لجريدة عمان:
2025-12-13@23:04:54 GMT

بوصلة السراب..رواية التحولات لأحمد الرحبي

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

بوصلة السراب..رواية التحولات لأحمد الرحبي

يواصل الكاتب العُمانيّ أحمد الرحبي مشروعه الإبداعيّ (كتابة وترجمة)، حيث صدر له مؤخرًا روايته الثالثة (بوصلة السراب) عن دار أوكسجين، بعد روايتيه الوافد (2006)، وأنا والجدة نينا (2015).

يشتغل الرحبي على خط خفي في سرده، هو الاغتراب، اغتراب الإنسان، وهي ثيمة واسعة ومتشعبة وعميقة، ثيمة أصبحت ملازمة لحياة الإنسان المعاصر، وربما تُلامس روح الكاتب الذي اختار موسكو موطنا لدراسته وحياته.

وهذه الثيمة ظهرت بأشكال ومظاهر مختلفة في أعمال الكاتب.

من العتبة الأولى للنص (بوصلة السراب) نحن أمام لعبة المتناقضات، وهي متناقضات ضرورية لكشف جوانب، وحياة الشخصيات. الشخصيات التي تعيش في قرية مغلقة/ ومفتوحة على كل الاحتمالات وتحولات الزمن، وتمدد الأمكنة وتوحّش الإنسان، وانكسار الأحلام.

الشخصيات التي نسجها الرحبي بإتقان فني عال، ووعي سردي. والتناقضات هنا ليس على مستوى الشخصيات وما تفعله في الحدث السردي، بل حتى الأمكنة، رغم الوصف الرومانسي للقرية الذي يطفو في التفاصيل هناك رأس للرأسمالية بدأ يطل على هذه القرية داخل النص، والرأسمالية مرتبطة بالسلطة دائما.

فالبوصلة هي التي تحدد الطريق والاتجاه، والبوصلة كذلك تشير بشكل خفيّ إلى خوف من الضياع والانحراف عن الطريق لمن يحملها، لكن الكاتب أضافها إلى السراب. فمن هذا الذي يتبع السراب؟ هذا السراب الذي ستتبعه الشخصيات، وخاصة إذا علمنا أن الرحبي قد اختار زمنا مفصليا لأحداث روايته، يمكن أن نطلق عليه زمن التحوّلات في المجتمع العمانيّ العالق بين زمنين، زمن القرية وزمن النفط والمدينة. الجو العام للشخصيات عالق بين منطقتين قلقتين (الماضي الذي يحمل حقائبه، والمستقبل الذي يتكوّن في حقول السلطة). هل يمكننا أن نتبع نحن قرّاء هذه البوصلة سراب الأحداث؟ أو هذا السراب مرتبط بزمن ما أم إنه سراب يطاردنا؟ أتستطيع هذا البوصلة أن تحدد الخطاب العام للسرد أم أن السراب سيشوش هذا الخطاب العام؟ ويمكن أن نضع ملاحظة بأن السراب هي منطقة خطيرة أقرب إلى الوهم، فالذي يتبع السراب يظل يتوهم أنه سيصل قريبا.

« كان محمد، القادم من المدينة لقضاء إجازته الصيفية عند ذويه، يمشي في ذلك الصمت الرابض على الأرض والخلائق» ص7 في ذلك الصمت المتشبث بالأرض والبشر يبدأ أحمد الرحبي بناء معماره السردي ومملكته، وهي مهمة ليست سهلة لعدة أسباب: فمحمد القادم من المدينة عليه أن يؤثث بيت الرواية بكل الأمكنة التي يصفها، فبناء عالم روائي مكتمل في قرية ليست مهمة سهلة، والجو العام للقرى جو راكد ويلفه الصمت، فكيف يمكن للرحبي أن يحرك نهر السرد في هذا الجو؟

زمن الرواية هو زمن التحولات، ليس تحولات عامة فقط، بل تحولات على مستوى الشخصيات وعوالمها، اختار الكاتب القرية مكانا لهذا الرصد، ليس لتمجد القرية مقابل قبح المدينة، التي لا تظهر سوى كظلال في الرواية. ومن الملاحظ في موضوع الزمن، أن هناك ثلاثة أجيال داخل الرواية الجد والأب (الغائب في معظم أحداث الرواية) والحفيد الذي يرصد عوالم الحياة والعلاقات البشرية في القرية، وهذا الربط والتداخل بين هذه الأجيال الثلاثة خلق تصاعدا وتمازجا بين الأحداث لخلق المفارقات السردية، ورصد المكونات الثقافية للأجيال الثلاثة ورصد بنية الأفكار والهواجس والمشاعر والأحلام لكل جيل.

رغم أن الكاتب رسم المكان بشكل دقيق، وجعل المكان بطلا في الرواية، إلا أنه لم يعط الأمكنة أسماء محددة، فهناك المكان والسوق والمسجد، والحارات، والمقبرة، ومكتب الوالي. وهنا يتبادر إلى الذهن لماذا هذه الضبابية في وضع الأسماء رغم دقة الوصف للأمكنة؟ هل هذه الضبابية مرتبطة بالسراب الذي عنون به الكاتب عمله الروائي؟

قسّم الرحبي روايته إلى ستة فصول، وأعطى لكلِّ فصل عنوانا خاصا به، يرتبط بعوالم هذا الفصل وأحداثه (مدخل إلى المكان، مشاريع العم صالح، ابن المجنونة، السوق، أفراح وأتراح، الخروج من المكان). وخلال هذه الفصول شيّد الرحبي عوالمه وبنى حيوات وأحداثا ورصد تحولات الشخصيات وانهزاميتها، كل هذا البناء، وهذا الرصد قائم على التفاصيل الصغيرة، للأمكنة والأشياء وحوارات الشخصيات.

« أما الكاسر، الشبيه ببرميل صغير، فتناوله رجل ضئيل، لا شيء يوصف فيه، فوجهه صغير قد غارت ملامحه، وملابسه واسعة تكاد أن تبلعه، ينقران على الطبلين، نقرا رتيبا لكنه قوي، يريدان أن يوقظا به المنشدين وينقلاهم إلى درجة أخرى من الطرب، وهو ما تم بالفعل». ص186

من خلال التفاصيل الصغيرة التي نحت بها الكاتب عوالم وأمكنة وشخصياته السردية استطاع أن يمرر من خلال ـ التفاصيل ـ رسائله المضمرة والجمالية.

الغياب والحضور

هناك ثيمة أو تقنية استخدمها الكاتب في روايته بذكاء، وهي ثنائية الحضور والغياب، فحضور عائلة الطفل محمد من العاصمة إلى القرية، سيولّد غياب الأب، الذي سيذهب إلى الحرب في الكويت، وعندما تحضر السلطة (مكتب الوالي) في حياة صالح ستغيب عنه أشياء كثيرة ومنها محبوبته الأولى، الذي يُضحّي بها لكي يقترب من السلطة، غياب الحب وحضور السلطة في حياة صالح، وكذلك عند عودة أبو محمد من الحرب يعني غياب محمد عن عوالم القرية، وحضور مظاهر المدنيّة إلى بيت الجد سليم التويجر سيولد غياب البهجة من حياة العائلة. فمتوالية الحضور والغياب تتوالى وتظهر بأشكال ومظاهر مختلفة في الرواية. فالغياب محرض لحضور حدث ما، وحضور حدث ما سيولد غياب شيء ما. وبين هذين الخطين تتصاعد الأحداث.

السرد بين واقعية الكبار وأحلام الأطفال

رغم إن الطفل محمد هو ركيزة أساسية للسرد، ومحرّك شبكة العلاقات في الرواية، إلا أن المتتبع للشخصيات وعلاقتها بالأحداث السرديّة يُلاحظ أن السرد تأرجح بين عالمين، عالم الكبار وما يمثله من واقعية وحنين جارف وتوحش، وتشبث بالأشياء كما هي، وبين عالم الأطفال الذي يُؤسس للحياة أحلامها الصغيرة ويرصد زوايا الواقع بصدق وشفافية.

مثلما قلنا سابقا إن الرواية تذهب إلى زمن مفصلي في حياة العُماني المعاصر، زمن التحولات، وهذه التحولات رصدتها هذه الأصوات السردية المتناقضة كذلك في نظرتها وتشبثها بالأرض.

محمد الطفل هو الحلقة الرابطة بين الأصوات السردية داخل الرواية، رغم أن محمد كائن غير منتم إلى القرية رغم محبته الظاهرة لها، وبين المدينة التي لا تظهر سوى في بداية العمل ونهايته. ولكن هذه العين الراصدة تكشف لنا تناقضات الحياة، بكل تحولاتها وجمالها وقبحها، لا تقارن القرية وأهلها، بل ترصد، تتأمل، تتعرّف، دون أي حكم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الروایة الذی ی

إقرأ أيضاً:

حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية

رفضت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الخميس، تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في وقت سابق الخميس واتهم فصائل فلسطينية مسلحة بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

واعتبرت الحركة أن التقرير يستند إلى رواية الاحتلال الإسرائيلي ويتضمن مغالطات وتناقضات جوهرية، في وقت يواصل فيه الاحتلال التغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب.

حماس: تقرير العفو "مغلوط ومشبوه"
قالت حماس في بيان رسمي إنها ترفض "بشدة" ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية، معتبرة أنه "يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم خلال عملية طوفان الأقصى"، وأنه يتجاهل الحقائق التي وثقتها منظمات حقوقية، بعضها إسرائيلية. 

وأكدت الحركة أن التقرير "مغرض ومشبوه" ويحتوي على "مغالطات وتناقضات" تتناقض مع ما أثبتته تسجيلات ووثائق وتحقيقات ميدانية.

وأشارت الحركة إلى أن بعض مزاعم العفو الدولية، مثل "تدمير مئات المنازل والمنشآت"، ثبت أنها وقعت بفعل القوات الإسرائيلية نفسها عبر القصف الجوي والبري. 

كما أوضحت أن "الادعاء بقتل المدنيين" يناقض تقارير عدة أكدت أن جيش الاحتلال هو من قتلهم في إطار تطبيقه "بروتوكول هانيبال" الذي يجيز إطلاق النار على الإسرائيليين لمنع أسرهم.

اتهامات بالاستناد إلى رواية الاحتلال
ورأت الحركة أن ترديد التقرير "أكاذيب الاحتلال" حول العنف الجنسي والاغتصاب وسوء معاملة الأسرى يؤكد أن الهدف الحقيقي هو "التحريض وتشويه المقاومة"، مشيرة إلى أن "العديد من التحقيقات الدولية" سبق أن فندت تلك الادعاءات. 

وشددت حماس على أن "تبني منظمة العفو لهذه المزاعم يضعها في موقع المتواطئ مع الاحتلال، ومحاولاته شيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومته الشرعية".

وطالبت الحركة المنظمة الدولية بالتراجع عن التقرير "غير المهني" ورفض الانجرار خلف الرواية الإسرائيلية الهادفة – بحسب البيان – إلى طمس حقيقة جرائم الإبادة الجماعية التي تحقق فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.


غياب المنظمات الدولية عن غزة
وأكدت حماس أن حكومة الاحتلال منعت منذ الأيام الأولى للحرب دخول المنظمات الدولية وفرق الأمم المتحدة إلى قطاع غزة، كما حظرت وصول فرق التحقيق المستقلة إلى مسرح الأحداث. 

وأوضحت أن "الحصار المفروض على الشهود والأدلة" يجعل أي تقارير تصدر عن جهات خارج القطاع "غير مكتملة ومنقوصة"، ويحول دون الوصول إلى تحقيق مهني يعتمد على الحقائق الميدانية.

تقرير العفو الدولية
وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في وقت سابق الخميس تقريرا موسعا من 173 صفحة، اتهمت فيه فصائل فلسطينية – وفي مقدمتها حماس – بارتكاب "انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أو ما تلاه من احتجاز وإساءة معاملة للرهائن.

وجاء في التقرير أن الفصائل الفلسطينية "واصلت ارتكاب الانتهاكات" عبر احتجاز الرهائن وسوء معاملتهم، واحتجاز جثامين تم الاستيلاء عليها، مشيرا إلى أن "قتل أكثر من 1221 شخصا في إسرائيل" – وفق تصنيف المنظمة – يرقى إلى "جريمة إبادة ضد الإنسانية".

كما تضمن التقرير اتهامات بالاغتصاب والعنف الجنسي، رغم أن المنظمة أقرت بأنها لم تتمكن من توثيق سوى "حالة واحدة فقط"، الأمر الذي حال دون تقدير حجم الانتهاكات المزعومة بدقة.

إبادة إسرائيلية في غزة
وفي المقابل، تجاهل تقرير العفو الدولية – بحسب حماس – حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة خلفت أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد على 171 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية وتهجير معظم سكان القطاع قسرا.

وأفرجت حماس خلال مراحل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء لديها، إضافة إلى تسليم جثامين المتوفين، باستثناء أسير واحد قالت إنها ما تزال تبحث عنه.

مقالات مشابهة

  • سياسات اللغة العربية وآفاقها
  • بعد رسالته لإدارة ليفربول.. أحمد فلوكس لأحمد السقا: أبو الرجولة واللي في قلبه على لسانه
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • هل كنا في السماء؟.. اعتراف إيراني يهزّ رواية إسقاط مقاتلات إف-35 الإسرائيلية
  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • منشور غامض لأحمد حلمي على الانستغرام يثير قلق جمهوره عليه
  • المكتب الإعلامي في غزة يفند رواية السفير الأمريكي: أرقام المساعدات تكشف حصارا ممنهجا لا تدفقا يوميا
  • ذكرى رحيل محمود أبو زيد .. مبدع النصوص الإنسانية وعرّاب الشخصيات المُركّبة
  • أبرز الشخصيات الراحلة في العام 2025 (إنفوغراف)