أبواب العفاف كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله سبحانه وتعالى أمر بعدم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية إلا بطريقة آمنة، من باب العفاف، والمقصود بالخلوة هنا المكانُ الخاصُّ وليس المكان العام.
أبواب العفافوأوضح فضيلته أن معيار الخصوصية والعمومية هو وجوب الاستئذان من أجل النظر من عدمه؛ فالمكان الذي يجب علينا أن نستأذن للنظر إلى داخله، ولا يجوز أن ندخله إلا بعد الاستئذان، فهو مكانٌ خاص، والمكانُ الذي لا يحتاج إلى استئذان، كالطريق ووسائل النقل العامة والمساجد والمحلات العامة، فهو مكانٌ عام، ولا يسمَّى انفرادُ الرجل بالمرأة، أو المرأةُ بالرجل، فيه خلوةً، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (الترمذي في سننه).
وأضاف فضيلة الدكتور علي جمعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحري العفاف في الكلام، فنَبَّه معاذًا فقال: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (الترمذي في سننه). وربنا يقول في سورة النساء: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، ولكنه بعدها حثَّ على العفو فقال: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149].
وأكد فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن التسول والرشوة والسرقة، كما نهى عن السبِّ واللَّعن والفُحش والبذاءة، من باب العفاف، فقال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» (البخاري)، وقال: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» (أورده أبو داود في سننه)، وقال: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (مسند الإمام أحمد)، وقال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا بِالْفَاحِشِ الْبَذِيءِ» (مسند الإمام أحمد).
العفاف
وأشار فضيلته إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أيضًا البُعد عن الشبهات؛ فعن عليِّ بنِ الحسينِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتته صفيةُ بنتُ حُيَيٍّ، فلمَّا رجعت انطلق معها، فمرَّ به رجلان من الأنصار، فدعاهما فقال: «إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ». قالا: سبحان الله! قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» (البخاري)، كما أنه علَّمنا وأمرنا بالبعد عن مواطن الفتن، فقال: «وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (البخاري).
ونبه فضيلة الدكتور علي جمعة على أن هذا كلُّه من العفاف في الظاهر والسلوك، أمَّا العفاف في الباطن والمفاهيم فله حديثٌ آخر، قد يكون أهمَّ وأعمقَ من عفاف الظاهر الذي هو في غاية الأهمية في نفسه، وأرى أن فقدَنا للعفاف الظاهر والباطن يُسَبِّب كثيرًا من اختلاف المعايير والرؤى، ويُحْدِث الفجوات، بل إنني لا أُبالغ إذا قلت إن عدم العفاف يَسُدُّ بابَ استجابة الدعاء من ناحية، ويُوقِع الضغينةَ بين الناس من ناحية أخرى، وبالجملة يُغَبِّش على القلب، الذي هو مهبطُ الرحمات الربانية، أن يرى الحقَّ حقًّا والباطلَ باطلًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العفاف صلى الله علیه وسلم أن النبی
إقرأ أيضاً:
كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك؟.. يسري جبر يجيب
قال الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، إن النبي صلى الله عليه وسلم استدعى سيدنا علي بن أبي طالب وسيدنا أسامة بن زيد عندما استلبث الوحي، موضحًا أن معنى استبطأ الوحي هو أنه مرّ شهر كامل دون أن يعطيه الله تعالى أي علامة، فلا رؤية يراها في المنام، ولا قرآن ينزل، ولا حتى إلهام داخلي يخبره ببراءة السيدة عائشة رضي الله عنها، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت بدأ يأخذ رأي سيدنا علي وسيدنا أسامة بن زيد في مسألة مفارقة السيدة عائشة أو تطليقها.
كيف تعامل النبي في حادثة الإفك؟وأشار الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الجمعة، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار هذين الصحابيين بالذات لرجاحة عقلهما وقربهما منه، خاصة أن سيدنا أسامة كان النبي هو الذي ربّاه، وكان أبوه زيد بن حارثة مولى عند النبي فاعتقه النبي وتبنّاه، ثم زوّجه السيدة زينب بنت جحش، كما تزوج أبوه قبلها السيدة أم أيمن الحبشية وأنجب منها أسامة.
وتابع الدكتور يسري جبر، كان النبي يحب أسامة حبًا شديدًا حتى كانوا يقولون عنه: حب النبي وابن حبه، وكان يقعده على حجره ويضع على الحجر الآخر الحسن والحسين ويقول: اللهم إني أحبهم فأحبّ من أحبهم، أما سيدنا عليّ، فكان النبي يحبه ويثق في حكمته وعدله.
وذكر الدكتور يسري جبر أن سيدنا أسامة أشار على النبي بما يعلم في نفسه من الود لأهل بيته، وقال: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرًا، داعيًا النبي إلى الإمساك بأهله وعدم الالتفات إلى ما يقال، موضحًا أن هذا مجرد لغو لا ينبغي أن يحزن النبي صلى الله عليه وسلم.
تفاصيل حادثة الإفكوتابع الدكتور يسري جبر، أما سيدنا عليّ، ولأن فيه جانب القضاء ظاهرًا، فقد نظر أولًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحزن الذي بدا في قلبه، وكلّمه كلام رجل لرجل، وقال له: إن كانت لك زوجة وخرج عليها كلام يؤذيك، فالنساء غيرها كثير، فطلّقها وتزوج غيرها، ثم أراد سيدنا عليّ أن يبرّ السيدة عائشة، فسأل النبي أن يستحضر من هي ملاصقة لها دائمًا، وهي بريرة خادمتها، لأنها كانت أجدر بمعرفة أحوالها اليومية.
حكم الدعاء بالمجربات الصالحين وأثرها على الشرع؟.. الدكتور يسري جبر يوضح
ما الحكمة وراء تشديد الشرع على حق الجار؟.. الدكتور يسري جبر يكشف
لا حياء في الدين مقولة خاطئة أم صحيحة؟.. يسري جبر يجيب
ما الحكمة من زواج المطلقة ثلاثًا بآخر للرجوع إلى زوجها الأول؟.. يسري جبر يجيب
وبيّن الدكتور يسري جبر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بريرة، وقال لها: يا بريرة، هل رأيتِ فيها شيئًا يريبك؟ أي هل رأيتِ شيئًا يجعلك تشكين في سلوك السيدة عائشة، فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمرًا أغمصه عليها، ومعنى إن هنا هو ما النافية، كما في قوله تعالى: إن أنت إلا نذير أي ما أنت إلا نذير، وأضافت بريرة أنها لم ترَ منها شيئًا يُنتقد سوى أنها جارية حديثة السن، إذ كانت أحيانًا تنام عن العجين الذي تعجنه، فتأتي الداجن – سواء كانت معزة أو دجاجة منزلية – فتأكل العجين وهي نائمة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي كان يضايقها منها.
وأوضح الدكتور يسري جبر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما سمع شهادة بريرة واطمأن قلبه، قام من يومه، وخرج إلى المسجد ليخطب في المسلمين ويواجههم بما قيل في حادثة الإفك.