سداد قرض الضبعة بالروبل.. شراكة مصرية روسية تعزز الاستقرار المالي وتخفف الضغط على الدولار
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
في خطوة تعكس تحولًا ملحوظًا في السياسة المالية والاقتصادية المصرية، صدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ملحق الاتفاق المبرم مع مصر بشأن شروط سداد قرض محطة الضبعة النووية، ليُصبح السداد بالروبل الروسي بدلاً من الدولار. هذه الخطوة، التي نُشرت تفاصيلها عبر وكالة "روسيا اليوم"، تحمل أبعادًا اقتصادية واستراتيجية متعددة، وتأتي في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تنويع أدواتها المالية ومصادر تمويلها بعيدًا عن الهيمنة المطلقة للعملة الأمريكية.
يعود أصل الاتفاق إلى 9 نوفمبر 2015، حينما وقّعت مصر وروسيا عقد تمويل محطة الضبعة النووية التي تنفذها شركة "روساتوم" الروسية. وفي 16 سبتمبر 2024، تم تعديل الاتفاق، بحسب نائب وزير المالية الروسي فلاديمير كوليتشيف، ليُتيح سداد القرض، الذي يبلغ نحو 25 مليار دولار، بالروبل الروسي.
رأي خبير اقتصادي.. فوائد متعددة لمصريرى الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، أن هذه الخطوة تمثل دفعة قوية لمشروع محطة الضبعة، الذي يُعد أحد أبرز مشروعات الطاقة في مصر. ويؤكد أن الانتقال إلى السداد بالروبل يُسهم في تسريع وتيرة التنفيذ، ويقلّل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية مثل الوقود السائل والغاز الطبيعي، مما يعزز من تنوع مصادر الطاقة في البلاد.
كما أشار إلى أن التخلي عن الدولار في سداد الأقساط يُخفف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي، ويُقلّل من الطلب على العملة الأمريكية، مما يساهم في استقرار سعر الصرف ويحدّ من التقلبات المرتبطة بالاحتياطي النقدي.
شراكة استراتيجية تمتد إلى المستقبلمن جانبه، يرى الدكتور معن أن هذه الترتيبات تعكس انسجامًا ماليًا قويًا بين مصر وروسيا، وقد تفتح الباب أمام اتفاقات مماثلة مع دول أخرى مثل الصين والهند. وأكد أن هذا يعزز من استقلالية القرار المالي المصري، ويمنح الاقتصاد الوطني مرونة أكبر في مواجهة الأزمات الدولية وسوق العملات العالمية.
في سياق أوسع.. سياسة تنويع العملاتالقرار الأخير يتماشى مع نهج جديد تتبعه القاهرة، يقوم على تنويع سلة العملات المستخدمة في المعاملات الدولية. فقد بدأت مصر، خلال العامين الماضيين، تعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية مع شركاء رئيسيين، مثل الصين وروسيا والهند، لتقليل الاعتماد على الدولار، ومواجهة تداعيات قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي وتذبذب أسعار العملة الأمريكية.
خطوة ذكية في التوقيت المناسبيمثل التحوّل إلى الروبل في سداد قرض الضبعة تحركًا ذكيًا من جانب الحكومة المصرية، في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية وتقلّبات السوق. فهو لا يفتح فقط آفاقًا مالية جديدة، بل يعكس أيضًا وعياً استراتيجياً في إدارة العلاقات الاقتصادية مع القوى الكبرى، ويعزز قدرة مصر على تنفيذ مشروعاتها القومية بعيدًا عن قيود العملات الغربية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القاهرة الروبل الدولار مصر روسيا
إقرأ أيضاً:
الدولار في مهب الريح والجنيه المصري يحلق.. نصف قرن من الانتظار يكتب أسوأ فصول العملة الأمريكية
في مشهد يعيد إلى الأذهان صدمات اقتصادية كبرى، سجّل الدولار الأمريكي أسوأ أداء نصف سنوي له منذ أوائل السبعينيات، متراجعًا بما يقارب 11% خلال النصف الأول من عام 2025.
هذا الهبوط لم يشهده العالم منذ عام 1973، العام الذي انهار فيه نظام "بريتون وودز" وبدأت العملات تتداول بحرية في الأسواق.
ومع أن العملة الأمريكية لطالما كانت رمز القوة الاقتصادية العالمية، إلا أن المؤشرات الحالية توحي بأن الطريق أمامها بات محفوفًا بالتحديات، وربما أمام مرحلة ممتدة من الضعف.
هبوط غير مسبوق يثير تساؤلات المستثمرينخلال العقد الأخير، شهد الدولار فترات ضعف متفرقة، لكنها لم تكن بهذا العمق أو الحدة.
هذه المرة، يعتقد محللون في "وول ستريت" أن التراجع قد يكون بداية مسار طويل من الهبوط، لا مجرد تصحيح عابر. التوقعات التي كانت في السابق تميل لعودة الدولار إلى الصعود، انقلبت لتصبح أكثر حذرًا، بل إن بعض الخبراء يرون أن المشهد الحالي يفتح صفحة جديدة في تاريخ العملة الأمريكية.
عوامل ضغط متشابكة: الفائدة، التحوط، والسياسةيشير خبراء الاقتصاد إلى أن عدة عوامل تتآمر على الدولار في الوقت نفسه. أبرزها التوقعات القوية بقيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، وهو ما يضعف جاذبية العملة الأمريكية أمام المستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى.
كما أن سياسات التحوط التي يتبناها المستثمرون الدوليون، خصوصًا بعد أداء قوي للأسهم العالمية، تضع ضغطًا إضافيًا على العملة.
ولا يمكن إغفال ما يصفه البعض بـ"السياسة الضمنية لضعف الدولار" التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف دعم الصادرات وجعل المنتجات الأمريكية أكثر تنافسية.
التحوط الأجنبي.. من الحذر إلى الاستنزافبعد الأزمة المالية عام 2008، اندفع المستثمرون حول العالم نحو الأسواق الأمريكية، ما رفع الطلب على الدولار وأدى لسنوات من القوة المستمرة.
لكن مع تغير الظروف، بدأ هؤلاء في إعادة النظر، خاصة مع ارتفاع عوائد الأسواق العالمية الأخرى وتزايد الضبابية بشأن سياسات واشنطن التجارية.
يقول أحد الاستراتيجيين الماليين: "المستثمرون الأجانب الذين لديهم تعرض كبير للدولار سيواصلون التحوط، لكن هذا سيصبح عملية استنزاف مستمرة".
وعلى الرغم من أن عمليات البيع الجماعي للأصول الأمريكية لم تحدث بعد، إلا أن علامات الحذر تتزايد، كما أظهرت مزادات الخزانة الأخيرة وتقارير وزارة الخزانة الأمريكية.
تخفيضات الفائدة تلوح في الأفقفي وقت سابق من هذا العام، كان التوقع السائد أن رسوم ترامب الجمركية قد تثير موجة تضخم جديدة، لكن البيانات لم تُظهر ذلك بعد.
ومع استمرار تباطؤ التضخم وسوق العمل، يترقب المتداولون خطوة من الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، ربما في سبتمبر المقبل، وهو ما سيشكل ضغطًا إضافيًا على الدولار، ويعزز توجه المستثمرين نحو عملات وأصول أخرى.
إدارة ترامب وسياسة الدولار الضعيفرغم أن إدارة ترامب لم تصدر إعلانًا رسميًا عن تبني سياسة إضعاف الدولار، إلا أن تصريحات مسؤولين في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تكشف أن مسألة العملة كانت حاضرة في محادثاتهم مع البيت الأبيض.
ضعف الدولار قد يمنح ميزة للصادرات الأمريكية ويعزز أرباح الشركات الكبرى، خاصة تلك التي تحقق جزءًا كبيرًا من إيراداتها خارج الولايات المتحدة.
استراتيجيون في "مورغان ستانلي" أكدوا أن "ضعف الدولار يمثل دافعًا غير مقدر لأرباح الأسهم الأمريكية"، مشيرين إلى أن الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة قد تكون المستفيد الأكبر من هذا التوجه.
الدولار… لا يزال سيد العملاترغم التراجع، يبقى الدولار العملة الاحتياطية الأهم في العالم، بفضل مزيج من الشفافية والسيولة والبيئة السياسية المستقرة في الولايات المتحدة.
وحتى مع تزايد الدعوات لتنويع الاحتياطيات نحو اليورو أو اليوان أو الذهب، يرى المحللون أن الأمر لا يتعدى كونه تنويعًا نسبيًا، لا استغناءً كاملاً عن "الدولرة".
تتفوق سوق السندات الأمريكية من حيث الحجم والعمق على نظيراتها العالمية، ما يجعلها الخيار الأول للمستثمرين الباحثين عن أمان وعوائد مجزية، وهي ميزة لا تزال عصية على المنافسة.
تحولات قد تعيد رسم الخريطة المالية العالميةأكد الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن هذا الانخفاض القياسي يعكس اضطرابًا مزدوجًا في الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
ويرى أن مزيجًا من السياسات النقدية المتقلبة، وضغوط التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، إلى جانب بحث الأسواق عن بدائل أكثر أمانًا، كلها عوامل تضافرت لدفع الدولار نحو هذا المصير.
ويحذر الشامي من أن استمرار هذا المسار سيجعل البنوك المركزية والمستثمرين حول العالم يعيدون التفكير في اعتمادهم على الدولار كعملة احتياطية رئيسية، ما قد يمنح اليورو أو اليوان الصيني مساحة أكبر للهيمنة على المشهد المالي العالمي.
جرس إنذار لصناع القرار في واشنطنيشدد الشامي على أن هذا التراجع الحاد يجب أن يدفع واشنطن لإعادة تقييم سياساتها النقدية والمالية، ووضع استراتيجيات أكثر توازنًا لحماية قوة العملة والحفاظ على ثقة الأسواق.
كما يرى أن هذه الأزمة قد تفتح الباب أمام تحولات هيكلية في النظام النقدي العالمي، حيث يمكن أن نشهد توجهًا متزايدًا نحو تنويع الاحتياطيات الدولية، وتقليل الاعتماد المفرط على الدولار، بل وحتى بروز تكتلات نقدية إقليمية لمواجهة التقلبات.
منذ عقود، كان الدولار رمزًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وأداة أساسية لتأثير واشنطن على الاقتصاد العالمي. اليوم، ورغم أنه ما زال يحتفظ بمكانته، إلا أن التحديات التي يواجهها تفرض على الولايات المتحدة إعادة التفكير في سياساتها، ليس فقط لحماية العملة، بل للحفاظ على موقعها في قلب النظام المالي الدولي.
قد لا يكون هذا الانخفاض نهاية حقبة الدولار، لكنه بلا شك بداية فصل جديد، سيحدد ما إذا كانت هذه العملة ستبقى القائد بلا منازع، أم ستشاركها الساحة قوى نقدية أخرى صاعدة.