قال الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في بعض الأمور التي لم ينزل فيها نص قطعي واجتهد في أخرى لحين نزول الوحي الشريف مصححًا أو مؤيدًا، وكان أغلبها مؤيدًا لاجتهاده، وكان اجتهاده عليه السلام بحضرة الصحابة لتكون سُنَّة حسنة لعلماء الأمة من بعده.

وكذلك ترك عليه السلام للصحابة الكرام رضوان الله عليهم مساحة للاجتهاد ودرَّبهم تدريبًا عمليًّا على الاجتهاد حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وتغيراتها من بعده، وكان ذلك جليًّا في قصة معاذ بن جبل عندما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسله إلى اليمن فقال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله.

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن العقل الفقهي عقل منفتح على كل القضايا، حيث إننا مطالبون بالاجتهاد لنضع علاجًا لكل مشكلة تقع وفق تطور المجتمعات والإنسان لتكون ملائمة للواقع وللشخصيات لأن العصر الحديث أبرز العديد من المسائل التي تحتاج إلى حلول لم تكن موجودة نصًّا في القرآن أو السنة أو في اجتهادات من سبقونا.

وأشار المفتي إلى أنه من العسير على النفس فضلًا عن الواقع العملي التفريط بهذا التراث العلمي المتراكم عبر القرون بدعاوى حرية الرأي والتفكير، وعلى الجميع وخاصة المقللين من أهمية التراث أن يطالع هذه الكتب الفقهية من أمهات الكتب ليدرك حجم الجهد المبذول فيها.

وشدَّد مفتي الجمهورية على ضرورة الوسطية في النقل من التراث عند التعامل مع الواقع والمستجدات فيجب أن تتم دون غلو أو تفريط، مضيفًا أنه من العوار أن نستصحب ما كان لما هو كائن الآن وبعقل ليس فاهمًا، وكذلك من الخطأ رفض ما قعَّده الفقهاء وما تركوه لنا من ثروة فقهية بصورة كلية بدعوى تغيُّر الزمان والمكان، فمن دعا للاستغناء عن هذا التراث جملة وتفصيلًا فقد ضاع وضيَّع غيره وضل الطريق، فلا بد من الاستفادة من هذا التراث ولكن بعقل منفتح.

وردًّا على سؤال عن حكم تقبيل الزوج لزوجته في نهار رمضان فقد أكد فضيلة مفتي الجمهورية على أن تقبيل الزوجة أثناء الصيام إن كان بغير قصد اللذة، كقصد الرحمة أو الوداع جائز، إلا إن كان الصائم لا يملك نفسه، فإن ملك نفسه فلا حرج عليه، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ" أخرجه مسلم في "صحيحه". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَالَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ" أخرجه أبو داود في "سننه".

وفي رده على أسئلة المشاهدين والمتابعين على سؤال يستفسر عن حكم الصيام في الأماكن التي تزيد فيها ساعات النهار عن 18 ساعة قال فضيلته: الصوم في هذه البلاد يكون على عدد ساعات مكة المكرمة، لأنها أمُّ القُرى، وعلى ذلك يبدأ المسلمون من أهل تلك البلاد بالصيام من وقت فجرهم المحلي ثم يتمون صومهم على عدد الساعات التي يصومها أهل مكة المكرمة في ذلك اليوم والذي يمكن معرفته عن طريق المواقع الإلكترونية، فلو كان الفجر في تلك البلاد مثلًا في الساعة الثالثة صباحًا وكان أهل مكة يصومون خمس عشرة ساعة، فإن موعد الإفطار يكون في الساعة الثامنة عشرة، أي السادسة بعد الظهر بتوقيت تلك البلاد.

وعن توقيت إفطار المسافر بالطائرة قال فضيلته: من المعلوم أن الإنسان كلما ارتفع عن سطح الأرض، تأخر غروب الشمس في حقه، وهذا مشاهَد لمن يقطنون الأدوار العليا، وحينئذٍ فمقتضى القواعد الشرعية أنه لا إفطار حتى تغرب الشمس أمامهم في المكان المرتفع في السماء وليس على توقيت نفس المكان على الأرض أو المياه وهذا أمر ينتبه له قادة الطائرات وينبهون المسافرين عليه.

واختتم مفتي الجمهورية بالرد على سؤال عن كيفية قضاء من أفطر أيامًا في رمضان قائلًا: عليه أن يقضيها بعد رمضان وقبل رمضان المقبل ويمكنه اختيار أيام غير شديدة الحرارة أو أيام إثنين وخميس، ولكن عليه الإسراع إن استطاع.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الإعلامي حمدي رزق المفتي مفتي الجمهورية مكة المكرمة صلى الله علیه وآله وسلم مفتی الجمهوریة رسول الله ه وآله

إقرأ أيضاً:

هؤلاء ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه.. النبي أوصى بـ3 أعمال

لاشك أننا جميعًا نرجو أن نكون من أولئك الذين ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه ، فلا أحد يمكنه المجازفة وتعريض نفسه لهذا للهلاك المحقق المتمثل في غضب الله تعالى عليه، بل إن من الحكمة تفاديه بشتى الطرق والأعمال، فالفوز الذي لا يمكن تجاهله أو التراخي في نيله هو أن نكون من أولئك الذين ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه .

كيف تكون مستجاب الدعاء؟.. علي جمعة: لا تأكل من هذا الطعامما الدعاء الذي لا يرد يوم الجمعة؟.. آية تقيك المصائب وتنصركماذا يحدث عندما تقرأ سورة الكهف يوم الجمعة؟.. 3 عجائب فوريةفي محل نظر الله

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن في عنق كل واحد منا مسئولية اجتماعية ننكر فيها المنكر، ولا نسكت عن الحق.

وأوضح «جمعة» عن كيف نكون في محل نظر الله سبحانه وتعالى ؟، أن  الساكت عن الحق شيطان أخرس، نأمر فيها بالمعروف، نؤمن فيها بالله، نبتغي فيها الخير لنا ولغيرنا.

وبين أن من وصايا سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ويجب علينا أن نقوم بواجبنا الاجتماعي في جماعتنا، ووطنا، وناسنا، وأهلنا.

وأكد أنه يجب علينا أن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وأن نؤمن بالله، حتى نكون من العباد الربانيين في محل نظر الله سبحانه وتعالى، فقد ترك لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا أسماه العلماء بحديث السفينة، وذلك أن رسول الله ضرب لنا المثل بسفينة وبقومٍ فيها.

حديث السفينة

واستند لما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فقال الذين في أسفلها: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا نستقي منه الماء، ولا نؤذي إخواننا فلو أنهم أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا، ولو أنهم تركوهم هلكوا، وهلكوا جميعا» صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

وأضاف أنه ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المثال وفيه ثلاث طوائف : الطائفة الأولى: تفعل المنكر، قد يكون عن حسن قصد، وقد يكون عن جهالة، وقد يكون عن سوء قصدٍ وغلٍ وحقد.

وتابع: ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب لنا المثل عن أولئك الذين يكونون عن حسن قصد، وبالرغم من ذلك لو تركناهم لهلكوا ولأهلكوا مع حسن قصدهم، وأنهم لا يريدون أن يؤذوا إخوانهم، ولكن ذلك بحمقٍ، وليس بحكمة.

واستشهد بما قال تعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، والطائفة الثانية: تسكت عن الحق، لا تنكر منكرًا ولا تأمر بمعروف، وهي في حال السكوت، وهي طائفةٌ تُفهم من الحديث.

واستطرد: وطائفةٌ ثالثة: تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتأخذ على يد الظالم، وعلى يد المنحرف، وعلى يد الأحمق، وكما قال الشاعر: (لكل داءٍ دواءٌ يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها).

ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه

ونبه إلى أن الناجي من الفرق الثلاث هي الفرقة التي تقوم بواجبها من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أما الفرقة التي فعلت الشر، وهذه التي سكتت عن الشر فكلاهما ظالم.

ودلل بما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، طائفةٌ تفعل السوء، طائفةٌ تسكت، وهما من الظلمة، وطائفةٌ تنهى عن السوء ينجيها الله سبحانه وتعالى عند نزول غضبه وعذابه.

وأفاد : إذن هذه السفينة استهم عليها أقوام؛ ولذلك نرى الإمام البخاري يخرجها في صحيحه في كتاب «الشركة»؛ لأن القوم يشتركون في السفينة، «واستهموا فأصاب بعضهم أعلاها» في الهواء الطلق «وبعضهم أسفلها؛ فقال الذين في أسفلها: لو أنّا نخرق خرقًا في نصيبنا».

وواصل: هذا صحيح نصيبهم من السفينة، كانوا يخرجون يستقون فيؤذون أصحابهم بشيءٍ من رشاش الماء، ومن رقة قلوبهم، وحسن نياتهم أرادوا ألا يؤذوا إخوانهم في العلو من هذا الماء، ومن مضايقتهم، نيةٌ حسنة، قلبٌ سليم، وفعلٌ أحمق.

وأشار إلى أنه لذلك ليس كل من يرتكب الخطأ لابد أن يكون سيء النية، قد يكون حسن النية، لكنه يفعل الشيء الذي يكر عليه وعلى جماعة من حوله ومواطنيه بالسوء وبالبطلان، «فلو أنهم أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» فهؤلاء الحمقى سينجون إذا أخذوا على أيديهم ؛ ولذلك هنا يُقر النظام، ويجعلنا كما قال في الصلاة: «لينوا في أيدي إخوانكم».

وأكمل : ويجعلنا جميعًا على قلب رجلٍ واحد، ويجعلنا جميعًا نتوخى الخير لكل الناس، ويجعلنا جميعًا في قاربٍ واحد؛ ولذلك لابد من وضوح الهدف، ومن الأمر بالمعروف، ومن النهي عن المنكر، وأن يحب بعضنا بعضا.

طاعات القلوب

وحذر من الكراهية فإنها من أمراض القلوب، وإن الحب من طاعات هذه القلوب التي إذا ما خرجت في طاقة حبٍ كحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للبشرية جمعاء، حتى وصفه ربه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

ولفت إلى أنه في يوم الطائف عندما ذهب يزور ثقيف جاء ملك الجبال وقال: «يا محمد إن الله أرسلني أن أطبق عليهم الأخشبين» فقال: «لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يوحّد الله».

وأردف: فتركهم بطاقة حب قلبه -صلى الله عليه وسلم- ، تمثّلوا برسولكم، الحب ليس معناه أن تترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأيضًا ليس معناه أن تترك المصالح.

ونوه بأنه أيضًا ليس معناه أن تترك الواجب الاجتماعي الذي عليك أن تفعله، ولكن معناه أن تخلص النية لله، وأن تفعل الفعل لا تريد به إلا وجه الله فـ«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى».

طباعة شارك هؤلاء ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه هؤلاء ينجيهم الله عند نزول غضبه ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه ينجيهم الله عند نزول غضبه هؤلاء ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه

مقالات مشابهة

  • هؤلاء ينجيهم الله عند نزول غضبه وعذابه.. النبي أوصى بـ3 أعمال
  • الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة.. «التطرف ليس في التدين فقط»
  • أجمل الأحاديث عن فضل الصدق
  • مفهوم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • فضل الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • أبواب العفاف كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • دُعَاءِ سيدنا رسول الله ﷺ.. الأزهر يكشف
  • صيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تزيح الكرب وتزيل الألم
  • حكم ترك صلاة الجماعة والجمعة لأصحاب الأعذار
  • صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة