الانقسام السني والغموض الشيعي يُبقي الصراع محتدما في اختيار رئيس البرلمان
تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT
4 أبريل، 2024
بغداد/المسلة الحدث: تواجه الكتل السنية في داخل مجلس النواب العراقي تحديًا كبيرًا في الاتفاق على شخصية معينة لتولي منصب رئيس البرلمان، حيث تتعثر المفاوضات بسبب الانقسامات الداخلية والمصالح السياسية المتعارضة.
تبدو الحالة مشابهة في البيت الشيعي، حيث ينقسم الرأي حول الشخصيات المرشحة لتولي المنصب، ويصر حزب تقدم على إدعاء أن المنصب يجب أن يكون من حصته.
في الوقت نفسه، ترى الأطراف السنية أن منصب رئيس البرلمان يجب أن يكون للمكون بشكل عام، وليس لحزب معين، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويعمق الانقسامات.
تتضح الشبهات حول تصويت النواب بشكل واضح، حيث تشير المعلومات إلى وجود شبهات بشأن دفع رشاوى لبعض النواب من أجل التصويت لصالح مرشحين معينين، مما يبرز تجارة المناصب والتأثيرات السلبية على عملية الديمقراطية في البلاد.
هذا الانقسام والتشظي يؤدي إلى خلق أزمة حقيقية داخل البيت السني، ويتسبب في عدم التوافق بين البيوت الثلاثة – السني والشيعي والكردي – على ترشيح شخصية معينة لرئاسة المجلس، مما يعقد المشهد السياسي العراقي بشكل أكبر.
وقررت المحكمة الاتحادية العليا “أعلى سلطة قضائية في العراق”، في تشرين الثاني 2023، إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على خلفية دعوى قضائية رفعها ضده النائب ليث الدليمي اتهمه فيها بتزوير استقالة له (الدليمي) من عضوية مجلس النواب، وعلى إثره قضت المحكمة الاتحادية بإنهاء عضويتهما (الحلبوسي والدليمي).
وعقد مجلس النواب في 13 كانون الثاني الماضي، جلسة استثنائية لاختيار رئيس مجلس النواب الجديد، وانتهت الجولة الأولى من التصويت، بفوز حزب “تقدم” شعلان الكريم بـ152 صوتاً من أصل 314 صوتاً، وجاء خلفه النائب سالم العيساوي بـ97 صوتاً، والنائب محمود المشهداني بـ48 صوتاً، والنائب عامر عبد الجبار بـ6 أصوات، والنائب طلال الزوبعي بصوت واحد، إلا أن مشادات كلامية حصلت داخل قاعة المجلس ما اضطر رئاسة المجلس إلى رفع الجلسة حتى إشعار آخر.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: رئیس البرلمان مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
ما دلالات عودة برلمان اليمن للواجهة عبر اللجان الميدانية؟ قراءة في التوقيت والأبعاد والتحديات (تحليل)
يعود البرلمان اليمني إلى الواجهة مجددا، بعد سنوات من الجمود، والمتغيرات التي أثرت على أدائه، بفعل الصراع الدائر في اليمن، منذ أكثر من عقد.
هذه العودة تأتي من خلال إصدار هيئة رئاسة مجلس النواب بنسخته التابعة للحكومة المعترف بها دوليا قرارات بتشكيل لجان برلمانية للنزول الميداني إلى المحافظات المحررة، وتعد أول تحرك ميداني من نوعه، طوال السنوات الماضية.
لقاء لإذابة الخلاف
جاء هذا القرار البرلماني بعد أيام من لقاء رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، وعضوي هيئة رئاسة المجلس، محمد الشدادي، ومحسن باصرة، رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ورئيس الحكومة سالم بن بريك كلا على حدة في مدينة عدن.
اللقاء الذي جمع رئاسة البرلمان بالعليمي ورئيس الحكومة جاء بعد أزمة صامتة سادت العلاقة بين الطرفين، وتحدثت تقارير صحفية عن مساع للعليمي لاستبدال البرلمان بهيئة التشاور والمصالحة التي تعد أحد مؤسسات مجلس القيادة الرئاسي، وتشكلت مع إعلان نشأته في السابع من أبريل 2022م، وأسندت إليها مهمة التوفيق بين جميع الأطراف التي يتشكل منها مجلس القيادة الرئاسي.
وخلال اللقاء نفى العليمي مزاعم استبدال المجلس، وأكد على أهمية تفعيل أداء البرلمان في اليمن، وهو ما اعتبر بمثابة إذابة لأوجه الخلاف بين الجهتين، وإزالة عوامل الانقسام، والتي مهدت لاحقا، لعودة أداء البرلمان، من واجهة اللجان الميدانية.
وفي وقت لاحق عقدت هيئة رئاسة البرلمان لقاء ضم عدة نواب وكٌرس لمناقشة الترتيبات اللازمة لانعقاد جلسات المجلس، والاتجاهات العامة لخطة عمله للفترة القادمة، وأسفر اللقاء عن تشكيل لجان ميدانية من أعضاء البرلمان الموالين للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، والتي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها، للنزول إلى المدن الرئيسية الخاضعة للحكومة، وعددها عشرة محافظات..
مهام اللجان
وفقا لنص القرارات التي أصدرها رئيس البرلمان سلطان البركاني، فقد جرى تكليف اللجان البرلمانية بمهمة واحدة، وهي فحص نشاط السلطات المحلية، والتصرفات المالية والإدارية، والموارد العامة المركزية والمحلية، والوقوف على الاختلالات النفطية، وأعمال المؤسسات الإرادية.
وشملت القرارات تشكيل لجنة برلمانية لزيارة محافظات: شبوة – مأرب – أبين، وتكونت اللجنة من الأعضاء: عبدالله المقطري، عبدالرحمن العشبي، صالح سالم العامري، حسين السوادي، عبدالكريم شيبان، وإبراهيم شعيب الفاشق.
وتشكلت لجنة أخرى لمحافظات: حضرموت – المهرة – سقطرى، من النواب: أنصاف علي مايو، علي مسعد اللهبي، إبراهيم احمد المزلم، علي محمد المعمري، سالم منصور حيدرة، ومن الجدير بالإشارة هنا أن المجلس كان قد أغفل إضافة محافظة أرخبيل سقطرى لقائمة المحافظات، وبعد انتقادات واسعة عاد المجلس وأصدر قرارا جديدا ألحق فيه سقطرى بمحافظات المهرة وحضرموت.
ونص قرار آخر على تشكيل لجنة أخرى للنزول إلى محافظات: عدن – تعز – لحج – الضالع، وتتكون من النواب: زكريا سعيد الزكري، د/ محمد صالح القباطي، قاسم الكسادي، علي حسين عشال، فؤاد عبيد واكد، محمد مقبل الحميري، سهيل محمد عبدالرزاق، عبدالله الخلاقي.
التشكيل السياسي
تتوزع هذه اللجان سياسيا على أبرز الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، الذي شهد آخر انتخابات له في 27 أبريل من العام 2003م، وأبرزها المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، قبل أن ينضم بعض الأعضاء المحسوبين على حزب المؤتمر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، المحسوب على نجل شقيق الرئيس السابق صالح، طارق محمد عبدالله صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي.
ويعد هذا النزول الميداني من أعضاء البرلمان للمحافظات الأول منذ اندلاع الصراع في اليمن، عقب سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي، وحليفهم الرئيس السابق لليمن علي عبدالله صالح في الـ21 من سبتمبر 2014م، وأسفر هذا لاحقا عن انقسام البرلمان إلى شطرين، الأول في العاصمة صنعاء، ويخضع لسيطرة الحوثيين، والثاني في عدن ويتبع الحكومة اليمنية.
وتتوزع رئاسة البرلمان بصيغته الراهنة من رئيس المجلس المنحدر من تعز سلطان البركاني، والقيادي في المؤتمر الشعبي العام، والذي انتخب رئيسا للمجلس بشكل توافقي خلال دورة استثنائية دعا لها الرئيس عبدربه منصور هادي، وانعقدت في مدينة سيئون في الثالث عشر من سيئون 2019م، والعضو المستقل محمد الشدادي، المنتمي لمحافظة أبين، والعضو محسن باصرة القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، بمحافظة حضرموت، بالإضافة للنائب عبدالعزيز جباري، أمين عام حزب العدالة والبناء، لكنه لم يكن حاضرا خلال التحركات الأخيرة لهيئة الرئاسة.
دلالة التوقيت
جاء توقيت هذا التحرك الميداني في ظل حديث عن صراعات تعصف بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وحالة من التأزم بين أعضائه، وأصوات منددة بأداء المجلس المتهم بالإخفاق، وعدم القدرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وبعد أيام من تعيين رئيسا جديدا للحكومة، التي لم تقدم برنامجها حتى اللحظة للبرلمان لإقرارها.
ويمكن اعتبار هذه العودة للبرلمان بعد لقاء العليمي محاولة لإذابة القطيعة التي كانت متصاعدة بين الرئاسة والنواب خلال الفترة الماضية، وعلامة على انفراجه، ويذهب البعض لاعتبارها مساع من رئيس مجلس القيادة لاحتواء تلك الخلافات، وإعادة ترتيب البيت الداخلي، بينما يفسرها آخرون محاولة لتقوية صف العليمي، لمواجهة حدة الخلافات التي تعصف بمجلس القيادة.
وخلال السنوات الماضية لم يتمكن مجلس النواب من عقد جلساته بكامل الأعضاء في مدينة عدن، أو المحافظات المحسوبة على الحكومة اليمنية، رغم إعلان رئيسه أكثر من مرة الترتيب للانعقاد، والسفر إلى عدن لهذه المهمة، وكانت الجلسة الوحيدة المنعقدة في سيئون لاختيار هيئة الرئاسة بترتيبات وضغوط للسعودية، التي ترى في المجلس واجهة حكومية داعمة لها، ولمواقفها وسياستها في اليمن، وهو ما أظهره رئيس المجلس بظهوره مؤيدا للرياض، واعتبار اليمن حديقة خلفية للسعودية، في تصريحات لقناة الحدث السعودية في الـ17 من يونيو 2021م.
وبالتالي تشير هذه العودة إلى رغبة سعودية في إعادة إحياء دور البرلمان، خاصة أنها الطرف الخارجي الأكثر قدرة على تمهيد الطريق نحو المجلس للانعقاد، وهو ما يمكن اعتباره أمراً يستبق توجه سعودي قادم في اليمن.
دلالات حكومية
من خلال تفحص المهام الموكلة للجان البرلمانية يبدو واضحا أنها ركزت على ثلاثة جوانب: مالي وإداري، واقتصادي، والجانب الاقتصادي يبدو الأكثر حضورا، وذلك لتركيزها على الموارد العامة المركزية والمحلية، وتصرفات السلطات المالية، وفحص أعمال المؤسسات الإيرادية، والوقوف على الاختلالات النفطية.
وهذا التركيز يبدو متصلا بعمل الحكومة التي تفتقر للإيرادات المالية، وتعثرها في الحصول على دعم مالي، خاصة من المملكة العربية السعودية، التي عادة ما تقدم الدعم المالي للحكومة، وبالتالي من المرجح أن تهدف الخطوة لاكتشاف الخلل في الجانب المالي داخل المحافظات، لإعادة ترتيبه، وتمكين الحكومة من السيطرة على الموارد المالية، للتغلب على العوائق المتصلة بهذا الجانب.
ويعد التركيز على الاختلالات النفطية تحديدا أهم هذه المهمات، فالبرلمان بهذه الصيغة التي تضمنها قرار تشكيل اللجان اعترف ضمنيا بوجود اختلالات في هذا القطاع، الذي يعاني بالفعل من عدة صعوبات، لعل أبرزها توقف الإنتاج النفطي، بسبب هجمات الحوثيين، ما يعني أن الوقوف أمام هذه الاختلالات بات أمرا ملحا، ويرتبط بشكل مباشر، بالوضع المالي للحكومة، خصوصا أن المحافظات المنتجة للنفط في اليمن عموما تقع تحت سيطرتها، وأبرزها مأرب وحضرموت وشبوة.
ويتصل بهذا الموضوع أيضا انعدام المشتقات النفطية من وقت لآخر، ما تسبب بحالة من التدهور والانقطاع لخدمات الكهرباء في عدة محافظات لساعات طويلة، وانعكس على مزاج الشارع الذي خرج في عدة مظاهرات واحتجاجات تنديدا بهذه الانقطاعات، كما هو الحال في عدن، ومدن أخرى.
تساؤلات عن الدوافع
هذه العودة للبرلمان ركزت على السلطات المحلية في الميدان، وتعبر عن رغبة حكومية في الوقوف أمام أداء هذه السلطات، ولذلك جاءت موجهة في طبيعة مهمتها من قبل الحكومة نفسها، ولم تكن حصيلة توجه برلماني جاد انطلاقا من الأولويات المهمة التي يعاني منها اليمن، وكذلك انطلاقا من طبيعة وظيفة البرلمان الرسمية كسلطة تشريعية، حملها القانون ممارسة الرقابة الكاملة على الحكومة، ومؤسسات الدولة، ومراقبة الاختلالات فيها، ومسائلة الحكومة عن التقصير.
لذلك توجه البرلمان نحو السلطات المحلية، وأغفل مسائلة الحكومة ومؤسساتها، والتي تعيش اختلالات واسعة، مثلما تجاهل دوره الرقابي على أداء مجلس القيادة الرئاسي، البعيد عن أي مسائلة ورقابة برلمانية منذ تشكيله في السابع من أبريل 2024م.
وكان جديرا – وفقا للمهتمين بالشأن اليمني – التوجه بالمسائلة والرقابة أولا لهذه الجهات، باعتبارها في رأس هرم السلطة الحاكمة لليمن اليوم، ومن ثم الالتفات نحو السلطات المحلية، وباقي مؤسسات وأجهزة الدولة.
عوائق في الطريق
تركيز البرلمان والحكومة على أداء السلطات المحلية يأتي في وقت تعاني هذه السلطات من حالة تفكك في طبيعتها الوظيفية، وانغلاقها على نفسها، وليس كما كان عليه الوضع سابقا، كما أن وضع هذه المحافظات ماليا بات متغيرا، وكثير منها أصبحت تتحكم بإيراداتها المالية لصالح المحافظة نفسها، مع نسبة بسيطة يتم رفعها للحكومة، خلافا لتشريعات القوانين المحلية في هذا الجانب.
وأدت هذه النقطة تحديدا لاشتعال التأزم في عدة محافظات طالبت على مدار السنوات الماضية بأن يكون لها النصيب الأكبر من الدخل المالي السنوي، لتحسين وضع الخدمات فيها، وليس لتوريده للحكومة، كما هو الحال في محافظة حضرموت، التي تشهد غليان غير مسبوق منذ سنوات تخلقت دوافعه من هذه النقطة تحديدا، والوضع نفسه في المهرة التي تعتمد بشكل كلي على إيرادات المحافظة لتحسين الخدمات، وتسيير الوضع العام، وكذلك حالة الانقسام في محافظة تعز، بين جزء من المحافظ يقع تحت سيطرة عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، بكل تفاصيله، بعيدا عن السلطة المحلية، وجزء آخر تابع للسلطة نفسها.
وهذا الوضع تشكل وأوجد نفسه كأحد تداعيات سقوط الدولة والانقلاب عليها في اليمن، مما أدى لغياب الحكومة المركزية المسيطرة على الوضع، وسمح للسلطات المحلية بإدارة الموارد المالية وفقا للأولويات التي تراها، ما أضعف توريد المبالغ المالية للحكومة، وأنقص عوائدها المالية، وخلق ضعفا في الخدمات، وتوفير المال اللازم لتسيير شؤون الدولة، وأبرزها الانفاق على الخدمات الأساسية كالكهرباء، والمشتقات النفطية، والانتظام في تسليم رواتب موظفي الدولة.
الانتقالي كعائق
ظل المجلس الانتقالي منذ تشكيله في الـ11 من مايو 2017م، ينظر لمجلس النواب من زاويته الانفصالية، باعتباره مؤسسة تابعة لنظام الحكم في شمال البلاد، ولذلك عمل على عرقلة انعقاد جلسات المجلس في عدن، وأعلن القيادي في المجلس أحمد بن بريك في الـ23 من يوليو 2019 رفض الانتقالي لانعقاد جلسات البرلمان في عدن، وتوعد بمقاومتها بكل قوة، بل إن المجلس الانتقالي استبق الترتيبات الحكومية لانعقاد البرلمان في عدن خلال العام نفسه، بوضع خطة لمنع استئناف الجلسات، والحيلولة دون انعقادها، وهو ما أقرته الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي في الثالث من يوليو 2019، وأدى فعليا لعرقلة انعقاد المجلس في عدن.
يرى الانتقالي في مجلس النواب مهددا مباشرا لوجوده، وتحديا لسلطاته في المناطق التي يسيطر عليها، في حال مارس المجلس دوره الكامل، ولذلك عمل بشكل قوي على منع انعقاد جلساته، والتقليل من أهميته ودوره، مستفيدا من ضعف سيطرة الحكومة، وانكماش نفوذها، وتحكمه بالمشهد الأمني في عدن، للحيلولة دون استئناف جلسات البرلمان، مكتفيا بالسماح لرئيس النواب وأعضاء آخرين بالتنقل من وإلى عدن.
ومع هذه العودة للجان البرلمانية إلى الميدان لم يصدر عن قيادة الانتقالي أي موقف معارض للجان المشكلة، باستثناء بيان صادر عن فرع المجلس الانتقالي في محافظة شبوة التي يحكمها عوض بن الوزير أحد أعضاء مجلس النواب، أعلن فيه رفضه القاطع لأي لجان، معتبرا أن مجلس النواب منتهي الصلاحية، وأن السلطة المحلية بالمحافظة تمارس مهامها بكفاءة ومسؤولية، وأن هذا التحرك البرلماني الميداني مدفوع بأجندات سياسية لا تمت للرقابة، أو المصلحة العامة بأي صلة، وتهدف إلى التشويش على النجاحات المتحققة في محافظات "الجنوب" بدعم من الأشقاء في التحالف العربي، وفق بيان المجلس.
وهذه الإشارة إلى التحالف العربي الذي تمثله السعودية والإمارات كما جاء في بيان انتقالي شبوة، هي لغة تعود عليها المجلس الانتقالي في مختلف بياناته المماثلة، لكنها أيضا تكشف ما إذا كانت السعودية تقف خلف هذا التحرك للبرلمان، وبالتالي ستتمكن من إنهاء العوائق في طريقه، ولن يمثل الانتقالي حجر عثرة، أم أنها بعيدة عن هذا التحرك، وبالتالي ستشتعل حمى الصراع من جديد.
ولا يعلم هنا ماذا إذا كان الانتقالي على مستوى قيادته الرئيسية سيتبنى موقفه السابق في منع البرلمان من أداء مهامه، أم أن تحرك البرلمان جاء بتوافق مسبق مع الانتقالي، ولن يعارض هذه الخطوة، وفي حالة المنع فإن ذلك سيقود إلى صراع وتأزم جديد داخل مجلس القيادة الرئاسي.
موقف الانتقالي في شبوة تحديدا يبرز ممانعته في أهم محافظة نفطية في مناطق سيطرة الحكومة، وهي المهمة التي تشكل محور اللجان البرلمانية الميدانية، وربما هذا يشير إلى مخاوف الانتقالي نفسه من اختلالات قد تكون قائمة بالمحافظة، وله علاقة فيها، كما يظهر إلى أي مدى باتت تدخلاته مؤثرة في أداء السلطات المحلية، التي لم يصدر عنها أي موقف مماثل.
في الجانب الآخر هناك محافظات يحكمها محافظون ينتمون للمجلس الانتقالي، كمحافظات عدن، وسقطرى، والضالع، وأخرى يحظى الانتقالي فيها بنفوذ مؤثر، كأبين، ولحج، وأخرى يتواجد فيها بنسب متفاوتة في التأثير كشبوة، والمهرة، وحضرموت، وهو ما يثير التساؤلات حول سماحه للجان البرلمانية بممارسة مهامها، وإلزامه لمحافظي تلك المحافظات التي يحكمها بالتعاون، أم لا؟
الأمر الآخر المتصل بالمجلس الانتقالي يتعلق بهيمنته على الجانب الاقتصادي، وذلك من خلال رئاسة رئيس المجلس عيدروس الزبيدي للجنة لمتابعة إيرادات الدولة، والتي أسندت إليه من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في الرابع عشر من أغسطس 2022م، وفقا لتاريخ إعلانها من العليمي إعلاميا.
وبالتالي فإن جزء كبير من التحركات في قطاع إيرادات الدولة يتصل بعيدروس الزبيدي، ومع تركيز اللجان البرلمانية في مهامها على هذا الجانب، فمن شأن ذلك أن يكون له علاقة مباشرة مع الزبيدي، الذي لم يصدر عنه أي موقف تجاه هذه التحركات، وما إذا كان سيقدم التعاون والتسهيلات أم سيعارض.
النتائج والمخرجات
في كل الأحوال تعد هذه الخطوة البرلمانية إيجابية، وتشكل عملا بسيطا في جملة المهام البرلمانية المفترضة طوال السنوات الماضية، وأولوية ثانوية في قائمة القضايا الملحة التي يواجهها اليمن اليوم، وأبرزها التدخل الخارجي، والتشكيلات العسكرية المتعددة، والصراع مع الحوثيين، ومهددات الوحدة اليمنية، والتحركات الدولية في اليمن، وغيرها من القضايا.
غير أن نجاح هذا التحرك البرلماني الميداني مرهون بنقطتين رئيستين، الأولى مدى السماح لهذه اللجان بممارسة عملها، ومباشرة نزولها الميداني دون عوائق من أي طرف، وقدرة مجلس النواب على تمرير قراراته، في النزول أولا، والتنفيذ ثانيا.
والثانية مدى التزام الحكومة بالنتائج التي ستخرج بها اللجان، والتي ستكون بالتأكيد مليئة بالملاحظات، خاصة مع مرور سنوات طويلة من عدم الرقابة البرلمانية في تلك المحافظات، ما يجعلها مليئة بالتجاوزات والقصور، ثم أيضا مدى قدرة الحكومة على تنفيذ التوصيات التي ستتضمنها تقارير اللجان لاحقا.
مع التأكيد هنا إلى أن الحكومة اليمنية الحالية تعيش حالة من الهشاشة التي تعتري أدائها، وتفتقد لوسائل انفاذ القانون، والإصلاحات التي تريدها، وتخضع في نفس الوقت للمحاصصة الحزبية، ولا تملك الورقة الأمنية والعسكرية في يدها، لتمرير قراراتها، بسبب التشكيلات العسكرية المتعددة.
والوضع نفسه مع مجلس القيادة الرئاسي، ومدى قدرته على اتخاذ قرار واحد انطلاقا من التوصيات البرلمانية التي ستخرج بها اللجان، وذلك بسبب الصيغة التوافقية التي يسير عليها المجلس، ويتنازع فيها ثمانية أعضاء يمثلون عدة تيارات وأطراف محلية متصارعة.
لذلك يبقى سيناريو عدم التنفيذ لهذا التحرك الميداني واردا بشكل كبير، أو على الأقل اعتباره مجرد قرار يمتص الضغط الشعبي، ويلبي حاجة طارئة لدى من يقف خلف اتخاذه، إذ أن التداعيات التي يولدها هذا النزول قد تكون أكبر، وتخلق أزمة واسعة تعصف بما تبقى من مجلس القيادة الرئاسي.