بيعة الموت.. كيف واجه “35” من أبطال الحرس الرئاسي في السودان جحيم ساعة الصفر؟ “الحلقة الثانية”
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
“٧”
قُبيل ساعات قليلة من الهجوم على بيت الضيافة، كانت الفنانة هادية طلسم تؤدي وصلة غنائية معطونة في الشجن، تّهُش الحُزن المُتراكم على أمواج النيل، وكان الحضور البهي على موعد مع إفطار الفريق شمس الدين الكباشي، المُنتظِم يومها في نادي النيل العالمي، المُزدهي بكل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والعسكري، عدا حميدتي وشقيقه، إذ تغيبا لسببٍ غامض، أو لجفوة أسفرت عن الشرخ في العلاقة، كما سنرى.
أطلّ البرهان حينها برفقة حراسة محدودة جداً، لا تنبئ بأنه يعرف ما تخبئه له الأقدار، أو كان يتوقع تلك الخيانة ولو ضمنياً، بل سرعان ما سوف ينسحب خِلسة، دون أن ينته إليه أحد. كانت عيون الدعم السريع، داخل النادي العالمي، ترصُد وتراقب عن كثب حركة البرهان، سوف تتبعه، بعد ذلك، خطوة خطوة، حين يغادر الإفطار الرمضاني، مروراً بشارع النيل، حتى مخدعه الأخير في بيت الضيافة، وسوف تنطفئ خلال ساعات قليلة، بقسوة بالغة، الكافيهات والمطاعم، المساجد المُعدّة للاعتِكاف، الثريات العالقة في القصر الجمهوري، البيوت الخرطومية المأهولة بالحياة سوف تسكنها القطط، وستجهش بالبكاء هادية طلسم، البلبلة الثالثة، حين تتذكر تلك الأُمسية الفريدة الأخيرة.
“٨”
الفكرة الشيطانية التي هفهفت على رأس المشعوذ السنغالي، أن يطْمِسَ على وجه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، فلا يرى ولا يثق في أحد سوى نائبه، كان خال حميدتي المُدلل، ورسوله الخاص بالحقائب الدولارية، قد جلب خصيصاً أحد سحرة السنغال، أولئك الذين اشتهروا باستخدام الفودو الأسود، وتطويع الجن لخدمة تاج العائلة الثرية، الساعية للانقضاض على كل شيء، ولعل ذلك ما كان يقض مضجع مدير مكتب قائد الجيش، حين أدرك خطورة المؤامرة، وشعر بيد خفية، تتحرك بغرابة، تعبث بالأمن القومي للبلاد، وتزين سوء أعمال حميدتي كلها، فيراها البرهان بخلاف ذلك أو لا يراها، فيدافع عن نائبه بصورة عمياء، ويتجاهل عن قصد، بل يرمي في السلة الزرقاء المنتصبة تحته، كل التقارير الاستخباراتية، التي تتحدث عن تحرُكات آل دقلو لقلب نظام الحكم، وكان المشعوذ السنغالي يتنقل بسرية تامة، عبر سيارة مُظللة دوكو، من بيت عبد الرحيم دقلو في حي الرياض وسط الخرطوم، إلى مقر سري تحت الأرض جوار مبنى (ام تي إن) في المنشية، أعد خصيصاً له وهنالك يطلق تعاويذه السُفلية، وهو شر صائر لا محالة، انتبه إليه شيخ كدباس في آخر لقاء جمعه بالبرهان، حين بدا وجه قائد الجيش مخطوفاً مُتعرقاً، كما لو أن به عمل دفين.
كان حميدتي يؤمن بالمنجمين والسحرة لا يكفيه حاضره، يريد أن يستأثر بالغيب، لكن فات عليه، وهو يعد تلك القوة الانتحارية لمهاجمة بيت الضيافة، ويطوق رِقاب أفرادها من نخبة الدعم بالتمائم والطلاسم الغريبة، لتفادي الموت، أن بنادق أبطال الحرس الرئاسي، التي هى عن يمينهم، وقوة إيمانهم، سوف تبطل ذلك، وتلقف، كل ما صنع هؤلاء السحرة.
“٩”
بدأ الهجوم كثيفاً من ناحية البوابة التي تطل على مسكن قائد الدعم السريع، في السادسة صباحاً، ثم انتقل إلى البوابة الأخرى بمحاذاة بيت الضيافة، سمع قائد الجيش جلبة وأصوات رصاص، واستنشق رائحة البارود والدخان، ثم سمع لتوه طرق عنيف وصيحات متداخلة، دلف مُسرعاً إلى غرفة مجاورة، حمل سلاحه، ولم يستوعب الحاجة للدرع الواقي من الرصاص، فهو لم يتوقع هذا الهجوم إطلاقًا، وعلى وجه الدقة، لم يتوقعه أن يكون بهذه الصورة من نائبه، هنا في هذا الوقت تحديدًا، قبل ساعات من اللقاء المُزمع نهاراً بينه وحميدتي للتوقيع على اتفاق يقضي بالتهدئة وسحب الدعم السريع من مطار مروي، بيد أن ثمة خُدعة، لكسب الوقت، وقد أدرك أخيراً، قائد الجيش وأركان حربه، حين لاح ذلك السيناريو الدموي، أن القوة العسكرية التي تعهدوها بالرعاية، وقالوا إنها من رحم الجيش، تمردت عليهم، ومكرت مَكْرًا كُبَّارًا، وهى إذ ذاك، ترمي بكل ترساناتها الحربية لهدم القيادة العامة، وجدار بيت الضيافة، وهاهو حمدان يمنحهم الإذن بالهجوم، لقتل وأسر كل من يقف في طريقهم، بما فيهم جيرانه من كبار الضباط وأسرهم، إذ أن في قلبه عليهم حقد ودفين، سيما ضباط الدروع حين يأتي دورهم لاحقًا، بعد التخلص من قيادة الجيش بضربة واحدة، نحن الأن في مستهلها، ولا مفر أمام البرهان سوى الدفاع عن شرفه العسكري، والقتال إلى جانب جنوده، وقد اعتمر بالفعل قبعة كاوبوي وسلاحه الشخصي وقنبلة يدوية، وتلك، معدات القتال التي سترافقه، أثناء الانسحاب إلى مبنى البحرية، وهنالك أيضاً، وهنا دارت معركة طاحنة، بل معارك، احتسب فيها الحرس الحرس الرئاسي نحو “١٦” فدائياً و”٤٠٠” جريح تقريباً في الساعات الأولى.
“١٠”
” ما ضروري تعرفوا أنا منو .. أنا ضابط في الجيش السوداني، والبندفن فيهم ديل ماتوا فداءاً للوطن، ووقفوا في وجه خيانة آل دقلو” .. يا فريد، فتى قرية الحرقة بالجزيرة، المقاتل الفذ، وانت تمر على قبور شهداء الحرس الرئاسي، ممن ستلحق بهم، وتوارى إلى جانبهم، كيف واجهت ذلك الجحيم، ببسالة من لا يهاب الموت، ونحت بأظافرك على صخر البطولة، سيرة باذخة للتاريخ، هل سمعت صوت ذلك الضابط أو الجندي المجهول وهو يعد مع رفاقه مقبرة الشهداء؟ حين استقر الرأي على دفنكم هنا، داخل أسوار القيادة العامة، لتكن ويحتسبك أخوانك شهيداً وشاهداً لمعركة استثنائية، وليدرك من سيأتي بعدك، حجم التضحيات، وتلك المقولة الخالدة لقائد مجموعة الحماية المرابطة، العقيد أحمد النور الإمام، حين يأتي ذكره أولاً وأخيراً، وهو يصيح بصوته العالق في الذاكرة:”سنقاتلهم حتي النهاية لابد أن نخرج القائد العام بأمان .. سقوط القائد العام يعني سقوط الجيش، سقوط الجيش يعني سقوط الدولة”.
“١١”
لم تنته المعركة بالطبع، فهى قد دارت على مراحل وأيام، في مناطق متفرقة، داخل بيت الضيافة، وعند الارتكازات المتقدمة، وراء الأبواب والمداخل حول القيادة العامة، ومع فصيلة الدبابات وقائدها الملازم أول عبد الباسط عبد الله التي حطمت أسطورة الدعم السريع، وداست عليها بالمجنزرات، أو في قيادة قوات الاستطلاع، حين انبرى في هيبة الفرسان اللواء حسين إسماعيل عرديب قائد الاستطلاع بالاستخبارات العسكرية، وقاتل قِتال الشجعان، حتى لقى ربه، مقبلًا غيرَ مدبرٍ، وتلك قصة أخرى، تستحق أن تُروى.
نواصل
صحيفة الكرامة
عزمي عبد الرازق
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحرس الرئاسی الدعم السریع قائد الجیش
إقرأ أيضاً:
وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
رئيس حــــركة العـــــدل والمســــــاواة وزيـر الماليــة د. جبـــريل إبراهيـــــم لـ”الكرامـــــــــة” (2 _ 2)
وجود “محاباة” فى مخصصات القوات المشتركة اتهام غير صحيح
الحــــركة غير قوميـــــة في نظر هــــــــــؤلاء (….)
نؤجل صـــرف مستحقــــــــات الحــركات لهذا الســـــــبب (….)
مدخلات الطاقة الشمسيـــة معفاة من الجمارك والضرائب..
(….) هذه هي أسباب تأخر عودة الخدمات بالولايات المستردة..
المُسيّـــــــــــــرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتيــــــة”..
مدخلات الطاقة الشمسيـــة معفاة من الجمارك والضرائب..
رغم الحرب.. أداء الاقتصاد القومي بتحسن مستمر..
حوار : محمـــد جمال قنــــدول- الكرامة
قال رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية د. جبــريل إبراهيـــــم إنّ الاقتصاد القومي في تحسن، وذلك رغم التحديات الاستثنائية التي فرضتها الحرب.
وأضاف إبراهيــــــم في الجزء الثاني من حواره مع (الكــــــرامة) قائلًا : إنّ عودة الحكومة الاتحادية إلى العاصمة تتم بصورة تدريجية وقد باشرت بعض الوزارات عملها من العاصمة قبل أكثر من شهر والبقية في الطريق.
د. جبريل قدم إفاداتٍ قويةٍ في محاور متعددة خلال الجزء الثاني، حيث تحدث عن الاقتصاد، وعودة الحكومة للعاصمة، ودور دويلة الشر في حرب السودان والكثير.
الحركة ما زالت متهمة بأنها غير قومية، ما مصير قوات الحركة بعد الحرب؟
الحركة غير قومية في عيون أعدائها لأنهم لا يريدون لها أن تكون كذلك. ولكن الحركة قومية بأدبياتها وتنظيمها وينتمي أعضاؤها وشهداؤها إلى كل أركان السودان، وشاركت قواتها في حرب “الكرامة” في كل محاورها دون تمييز. إذن.. ما الذي يجعلها غير قومية؟!
ماذا عن الأداء المالي خلال نصف العام؟
رغم التحديات الاستثنائية التي فرضتها الحرب إلّا أنّ أداء الاقتصاد القومي في تحسن نسبي مستمر، استقر سعر الصرف لفترة ليست بالقصيرة وتراجع معدل التضخم إلى 142 بعد أن تجاوز 25% وعدنا إلى صرف المرتبات الاتحادية بنسبة 100% ووفقنا إلى زيادة الإيرادات بنسبة جعلتنا نفي بمعظم التزاماتنا تجاه الخدمات العامة، بجانب دعم المجهود الحربي ومقابلة نفقات الاستجابة الإنسانية.
حدث هذا بعد فضل الله بالزيادة الكبيرة في الإنتاج الزراعي في الموسمين السابقين والزيادة المعتبرة في إنتاج الذهب، ولا ننسى فضل السودانيين في المهاجر الذين دعموا اقتصاد بلادهم بالإنفاق السخي على أسرهم الممتدة وجيرانهم ومعارفهم الذين أجبروا على النزوح أو اللجوء. اقتصادنا قوي في أساسياته وسينطلق بسرعة كبيرة بعد نهاية الحرب وعودة الاستقرار بإذن الله.
هنالك حديث عن مخصصات القوات المشتركة، واتهام لوزير المالية بالمحاباة في هذا الجانب. هل تحصلت الحركة على ميزات إضافية باستغلال وجودكم وزيـــــــرًا للماليـــــــة؟
الإجابة قطعـــــــــــًا لا، على مال الدولة ضوابط للصرف من حاول تجاوزها وقع في المحظور ولو بعد حين.
موظف صغير في ديوان المراجعة الداخلية يستطيع إيقاف صرف مبلغ صدق به أي وزير إن كان ذلك التصديق خارجـــــــًا عن أُطر الصرف وضوابطه.
يستطيع وزير المالية صرف مستحقات حركات الكفاح المسلح الواردة في اتفاقية السلام إن توفرت الموارد ولكننا نؤجل صرفها باستمرار لضيق ذات اليد، أيضـــــًا عليه الإنفاق على المجهود الحربي للقوات المشتركة في حدود ما يصدق به القائد العام للقوات المسلحة.
عدا ذلك لا يستطيع ولا ينبغي للوزير صرف جنيه واحد لحركته، وإن كان لأحد على غير ما ذهبنا إليه فليأت به.
ذكرت من قبل تصنيف الإمارات كدولة عدوان أنّ المُسيّرات المسلحة تنطلق منها، هل هذا بناءً على معلومات؟
كل الأدلة الدامغة تشير إلى أن الإمارات هي التي تزود الميليشيا بكل العتاد الحربي ومن ضمنها المُسيّرات، ليس ذلك فقط فالجهة التي باعت المُسيّرات للإمارات أكدت أن المُسيّرات التي أسقطتها القوات المسلحة السودانية ضمن المسيرات التي باعتها للإمارات.
ليس ذلك فحسب، ولكن الدول التي باعت عينة الدانات التي تستخدم في هذه المُسيّرات أيضاً أكدت أنها باعتها للإمارات. وفوق ذلك المُسيّرات البعيدة المدى التي تستخدم لضرب محولات الكهرباء ومستودعات الوقود موجهة بأقمار صناعية لا تملكها الميليشيا. علاوة على ذلك، أكدت جهات استخبارية كثيرة أن غرفة تحكم المُسيّرات الاستراتيجية كائنة في أبوظبي، وأن المُسيّرات التي قصفت بورتسودان انطلقت من ميناء “بوصاصو” في الصومال الذي تتحكم فيه الإمارات. إذن، دور الإمارات في الحرب الخبيثة الدائرة ضد السودان بما فيها حرب المُسيّرات أكبر من أن يخفى أو يبرر لها.
ماذا قدمت الحكومة لمبادرات إدخال الطاقة الشمسيـــــــة كبديل للكهرباء، وما هي سياسة الدولة المتوقعة في ظل إقبــــال الإفــــراد والشركات على هذا المجال، البعض يطالب باعتماد الطاقة الشمسية ضمن السلع الاستراتيجية؟
الحكومة مع التحول إلى الطاقات البديلة النظيفة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. وترتيبـــــــًا على ذلك، تبذل الحكومة ممثلة في وزارة الطاقة جهــــــــودًا حثيثة لإدخال الطاقة الشمسيـــــــة ضمن مصادر الطاقة عندنا في البلاد، كما قررت الحكومة إعفاء مدخلات الطاقة الشمسيــــــة المستوردة من القطاع الخاص من رسوم الجمارك والضرائب وهي تفضل الذين يسعون لتصنيع هذه المدخلات محليـــــــًا، كما تحتاط من أن يجعل البعض السودان مكبـــــــــًا لنفايات الطاقة الشمسيــــــة، ولذلك تقوم الهيئة العامة للمواصفــــــات والمقـــــــــاييس بدورها كاملًا في التأكد من أنّ المعدات المستوردة مستوفية للشروط والمواصفــــــات العالميـــــة المطلــــــوبة.
هل من بشريات تطمئن الشعب السوداني فيما يخص الخدمات الأســــــــاسية.. ومتى تنتقل الوزارة للعمل في الخرطوم؟
تبذل حكومات الولايات التي تمت استعادتها من سيطرة الميليشيا لإعادة خدمات المياه والكهرباء وإعادة تشغيل المستشفيات وفتح المدارس، بجانب توفير معاش العائدين من النزوح واللجوء قدر المستطاع. وتقوم وزارة المالية بدعم الولايات لتوفير هذه الخدمات الأساسية، وقد أخرت هجمات الميليشيا بالمُسيّرات على محطات الكهرباء والمستشفيات ومستودعات الوقود عودة هذه الخدمات بالسرعة المطلوبة. ولكن العمل فيها يسير على قــــــــدمٍ وســـــــاق. من ناحيةٍ أخرى، تسعى الحكومة الاتحادية إلى العودة إلى العاصمة بصورة تدريجية وقد باشرت بعض الوزارات عملها من العاصمة قبل أكثر من شهر والبقية في الطريق. عودة مطار الخرطوم للعمل ضرورة لعودة كل الحكومة والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية للعمل من الخرطوم، والعمل فيه يسير وفق جدول زمني متفق عليه.