الديمقراطيات الغربية الكريستالية سريعة العطب
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
تواجه الديمقراطيات الغربية، ومنذ بدايات تشكلها، معضلات صعب عليها تخطيها، أو معالجتها ضمن الأدبيات التي صاغتها بنفسها للتوصل إلى «مثالية» الحكم والسلطة من ناحية، والتعامل مع الإنسان «المواطن» والإنسان الآخر بمعيار واحد.
فبالنسبة لبناء «الدولة الأمة» التي اعتمدت على بناء المؤسسات من أحزاب، ونقابات، وجمعيات المجتمع المدني، وعلى التفاعل بينها الذي يؤدي للوصول إلى السلطة سلميا ضمن أدبيات نظرية متفق عليها صيغت بأفكار منظريها وطبقت بثورات شعوبها، بدءا بالثورة الفرنسية، وثورة كرومويل في بريطانيا، وثورة الشاي في أمريكا، وخاصة الثورة الأوروبية لعام 1848 التي انطلقت من فرنسا وعمت الدول الأوروبية وكانت بمثابة بداية التغير من أنظمة أحادية، إلى أنظمة دستورية، مع إلغاء الإقطاعية وسقوط بعض الملكيات، تظهر هشاشة أدبياتها وسلوكها الخارجي وتعاملها مع الآخر.
الثورات التي نادت بأدبيات أخلاقية لم تحترم بالضرورة تحقيق الأهداف المنشودة
فالثورات التي نادت بأدبيات «أخلاقية» كالحرية، والعدالة، والمساواة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، لم تحترم بالضرورة تحقيق الأهداف المنشودة على مستوى الدولة ـ الأمة، ولا على المستوى في التعامل مع «الآخر» (الشعوب الأخرى).
فالثورة الفرنسية التي أسقطت ملكية (آل بوربون) شهدت بعدها مباشرة نظام روبسبير الديكتاتوري الدموي، ثم امبراطورية بونابرت، ثم عودة الملكية مرة أخرى. (تماما كما حدث في ثورات الربيع العربي التي انطلقت ضد الديكتاتوريات فأنجبت ديكتاتوريات جديدة).
كما أن الثورات الأوروبية في نظرتها للآخر (الشعوب الأخرى) أو ما تم إطلاق مصطلح «العالم الثالث» عليها كانت نظرة استعمارية، استبدادية، ومعها بدأت «الفترة الكولونيالية» الدموية، لاستعمار الشعوب.
فالثورة الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر، أفرزت أول حملة استعمارية قادها نابليون بونابرت إلى مصر، ومنها كانت تهدف (باستراتيجية مبكرة) إسقاط السلطنة العثمانية، علاوة على قطع الطريق على غريمتها الأبدية بريطانيا للوصول إلى مستعمراتها في الهند.
الدول الغربية التي استطاعت أن تطور أنظمتها السياسية للوصول إلى أنظمة ديمقراطية تؤمن بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ارتكبت هذه الديمقراطيات، للسيطرة على شعوب أخرى، أكبر المجازر وأبشع أنظمة القمع وخاصة في إفريقيا وآسيا، ونهب ثرواتها، ثم المجازر المروعة في الشعوب التي انتفضت للمطالبة بحريتها ودحر الدول المستعمرة، كما حصل في الهند وثورة اللاعنف الغاندية، والصين الماوية، وفيتنام هوشي منه (إبان الاستعمار الفرنسي) والجزائر وجيش التحرير، وسواها.
وهذه النظرة لم تختلف إلى اليوم رغم تغطيتها بغلالة شفافة من مقولة «حقوق الإنسان» و«العدالة الدولية» كما فعلت أمريكا في فيتنام (التي ورثتها عن فرنسا) وبنما، وأفغانستان، والعراق، ودعمت كل الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية والبلاد العربية في الوقت الذي تبرر فيه غزواتها بأنها لنشر «الديمقراطية».
كما أن هذه الديمقراطيات افتعلت حربا عالمية أولى لإسقاط الإمبراطورية العثمانية، والهنغارية ـ النمساوية والسيطرة على تركتهما كما حصل في بلدان الشرق الأوسط، والبلقان، وقامت بريطانيا بهندسة أكبر عملية استعمارية استيطانية في القرن العشرين في فلسطين.
كما أن هذه الديمقراطيات التي يمكن تشبيهها «بآنية الكريستال اللماعة لكنها سريعة العطب» يمكن أن تتحول هي نفسها إلى ديكتاتوريات عاتية كما حصل في اليونان والبرتغال وإسبانيا التي ارتكبت فيها مجازر كبيرة خلال الحرب الأهلية، كما حصل أيضا في إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية التي كانت سببا في الحرب العالمية الثانية المدمرة، وحكومة فيشي الفرنسية التي تحالفت مع ألمانيا النازية التي قامت بالمحرقة اليهودية، التي سرّعت هجرة اليهود إلى فلسطين.
وتتبنى هذه الديمقراطيات الغربية مقولة أن حضارتها هي حضارة يهودية ـ مسيحية وتتغاضى عن كون هذه الحضارة بنيت في جزء كبير منها من الحضارة العربية الإسلامية باحتكاكها مع العرب في فلسطين إبان الحملات الصليبية، والأندلس في أوج تقدمها وخاصة في قرطبة.
المادة الثالثة من معاهدة لشبونة 2007 للاتحاد الأوروبي التي تدعم بوضوح «حقوق الإنسان وسيادة القانون، ليس فقط في فضاء الاتحاد، بل وأيضا في العالم أجمع» يتم اليوم عدم احترام هذه المعاهدة من قبل معظم دول الاتحاد الموقعة عليها وعلى رأسها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا لمجرد أن المسألة تتعلق اليوم بإسرائيل التي ومنذ نشأتها كانت كواحدة من العمليات الاستعمارية الحديثة الأكثر دموية وانتهاكا لكل «الأدبيات الأخلاقية» التي صاغتها الدول الغربية لنفسها وتعهدت باحترامها على المستوى المحلي والدولي.
الاتحاد اليوم منقسم على نفسه إزاء ما تقوم به دولة إسرائيل الاستعمارية
فالاتحاد اليوم منقسم على نفسه إزاء ما تقوم به دولة إسرائيل الاستعمارية التي ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة، وحول دولة فلسطين، وعودة اللاجئين رغم كل القرارات الأممية وتوصياتها. وهذه السياسة لا تتسق مع الإجماع الأوروبي والأممي لحق الشعوب في تقرير مصيرها. فدول كإسبانيا، وبلجيكا، وايرلندا، والنرويج المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، يتضارب موقفها مع الدول الأخرى التي تبنت سياسة المراوغة أو الصمت.
وخلال 75 سنة من الاحتلال، وارتكاب المجازر، وعدم احترام القوانين الدولية، وارتكاب جرائم «إرهاب الدولة» لم تحرك هذه الديمقراطيات ساكنا بل وأنها لم تستمع حتى لصراخ شعوبها الذين يتظاهرون بشكل أسبوعي للتنديد بسياساتها تجاه ما يجري في فلسطين.
كما تقدم الدول الغربية نفسها كأمم متقدمة وراعية للديمقراطية، حاولت إسرائيل أن تخدع العالم أيضا بأنها الدولة الديمقراطية النموذجية في شرق أوسط تحكمه ديكتاتوريات «متوحشة، ومتخلفة» وتسعى «لرمي اليهود في البحر» وأن «جيش الدفاع الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم» ورغم أن قرار التقسيم الدولي رقم 181 الذي ينص على إنشاء الدولتين، الذي تم الاتفاق عليه حتى قبل الشريكتين في اتفاقية سايكس ـ بيكو، لم تحركا ساكنا عندما قامت العصابات الصهيونية باحتلال كل فلسطين، بل وقامتا بتسليح إسرائيل وتزويدها (من قبل فرنسا بمفاعل نووي) لصنع قنبلتها النووية، التي طالب أحد وزراء بنيامين نتنياهو بإلقائها على غزة.
بينما يحرم الغرب على دول أخرى امتلاك هذا السلاح فتدمير مفاعل تموز العراقي، والمشروع السوري لم نسمع أي ردة فعل من هذه الدول على هذه الاعتداءات. واليوم أمريكا وإسرائيل مستعدتان لافتعال حرب عالمية إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا.
ومنذ بداية الأحداث في غزة قامت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بجسر جوي وبحري غير منقطع من الذخائر والأسلحة، ومنها قنابل تزن طنا أسقط منها المئات على رؤوس النساء والأطفال في غزة، وبسلسلة من حق النقض «الفيتو» ضد أي قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار، وكذلك ألمانيا التي سمحت بتصدير الذخائر إليها، ورغم أن محكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارا بوقف المجازر اللاإنسانية بحق الفلسطينيين فإن دولة الاحتلال ضاعفت من مجازرها وضربها عرض الحائط بقرار المحكمة.
وهذه الدولة التي تقدم نفسها بالديمقراطية الخلاقة تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والقضاء على الأونروا للتخلص من حق العودة. تقول مي غيلان وزيرة المساواة الاجتماعية في حكومة نتنياهو «إنها فخورة بتدمير غزة وقتل الأطفال» وتتهم عناصر حماس «بقطع رؤوس الأطفال اليهود واغتصاب النساء» التي تم التحقق بأنها ادعاءات باطلة، في الوقت الذي تقول فيه لجنة للأمم المتحدة: «أن ادعاءات الاعتداءات الجنسية الإسرائيلية على النساء الفلسطينيات ذات مصداقية» وخاصة في السجون الإسرائيلية حيث تقوم دولة الاحتلال بتعذيب الأسرى الفلسطينيين وقتلهم واغتصاب النساء السجينات.
بل وتكشف منظمات إنسانية أن مئات الفلسطينيين وجدوا بدون أعضاء لأنها تعرضت للسرقة من قبل الإسرائيليين. وإزاء كل هذه الجرائم التي ترتقي إلى الإبادة الجماعية لم يجد جو بايدن الذي استخدم الفيتو ضد وقف حرب الإبادة أمامه سوى الرئيس فلاديمير بوتين ليصمه «بالمجنون» و«ابن الزانية» بسبب حربه في أوكرانيا ليرد عليه بأنها عقلية «رعاة البقر» التي لا تزال سائدة. بينما تقول وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أنها «غير مصدومة بأعداد القتلى في غزة». هذه هي أخلاق من يدعون بأن دولتهم أول ديمقراطية في العالم، وتريد نشرها بالقوة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الولايات المتحدة الولايات المتحدة غزة الاحتلال الاتحاد الأوروبي العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کما حصل فی غزة
إقرأ أيضاً:
التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا
في منتصف تسعينات القرن المنصرم كان الباعة الصينيون يقفون قبالة الشوارع الرئيسية في العاصمة السودانية الخرطوم، يعرضون دهان الفيكس الرخيص بلا ثمن يذكر، حتى بدا وكأن ذلك نوع من التسول اللطيف، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا مجرد طليعة كشفية لأنماط الثقافة الشرائية، هنا وفي معظم البلدان الإفريقية، أو بالأحرى مستعمرون جدد تزحف خلفهم مطامع اقتصادية بلا حدود.
وإن كانت تلك الشركات الصينية أمثال عمالقة النفط “سينوبك” و”كيونت” و”هاير” والمصانع المزدهرة في مقاطعة شاندونج وعلى ميناء غوانزو، وكذلك شركات الأسلحة والمسيّرات الصينية تستعمل استراتيجية تسويق عابرة للحدود، فإنها تسعى وبقوة لالتهام القارة السمراء بالكامل عما قريب.
على مدى أكثر من أربعة عقود تقريباً رقصت قاعة الشعب العظمى في بكين على وقع خطابات حكام الصين الشيوعيين، وكانت هذه الخطابات تترافق مع تصفيق مجازي للقائد ماو تسي تونغ، مدير الدفة العظيم، والملهم الأزلي للتجربة، وشيئاً فشيئاً فقدت قاعة الشعب بريقها الاشتراكي، ليظهر جيل جديد لا تستهويه الروح الأيديولوجية بأي حال، فكل ما يهمه الخروج إلى العالم وتأمين الازدهار الاقتصادي الكبير. كما لا يجب إغفال ملاحظات الاصلاحي دينغ زياوبينغ في بداية التسعينيات، حول عدم إمكانية الصينيين أن يصبحوا أثرياء جميعاً علامة سياسية مهمة، معتبرًا اللامساواة كثمن للتقدم، وقد أدرك دينغ أن القوة والثراء لا يتحدران ببساطة من داخل الحدود الوطنية للصين، فأطلق العنان لشركات بلاده لتقوم بالمهمة.
لبكين وبقايا مكونات الماركسية الماوية المحسنة أكثر من مدخل للتعامل مع الدول الإفريقية، فهى تختار صداقاتها بعناية، وتبني علاقتها مع دكتاتوريات قابضة، وعلى قطيعة مع العالم الليبرالي، مثل الرؤساء المتهمين بقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان، ضيوف محافل الإدانات السنوية في مجلس الأمن، وهؤلاء بالنسبة للصين صيد سهل التعامل معه. فهي من جهة تملك امتياز استخدام الفيتو لصالحهم، ومن جهة أخرى تمثل لهم طوق نجاة اقتصادي، فتنعم على الحكومات الإفريقية بالقروض الميسرة، والتسهيلات الائتمانية ومشروعات التنمية، من موانئ وسكك حديدية ومطارات، لكن ما هو المقابل؟
لا بد عن إلقاء نظرة قصيرة حول ما تقوم به الصين من نشاط اقتصادي هائل في أفريقيا. فهى تستثمر في كل شيء تقريبًا، وقد وصل حجم التبادل التجاري بينها والقارة الأفريقية نحو ثلاثمائة مليار دولار في العام 2015، فيما تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط في الصين من امتلاك حصصٍ ضخمة في إفريقيا، تصل إلى 40% من مؤسسة النيل الأعظم للنفط، التابعة للحكومة السودانية، خلافاً لاستثمارات نفطية مُشابهة في جنوب أفريقيا، أثيوبيا، وأنغولا، وقد رفع منتدى التعاون الصيني الإفريقي الأخير وتيرة طموحات الرؤساء الأفارقة، والذين يواجهون مشاكل اقتصادية جمة، ولربما جعل منهم المنتدى منطلق لغزوات جديدة في أوطانهم، تعبر الصين فوق أحلامهم الصغيرة إلى حلمها الكبير.
إذًا وكما يبدو فإن الرباط الخانق الذي تضعه أمريكا والدول الأوربية حول رقاب الرؤساء الأفارقة، تحاول الصين بخبث حماية مدى إحكامه، دون تخليصهم منه نهائياً، حتى تحتفظ بهم تحت رحمتها، على الدوام، وفي حالة خوف ورغبة بالتنازل عن كل شيء مقابل الحُكم الأمن، وهنا يمكن للصين أن تحصل على ما تريد بسهولة.
بينما لا أحد يعلم بالضبط كم هى ديون الصين على الحكومة السودانية مثلاً، فالأرقام تتفاوت ما بين 5 إلى 7 مليار دولار، لكن ثمة جدل حول جدولة تلك الديون، وفشل في الإيفاء بها، أرغم حكومة الخرطوم للإذعان لكل شروط التسديد من جهة الصين، وذلك بعد زهاء عقود من التعاون الغامض، وابتداع آلية النفط مقابل المشروعات.
بمجازفة قليلة في الظن، يمكن القول أن تلك الديون مقصودة في حد ذاتها، وأن إغراق دول إفريقية بها هو هدف للوصول إلى هدف أكبر، غالباً بجعلها رهينة لإمداد نفطي دائم، وامتلاك أراضي استثمارية واسعة، قد تتحول بسببها إفريقيا في يوما ماء إلى أملاك إقطاعية خاصة بالتنين الصيني، أو مستعمرة تحت عيون الصين.
“العالم بأسره مسرح، وكل الرجال والنساء يؤدون دورهم فحسب” كانت تلك استعارة لائقة لشكسبير، ولكنها لن تحد من رغبة الصين في احتلال هذا المسرح الاقتصادي لأطوال فترة في المستقبل، وقد أدارت، أي الصين، عجزًا تجاريًا هائلاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنها تمتص بشراهة مواد أولية ونصف منجزة، وتركز بصورة أساسية على النفط والعقود الطويلة في إفريقيا والشرق الأوسط.
ذلك التوسع التجاري والسيطرة على اقتصاد العديد من الدول النامية، يمكن في يوماً ما أن يحول بكين إلى حلقة حاكمة في السياسة الدولية، وبينما تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية قبل أعوام عن تجسس الصين على مقر الإتحاد الإفريقي لم تعبأ بكين بذلك ونفته، رغم أنه قد يكون صحيحاً، فهو أيضاً تسريب مفهوم في سياق التنافس الشره بين فرنسا والصين، وشعور الأولى بخسارات مستعمراتها القديمة من خلال الزحف الصيني عليها. لكنها مع ذلك لم تسفر الصين عن دوافع ظاهرة للهيمنة، فقط تسعى لتمكين شركاتها، وكل ما يهمها أن يتخلى أصدقائها الجدد عن تايوان، العدو اللدود، ولذا قطعت معظم الدول الإفريقية علاقتها بتايوان لضمان وصلها ببكين.
يحب القادة الأفارقة الصين، وتحبهم الصين بقسوة، فهي على الأقل لا تقض مضاجعهم بكوابيس مطالب “التداول السلمي للسُلطة”، كما أنها لا تبدو مشغولة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تتدخل في شؤون الحكم والسياسات الداخلية، ما يعني أنها النموذج المريح للتعامل، والذي لا يكسر بخاطر أحد، ومن هنا تقريباً تخلقت وشائج المنافع المتبادلة، كلغة وحيدة للتفاهم.
ولعل الصين التي تعتمد على إفريقيا في توفير ثلث مواردها النفطية طرحت نفسها كعاشق بديل، يبذل في سبيل مصالحه كل ما يمكن أن يداوي جراح صندوق النقد الدولي، والعقوبات الأمريكية، وتحاول أيضاً أن تغطي على كوارث الاستعمار القديم، بما يمكن أن يمنح الشعوب الإفريقية شعوراً بالزهو والتحرر، ولتحقيق ذلك عاودت فتح ممرات طريق الحرير القديم عبر المحيطات، كما لو أنها تبحث عن سلالة مينغ التي تزاوجت مع قبائل إفريقية قبل مئات السنين.
من المهم إدراك أن أكثر ما ينمي مشاعر القلق أن أفريقيا أصبحت مكباً للبضائع الصينية الرديئة، بينما خطوط الإنتاج الأولى تبقى من نصيب شمال الكوكب، والتي تعبر بخفة مقاييس الجودة والمواصفات، حتى أنه يمكن لجهاز آلكتروني أن ينفق في يدك خلال ساعات، دون أن تتوقف عمليات الشراء. وتحولنا نتيجة لذلك إلى مستهلكين شرهين، نؤمن حاجة الصين إلى خطوط إنتاج جديدة وفرص عمل لشعبها كل يوم، دون أن نعبأ بخساراتنا المديدة، وهذا باختصار مزعج بعض ما يمكن أن يقال عن اللعبة الاقتصادية الصينية.
عزمي عبد الرازق