مدريد ـ تحولت القضية الفلسطينية إلى ملف داخلي ساخن يهز أركان الحكومة الإسبانية، فالمواقف الجريئة التي تبناها رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لدعم فلسطين، من الاعتراف بدولتها إلى التنديد بـ"الإبادة الجماعية"، لم تنجح في لجم تصدعات الائتلاف الحاكم، بل فتحت أبواب مواجهة جديدة داخل المعسكر اليساري، حيث تسعى أطراف متعددة إلى تسجيل نقاط سياسية من بوابة غزة.

ومع تفاقم قضايا الفساد التي تضرب الحزب الاشتراكي العمالي، دخلت مكونات الحكومة في سباق محموم على "احتكار سردية فلسطين"، وسط اتهامات من حلفاء أمس لسانشيز بالاكتفاء بالرمزية وغياب الإرادة الحقيقية، لتتحول غزة من قضية خارجية إلى ساحة صراع داخلي تهدد استقرار الحكم في مدريد.

فحليف سانشيز السابق، حزب "بوديموس" اليساري، والذي كان شريكا رئيسيا في تشكيل الائتلاف الحكومي، تحول إلى منتقد لاذع له. وفي هذا السياق، صرحت الأمينة العامة للحزب، إيون بيلارا، بأن "دورة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قد انتهت"، متهمة إياه بعدم تحمل المسؤولية الكاملة، واتخاذ مواقف "رمزية فقط" تجاه الإبادة الجماعية في غزة.

جاء ذلك عقب اجتماع مجلس مواطني الولاية التابع لحزب "بوديموس"، حيث وجهت بيلارا انتقادات حادة للحكومة بشأن ما اعتبرته سلسلة من القرارات الخاطئة خلال العامين الماضيين، تزامنا مع الكشف عن قضايا فساد طالت شخصيات بارزة في الحزب الاشتراكي العمالي.

قضايا فساد طالت شخصيات بارزة في الحزب الاشتراكي العمالي (الجزيرة) استكمال المدة

ورغم هذه التحديات، أكد سانشيز عزمه على استكمال ولايته الممتدة حتى عام 2027، واعدا بتحقيق داخلي شفاف بشأن شبهات الفساد.

ويصف الإعلام الإسباني سانشيز بـ"الرجل الصامد" أو "الناجي"، بالنظر إلى قدرته على تجاوز أزمات سابقة، أهمها حين وصل إلى الحكم عام 2018 بعد تصويت برلماني بحجب الثقة عن رئيس الحكومة السابق ماريانو راخوي، إثر قضايا فساد طالت الحزب الشعبي المحافظ.

وفي ولايته الأولى، شكل سانشيز حكومة أقلية بدعم من "بوديموس" وأحزاب قومية من إقليمي الباسك وكتالونيا، وبعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لم يتمكن حزبه من نيل الأغلبية المطلقة، فعاد إلى عقد تحالف مع "بوديموس" تحت اسم "الحكومة التقدمية"، مدعوما من أحزاب إقليمية صغيرة امتنعت عن التصويت ضده.

وبعد فوزه بأغلبية ضئيلة، تولى سانشيز رئاسة الحكومة الائتلافية الثانية في يناير/كانون الثاني 2020. إلا أن نتائج الانتخابات المحلية في مايو/أيار 2023، التي جاءت مخيبة للحزب الاشتراكي لصالح أحزاب اليمين، دفعته إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات عامة مبكرة.

إعلان

وفي انتخابات يوليو/تموز 2023، لم يحصل أي حزب على الأغلبية، غير أن سانشيز استطاع، رغم احتلاله المركز الثاني بعد الحزب الشعبي، أن يشكل حكومة جديدة بدعم من تحالف "سومار" الذي يضم منشقين عن "بوديموس" وأحزابا يسارية أخرى، إلى جانب الأحزاب القومية، وحصل بذلك على ثقة البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

إلا أن اندلاع الحرب على غزة بعد فترة قصيرة، أظهر تباينا حادا في مواقف مكونات الحكومة الائتلافية، وفتح المجال لتحويل الملف الفلسطيني إلى ساحة تنافس داخلية بين القوى اليسارية.

رمز أيديولوجي

وتقول الباحثة في العلاقات الدولية بجامعة "كومبلوتنسه" في مدريد أمل أبو وردة، للجزيرة نت، إن "القضية الفلسطينية تحولت إلى رمز أيديولوجي داخل المشهد السياسي الإسباني، خاصة في أوساط اليسار، حيث أصبحت تمثل اختبارا لصدق الشعارات التقدمية"، مشيرة إلى أنها "معيار للاتساق الأخلاقي وأداة للتنافس على قيادة المعسكر اليساري".

في هذا الإطار، اتخذت حكومة سانشيز خطوات حازمة، كان أبرزها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في 28 مايو/أيار 2024، إلى جانب أيرلندا والنرويج، وهو ما وصفه سانشيز بأنه "قرار تاريخي" يعزز فرص السلام، كما استضافت إسبانيا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في سبتمبر/أيلول الماضي، وحل سانشيز ضيفا على القمة العربية في بغداد في مايو/أيار الماضي، ودعا خلالها إلى عقد مؤتمر سلام أممي، وإنهاء الحصار على غزة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن سانشيز خلال لقائه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى تخصيص 75 مليون يورو لدعم السلطة الفلسطينية على مدار عامين عبر الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي.

أما على الصعيد الأوروبي، فقد دعت إسبانيا إلى تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وطالبت بحظر تصدير الأسلحة إليها، وسحب الدعم المالي الأوروبي. كما دعمت إسبانيا الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، وشاركت في مبادرة مشتركة تطالب المحكمة بتقييم قانونية الحصار المفروض على غزة.

ولم يتردد سانشيز في وصف ما يجري بغزة بأنه "إبادة جماعية"، إن "غزة تنزف أمام أعيننا"، وإن التواطؤ مع هذه المجازر "خيانة للقانون الدولي"، في تصريح أثار جدلا واسعا وألقى ظلالا على العلاقات بتل أبيب.

ساحة تنافس حزبي

لكن، ومع تفجر فضائح الفساد في صفوف الحزب الاشتراكي، أصبح التوتر داخل الحكومة أكثر وضوحا. فحليف سانشيز، تحالف "سومار"، بدأ يأخذ مسافة منه، وسعى لإظهار نفسه صاحب الفضل في اتخاذ بعض الخطوات الداعمة لفلسطين، الأمر الذي وضعه في مرمى الانتقادات من الداخل والخارج.

وتوضح أبو وردة أن "سومار حاول أن ينسب لنفسه الفضل في بعض المواقف الرمزية، قائلا إنها جاءت من ضغط وزرائه داخل الحكومة، لكنه وجد نفسه في موقع حرج، بين التمايز عن الاشتراكيين وعدم الرغبة في تفجير الائتلاف".

في المقابل، يواصل حزب "بوديموس" تبني مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، مطالبا بفرض عقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية، متهما الحكومة بالاكتفاء بالتصريحات دون اتخاذ خطوات ملموسة، مما منحه هامش تحرك أوسع في الفضاء السياسي كونه خارج التشكيلة التنفيذية.

إعلان

وتختتم أبو وردة حديثها للجزيرة نت، إن القضية الفلسطينية أصبحت "ساحة مركزية لاختبار صدقية الخطاب التقدمي داخل اليسار الإسباني، ومعيارا حاسما لمن يمتلك زمام المبادرة داخله"، مشيرة إلى أن "استمرار التصعيد الداخلي قد يؤدي إلى انهيار التوازن داخل الحكومة الائتلافية، ويفتح الطريق لمعركة سياسية واسعة في مستقبل اليسار الإسباني، ومن يمتلك ثقة قاعدته الشعبية في قضايا العدالة الدولية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القضیة الفلسطینیة الحزب الاشتراکی داخل الحکومة

إقرأ أيضاً:

Xiaomi AI Glasses.. أول نظارة ذكية من شاومي تنافس نظارات فيسبوك

أعلنت شركة شاومي، رسميا عن دخولها عالم النظارات الذكية المعززة بالذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال طرح أول إصدار لها تحت اسم Xiaomi AI Glasses، وهي نظارات خفيفة الوزن 40 جراما، تجمع بين الكاميرا والتفاعل الصوتي والتكامل مع الأجهزة الذكية، في تصميم يبدو أقرب إلى النظارات العادية.

مميزات نظارة شاومي Xiaomi AI Glasses

تأتي نظارات شاومي Xiaomi AI Glasses مزودة بكاميرا بدقة 12 ميجابكسل تتيح تصوير فيديو بجودة 2K بمعدل 30 إطارا في الثانية، كما تم تزويدها بخمسة ميكروفونات تتيح أوامر صوتية دقيقة، وتسجيل الصوت، وإجراء مكالمات الفيديو.

شاومي تكشف عن جهاز لوحي اقتصادي بمواصفات مدهشة وسعر رائعجهاز لوحي خارق يغزو الأسواق.. مواصفات شاومي Pad 7S Pro

تدعم الكاميرا ميزة التثبيت الإلكتروني للصورة EIS، ويمكن تشغيلها عبر الأوامر الصوتية باستخدام المساعد الذكي "Super Xiao Ai"، أو من خلال زر مادي موجود على جانب النظارة. 

ويمكن استخدامها لتصوير الصور والفيديو دون استخدام اليدين، أو حتى للبث المباشر، مع إضاءة برتقالية تظهر لتنبيه الآخرين أثناء التسجيل حفاظا على الخصوصية.

تبدو نظارات شاومي الذكية أقرب ما تكون إلى النظارات التقليدية، وتتوفر بثلاثة أنماط تصميمية للإطارات، كما تأتي بخيارات عدسات ملونة أو كهرومعتمة، وتتيح الأخيرة تغيير درجة التعتيم عبر تمرير إصبعين فوق العدسة، إلى جانب 4 مستويات لضبط السطوع.

نظارة شاومي Xiaomi AI Glasses

وصممت النظارات خصيصا لتناسب ملامح الوجه الآسيوي، بالاعتماد على بيانات تم جمعها من أكثر من 70 ألف مسح ضوئي للوجه، ويستخدم في تصنيعها إطار من النايلون خفيف الوزن مع مفصلات من سبائك التيتانيوم عالية الجودة.

تتكامل نظارات Xiaomi AI Glasses بشكل كامل مع منظومة شاومي للأجهزة الذكية، حيث يمكن استخدامها كـ مركز تحكم للأجهزة المنزلية، مثل تعديل درجة حرارة المكيف، أو فتح قفل الباب، أو حتى إجراء مدفوعات عبر أوامر صوتية مثل: "شياو آي، امسح رمز الدفع".

كما تدعم النظارات 14 تطبيقا خارجيا حتى الآن، وتشمل ميزات مثل البث المباشر، الترجمة الفورية حتى 10 لغات، والتعرف اللحظي على الأشياء والنصوص.

يمكن للنظارات تسجيل فيديو بشكل متواصل لمدة 45 دقيقة، أو تشغيل الموسيقى لمدة 7 ساعات بالشحنة الواحدة، وتحتوي على منفذ USB-C يتيح الشحن أثناء الاستخدام.

تبدأ أسعار Xiaomi AI Glasses من 1999 يوان (نحو 275 دولارا)، بينما يصل سعر إصدار العدسات الكهرومعتمة إلى 2699 يوان (370 دولارا)، وسعر الإصدار المتقدم بعدسات كهرومعتمة ملونة إلى 2999 يوان (410 دولارات)، وتتوفر خدمة ضبط المقاسات إما عبر الإنترنت أو من خلال شركاء شاومي البصريين.

جدير بالذكر أن بعض وظائف نظارة شاومي لم تفعل بعد، مثل ميزة الدفع الآمن عبر رمز الاستجابة السريعة QR، والتي ينتظر أن تصل في تحديث هوائي OTA من المقرر إطلاقه في أواخر سبتمبر المقبل.

نظارة شاومي Xiaomi AI Glasses طباعة شارك شاومي النظارات الذكية Xiaomi AI Glasses نظارات شاومي

مقالات مشابهة

  • Xiaomi AI Glasses.. أول نظارة ذكية من شاومي تنافس نظارات فيسبوك
  • غزة أم سياسات ترامب.. كيف فاز ممداني بالترشح لمنصب عمدة نيويورك؟
  • موقع أميركي: المرشح لرئاسة بلدية نيويورك زهران ممداني يثبت أن إسرائيل "نمر من ورق"
  • «ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية واضحة».. أقوى رد من مصطفى بكري على الإرهابي بن جفير
  • زهران ممداني.. مرشح الهامش يقلب معادلة النخبة في نيويورك
  • «إغاثة غزة»: العشائر الفلسطينية وفرت الحماية لقوافل المساعدات بالقطاع
  • أردوغان يفتح النار على المعارضة: “لا تنتهي المعارك داخل حزب الشعب الجمهوري”
  • مذكرات في القضية الفلسطينية.. كتاب منهجي يعيد قراءة الصراع بعيون إسلامية
  • الحكومة: سنوفر مساكن بديلة لمستأجري الإيجار القديم