ذكر باحث سوري أنه التقى أحمد الشرع عدة مرات وروّعه منه أمر: أن الشرع لا يذكر الحبيبة الديمقراطية بخير أو بسوء، في حين أن وكلٌّ يدّعي وصلا بليلى.. وليلى لا تقرُّ لهم وِصالا.
لو أني سئلت عن تشبيه شرعية أحمد الشرع الداخلية، لأخذت الوصف من الحكايات الشعبية، ومن حكاية قتل التنين أو الساحر الذي كان يعطّل حركة الناس؛ كان قد بنى حاجزا غير طيّار إلى منهل الماء.
إن شرعية طارد الوحش الداخلية أسطورية؛ أنه أباد "الأبد"، أو أسقط دولة الأبد، وتحققت الشرعية الداخلية، وعنده فيض من الشرعية، وقد تتآكل بالأخطاء أو بتوالي الأيام. فقد تحقق الأمان أو أنه يتحقق ويتعثر أحيانا، لكن الحاجة إلى الطعام ووفرته وحرية الاتصال بالإنترنت، وقد صار مثل الماء والكلأ والنار، حاجة ملحّة، تبلغ حد الضرورة.
إن الشرعية في عصرنا خارجية. الخارجية تعني السلطة العمومية؛ ولن يستطيع رئيس كيان نيل رخصة دولة في شارع الدول إلا بإذن دولي من المختار الأمريكي وشاهدين أوروبيين (أحدهما يجب أن يكون إسرائيليا). وقد تترك بسطة الراغب في العضوية في الشارع مدة سنة، مثل بسطة تنظيم الدولة، ويسمح له بالبيع ومراكمة الأرباح، ثم تهجم عليها دورية الشرطة فتصادر البضاعة. خذ مثال دولة أفغانستان المنبوذة التي لم تعترف بها سوى روسيا والصين نكاية بأمريكا أو بحق الجوار أو بغية الفائدة الاقتصادية.
استطاع أحمد الشرع العبور بسوريا معظم العوائق، واقتربنا من مرور سنة على الحكم الجديد، وهو يحاول تجاوز عقبة العقوبات الدولية، وهي عقوبة موروثة من النظام السابق. وثمة علامات كثيرة على أنه يتجاوزها أو يوشك على تجاوزها، حتى إن بعض أنصاره باتوا يشتبهون به، ويتساءلون عن أسباب رضا صقور الأمريكيين عنه، وهو رضا لا يُنال بسهولة.
أما الأطراف "الثائرة" على الشرع، فهي من الأقليات التي كان الأسد يوسم بها ومنسوبا لها، فدولة الأسد كانت دولة تحالف أقليات غير معلن، اعتلن في أثناء الحرب على الشعب السوري: الإدارة الكردية الذاتية ممثلة بقسد "قوات سوريا الديمقراطية"، وتمردات العلويين بقيادة غزال غزال وسواه، وتمرد الدروز بقيادة حكمت الهجري. ومصدر قوة هذه الأقليات خارجي أيضا؛ إن انقطع، سقطت أو ضعفت وهانت وكنّت.
يؤخذ على الرئيس أحمد الشرع، الذي يسميه خصومه بالجولاني تصغيرا أو تحقيرا، تذكيرا بماضيه كأمير جماعة سابق محظورة ومطاردة، غياب لفظ الديمقراطية أو تجنب ذكره، أو غياب ذكر خطوات التحول الديمقراطي عن خطته وخطبه. هؤلاء غالبا يفكرون في المثاليات، وهم يشبهون المطالبين بالفيدرالية الذين يتخذون ألمانيا وسويسرا قدوة، وهي لا تصلح مثالا، على الأقل في الوقت الحالي. أغلب الظن أنّ الرئيس يتجنب ذكر لفظ الديمقراطية، لأن جنوده سلفيون يتطيرون من اللفظ "الكافر" الذي يعني عندهم انتهاج شرع غير شرع الله. لذا هو يذكر أداتها الكبرى، الانتخابات بدلا من الديمقراطية، حرصا على ولائهم وتجنبا لغضبهم، مع أن الجميع، من معارضين وموالين، يقرُّ بأن سوريا تعيش حالة من حرية الرأي قلَّ نظيرها في المحيط العربي. سنسمي هؤلاء المطالبين بالديمقراطية: جماعة الكتالوجيين.
يشار إلى أن جماعة "الكتالوج الديمقراطي" يبالغون في ذكر مقابح الحكم الجديد؛ فإن تعرض أحدهم لتأخير في الحصول على جواز سفر أعلن أنه تعرض لإبادة جماعية، وإن خُطف مخطوف وصف الخطف بأنه إبادة جماعية. وقد ابتُذل هذا اللفظ كثيرا.
سيقبل أحمد الشرع بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وأظهر الرئيس الشرع مرونة سياسية هائلة وصفت بالبراغماتية، وهو لفظ لا يحبه الرئيس للسبب أعلاه، وأدرك أنه لا بد لسوريا من الانسلاك في أحد السلكين: إما روسيا والصين وإما أمريكا، فاختار الأقوى والأقرب إلى حلفائه وإخوته العرب من غير معاداة للروس والصين. لكن شرط الانضمام إلى العضوية الدولية لا يزال شاقا، ولقد رضيت أمريكا، بل فوجئت، بمرونة الشرع السياسية غير المتوقعة من إسلامي، وأُخذوا بحسن تهندمه بالأزياء والحلل الفرنجية، وطلب الرئيس حل جماعة الإخوان، وحل أيضا المجلس الإسلامي السوري، لكنها تريد المزيد، عن طريق فتوتِه لإسرائيل التي تعتدي على سوريا فتقتل السوريين وتقضم الأرض، وتهدد شرعيته الداخلية، وتهين الكرامة الوطنية. عصوان وقضمة جزر، أمريكا تكرمه بالقطارة، قطرة قطرة، بالوحدات، تشحن له جهازه ما يكفيه لثلاثة أشهر فقط!
وصفت جهات إعلامية موالية أن اعتداءات إسرائيل على الأسلحة ومخازن الجيش هي عدوان على أسلحة الأسد؛ وفي هذا افتئات مضحك. يرجو سوريون أن يصرح الشرع بضرورة مقاومة العدوان الإسرائيلي شعبيا كما فعل الرئيس اللبناني، لكن الشرع يفضل الصمت في معركة عبور الصراط.
يضاف إلى ما سبق من مطاعن؛ ما حصل للإماراتي المتزوج من سورية، جاسم الشامسي، إذ اعتُقل ونقل إلى جهة غامضة وانقطع الاتصال به، مما أوقع القيادة الجديدة في مأزق أخلاقي. وقد يضحَّى به في معركة العبور إلى الدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والحصول على شهادة حسن السلوك.
يعتمد الرئيس السوري على قوة أصدقائه ونفوذهم المعنوي وإغراءاتهم الاقتصادية، وسوريا لا تخلو من الإغراءات. فشرط العضوية شرط غير سهل، وهو شرط مركب، وأهم الشروط الطاعة.
كان حافظ الأسد قد اختار من الإسلام ركنا واحدا فقط، وليس بركن، وهو ذروة سنام الإسلام: الجهاد، وغيّر اسمه إلى المقاومة، وعاش متحصنا به في الحصول على الشرعية الداخلية. أما الشرعية الخارجية فحصلها بسرعة: الطاعة، بل أضاف إلى الطاعة: حسن الخدمة، في حبس الشعب وحراسة إسرائيل فعاش بها نصف قرن.
الديمقراطية التي يطالب بها الكتالوجيون، لن يسمح بها الغرب ولا الأشقاء الحلفاء. الغرب قد يعيّر من يشاء بغياب الديمقراطية حين اللزوم، أما الأشقاء الرؤساء والملوك فيكرهون وصل ليلى وإن ادعوا وصلها، فهي خطر على أنظمتهم وتنذر بالعدوى. خذ مثلا قوات سوريا الديمقراطية؛ اسمها سوري، وليست بسورية، وتصف نفسها بالديمقراطية، وهي منها خالية الوفاض بادية الانفاض.
x.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الشرع الديمقراطية سوريا سوريا ديمقراطية الشرع مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الشرع
إقرأ أيضاً:
الكونغو الديمقراطية تعلن انتهاء موجة تفشي إيبولا
أعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطية رسمياً، اليوم الاثنين، انتهاء موجة تفشي وباء إيبولا الأخيرة التي أودت بحياة 34 شخصاً على الأقل في البلاد منذ أواخر أغسطس الماضي.
وعلى الرغم من التوصل مؤخراً إلى لقاحات وعلاجات، يُعدّ فيروس إيبولا شديد العدوى وغالباً ما يكون قاتلاً، وقد أودى بحياة نحو 15 ألف شخص في إفريقيا خلال آخر 50 عاماً.
وسجّلت الكونغو الديمقراطية بين عامي 2018 و2020 أسوأ موجة للوباء على أراضيها، مع نحو 2300 وفاة من أصل 3500 إصابة.
وقال مدير المعهد الوطني للصحة العامة، ديودوني كازادي، قبل حفل رسمي أقيم في العاصمة كينشاسا بحضور مسؤولين من منظمة الصحة العالمية ووكالة الصحة التابعة للاتحاد الأفريقي: "انتهى وباء ايبولا فعلياً".
وأكد كازادي أنه تم تسجيل "34 حالة وفاة من بين 53 إصابة مؤكدة"، ويُرجح أن يكون الفيروس تسبّب بوفاة 11 مريضاً آخر، ما يرفع إجمالي الوفيات التي يُشتبه بأنها ناتجة عن الفيروس إلى 45.
وشهدت الكونغو الديمقراطية 16 موجة من وباء إيبولا منذ اكتشافه عام 1976 في البلد الواقع في وسط أفريقيا.