لجريدة عمان:
2025-05-20@13:27:58 GMT

كيف نحفظ التضامن الاجتماعي؟

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

يشكل التضامن الاجتماعي الرابط الأساس لاستدامة بقاء الجماعة الاجتماعية، وكبح أشكال الصراع الاجتماعي الناشئة، أو التقليل من احتماليات حدوثها؛ ذلك أنه ينطلق من فهم موحد للقيمة الاجتماعية، وقبول مشترك لها، واتفاق عام على ضرورة ترجمتها في السلوك الاجتماعي. وليس بمحدث القول: إن بدايات تفتت المجتمعات إنما تنشأ من خلال تقلص مساحة التضامن الاجتماعي، وعلو قيم «التنسيب»، و«الأنانية الفردية»، أو «أنانية المجموعة الاجتماعية» على المصلحة العامة للمجتمع.

وهذا يقودنا إلى محاولة فهم (هندسة التضامن الاجتماعي). في المنطلق لا بد من حصر العوامل التي تسهم في وجود التضامن الاجتماعي وديمومته؛ فالتضامن الاجتماعي إنما تتحكم فيه ثمانية عوامل رئيسة: (الفهم والقبول العام للقيمة الاجتماعية المشتركة وتأريخية التنوع والتعايش في المجتمع ووجود المعنى الاجتماعي المتوافق عليه ودور السياسات العامة في تحقيق العدالة الاقتصادية وكبح عدم المساواة ووجود نظم لرعاية الفئات الأشد احتياجًا وتحسين أحوالها ودور البناء السياسي في تدعيم احتضان الشمول ونبذ العنصرية والتمييز والخطاب العام الداعم للتضامن الاجتماعي والمأسسة والتنشئة على قيم التضامن الاجتماعي وطبيعة انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى). وبالنظر إلى هذه العوامل نجد أنها تنقسم إلى عوامل نابعة من أصل المجتمع، وعوامل ترتبط بتدبير المجتمع (دور الحكومات والسياسات والتشريعات والانتظام المدني). والواقع أن وجود «الفهم والقبول العام للقيمة الاجتماعية المشتركة» هو الأساس في ديمومة التضامن الاجتماعي في المجتمع؛ ذلك أنه كلما كان أفراد المجتمع يحملون الفهم ذاته ويضعون الأهمية ذاتها ويلتزمون بالسلوك ذاته لقيمة اجتماعية معينة، كلما كانوا أكثر قدرة على الالتئام بمحيطهم الاجتماعي، وتحقيق السعي الاجتماعي المشترك مع بقية أفراد المجتمع، ومحاولة تحقيق طموحاتهم وإشباع حاجاتهم الذاتية عبر القيمة ذاتها وفي حدودها، واضعين في الاعتبار عدم المساس بها.

ومن هنا فإن ما يُعرف بـ«الهيمنة الثقافية»، أو محاولة بعض المجتمعات تصدير منتجاتها الثقافية حاملة قيمها، والأسس الفكرية التي تؤمن بها، ومحاولة تسويقها وترويجها إنما يحمل في طياته محاولة لتفتيت الفهم المشترك للقيمة الاجتماعية التي يؤمن بها مجتمع/ جماعة ما. فنصير إلى حالة «تنسيب القيم»، أي جعل معناها ومغزاها ومضامينها خاضعة لتفسير الأفراد المتباين، وحاملة للتأويلات، دون اتفاق جمعي عليها. فتنشأ حالة «المفهوم غير المتفق عليه»، التي هي في الحقيقة ليست نتيجة نسبية المفهوم/ القيمة نفسها، وإنما نتيجة التعرض لشكل جديد من تفسيراتها، أو السلوكيات المنبنية عليها، وحينها لا يستطيع المجتمع تحقيق التوافق الجمعي، الذي هو الأصل لبقاء القيمة من ناحية، وبالتالي حفظ التضامن الاجتماعي من ناحية أخرى. لذلك حين الحديث عن «قيم تحاول ترويجها مجتمعات معينة» أو «حملات إعلامية وثقافية معينة» لابد من فهم الهندسة الجديدة التي يمكن أن تضرب القيم الاجتماعية القائمة في المجتمع نتيجة ذلك، وكيف ستتأثر؟ وكيف ستكون عرضة للتفسيرات المتعددة، وكيف ستتغير السلوكيات والممارسات الاجتماعية التي تقوم عليها؟

وأهمية هذا العامل لا تنفي أو تقلل دور العوامل الأخرى؛ فالقوانين والسياسات والنظم الداعمة للعدالة الاجتماعية والاقتصادية كفيلة بجعل أفراد المجتمع على خط واحد؛ وبالتالي تحقيق القبول المعني للقيم المشتركة، والشعور بالوحدة الاجتماعية تجاه الحفاظ على التضامن الاجتماعي. ولحفظ هذا التضامن في حالتنا الراهنة نعتقد بضرورة «مأسسة التضامن الاجتماعي»، بمعنى تحويل مبادئه وصيغه وقيمه إلى نماذج في عمل المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات الدولة القائمة. فوجود منظومة فاعلة للتطوع، ومحوكمة، وذات أثر مستبين للمجتمع هو عنصر عصري يعبر عن قوة التضامن الاجتماعي، وتعكس مؤشراته مدى الترابط الاجتماعي عبر مرور السنوات، وربط ذلك التطوع باستحقاقات أخرى، مثل أفضلية التنافس على الوظائف، أو الأفضلية الأكاديمية، أو أفضلية الترقي في مؤسسات العمل، أو أفضلية الترشح والترشيح للمجالس المنتخبة، من شأن ذلك أن يعزز دافعية المجتمع نحوه، ويضمن استدامته، وبالتالي تعزيز التضامن الاجتماعي. وتعزيز مساحة «المجتمعية» في وسائل الإعلام على حساب «الفردية» من خلال مجمل المضامين والبرامج والأعمال الدرامية من شأنه أن يدفع بالتضامن الاجتماعي إلى الديمومة والبقاء. كما أن بناء السياسات الاجتماعية على أساس مركزية التضامن الاجتماعي، وتعزيز حيزه في برامج التنمية الاجتماعية من شأنه أن يضمن قبول المجتمع لتلك البرامج من ناحية، وتعزيز التضامن الاجتماعي من ناحية أخرى. كما أن مأسسة نظام للاقتصاد التضامني الذي يعكس في أشكاله وجود مؤسسات تقوم بتقديم الخدمات الاجتماعي التي تقدمها الدولة، ولكن بصورة تضامنية، كالجمعيات التعاونية، والخدمات المقدمة عبر مؤسسات المجتمع المدني، ومنصات تسويق منتجات الأسر المنتجة، كلها تصب في اقتصاديات التضامن التي تعززه وتستديمه وتحيله إلى شكل مؤسسي قائم.

وإذ يتميز المجتمع في سلطنة عُمان بحالة متسقة من التضامن الاجتماعي تاريخيًا؛ فإن التحدي الراهن والمستقبلي هو في القدرة على صون هذا التضامن، نتيجة تعدد المؤثرات ومنها اشتباك المفاهيم العالمية للقيم، وتنسيب تلك القيم في الخطاب العالمي. وهو ما يستدعي النظر إلى كافة منظومة العوامل التي تسهم في تعزيز هذا التضامن، فحتى تخطيط المدن وأنماط إسكان الناس، وحتى أنماط التنقل وتصاميمها والعمليات التي نعتقد أنها تخاطب الجانب المادي في التنمية المجتمعية هي تؤثر بطريقة غير مباشرة إما إيجابًا وإما سلبًا على نمط التضامن الاجتماعي. فعلى سبيل المثال الأفكار التي يقوم عليها الاقتصاد التشاركي (وإن كانت قادمة من منظورات اقتصادية / تجارية صرفة) إلا أن جوانب منها إذا ما استطعنا تطويعها ومحورتها وفق مبادئ وثقافة المجتمع قد تكون محركًا حديثًا لفعل التضامن الاجتماعي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التضامن الاجتماعی الاجتماعی ا من ناحیة

إقرأ أيضاً:

مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية

كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

يبحث الكثير من المتقدمين الذين لم يحالفهم التوفيق في اختبارات مسابقة تعيين إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف، عن كيفية التظلم على النتيجة.

وأتاح الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، أمس، الاستعلام عن نتيجة الاختبار التحريري لمسابقة إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف، عبر الرابط التالي: هنا

وينشر "مصراوي" خطوات التظلم على نتيجة مسابقة الأئمة على النحو التالي:

- الدخول على موقع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، من خلال الرابط: هنا

- إدخال الإسم والرقم القومي.

- ذكر سبب التظلم أو الملاحظات على النتيجة.

- الضغط على زر "تسجيل" والاحتفاظ برقم التسجيل، لاستخدامه فيما بعد لمعرفة النتيجة.

- تظهر النتيجة على موقع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة خلال فترة من 10:7 أيام عبر الموقع.

اقرأ أيضاً:

نتيجة الاختبارات التحريرية لمسابقة الأئمة بوزارة الأوقاف

ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025

تنسيق الجامعات 2025.. كل ما تريد معرفته عن برنامج الطب الفرنسي "كاف" لطلاب الثانوية

8 توجيهات من جامعة الأزهر لعمداء الكليات بشأن الامتحانات

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

وزارة الأوقاف التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية مسابقة الأئمة

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة الأوقاف تصدر كتابًا يشرح مناسك الحج بطريقة مبسطة أخبار نتيجة الاختبارات التحريرية لمسابقة الأئمة بوزارة الأوقاف أخبار عواقبه كارثية.. برلماني يهاجم اقتراح إلغاء وزارة الأوقاف لهذه الأسباب أخبار الأوقاف تصدر العدد الجديد من مجلة "الفردوس" للأطفال أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • وزيرة التضامن ورئيس الفنية للتحالف الوطني تشهدان إطلاق وثيقة "رؤية مجتمعية" لتطوير المنظمات الأهلية
  • خامنئي: لا أعتقد أن المفاوضات مع واشنطن ستُفضي إلى نتيجة
  • فرنسا: ما تفعله إسرائيل ناحية المساعدات غير كافٍ
  • بتكلفة تتجاوز 59 مليون جنيه.. تنفيذ 4 مشروعات بقطاع التضامن الاجتماعي بالبحيرة
  • شباب الشيوخ توافق على مقترح الحافز الاجتماعي وتشجيع ثقافة التطوع
  • مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية
  • وزيرة التضامن الاجتماعي تخصص 50 فرصة عمل لطلاب جامعة سوهاج
  • وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس جامعة سوهاج
  • وزير الشباب والرياضة يدشّن مشروع تعزيز الادماج والتغيير الاجتماعي
  • دزيري: “الفوز بـ 3-1 أمام الاتحاد نتيجة منطقية”