هل تفعلها #الشعوب_العربية!
المهندس : عبدالكريم أبو زنيمة
بعدما كشفت غزة كل خبايا انحطاط وتآمر وتواطؤ أنظمة الحكم الرسمية العربية فإنه يستحيل الحديث عن المستقبل العربي ونهضته بوجود هذه الأنظمة التابعة والمنقادة للغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية راعية الإرهاب العالمي وراعية الكيان الصهيوني ومشروعه في المنطقة ، هذا الغرب الذي طالما أكد على مر التاريخ أنه متوحش وعدو لكل ما هو إنساني خارج حدوده وناهب لثروات الشعوب الأخرى ومصاص دماء ! لذلك نشاهدهم اليوم مجتمعين يخوضون حرب تصفية المقاومة الفلسطينية للانتقال إلى المرحلة الثانية لتنفيذ المشروع الصهيوني ، لقد كشفوا أنفسهم وفضحوا كل أكاذيبهم المغلفة بالإنسانية باصطفافهم ومشاركتهم بالمجازر والإبادة الجماعية في غزة ، تماماً كما اصطفوا بالأمس في مجازر العراق وليبيا وسوريا واليمن ، كل ما يهمهم في عالمنا هو الطاقة والثروات وأمن الكيان الصهيوني ومشروعه .
باختصار شديد جداً هناك ثلاثة مشاريع في المنطقة تشكل خطراً على أمتنا العربية ، الأخطر هو المشروع التوسعي الاستعماري الصهيوني الذي يمثل رأس حربة لقوى الإمبريالية الاستعمارية الغربية ، هذا الكيان العنصري النازي الإجرامي المتوحش يستحيل قبوله مطلقاً والتعايش معه ولا بد من اقتلاعه وإزالته.
الخطر الثاني يتمثل في المشروع العثماني التوسعي وهذا يمكن ردعه والتعايش معه إن نهضنا بمشروعنا القومي العربي ، تركيا هي الدولة الثانية بعديد جنودها في حلف الناتو ، وتقيم علاقات مع دويلة الكيان الصهيوني منذ عام 1950 وتتشابك معها في كافة المجالات وخاصة العسكرية والأمنية ” أكبر قاعدة تجسس إسرائيلية موجودة في تركيا” ، وبالرغم من أنّها دولة مسلمة سنية إلا أنّها تصطف في الخندق الإسرائيلي وتزوده اليوم بكل احتياجاته الغذائية والنفطية والمستلزمات العسكرية ، حلم أمجاد الإمبراطورية العثمانية لم يزل يعشش في عقول وأذهان قادتها .
الخطر الثالث يتمثل في المشروع الإيراني ، أيضاً إن نهضنا بمشروعنا التحرري العربي يمكننا إقامة علاقات طبيعية وبناء شراكات استراتيجية معها سيّما وهي تنادي بذلك من زمن طويل وتسعى لبناء أمن جماعي للمنطقة سيّما وهي من قدمت وتقدم كل أشكال الدعم لحركات المقاومة العربية بعدما تخلى وتآمر النظام الرسمي العربي على قضيتنا المركزية ، وهي من تناصب العداء للكيان الصهيوني ورعاته منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م ، لكن أنظمة حكمنا المحكومة أمريكيا تُعرض عن ذلك وتناصبها العداء ، لذلك من حقها أن تنسج وتبني تحالفات لها مع دول ومنظمات عربية دفاعاً عن أمنها القومي الذي تحاصره القواعد الاستعمارية من معظم الجهات.
تتشكل اليوم تحولات عالمية كبرى وتبرز قوى عالمية مؤثرة ، علينا كشعوب عربية أن نتحرر من رعبنا وجبننا وعبوديتنا ونتسلح بإرادة المواجهة المبنية على الوعي والفهم العميق لكل التحديات ونحولها إلى فرص للنهوض بمشروعنا القومي التقدمي التحرري ومن أهم مرتكزاته وأولها هو تجذير وتعزيز البيئة الديمقراطية بآلياتها ومعايرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ، وهذا الأمر مرتبط بقوى التغيير الديمقراطي ومدى تأثيرها على المكونات المجتمعية المتضررة من غياب الحريات والعدالة والتهميش صاحبة المصلحة الحقيقية بانتقال المشروع من الحلم والخيال إلى الحقيقة ، إذ لا يُعقل أن تستمر وتتحكم النخب الحاكمة التي أضاعت الوطن العربي والتي لا تزيد نسبتها عن 0,001% بمصير وتوجهات وطموحات 99,999% الباقية ، هذه الغالبية الصامته المرعوبة عليها تحمل مسؤولياتها وإدراك المخاطر التي تحاصرها والضغط بكافة الوسائل السلمية لانتزاع حقوقها وسلطاتها الدستورية كمصدر لكل السلطات .
لقد آن الأوان لإعادة بناء الفرد على أسس ومباديء القيم والثقافة والعلم والمعرفة التاريخية والحضارية والإنسانية والعقائدية واعدة توجيه الخطاب الإعلامي بما يعزّز ثقافة المقاومة والنضال والتحرر والانتماء والولاء للأوطان وبما يكرس الوعي الحقيقي للمخاطر التي نواجهها الداخلية والخارجية وبما يمثله الخطر الصهيوني ورعاته كخطر وجودي يستحيل قبوله والتعايش معه ، وترسيخ مفاهيم الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص ، وهذا يتطلب استيعاب خصوصيات جميع مكونات المجتمع العربي بحرية وعدالة وتكافؤ بعيدا عن الاقصاء لأي كان .
علينا كشعوب عربية إنهاء الوجود العسكري الأجنبي المُستعر والمحتل لبلداننا والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية للدول الإمبريالية وهيمنتها على المنطقة ، وإنهاء كافة المعاهدات والاتفاقيات وكل أشكال التواصل مع الكيان الإجرامي العنصري ، وسن كافة التشريعات التي تُجرّم اي شكل من أشكال التعامل والتخابر معه ، فهذا العدو بمعتقداته وعقيدته وثقافته لا يرى فينا إلّا وحوشاً ودواباً يجب القضاء عليها والاستيلاء على أراضيها وخيراتها.
على القوى السياسية التقدمية في كافة ربوع الوطن لعربي تأطير العلاقات فيما بينها والاتفاق والتوافق على أهداف واستراتيجيات وطنية عُليا وإيجاد آليات وأدوات التواصل والتنسيق فيما بينها بما يمكنها من الانتقال من الوجود الشكلي الى قوة الفعل وخاصة فيما يتعلق بمواجهة المشروع الصهيوني ، وصولاً لتشكيل جبهة عربية واسعة من الدول المناهضة للمشروع الصهيوني والإمبريالي وكل القوى الوطنية وقوى المقاومة العربية تحت قيادة موحدة تقود العمل النضالي التحرري ، كذلك إيجاد شبكة تواصل واتصال مع كافة القوى العالمية التقدمية لتشكيل قوة ضغط عالمية تحررية واسعة ، والضغط بكافة الوسائل لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل جبهة مقاومة موحدة خلف قيادة مشتركة داخل فلسطين وخارجها ، فقط المقاومة هي الكفيلة بتحرير الأرض وكنس كل قوى الاستعمار وفرض الإرادة والسيادة الوطنية على كامل التراب العربي .
فقط بالتحرر من الخوف والعبودية والخنوع والذل والاستسلام والتسلح بالإرادة والعزيمة تستطيع الشعوب العربية إعادة بناء مشروعها القومي التحرري وتقرير مصيرها ، وطن تعيش فيه الأجيال القادمة بعزة وكرامة ، أما وإن بقينا على هذا الحال من الذل والهوان فلننتظر شلومو يأتي ليُقّتل أبناءنا ويستحيي نسائنا ويسومنا سوء الذل والعذاب ! أليس هذا ما يحدث الآن في فلسطين ؟! فهل تفعلها الشعوب العربية وتنتفض بوجه جلاديها وتتحرر !
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الشعوب العربية الشعوب العربیة
إقرأ أيضاً:
غزة.. بين نار العدو وصمت العرب
في زمنٍ تتسارع فيه الجرائم وتتهاوى فيه القيم الإنسانية، تتعرض غزة لجريمة إبادة جماعية مروّعة تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، دون أن يتحرّك ضمير المؤسسات الدولية أو الأنظمة العربية التي التزمت الصمت حدّ التواطؤ. فالمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين الأبرياء هناك، خاصة في مخيمات النزوح، لم تترك مجالًا للشك في أن العدو الصهيوني يرتكب فصولًا جديدة من جرائم الحرب والإبادة ضد شعبٍ أعزل، يقف صامدًا بوجه آلة القتل والتدمير.
ففي واحدة من أبشع مشاهد الحرب، أقدم العدو الصهيوني على إحراق مخيمات للنازحين بالذات في مدرسة الجرجاوي بشكل مباشر، متعمدًا إحراق المدنيين وهم في خيامهم، وقد وثقت المشاهد المتداولة مشاهد تقشعرّ لها الأبدان، مشاهد تذكر البشرية بأظلم فصول التاريخ.
إنّ ما يحدث في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل جريمة إبادة مكتملة الأركان، تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني واستئصال قضيته من جذورها. وإذا كان العالم قد قرر أن يغض الطرف عن هذه الجرائم، فإن مسؤولية الأمة الإسلامية والعربية تصبح مضاعفة، وهي مدعوة لتحمّل واجباتها الأخلاقية والدينية والإنسانية تجاه ما يحصل.
وفي مشهد آخر لا يقلّ خطورة، شهد المسجد الأقصى انتهاكًا سافرًا من قبل مئات المستوطنين الصهاينة الذين اقتحموا باحاته بقيادة الصهيوني المتطرفبن غفير، في إطار ما يسمى بـ”مسيرة الأعلام”، وهي مناسبة باتت تُستخدم كغطاء سياسي لتكريس التهويد والتدنيس المتعمد للمقدسات الإسلامية.
هذا الاقتحام لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو خطوة عدوانية مدروسة ضمن مشروع استيطاني طويل الأمد يستهدف تفريغ القدس من سكانها الأصليين وفرض السيادة الصهيونية على أولى القبلتين وثالث الحرمين. إنّ صمت الأنظمة الرسمية على هذا الانتهاك الصارخ يعكس انحدارًا أخلاقيًا واستراتيجيًا، ويمنح العدو ضوءًا أخضرًا للاستمرار في انتهاكاته.
في ظل هذا الواقع القاتم، لم يعد الصمت مقبولًا، ولم يعد التعويل على المجتمع الدولي مجديًا. المطلوب اليوم هو موقف عربي وإسلامي فاعل يتجاوز حدود التنديد والإدانة. على الشعوب أن تتحرّك في الساحات، وعلى النخب أن ترفع الصوت عاليًا، وعلى كل فرد أن يمارس دوره في مقاطعة الكيان الصهيوني اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا.
المقاطعة لم تعد خيارًا رمزيًا، بل ضرورة أخلاقية وأداة مقاومة سلمية فعالة، والمظاهرات الشعبية قادرة على إيصال رسالة الرفض والغضب، وقد أثبتت الشعوب الحرة مرارًا أنّها قادرة على صنع الفارق إذا خرجت من دائرة الصمت إلى ميدان الفعل.
وفي هذا المشهد الموحش من الصمت والتخاذل، يبرز الموقف اليمني كصوت استثنائي يعيد التوازن الأخلاقي للأمة، حيث توكد القيادة اليمنية ممثلةً بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الأولويات، وأن العدوان على غزة لن يمرّ دون ردّ.
لقد أثبتت اليمن – رغم الحصار والحرب – أنّها حاضرة في معركة الأمة، وأنها جزء أصيل من محور المقاومة، إذ تواصل إطلاق عملياتها العسكرية المساندة لغزة، معلنةً أنّ دماء الأطفال والنساء في فلسطين ليست رخيصة، وأن زمن الاستضعاف العربي قد ولّى.
فليكن صوت اليمن صرخة توقظ من بقي لديه ضمير. الأمة تملك من القدرة ما يكفي لتغيير المعادلة، فقط إن قررت أن تتحرك.