التكنولوجيا الحديثة ترتقي بقدرات عالمنا الذكي
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
عمار طبا- نائب رئيس شركة هواوي للعلاقات العامة بالمنطقة
يعتبر عام 2024 محطة مهمة في رحلة عالمنا الرقمي وتعزيز قدرات الاتصال بين الأجهزة والبشر، حيث سيتم الاستفادة من الأجيال الجديدة للعديد من التقنيات الثورية الحديثة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والاتصالات لدفع عجلة الرقمنة ضمن مختلف القطاعات والصناعات، وبالتالي ترسيخ مكانة المنطقة كمركز حيوي للابتكار والريادة التكنولوجية.
سيشهد عام 2024 اعتماد شبكات الجيل الخامس والنصف 5.5G، وهي المستوى التالي من تقنية الجيل الخامس 5G لشبكات الاتصالات التي كان لها الأثر الإيجابي الأكثر فاعلية في تاريخ قطاع الاتصالات.
وستستكمل هذه التقنية فرص توسع حدودنا التكنولوجية، وتفتح آفاقا جديدة لعالم الاتصالات وسط توقعات بانتشار الأجهزة المتصلة إلى مستويات غير مسبوقة خلال العقد المقبل، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأجهزة المتصلة في جميع أنحاء العالم سيصل إلى 30.9 مليار جهاز بحلول عام 2025.
ويبشر التقدم التقني بتوفير تجارب رقمية تفاعلية مميزة ضمن وقتها الحقيقي، حيث تمتاز شبكات الجيل الخامس والنصف بالقدرة على ترقية قدرات الشبكة بواقع 10 مرات، ودعم تجارب الاتصال بسرعة 10 غيغابايت في الثانية، وتمكين 100 مليار نقطة اتصال من العمل في الوقت ذاته، ما يبشر برفع قدرات الذكاء للعديد من الخدمات.
ومن المتوقع أن يستفيد مشغلي الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي الذين كانوا سباقين في اعتماد شبكات الجيل الخامس؛ من مميزات وقدرات شبكات الجيل الخامس والنصف الاستثنائية حيث توفر خاصية الاستشعار -التي تعتبر حجر الزاوية فيها- آفاقا جديدة لتعزيز حالات الاستخدام ضمن العديد من القطاعات والصناعات كالنقل الذكي والقطاع الصحي والمالي وغيره، بالتوازي مع تقليص الأخطاء الأمنية.
ستكون شبكات الجيل الخامس والنصف أحد أهم أسس تمكين التحول الرقمي في دول المنطقة باعتبارها توفر بنيةً تحتية أكثر موثوقية وأمانا لدعم الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية.
وسيكون لدى الحكومات وقطاعات الأعمال بمختلف أطيافها فرصا غنية لتبسيط العمليات التشغيلية وتحسين كفاءة الأداء وتعزيز تجارب العملاء.
كما ستسهم هذه التقنية بتعزيز أطر تنفيذ مبادرات المدن الذكية وأهم محاورها كإدارة المرور، والسلامة العامة، وكفاءة استخدام الطاقة، وتقليص تكاليف الحياة اليومية للمواطنين وتحسين جودتها.
وتشير الدراسات إلى أن شبكات الجيل الخامس والنصف ستسهم في رفع القدرات التنافسية للشركات في دول المنطقة، بما يجعلها وجهةً أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب ويرفع زخم تحقيق النمو الاقتصادي.
علاوة على ذلك، تدعم هذه الشبكات توجه العديد من الحكومات نحو التصنيع باعتباره ركيزة أساسية لخطط التحول الاقتصادي، وترفع كذلك مستوى التعاون بين الشركات المحلية والدولية، وتسهيل نقل المعرفة لدفع عجلة الابتكار.
وباعتبارها أساسا للثورة الصناعية الرابعة، ستساهم شبكات الجيل الخامس والنصف في تمكين المصنعين من إحداث نقلة نوعية في أنظمة الإنتاج، وتبني إستراتيجية صناعية مستقبلية أكثر أمانا واستدامة وفعالية.
وستوفر المزيد من الفرص للشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، وتطوّر خدمات وتطبيقات رقمية جديدة في مجالات الواقع الافتراضي أو المعزز والألعاب والترفيه التي يمكن أن تستقطب الأجيال الشابة وتعزز نهج الابتكار التقني لديهم.
كما توفر هذه الشبكات للشركات الصغيرة والمتوسطة فرصا جديدة لتطوير الخدمات وزيادة الإيرادات من خلال الفرص الجديدة لعرض منتجاتها وخدماتها والوصول لجمهورها على نطاق أوسع.
ويعزز الذكاء الاصطناعي تسارع عجلة تطبيق التقنيات الحديثة، حيث يمكن للتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تساعد الشركات العامة والخاصة على اتخاذ قرارات قائمة على البيانات، وتخصيص الموارد بشكل أفضل، وتحسين الخدمات العامة.
ويمكن لقطاعات مثل الرعاية الصحية والتصنيع والخدمات اللوجستية الاستفادة من الشبكات المدمجة بقدرات الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج أفضل ضمن ميادين عمل كثيرة منها المراقبة ضمن الوقت الفعلي، وتعزيز قدرات الصيانة التنبؤية، وتحسين سلسلة التوريد.
وفقا لتقرير صادر عن "بي دبليو سي"، من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
ويقول التقرير إن منطقة الشرق الأوسط ستستأثر بنحو 2% من إجمالي القدرات العالمية للذكاء الاصطناعي، أي ما يعادل 320 مليار دولار.
ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى الجهود التي تبذلها حكومات المنطقة لتسريع اعتماد تقنيات الاتصالات الحديثة كالجيل الخامس التي تستوعب الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات المتقدمة الأخرى.
ويبشر التقارب بين تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بعصر تحولي جديد، حيث يشكل تقاطع هذه التقنيات قوةً كبيرة تتكيف ديناميكيا مع احتياجات المستخدمين وتسهم بتعزيز تجاربهم وإحداث تحول جذري في قطاعات بأكملها.
كما توفر المنصات السحابية البنية التحتية اللازمة لتوسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي وضمان تحقيق الأداء الأمثل وكفاءة التكلفة.
والعامل الأهم في نجاح نشر فوائد الحوسبة السحابية هو القدرة على بناء نظام إيكولوجي مفتوح يسهم في تطور مستقبل الخدمات السحابية بالاعتماد على الشركاء المحلين والعالميين بالتعاون مع المنظمات والهيئات المعنية بتحقيق التحول الرقمي والذكي لدعم تحول الأسواق المحلية نحو السحابة وتقديم نماذج سحابية تتوافق مع متطلباتها المخصصة كنماذج "بانجو" (Pangu)، التي أطلقتها هواوي المدعومة بقدرات اللغة العربية وتهدف إلى توفير بنية تحتية سحابية مجهّزة لتبني الذكاء الاصطناعي ومصممة لدعم كافة القطاعات لامتلاك قدرات ذكية أفضل.
ورغم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي المدمج بقدرات الحوسبة والشبكات، إلا أن آفاق التطوير والتنفيذ وفقا لأهداف الدول والأعمال الطموحة يتطلب ابتكارا تقنيا منهجيا لا يتسنى تحقيقه إلا من خلال إعداد جيل تقني جديد من أبناء المنطقة لقيادة دفة التكنولوجيا ومستقبلها.
على ضوء تسارع مستجدات المشهد التكنولوجي، يتزايد الطلب على المواهب التقنية خصوصا في مجالات حيوية كالأمن السيبراني والحوسبة السحابية وتحليلات البيانات. ووفقا لتقرير مستقبل الوظائف 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يقدر أصحاب العمل أنه بحلول عام 2028 ستصبح 44% من مهارات العمال قديمة أو غير صالحة.
كما يذكر التقرير أن 60% من العمال سيحتاجون إلى التدريب قبل عام 2027. ويأتي التفكير التحليلي والإبداعي واستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في صدارة أولويات التدريب على المهارات.
إعداد الكوادر التقنية الوطنية للمستقبل يجب أن يبقى على قائمة أولويات دول المنطقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال بناء جسور الشراكات والمشاريع التعاونية بين الحكومات ومختلف القطاعات والأوساط الأكاديمية لسد الفجوة القائمة بين التعليم وقطاع تقنية المعلومات والاتصالات.
ويجب أن تبادر المؤسسات لبناء شراكات إستراتيجية تستهدف تعزيز التعليم التقني المواكب للتقنيات الحديثة، حيث نلتزم بدورنا بالتعاون الوثيق مع الحكومات والمؤسسات من خلال مبادرات وبرامج حيوية لتدريب وإعداد الشباب مثل "بذور من أجل المستقبل"، ومسابقة تقنية المعلومات والاتصالات، وبرنامج المطورين، والمختبرات ومراكز الابتكار المشتركة وغيرها الكثير، وكل ذلك تحت مظلة أكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات التي تدير اليوم 2700 أكاديمية؛ منها ما يزيد على 200 أكاديمية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ويجب أن يصب هدف بناء النظام الإيكولوجي للمواهب في دول المنطقة وتحقيق التوازن بين حضور المرأة والرجل في المجالات التقنية في محور إستراتيجية أعمال الشركات.
ويجب أن يتم التأكيد على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية المتعارف عليها والمساهمات مفتوحة المصدر وسياسات الإدماج الرقمي كأولويات مستهدفات نهج التعاون الناجح بين القطاعين العام والخاص لتكريس جهود العمل نحو دفع عجلة التحول الرقمي في دول المنطقة وتحقيق النجاح المشترك لكافة الشركاء بما يدعم تحقيق الخطط والإستراتيجيات والرؤى الوطنية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات والحوسبة السحابیة الذکاء الاصطناعی الحوسبة السحابیة فی دول المنطقة من خلال
إقرأ أيضاً:
كم من الأطفال يجب أن يَـقـتُـل الذكاء الاصطناعي؟
في الثامن والعشرين من فبراير 2024، أقـدَمَ سيويل سيتزر الثالث، صبي ذو أربعة عشر ربيعا من فلوريدا، على قتل نفسه تحت إلحاح من إحدى شخصيات الذكاء الاصطناعي الـمُـحاكية للحياة والمولدة بواسطة Character.AI، المنصة التي يُـقال إنها تستضيف أيضا روبوتات دردشة الذكاء الاصطناعي الداعمة لاختلال فقدان الشهية والتي تشجع على أنماط مُـخـتَـلّة في تناول الطعام بين الشباب. من الواضح أن الحاجة ماسة إلى اتخاذ تدابير أكثر قوة لحماية الأطفال والشباب من الذكاء الاصطناعي.
بطبيعة الحال، حتى من الناحية الأخلاقية البحتة، ينطوي الذكاء الاصطناعي على إمكانات إيجابية هائلة، من تعزيز صحة الإنسان وكرامته إلى تحسين الاستدامة والتعليم بين الفئات السكانية المهمشة. لكن هذه الفوائد الموعودة ليست مبررا للاستخفاف بالمخاطر الأخلاقية والتكاليف الواقعية أو تجاهلها. فكل انتهاك لحقوق الإنسان يجب أن يُنظر إليه على أنه غير مقبول أخلاقيا.
فإذا تسبب روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي ويحاكي الحياة في وفاة مراهق، فلا يجوز لنا أن نعتبر قدرة الذكاء الاصطناعي على الاضطلاع بدور في تطوير الأبحاث الطبية تعويضا عن ذلك. مأساة سيتزر ليست حالة معزولة. ففي ديسمبر الماضي، رفعت عائلتان في تكساس دعوى قضائية ضد Character.AI وداعمتها المالية، شركة جوجل، زاعمة أن روبوتات الدردشة الآلية التابعة للمنصة استغلت أطفالهم في سن المدرسة جنسيا وعاطفيا إلى الحد الذي أسفر عن وقوع حالات إيذاء النفس والعنف. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل، فقد ضحينا بالفعل بجيل من الأطفال والمراهقين على مذبح شركات التواصل الاجتماعي التي تستفيد من الإدمان على منصاتها. لم ننتبه إلى الأضرار الاجتماعية والنفسية التي تسببها «وسائط التواصل غير الاجتماعي» إلا ببطء شديد.
والآن، بدأت بلدان عديدة تحظر أو تقيد الوصول إلى هذه المنصات، ويطالب الشباب أنفسهم بضوابط تنظيمية أقوى.
ولكن لا يمكننا الانتظار لكبح جماح قوى التلاعب الكامنة في الذكاء الاصطناعي. فبسبب الكميات الهائلة من البيانات الشخصية التي جمعتها منا صناعة التكنولوجيا، بات بوسع أولئك الذين يعملون على بناء منصات مثل Character.AI إنشاء خوارزميات تَـعرِفنا بشكل أفضل مما نعرف أنفسنا. الواقع إن إمكانية الاستغلال عميقة. فالذكاء الاصطناعي يعلم على وجه التحديد أي الأزرار التي ينبغي له الضغط عليها لاستغلال رغباتنا، أو لحملنا على التصويت بطريقة معينة. كانت روبوتات الدردشة المؤيدة لفقدان الشهية على منصة Character.AI مجرد المثال الأحدث والأكثر فظاعة. ولا يوجد أي سبب وجيه قد يمنعنا من حظرها على الفور. لكن الوقت ينفد سريعا، لأن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطور بشكل أسرع من المتوقع ــ وهي تتسارع في عموم الأمر في الاتجاه الخطأ. يواصل «الأب الروحي للذكاء الاصطناعي»، عالم العلوم الإدراكية الحائز على جائزة نوبل جيفري هينتون، التحذير من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انقراض البشر: «أخشى أن اليد الخفية لن تُـبقي علينا سالمين. وعلى هذا فإن ترك الأمر برمته لدافع الربح الذي يحرك الشركات الكبرى لن يكون كافيا للتأكد من تطويرها إياه بأمان. الشيء الوحيد الذي قد يجبر هذه الشركات الكبرى على إجراء مزيد من الأبحاث حول السلامة هو التنظيم الحكومي».
ونظرا لفشل شركات التكنولوجيا الكبرى المستمر في الالتزام بالمعايير الأخلاقية، فمن الحماقة أن نتوقع من هذه الشركات أن تضبط نفسها بنفسها. في عام 2024، ضخت شركة جوجل استثمارات قيمتها 2.7 مليار دولار في تطبيق Character.AI، على الرغم من مشاكله المعروفة. ولكن على الرغم من الاحتياج الواضح إلى التنظيم، فإن الذكاء الاصطناعي ظاهرة عالمية، وهذا يعني أننا يجب أن نسعى جاهدين إلى وضع تنظيم عالمي، يرتكز على آلية إنفاذ عالمية جديدة، مثل وكالة دولية للأنظمة القائمة على البيانات (IDA) في الأمم المتحدة، كما اقترحتُ شخصيا.
إن كون الشيء في حكم الممكن لا يعني أنه مرغوب. يتحمل البشر مسؤولية تحديد أي التكنولوجيات والإبداعات وأشكال التقدم يجب تحقيقها وتوسيع نطاقها، وأيها لا ينبغي له أن يتحقق. وتقع على عاتقنا مسؤولية تصميم، وإنتاج، واستخدام، وإدارة الذكاء الاصطناعي بطرق تحترم حقوق الإنسان وتسهل تحقيق مستقبل أكثر استدامة للبشرية والكوكب. يكاد يكون من المؤكد أن سيويل كان ليظل على قيد الحياة لو كنا نعتمد على تنظيم عالمي لتعزيز «الذكاء الاصطناعي» القائم على حقوق الإنسان، ولو كنا أنشأنا مؤسسة عالمية لمراقبة الإبداعات في هذا المجال. يستلزم ضمان احترام حقوق الإنسان وحقوق الطفل حوكمة دورة حياة الأنظمة التكنولوجية بأكملها، بدءا من التصميم والتطوير إلى الإنتاج، والتوزيع، والاستخدام. وبما أننا نعلم بالفعل أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يَـقـتُـل، فليس لدينا أي عذر يسمح لنا بالبقاء مكتوفي الأيدي في حين يستمر تقدم التكنولوجيا، مع إطلاق مزيد من النماذج غير المنظمة للجمهور كل شهر. مهما كانت الفوائد التي قد توفرها هذه التكنولوجيات يوما ما، فإنها لن تكون قادرة أبدا على التعويض عن الخسارة التي عانى منها بالفعل جميع من أحبوا سيويل.
بيتر ج. كيرششلاغر، أستاذ الأخلاق ومدير معهد الأخلاقيات الاجتماعية (ISE) في جامعة لوسيرن، وأستاذ زائر في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich).