين بدلًا من التنمية.

كل هذا وقع بالفعل، واليوم يُهدّد ما تبقى من السودان، ويكشف حجم المؤامرة التي تستهدف ليس فقط النظام السياسي، بل وحدة الأرض والشعب.

مشروعان يتصارعان في قلب السودان:

1. مشروع الإسلام السياسي:
- دمّر مشروع الجزيرة.
- حوّل الجيش إلى مليشيا حزبية.
- نهب المال العام.
- عمّق الانقسام الإثني والديني.
- استدعى مليشيات أجنبية تحت شعار “الجهاد”.

2. مشروع الحكم المدني العلماني الديمقراطي اللامركزي:
- يقوده تحالف تأسيسي من ٢٥ حزبًا وهيئة.
- يدعو لبناء جيش قومي مهني.
- يضع دستورًا عادلًا.
- يعتمد الحكم اللامركزي.
- يفتح الباب للمصالحة الوطنية.

وقائع لا بد من تذكّرها:

- فتوى قادة الإسلاميين بقتل نصف الشعب.
- مجازر سبتمبر ٢٠١٣.
- بيع ميناء سواكن لتركيا.
- تهجير دارفور والنيل الأزرق.
- القصف الممنهج للمدارس والمستشفيات بأسلحة إيرانية وتركية.
- استخدام أموال دولة “غلط” في تأجيج الحرب.
- تدمير قرى وبلدات في ولايات صغيرة لا تملك مقاومة أو تغطية إعلامية.

الخاتمة:

اليوم، السودان لا يحتاج إلى تأجيل النقاش بين المشاريع الوطنية، بل يحتاج إلى وضوح تام:
هل نقف مع مشروع حياة وعدالة، أم مع مشروع دمار واستنزاف وتقسيم؟
هذه ليست معركة نخبوية، بل معركة كل سوداني يريد أن يرى وطنه واقفًا لا مستنزفًا.
من لا يرى خطورة الموقف اليوم، سيجد نفسه غدًا بين ركام وطن ضائع.

د احمد التيجاني سيد احمد
٨ مايو ٢٠٢٥ روما- نيروبي

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • كيكل: ستجدوننا قريباً في موقع المسيرات التي تقصف
  • الإمارات تعفي السودانيين من غرامات تصاريح الإقامة وأذونات الدخول
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • الاعيسر: السودان دولة قوية بشعبه وقواته المسلحة وعلى المخذلين مراجعة كتب التاريخ
  • العلامة فضل الله: نجدّد دعوة الدولة إلى تفعيل دورها الذي أخذته على عاتقها على الصّعيد الديبلوماسي
  • بين الخراب المسيّر والديمقراطية المؤجلة: أيُّ مشروعٍ ينقذ السودان
  • مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يدين الهجمات التي استهدفت المنشآت الحيوية والاستراتجية بالسودان
  • الحكم بالإعدام على متعاون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة
  • درع السودان: ندعو كافة قطاعات الشعب السوداني بالداخل والخارج للاستجابة لنداء الدولة ومواجهة دولة العدوان
  • بعد فشل كل المسارات التي اتبعها السودان، يكون قطع العلاقات هو بداية للحل