رواندا تحيي الذكرى الـ30 لآخر إبادة جماعية في القرن العشرين
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
كيغالي – بدأت رواندا رسميا إحياء الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية ضد التوتسي في مراسم حضرها رؤوساء حاليون وسابقون وممثلون عن أكثر من 37 دولة أفريقية وأوروبية وعربية، ومنظمات إقليمية ودولية.
ودخلت البلاد في حداد رسمي يستمر أسبوعا، تُنكس خلاله الأعلام وتتوقف أي احتفالات، واختارت رواندا إحياء الذكرى هذا العام تحت عنوان "نتذكر، نتحد، نتجدد" ليضيء على مسيرة التحول وخطوات العدالة الانتقالية خلال العقود الثلاثة الماضية.
بدأت المراسم بوضع أكاليل من الزهور على قبور جماعية، تضم رفات آلاف الضحايا الذين قتلوا في كيغالي، وسار بعدها الرئيس برفقة كبار الشخصيات من مواقع القبور الجماعية إلى ساحة مفتوحة، حيث أشعل مع السيدة الأولى "شعلة الذاكرة" التي ستبقى متقدة خلال الأيام المئة المقبلة.
وأحيا الروانديون ذكرى الإبادة في موقع "غيسوزي"، الذي دُفن فيه قرابة 250 ألف ضحية قتلوا خلال 100 يوم من المجازر، وتحول إلى موقع تذكاري يوثق قصص الضحايا ويضم صورا وممتلكات شخصية تمكنت لجان التوثيق من جمعها منذ بدء العمل المؤسساتي لتأريخ الإبادة عام 2000.
يعتري الزائر للمتحف قرب النصب التذكاري للإبادة الجماعية في كيغالي شعور بالرهبة والصدمة، فقد علقت على جدران إحدى القاعات صور للضحايا وقصاصات تروي بعضا من قصصهم، وتوثق المكتبة الملحقة بالموقع يوميات قاسية مرت على رواندا، كما أنها تحتوي أرشيفا كاملا من الصحف الأجنبية ومراسلات رسمية وشهادات للناجين ومحاضر المحاكم المحلية التي أنشئت بعد المجازر.
تعتبر رواندا تاريخ 7 أبريل/نيسان من كل عام تاريخا يؤشر على بداية المجازر الجماعية عام 1994، وذلك بعد يوم من مقتل الرئيس جوفينال هابياريمانا بسقوط المروحية التي كانت تقله أثناء عودته من جلسة مفاوضات انعقدت في تنزانيا.
في ذلك اليوم، بدأت مليشيا "إنتراهاومي" التابعة لحزب هابياريمانا الحاكم بوضع حواجز في العاصمة، وقتل كل من ينتمي لإثنية "التوتسي"، حيث كان التعرف على الإثنية ممكنا بسبب الهويات المعتمدة في رواندا منذ الاستعمار البلجيكي، والتي تحدد الانتماء الإثني.
وسرعان ما توسعت رقعة المجازر خارج العاصمة وعمّت البلاد، وترافقت مع عمليات تحريض في وسائل الإعلام، وفي السادس من يوليو/تموز سيطرت جبهة رواندا الوطنية على كيغالي لتضع حدا للإبادة.
"لقد اخترنا أن نفكر أبعد من أفق المأساة، وأن نصبح شعبًا له مستقبل"، هكذا خاطب الرئيس الرواندي بول كاغامي الحضور الرسمي الذي شارك في إحياء الذكرى، وقال في كلمة له إن "الخيارات التي اتخذها الروانديون، وإيمانهم بأن إحياء الأمة أمر ممكن، أسهمت في التقدم الذي حققته البلاد"، وأضاف "لقد اخترنا أن نفكر أبعد من أفق المأساة وأن نصبح شعبًا له مستقبل".
ولم يغب الجانب السياسي عن كلمة كاغامي، حيث قال إن بلاده "ستبقى ممتنة لجميع الدول التي ساندت رواندا"، وخص بالذكر جهود جنوب أفريقيا بزعامة نيلسون مانديلا، حيث تكفلت حينها ببعثات أطباء كوبيين عملوا على إعادة تأهيل القطاع الصحي بعد المجازر، واحتضنت طلابا روانديين في جامعاتها.
ووصف كاغامي في كلمته موقف المجتمع الدولي إبان المجازر بأنه اتسم بـ"الجبن والخذلان"، وأثنى على "الوضوح الأخلاقي لممثلي دول مثل نيجيريا والتشيك ونيوزيلاندا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذين قاوموا بشجاعة الضغوط الدولية، وكانوا أول من وصفوا المجازر بأنها إبادة جماعية".
يُذكر أنه في ذلك العام (1994) كانت قوة تابعة للأمم المتحدة وبلجيكا منتشرة في رواندا، لكنها لم تنل تفويضا لوقف المجازر، وانسحبت بعد مقتل جنود بلجيكيين، أما فرنسا فأرسلت قوات لها بذريعة إقامة منطقة آمنة، لكن حكومة رواندا تتهمها بعدم بذل جهد كاف لوقف المذابح.
وتصر باريس على نفي تورطها في مأساة رواندا، وترفض الإقرار والاعتذار، فبعد سنوات من التوتر الدبلوماسي، اكتفى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته كيغالي عام 2021 بالقول إن "واجب بلاده هو الاعتراف بمعاناة الشعب الرواندي".
وقال كاغامي إن "مأساة رواندا هي تحذير من أن الانقسام والتطرف يمكن أن يؤديا إلى الإبادة الجماعية في أي مكان من العالم، إذا تُركتا دون رادع"، وحذر مما وصفها بـ"أصوات تعلي السياسات القبلية بما قد يمهد للتحضير لتطهير عرقي"، حسب وصفه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات إحیاء الذکرى
إقرأ أيضاً:
بدء استخراج جثث مئات الأطفال من مقبرة جماعية بإيرلندا.. راهبات متورطات
كشفت المؤرخة كاترين كورليس في العام 2014 عن دفن 796 طفلا ولدوا في دور للأمهات العازبات في إيرلندا، في مقابر جماعية، لكن أبحاثها لم تلق حينها آذانا صاغية، واليوم بعد أكثر من عشر سنوات، تقرر بدء أولى عمليات استخراج الجثث.
في بلدة توام الواقعة بالقرب من المكان في غرب إيرلندا، تقول المؤرخة (71 عاما) لوكالة فرانس برس "عندما بدأت، لم ينصت إلي أحد ... كانت معركة ضارية".
الاثنين، فرض الخبراء طوقا حول المقبرة الجماعية لمؤسسة أدارتها راهبات كاثوليكيات، من أجل البدء في عملية البحث بحلول تموز/يوليو.
وبدأت القضية في العام 2014 عندما كشفت كورليس عن أدلة تُثبت وفاة 796 طفلا، من حديثي الولادة إلى تسع سنوات، في هذه الدار الواقعة في بلدة صغيرة تبعد 220 كيلومترا عن دبلن.
وأضافت المؤرخة التي خلصت بحوث أجرتها إلى وجود مقبرة جماعية "لم تكن هناك سجلات دفن ولا مقبرة ولا نُصب، ولا صليب، لا شيء على الإطلاق".
وأكدت "عندما بدأت العمل، لم يرغب أحد في الانصات (...) وتوسلت إليهم كي يخرجوا هؤلاء الأطفال من هذه المجاري، وإقامة دفن مسيحي لائق حرموا منه"، ولكن من دون جدوى.
وفي العام 1972، تم هدم المؤسسة لإنشاء مجمع سكني لكن المقبرة الجماعية بقيت على حالها.
"غير شرعيين"
أثارت بحوث كورليس لدى نشرها صدمة في إيرلندا، فقد كشفت عن المعاملة القاسية التي كان يتلقاها الأطفال الذين أنجبتهن الأمهات خارج إطار الزواج.
طوال عقود، درجَ المجتمع والدولة والكنيسة الكاثوليكية التي لطالما فرضت رقابة صارمة على السلوك في إيرلندا، على إحالة الأمهات العازبات إلى "دور رعاية الأم والطفل".
واعتبر الأطفال المولودون هناك غير شرعيين وغالبا ما جرى فصلهم عن أمهاتهم ثم تم عرضهم للتبني.
وفتح تحقيق عقب نشر البحوث التي أجرتها المؤرخة والتي خلصت إلى أن 56 ألف أم عازبة و 57 ألف طفل أدخلوا إلى 18 دار رعاية بين عامي 1922 و1998. توفي منهم نحو 9 آلاف طفل.
كانت بعض هذه الدور تُمول وتُدار من قبل السلطات الصحية المحلية، وأخرى من قبل الراهبات الكاثوليكيات، لا سيما دار الرعاية في توام.
وأشارت كورليس إلى أن "جميع هؤلاء الرضع تم تعميدهم لكن الكنيسة غضَّت الطرف عنهم. بالنسبة لها الأمر غير مهم، فهم أطفال غير شرعيين، نقطة على السطر".
"أسرار صغيرة قذرة"
على الرغم من العثور على أولى الرفات بين عامي 2016 و2017، لم يصدر قانون للتنقيب رسميا إلا في العام 2022.
ودانت هذا التأخير آنا كوريغان التي كانت في الخمسينيات من عمرها عندما اكتشفت أن والدتها المتوفاة في العام 2012، أنجبت في توام ولدين، سمّتهما جون وويليام.
وانتقدت بشدة ما وصفته بـ "العدالة على الطريقة الإيرلندية". لم تصدر شهادة وفاة لويليام ولم تخضع تلك المتعلقة بجون لإشراف طبي. تُثير الوثائق القليلة التي تمكنت آنا من الاطلاع عليها، الكثير من الشكوك.
واطلعت آنا وكالة فرانس برس على تقرير يعود لعام 1947، يفيد بأن جون كان "طفلا حزينا وهزيلا" على الرغم من أنه وُلد بصحة جيدة قبل عام من ذلك.
أما ويليام، فمن المرجح أنه تم تبنيه بشكل غير قانوني في الخارج.
وقالت "ثمة أسرار صغيرة قذرة في إيرلندا نفضل إخفاءها. تتمتع البلاد بسمعة طيبة في الخارج، ولكن لديها أيضا جانب مظلم وكئيب" متهمة السلطات بـ"التسويف".
في العام 2023، تم أخيرا تعيين فريق لقيادة العمليات في توام مكلف العثور على الرفات وتحديد هويتها والعمل على دفنها بشكل لائق.
وسيتم أخذ عينات الحمض النووي من الأشخاص الذين يمكنهم إثبات صلة عائلية بالأطفال الذين توفوا في هذه الدار.
وقالت كورليس: "لم أتخيل يوما أن يأتي هذا اليوم. لقد تم التغلب على العديد من العقبات".
لكنها تدرك أن أعمال التنقيب لن تقدم كل الإجابات، موضحة "حتى لو تمكنا من تحديد هوية بعض الرفات، إلا أن ذلك لن يجلب السلام للجميع".