أطباء غزة.. فدائيون بالرداء الأبيض على مدى 6 شهور
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
غزة- يُوصف أطباء غزة بأنهم "فدائيون بالرداء الأبيض"، لما يُظهرونه من بسالة على جبهة الإنسانية وهم يصلون الليل بالنهار لمداواة جرحى الحرب الإسرائيلية الضارية التي تكمل، الأحد، شهرها السادس على التوالي.
وتزداد قيمة عطاء أطباء غزة كونهم يعملون في ظروف بالغة التعقيد، خاصة مع الاستهداف الإسرائيلي المركز والممنهج للمستشفيات والمرافق الصحية، وخروج كثير منها عن الخدمة.
وعن تجربتها الأولى كمتطوعة في مستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح، تقول الطبيبة الشابة داليا جمعة للجزيرة نت "إنها تجربة قاسية، لقد شاهدت إصابات لجرحى لا أعتقد أنني سأمر بأصعب منها في حياتي العملية".
ومرت داليا بموقف إنساني صعب عندما استقبلت من تصفها بـ"صديقتها الصدوقة" وأفراد أسرتها شهداء، جراء غارة جوية إسرائيلية، وتصف هذه الطبيبة نفسها بقولها "كنت فتاة بقلب طفل، وقد شاخت روحي بسبب الحرب والمشاهد المؤلمة التي نمر بها يوميا، وربما سنحتاج لوقت طويل من أجل التداوي منها".
ومثلها زميلتها الطبيبة أريج ضهير التي تؤثر فيها مشاهد الشهداء من الأطفال، الذين يأتي بهم المسعفون إلى المستشفى أشلاء ممزقة، وتقول للجزيرة نت "المشاهد المؤلمة كثيرة، تخيل أن تستقبل كطبيب أقاربك شهداء".
واستنادا إلى تجربته خلال الأشهر الستة الماضية من عمر الحرب المستعرة على غزة، يصنف الطبيب إسماعيل الدرديسي هذه الحرب بأنها "إبادة جماعية"، ويقول للجزيرة نت "درست الطب بالخارج، ولم أتعرض لمثل ما تعرضت له في هذه الحرب من جروح، وجروح لا مثيل لها"، ووجّه رسالته إلى العالم متسائلاً "ماذا تنتظرون أكثر لوقف هذه الحرب؟!".
وتقول الحكيمة المتطوعة إسلام حسن للجزيرة نت إن "كل يوم يمر علينا أسوأ من اليوم السابق"، وتضيف أن "رؤية طفل ينجو وحده وسيعيش وحيدا بقية حياته، وقد استشهدت كل أسرته، هو المشهد الأكثر مأساوية بالنسبة لي خلال هذه الحرب".
وبحسب توثيق وزارة الصحة فإن 476 من الكوادر وأصحاب الاختصاص الطبي استشهدوا، وتعتقل قوات الاحتلال 310 آخرين، فيما استهدفت بالتدمير الكلي أو الجزئي 155 مؤسسة صحية، وأدى ذلك إلى إخراج 32 مستشفى و53 مركزا صحيا عن الخدمة، وتدمير أكثر من 126 سيارة إسعاف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات للجزیرة نت هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
حنين داخل الركام.. كاتبة غزّية تكتب عن مدينتها التي لم تعد كما كانت
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً للكاتبة غادة عبد الفتاح، المقيمة في قطاع غزة، تناولت فيه واقع الحياة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عامين، مؤكدة أن حرب الإبادة غيرت كل شيء في القطاع، من المشهد العمراني إلى القلوب والعقول والأرواح.
تبدأ عبد الفتاح مقالها بالإشارة إلى شعورها بالحنين العميق لغزة، رغم وجودها داخلها، موضحة أن هذا الحنين لا ينبع من البعد الجغرافي، بل من تحول المدينة إلى مكان غريب ومشوّه لا يُمكن التعرف عليه. تقول الكاتبة: "هذه ليست غزة… التفاصيل كلها خاطئة، لا شيء كما هو"، مشددة على أن فقدان الألفة صار ملموسًا حتى وهي تقف على الأرض نفسها التي نشأت عليها.
وتصف غادة حالتها الشخصية مع انهيار الحياة اليومية في دير البلح، حيث تسكن في شقة مزدحمة مع ثلاث عائلات منذ عام كامل، مستقبلة 16 فردًا آخر من عائلتها هربا من القصف في الأسابيع الأخيرة. وتشير إلى انتشار الخيام في الشوارع والأراضي الزراعية، بعضها بين أشجار النخيل المتبقية، التي دُمّرت معظمها أو أحرقت بفعل الدبابات الإسرائيلية. وتضيف: "أكره هذه الكلمة: خيمة. لقد رافقت الفلسطينيين لأجيال، كظلهم".
وفي تفاصيل منزلها الذي لم يعد صالِحًا للسكن كما كان، تروي عبد الفتاح كيف أعيد بناؤه جزئيًا باستخدام حجارة من أنقاض منازل الجيران، مع جدران نصف ارتفاعها السابق، وغياب النوافذ، وتغطية الفجوات بأقمشة نايلون وبطانيات بدل الأبواب. هذه التفاصيل الصغيرة تعكس الواقع المرير للسكان في مواجهة القصف المستمر، حيث كل همسة تنتقل في أرجاء المنزل، والحرية محدودة حتى في صوت الكلام.
تشير الكاتبة إلى أن العيش في غزة أصبح حربًا على التفاصيل: "الله يكمن في التفاصيل"، تقول، مشيرة إلى أن الحرب فرضت تسلسلًا هرميًا في المعاناة. البقاء داخل غرفة بجدران نصفية أفضل من العيش في خيمة، والخيمة المنظمة أفضل من خيمة مُرقّعة بالبطانيات والنايلون والحقائب القديمة. هذا التسلسل الهرمي يمتد أيضًا إلى العلاقات الاجتماعية، وكيفية الحديث ومشاركة المشاعر.
وتروي الكاتبة لقاءاتها اليومية مع الناس، مثل معلمتها السابقة التي ذكرتها باثنتين من زميلاتها القتيلات في غارات إسرائيلية، مؤكدة أن الحيطة والحياد أصبحا ضرورين عند الحديث عن المعاناة: "خسارتي جدران، وخسارته أناس… البقاء على قيد الحياة كدين لا يمكنك سداده".
وتصف الكاتبة تجربة القصف المباشر على منزلها، حيث دوت الانفجارات في منتصف الليل، وامتلأت الغرف بالحطام والغبار، واضطرت العائلة للخروج وسط الظلام للتحقق من سلامة الجميع. وتوضح أن المسيّرات الإسرائيلية حلّقت في السماء، محركاتها تُصدر أزيزًا كحشرات آلية، مع ضوء يشقّ الليل، مما جعل البقاء في الخارج خطرًا دائمًا.
تتحدث الكاتبة عن الحرب على أنها خلقت تسلسلًا هرميًا من الخسارة والمصاعب، فبينما أصيب أحد أقاربها بجروح بسيطة، فقد آخرون أكثر من 40 فردًا من عائلتهم. تطرح الكاتبة التساؤل عن جدوى الحديث عن الدمار الشخصي في مواجهة فقدان الأرواح: "كيف تتحدث عن جدران متصدعة لشخص يعدّ الوجوه الغائبة؟".
كما تصف المعاناة اليومية في المستشفيات، حيث تُنقل الأطراف المبتورة بصناديق ورقية، وتبقى الأسماء محفورة في الذاكرة حتى بعد مرور أشهر، مؤكدة أن هذه اللحظات الصغيرة تعكس جزءًا من هول الحرب وتأثيرها النفسي على السكان.
وتشير الكاتبة إلى التحديات المعيشية، من ندرة الوقود والطاقة إلى الطهي على نار الحطب باستخدام أي مادة متاحة، من ألواح خشبية مكسورة إلى صنادل بلاستيكية وعلب فارغة. كما تتحدث عن صعوبة التعليم، حيث يُجبر الأطفال على الكتابة بخط صغير ومرصوص بسبب ندرة الأقلام والدفاتر، مع حرص المعلمين على توصيل الدروس رغم الظروف الصعبة.
وتختتم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن الحرب لم تقتصر على الدمار المادي، بل طالت المشاعر والأفكار والأحلام. تقول: "الحرب جنونية - جنون يتسلل إلى العقل، إلى الجسد، إلى الأحلام… لا أستطيع استيعاب ما يحدث تماما". وتوضح أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تتوقف منذ عامين، وأسفرت عن مقتل وجرح ما يقرب من ربع مليون شخص، وتهجير السكان، وتحويل المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والأسواق إلى أنقاض، مشددة على أن هذه التفاصيل هي ما تحدد حياة الناس اليومية في غزة.
يقدم مقال غادة عبد الفتاح شهادة مباشرة عن الحياة تحت القصف، ويُبرز كيف أن الدمار المستمر والتهجير القسري والنقص في المواد الأساسية والمخاطر اليومية تشكل الواقع اليومي للفلسطينيين في غزة. ويعدّ هذا النص دعوة للعالم لفهم التفاصيل التي تشكل حياة المدنيين وسط الصراع المستمر، بعيدًا عن الإحصاءات الرسمية أو الأخبار المجردة عن القصف والخسائر.