سؤال الشرعية القانونية لإصلاح التعليم
تاريخ النشر: 26th, July 2023 GMT
عرف المغرب إصلاحات متعددة منذ الاستقلال إلى اليوم، منها ما لم يكتمل ومنها ما وصل إلى مداه لكن دون أن يحقق جميع الأهداف التي سطرت له. وإذا كانت أسباب الفشل تختلف باختلاف الإصلاحات فإن ما يجمعها حسب الكثير من الدارسين للظاهرة هو هيمنة المقاربة السياسية على المقاربة التربوية في الكثير من الأحيان، الشيء الذي يجعل هاجس القطيعة يطغى على متطلب الاستمرارية الذي يعتبر من شروط الإصلاح التربوي بحكم أن ثماره لا تؤتى إلا على المدى البعيد.
بعد مرور أربع سنوات على صدور هذا القانون وعلى بعد سبع سنوات من نهاية الفترة الزمنية التي يغطيها والمحددة في سنة 2030، يمكن تقسيم حصيلة التطبيق إلى مرحلتين مدة كل واحدة منهما سنتان. اتسمت المرحلة الأولى التي يمكن اعتبارها تأسيسية بترجمة القانون الإطار إلى مخطط تشريعي وتنظيمي، ثم بعد ذلك تم الشروع في إصدار بعض النصوص التنظيمية. أما المرحلة الثانية فتميزت بتجميد واضح لمقتضيات القانون الإطار تجلى في عدم عرض أي نص تشريعي أو تنظيمي على مسطرة المصادقة رغم أن المادة 59 من القانون الإطار تلزم الحكومة بأجل ثلاث سنوات لوضع جميع النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة للقانون الإطار في طور المصادقة. وهو ما يسائل الشرعية القانونية لإصلاح التعليم خاصة بعد انصرام هذا الأجل. فهل يتعلق الأمر بتخلي تام للحكومة الحالية عن القانون الإطار أم فقط باختلاف في التعامل مع هذا النص التشريعي الملزم؟ وهل هو انتقال، بتعبير علماء الدين، من المقاربة الظاهرية المتشبثة بحرفية النصوص إلى المقاربة المقاصدية النافذة إلى جوهر النصوص وروحها؟ وهل يكفي تحويل القانون الإطار إلى نصوص تشريعية وتنظيمية للنجاح في تطبيق روح النص وتحقيق مقاصده؟ وهل النجاح في بلوغ المقاصد يغني عن “الشكليات” التشريعية والتنظيمية؟ ألم يكن حريا الجمع بين المقاربتين فنحافظ من جهة على المقتضيات القانونية “الشكلية” ونعمل من جهة أخرى على تحقيق التوجهات الاستراتيجية التي نص عليها القانون الإطار وفي مقدمتها تحسين جودة التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات؟
إذا كان لا جدال في أن من شروط دولة الحق والقانون أن تطبق فيها النصوص التشريعية والتنظيمية بغض النظر عن إرادة المشرع، فإن جودة الفعل العمومي تقتضي أن نزاوج بين الكتابة الجيدة للنصوص والترجمة الفعالة لها على شكل إجراءات وتدابير عملية تتلاءم مع التصور الذي شكل الخلفية الناظمة لهذه الكتابة. هذه المزاوجة هي التي تضمن من جهة جودة التأليف القانوني من خلال العكس الواضح لإرادة المشرع التي يمكن إدراكها بشكل دقيق من قراءة النص, وتضمن من جهة أخرى تحقيق هذه الإرادة من خلال تحويل النص إلى تدابير قابلة للتطبيق. فكيف نفهم على ضوء كل ذلك تعامل الحكومة مع القانون الإطار للتعليم؟ إن تحليل ما قامت به الحكومة في هذا الصدد بعد 21 شهرا من تنصيبها يسمح بترجيح بعض الفرضيات.
الفرضية الأولى تتمثل في قيام الحكومة بتحليل عميق للنص القانوني أفضى بها إلى الاقتناع بضعف قدرته على عكس التوجهات الكبرى التي أقرتها الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، أو أنه كان وفيا لها غير أن الضعف يكمن أصلا في الرؤية التي ليست في مستوى طموحات الحكومة وتصورها لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. ما يدعم هذه الفرضية هو عدم استناد البرنامج الحكومي لا إلى الرؤية الاستراتيجية ولا إلى القانون الإطار، وإطلاق مشاورات جديدة حول الإصلاح من طرف وزارة التربية الوطنية ومن طرف وزارة التعليم العالي في بداية الولاية الحكومية الحالية، وعدم عقد أي اجتماع للجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي تم إحداثها لتكون تحت إشراف رئيس الحكومة، وتضطلع من بين أمور أخرى، بحصر مجموع الإجراءات والتدابير اللازم اتخاذها لتطبيق القانون الإطار، ومواكبة وتتبع إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي يستلزمها التطبيق الكامل لمقتضياته، وتتبع تنفيذ الأهداف المنصوص عليها في القانون الإطار داخل الآجال القانونية المحددة لها.
الفرضية الثانية مفادها أن الحكومة مقتنعة بالقانون الإطار بوصفه المرجعية الوحيدة لإصلاح التعليم، غير أن القراءة المتمعنة فيه أقنعتها بأن المسار التشريعي والتنظيمي طويل لأنه يمر بعدة محطات قد تشمل في بعض الحالات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الحكومي والبرلمان بغرفتيه، وأن سلكه سيستنزف منها الكثير من الوقت ومن الجهد في أمور “شكلية” تمليها المقاربة الظاهرية للقانون الإطار التي قد تحافظ على الشكل لكنها قد لا تفيد المضمون كثيرا. ويدعم هذه الفرضية تركيز خارطة الطريق في قطاع التربية الوطنية ومخطط التسريع في قطاع التعليم العالي على توجهات كلها واردة في القانون الإطار أو الرؤية الاستراتيجية لكن دون الالتفات إلى مستلزماتها التشريعية والتنظيمية، ظنا منها أنها تطبق المقاربة المقاصدية التي تكون فيها العبرة ببلوغ الغايات وليس التشبث بالوسائل.
الفرضية الثالثة تتجسد في تبني استراتيجية تجنب الحكومة المساءلة عن احترام الآجال المنصوص عليها في القانون الإطار والتي تعتبر آجالا كاملة تحتسب ابتداء من تاريخ دخول النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه حيز التنفيذ. وبما أن هذه الأخيرة لم تصدر بعد فإن المواعيد التي وضعها القانون الإطار تبقى غير ملزمة. وما يدعم هذه الفرضية هو عدم إقدام الحكومة على إطلاق مشاريع محكومة بآجال اقتربت نهايتها لو أن هذه النصوص صدرت في الوقت المحدد لها من طرف القانون الإطار وهو غشت 2022. من هذه المشاريع نذكر:
– التزام مؤسسات التعليم الخاص في أجل لا يتعدى سنة 2026، بتوفير حاجاتها من الأطر التربوية والإدارية المؤهلة والقارة؛
– تعميم تمدرس الفتيات في البوادي، في التعليم الإلزامي في أفق 2028؛
– إنجاز برنامج وطني لتأهيل مؤسسات التربية والتعليم والتكوين القائمة قبل سنة 2025، وفق معايير مرجعية لتحسين أداء هذه المؤسسات والرفع من مردوديتها؛
– إقامة وتطوير وحدات للدعم النفسي وخلايا للوساطة تشرف عليها أطر متخصصة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين، وتعميمها على الصعيد الوطني قبل سنة 2025؛
– القيام بمراجعة شاملة لنظام التقييم والامتحانات والإشهاد قبل سنة 2025.
نستنتج من هذه الفرضيات الثلاث أن الحكومة اختارت المضي في تصورها البراغماتي لإصلاح التعليم دون الاكتراث بترجمة القانون الإطار إلى نصوص تشريعية وتنظيمية، معطية بذلك الانطباع بأن ما يهمها في النهاية هو أن تنجح في الرفع من جودة مخرجات المنظومة التربوية بغض النظر عن الأساليب المتبعة ولو كان فيها خرق واضح للقانون. لكن ما يعاب على هذه المقاربة بغض النظر عن قانونيتها هو انزياحها عن قاعدة مأسسة الإصلاح، التي لا يمكن أن تتم إلا ببناء ترسانة قانونية قوية وبإرساء البنيات المؤسساتية والآليات التنظيمية المنصوص عليها في القانون الإطار، لأنها وحدها الكفيلة بوضع أسس المدرسة المغربية الجديدة وضمان استدامتها. كما أن الهرولة نحو إصلاح المنظومة دون أساس قانوني يعتمد عليه سيغري الحكومات القادمة بسلك الطريق نفسه المحفوف بخطر داهم يسمى البدء دائما من الصفر.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: من جهة
إقرأ أيضاً:
أحمد السجيني: مشروع الحكومة للإيجار القديم دون دراسة مرفقة
وجّه المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، خلال حواره مع الإعلامي خالد أبو بكر، في برنامج "آخر النهار" المذاع على قناة "النهار"، عددًا من الأسئلة المهمة للحكومة بشأن مشروع قانون الإيجار القديم.
وقال السجيني: "أسأل الحكومة فيما يتعلق بالمادة الخامسة: هل أُجريت دراسة للأثر الاجتماعي المتعلق بمدة الخمس سنوات؟ والسؤال الثاني: هل هناك دراسة اقتصادية بشأن المادة السابعة وما يترتب عليها من التزام الدولة بتوفير وحدات سكنية للفئات ذات الأولوية؟ هذا التشريع يحتاج إلى إعادة نظر".
وأضاف: "هل تم تقييم الأثر المحتمل لهذا القانون على التوزيع الديموغرافي؟ وهل أُعدّت دراسة قانونية لتطبيق نص المادة الثامنة، خصوصًا في ضوء أحكام المحكمة الدستورية؟ هذه الأسئلة كاشفة، وتحتاج إلى إجابات دقيقة".
وأوضح السجيني أن رد الحكومة جاء صريحًا، حيث أفادت بأنه لا توجد دراسات مرفقة بالمذكرة الإيضاحية للمشروع، وبناءً على ذلك، تم التوجيه من قِبل النواب بعقد جلسات استماع موسعة لمناقشة كل الأبعاد.
كما أشاد السجيني بموقف رئيس مجلس الوزراء، قائلًا: "أحيي رئيس الوزراء الذي أكد أن مشروع القانون المتعلق بالإيجار القديم هو اجتهاد من الحكومة، وأنها منفتحة تمامًا على الحوار والنقاش حوله".