موقع النيلين:
2025-05-10@18:56:34 GMT

عادل عسوم: ليلة القدر وجعفر الدريويش ونوال

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT


أيقنت بأن هؤلاء الدراويش ماخلقهم الله الا لخير فيهم يفيض على من حولهم، ولغاية يعلمها هو جل في علاه…
فما من قرية أو مدينة الا وتجد فيها درويش، وكم لهذه الشخصية من أثر وبصمات في وجدان الناس…
في صباي كنت أظن السبب في وجود الدراويش انتفاء العناية الطبية، لكنني أستبعدت ذلك لاحقا وفي ثنايا أسفاري العديدة وجدت هذه الشخصية في العديد من دول العالم التي لاتفتقر إلى عناية طبية، فتبين لي بأن الأمر ماهو إلا قدر مقدور من رب العباد، فما كان مني إلا أن جلست أسائل نفسي بين يدي حديثٍ شريف لنبينا صلى الله عليه وسلم يفيد بأن الله لأرأف بعبده من الشاة بوليدها، فامتلأتُ يقينا بأن هؤلاء الدراويش أحبابٌ للّه، وفيهم من الأسرار والخبايا ما الله به عليم.


لقد قرأت في صباي كتابا وجدته في مكتبة الوالد رحمه الله للكاتب جان بول سارتر إسمه (عبيط القرية)، يتحدث هذا الكتاب عن رجل مفعم بالروحانية، تجد الإيجاب في كل حراك يقوم به وهو يتفاعل مع الناس من حوله، ثم قرأت زين طيبنا الصالح رحمه الله في روايته (عرس الزين)، الزين الذي ما ان تقع عيناه علي صبية من صبايا القرية إلا ويُلقي الله حبها في قلوب الشباب، فينفتح لها باب الزواج علي مصراعيه!…
واذا بي من بعد ذلك كلما قرأت سورة الكهف، ومررت على قصة الرجل الصالح وموسي عليهما السلام؛ أتوقف مَلِيّا بين يدي أفعال الخضر عليه السلام؛ من خرق للسفينة، وقتل للغلام، ثم إقامة للجدار!، بالرغم من يقيني بأنها تحكي عن تفاصيل القضاء والقدر والفرق بينهما؛ إلا إنني تبينت في ثناياها أسرارا ممتدة، وعوالم من أنوار ترفرف في فضاءاتها الأرواح، ارتقاء في درب مدارج السالكين…
واسمحوا لي بأن أحكي لكم عن قصة نوال وجعفر الدريويش، إنها قصة حدثت في إحدى القرى التي تقع على شاطئ النيل في اتجاه الشمال من قريتي البركل.
نوال هي الثانية من بعد شقيق يكبرها، وتليها شقيقات خمس،
وآخر العنقود جعفر، خرج إلى الدنيا بضمور في المخ ليعتاد الناس على تسميته بالدريويش منذ طفولته.
نشأت الأسرة كسواها من الأسر في شمالنا الحبيب على الكفاف، ولم يكن مصير نوال بأفضل عن العديد من بنات جيلها خلال السبعينات ممن تركن الدراسة في مراحلها المختلفة، أو لم يدرسن منذ البدء، فهي إن تساوت معهن في سمت المسغبة؛ إلا إنها تزيد عليهن بطول ملازمتها لأمها طريحة الفراش جرّاء مرض عضال، وما لبث أن سافر شقيقها الأكبر إلى ليبيا وانقطعت أخباره، وعندما طالبتها أدراة المدرسة الثانوية إيفاء مصاريف الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية (على قلتها)؛ لم تستطع لذلك سبيلا، فأخوها الأكبر -قبيل سفره- لم يدع لهم شيئا ليباع ويُنتفع بثمنه، وما بقي بيد والدها من مال لم يعد يكفي قيمة الدواء الذي يبتاعونه كل شهر لأمها…
في ذلك اليوم بكت نوال ما شاء الله لها أن تبكي، فإذا بالدريويش ينظر إليها في محبة مواسيا ويقول:
– ماتبكي يانوال، الله في…
وظل يهزج بها:
اللّه فيه …
اللّه فيه…
اللّه فيه…
أراح ذلك ذلك نوال كثيرا، فظلت تردد (اللّه في)، إلى أن نامت.
نوال منّت نفسها بأن تصبح يوما معلمة تنير عقول النشئ، ثم تستعين بما تتحصل عليه من مال لرفعة شأن أسرتها، لكن ذهب كل ذلك ادراج الرياح، ومات الأمل، وتراجعت الميم لتذيّل وتقبر الأمل إلى الأبد…
قالت لها أمها يوما:
جعفر دا مااااا تستهونوا بيهوا يانوال يابتي، جعفر دا فيهو سر كبيييير والله!…
وَدّعت نوال المدرسة مكرهة لتتفرغ لأشغال البيت، ولم تكلّ أو تملّ، بقيت كالشمعة تذوب لتضئ لبقية أفراد الأسرة حياتهم، وانشغلت بممارضة والدتها المصابة بالسرطان، ولم تألُ جهدا في تلبية احتياجات والدها السبعيني، والذي ظل يعمل في أرضه الصغيرة التي بقيت، تناست نوال نفسها مع حراك حياة شقيقاتها الخمس، يضاف إلى ذلك إهتمامها بحياة شقيقها الأصغر جعفر الدريويش، فكانت تحرص على البحث عنه كل مساء لضمان مبيته في المنزل، ظلت تفعل كل ذلك بقلب محب ورؤوم…
وما أن مر عام حتي تزوجت شقيقاتها الخمس، ولكن شاب الأفراح شئ من حزن برحيل والدها.
وانتقلت شقيقاتها مع أزواجهن إلى مناطق أخرى في أرجاء السودان،
ولم تسع نوال إلى الاثقال على شقيقاتها للصرف على المنزل وقد اعتدن إنجاب التوائم، ولم يكن ازواجهن ميسوري الحال.
سعت نوال للبحثت عن عمل للصرف على نفسها وأمها وجعفر، فوجدت ضالتها في نسج الطواقي وعمل السلال والبروش من سعف النخيل، تعينها والدتها طريحة الفراش بالتوجيه، وشرعت كذلك في صنع الطعمية والزلابية لبيعها لطلبة مجمع المدارس القريب، وساعدها أهل القرية بابتياع مستلزمات العمل، ووجدت صبيا من الأعراب الوافدين للإهتمام بالأرض الصغيرة، وظل جعفر بجوارها يعينها بهمة ونشاط، وانفرج الحال قليلا، فامتدت هبات نوال وعطاياها إلى شقيقاتها الخمس من خبيز وتمور واحتياجات رمضان كل عام، أصبحت لهم أُمًَّا كي لا تشعرهن بمنقصة دون الأخريات، وبقيت أها ترقب كل ذلك وهي على فراشها غترفع يديها تدعو الله لها بظهر الغيب، وبرغم كل هذا الجهد والحراك لم تكن الأبتسامة تغادر وجه نوال، وعندما يأتي الليل تنشغل نوال بامها المريضة، فلاتنام إلا النذر اليسير منه، قال لها جعفر يوما وهو يهزج:
نومك قليل…
نومك قليل…
نومك قليل…
فسألته، لكن أسوي شنو ياجعفر؟!
أشار بيده إلى منزل شيخ وراق المجاور، والذي اعتاد قيام الليل والتلاوة، حيث يصلهم صوته قبيل الفجر.
بدأت تقيم الليل وتقرأ صفحة من كتاب الله كل ليلة، ثم تدعو الله ماشاء لها من دعاء وهي تبلل حِجْرها بدموع الرجاء، وظل الدريويش يرصدها من تحت غطائه وهو يشارك أمه الفراش…
وأكملت نوال حفظ كتاب الله خلال سنوات ثلاث، وجاء رمضان الرابع فتفيئت كما اعتادت ظلال العشر الأواخر منه تزيد من عبادتها وتلاوتها، وفي ليلةٍ وترٍ من لياليه العشر؛ إذا بها ترى كل شئ يخر ساجدا لله، والملائكة تُحَوِّم داخل الغرفة يقرأون سورة الرحمن! …
هتف بها هاتف:
– يانوال، يانوال…
هذه ليلة القدر، ادعي الله بماشئت.
فاشتد وجيب قلبها، وتعالت منها الأنفاس وكأنها هاجر تهرول المسافات الطوال بين الصفا والمروة، وتلعثم منها اللسان، فإذا بصوت الدريويش يأتيها من عَلٍ:
– نوال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، فرددت من خلفه ذلك مرات ثلاث، ونظرت إلى فراش امها فإذا هي نائمة لوحدها، ولم يكن للدريويش من أثر!
قفذت نوال وجِلَة إلى خارج الغرفة، فإذا به يرتفع عن الارض على مستوى بصر الرائي، وقد اعتمر له جناحين!..
ياللنور الباهر الذي يشع من وجه شقيقها جعفر!، وياااااللابتسامة الوضيئة التي ترتسم على شفتيه!…
قال لها جعفر -من علٍ- بلغة فصحى لم يعتد الحديث بها وهو يرفرف بجناحيه:
– يانوال، أنا ذاهب إلى ربي لأجاور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أعالي الجنان، وقد سبقتني أمنا قبل قليل، فلا تحزني ياأختاه…
فصاحت به:
– سوقوني معاكم…
قال لها وقد تهلل وجهه أكثر:
– لا تحزني يانوال، أدعي الله ياشقيقتي، فإن الله قد كتب لك الرضى والسعادة في الدارين.
فأجابته وهي تبكي:
– لكن حتخلوني براي؟!
– لا لن تصبحي وحيدة، ستتزوجين بإذن الله، وستنجيبين البنين والبنات، ولكن عديني بأن لا تنسين تسمية ابنك البكر باسمي، ثم علا واختفى…
عادت نوال مهرولة إلى الغرفة لتجد والدتها فارقت الحياة، فثقل خطوها، وسقطت على الأرض ترتعش من هول الموقف، وتذكرت الدعاء الذي أوصاها به الدرويش، فدعت الله به مرارا، واظلمت الدنيا في عينيها…
فتحت نوال عينيها فوجدت نفسها طريحة الفراش وحولها بعض نساء الحي:
– أنا وين؟!
فأجبنها بأنها في مستشفى كريمة، وأن الله كتب لها عمرا جديدا بعد أن بقيت غائبة عن الوعي لأيام، وقمن بتعزيتها لوفاة أمها، ثم سمعت بهن يتهامسن بان الناس قرروا أن لايخبروها بالدريويش الذي أختفى ولا يجدون له أثر، فلم تعر ذلك اهتماما، فهي تعلم مكانه يقينا…
واجتمع شملها بشقيقاتها الخمس اللائي جئن لتلقي العزاء ومواساتها في وفاة أمهن،
ثم أقبل عيد الفطر…
وقبل أن تسافر شقيقاتها تقدم لها قريب لهم يعيش في بورتسودان قد توفيت زوجه قبل عام…
قال (فيصل) الذي قُدِّر له أن يكون زوجا لنوال:
– والله منذ أول ليلة أفضيت فيها إلى نوال؛ بارك الله لي في كل شئ!!!…
كان لي كشك صغير فقط، فأصبح لي من المحال التجارية ثلاثا، وما شرعت في صفقة الاّ وبارك الله لي فيها أضعافا مضاعفة!!…
أصبحت نوال زوجا لأغنى تجار بورتسودان، وأنجبت العديد من الأبناء والبنات، ولم تنس أن تسمي أولهم بأسم جعفر…
ومافتئت يدها ندية بالعطايا إلى شقيقاتها، بل إلى أهل القرية جمعاء.
adilassoom@gmail.com

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الل ه فی

إقرأ أيضاً:

بعد 52 عامًا.. كواليس جديدة حول البطولة الأولى لـ عادل إمام في «البحث عن فضيحة»

يُعد فيلم «البحث عن فضيحة«واحدًا من أبرز الأعمال الكوميدية في تاريخ السينما المصرية، إذ استطاع أن يحجز مكانه في قلوب المشاهدين منذ عرضه الأول عام 1973 وحتى يومنا هذا، برغم مرور العقود وتغير الأجيال، ظل الفيلم محط إعجاب الجمهور بفضل قصته البسيطة والمضحكة، وأداء أبطاله البارع وعلى رأسهم عادل إمام وميرفت أمين، ولا يزال الفيلم يُعرض على الشاشات ويحظى بنسبة مشاهدة عالية، ليؤكد أن الكوميديا الصادقة والقصة الذكية قادرتان على تجاوز حدود الزمن، وتحقيق حب متجدد من جمهور يعشق الضحك والنوستالجيا معًا.

قال الإعلامي د. عمرو الليثي في تصريحات صحفية، أن فيلم «ثرثرة فوق النيل» جمعَ العديد من النجوم، وكان انطلاقه للعديد من الفنانين الشباب في ذلك الوقت، كما حكى له عمه المنتج جمال الليثى، فلم يكن الفنان عادل أدهم هو الوحيد الذي أخذ فرصته معه من خلال انطلاقته الأولى في هذا الفيلم، ففى نفس هذا الفيلم أعطى ميرفت أمين أحد الأدوار البارزة وكان قد قابلها في الإسكندرية وكانت قد ذهبت إلى هناك مع فرقة الفنانين المتحدين لكى تمثل مسرحية مع عبدالمنعم مدبولى وسعيد صالح ومحمد صبحى، وحدث أن غضبت الجماهير من مجموعة الفنانين على المسرح وبدأوا يتبادلون معهم عبارات السخرية، فقرر عبدالمنعم مدبولى وكان مخرج العرض أن يسدل الستار على المسرحية ويرد للجماهير قيمة تذاكر الدخول أو السماح لمن يريد أن يرى المسرحية بدخولها في اليوم التالى.. وكانت الممثلة مديحة كامل موجودة في نفس الليلة وكانت النية معقودة على استبدال الفنانة ميرفت أمين بمديحة كامل في بطولة المسرحية دون أن تعرف هذا، وفى الليلة الثانية فوجئت ميرفت أمين بمديحة تمثل فانصرفت غاضبة محبطة، وقابلها جمال الليثى في فندق وندسور وسمع قصة تركها للمسرحية منها بعيون تخنقها الدموع وقالت له في النهاية إنها تريد العودة فورًا إلى القاهرة.

وهكذا كانت ميرفت أمين من ترشيحاته الأولى في فيلم «ثرثرة فوق النيل» ولم يختلف هو والمخرج حسين كمال على وجودها، ومن المواقف التي حكاها له جمال الليثى أن المخرج حسين كمال في نفس الفيلم كان قد رشح الممثلة سناء مظهر لدور الزوجة الخائنة التي تتردد على العوامة، وعندما دخلت مكتب جمال الليثى وأول ما نظر إلى وجهها الذي تضع عليه الكثير من الماكياج والمساحيق فوجئت به يطلب منها أن تذهب إلى الحمام فتغسل وجهها لتزيل كل هذا الماكياج ليراها على الطبيعة، واعتبرت هذا الطلب إهانة لا تغتفر وانصرفت غاضبة، وروى هذه القصة لحسين كمال ورشح له الراقصة نعمت مختار وصدق حدسه بالفعل ومثلت الدور بامتياز.. أما الفيلم الذي كان بطولة مطلقة لميرفت أمين وعادل إمام فكان فيلم «البحث عن فضيحة».

وكان عادل إمام واحدا من ضيوف بيت جمال الليثى يجىء دائمًا بصحبة محمد عبدالوهاب وفؤاد المهندس، وكان عادل إمام بدأ يحقق بعض الشهرة بدور «دسوقى» الذي مثله في مسرحية «أنا وهو وهى» وأصبح الناس يرددون عبارته «أصل دى بلد شهادات» وأعطاه فطين عبدالوهاب دورًا صغيرًا في فيلم «نصف ساعة جواز».

وكان رأى جمال الليثى أنه يستحق أن ينطلق لتمثيل دور البطولة في فيلم سينمائى، ولهذا أعطاه دور البطولة أمام ميرفت أمين وسمير صبرى في فيلم «البحث عن فضيحة»، وكتب السيناريو الكاتب الكبير فاروق صبرى، وقد حرص على أن يحيط هذا الثلاثى الجيد «عادل وميرفت وسمير» بمجموعة من الكبار مثل يوسف وهبى وعماد حمدى وأحمد رمزى وجورج سيدهم ومحمد عوض لكى تتاح لهم فرصة النجاح كاملة، وكان مخرج الفيلم هو الأستاذ نيازى مصطفى، وهو رائد من رواد السينما، وكانت ميزانية الفيلم متوسطة، حصل فيها الفنان عادل إمام على أجر 400 جنيه والفنان يوسف وهبى 800 جنيه وسمير صبرى 750 جنيها.

واختتم «الليثي»: «أبلغنى صديقى النجم الجميل هشام ماجد أنه بصدد إعادة إنتاج الفيلم وسيلعب دور الفنان عادل إمام، أتمنى لصناع الفيلم النجاح وإضافة فكر جديد لفيلم رائع أنتج منذ أكثر من 50 سنة».

المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بعد 52 عامًا.. كواليس جديدة حول البطولة الأولى لـ عادل إمام في «البحث عن فضيحة»
  • المقاتلون السعوديون يسطرون ليلة بطولية في حلبة “أونيكس” جدة|  “باسهل” يخطف الأنظار.. و”صيفي” إلى نصف نهائي دوري المقاتلين
  • «إحسان» يختتم مسابقة البحث العلمي والابتكار 2025
  • التشكيل المتوقع للزمالك أمام سيراميكا في الدوري الممتاز اليوم
  • الولايات المتحدة تمهد لتفويض مؤسسة جديدة لإدارة المساعدات في غزة
  • حكم استعمال البخور ليلة الجمعة .. هل يطرد الخبائث؟
  • وفاة والد الفنان محمد عبد السيد
  • شاهد بالصورة والفيديو.. خجل وحياء عروس سودانية من عريسها في ليلة زفافهما يثير اهتمام جمهور مواقع التواصل
  • شاهد بالصور..  المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق “مارينا” ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق
  • مروة ناجي في ليلة استثنائية وسط جمهور المغرب لإحياء الذكرى 50 لأم كلثوم.. صور