في أول حوار له.. حسن الصباح يتحدث عن نفسه ويبدي رأيه في مسلسل «الحشاشين»
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
الحشاشين.. استطاع جذب الأنظار من جديد، ويسيطر على حوارات الناس بعد قرون من وفاته، خاصة بعد عرض مسلسل الحشاشين، الذي يؤرخ قصته، إنه القائد حسن الصباح، والذي سنبحر معه في عالم من الخيال، ونتحاور معه عن كل ما قاله التاريخ ودونه من أحداث، نستحضره معنا في حوار مليء بالتشويق والإثارة لنتعرف على أسرار حكايته، وعلى فصول القصة التي دونت سطورها في التاريخ.
حلق حسن الصباح نظره عاليا وكأنه يستعيد ذكريات طفولته، قائلا: «ولدت عام 430 هـ 1037 م، في قم معقل الشيعة الإثنى عشرية، حيث نشأت في بيئة شيعية اثني عشرية ثم انتقلت عائلتي إلى الري مركز لنشاطات الطائفة الإسماعيلية فاتخذت الطريقة الإسماعيلية الفاطمية وعمري 17 سنة»، ثم صمت برهة واستكمل «ظللت حتى السابعة عشرة دارساً وباحثاً في المعرفة ولكني ظللت على عقيدة أجدادي الإثنى عشرية. وذات يوم التقيت برجل، يدعى عميره زاراب كان من وقت لآخر يدعو إلى نظرية الخلفاء في مصر، وكان ذو شخصية قوية، وعندما ناقشني لأول مرة كان يقول لي عندما تخلو إلى التأمل في سريرك أثناء الليل سوف تعرف أن ما أقوله لك مقنع».
واستطرد: «واصلت قراءة كتب الإسماعيلية، وبعد ذلك لقيت معلم إسماعيلي آخر، فلقنني التعاليم الإسماعيلية حتى اقتنعت، ولم يبق أمامي سوى أداء يمين الولاء للإمام الفاطمي، لكنني أديت تلك اليمين أمام مبشر إسماعيلي نائبا عن عبد الملك بن عطاش كبير الدعاة الإسماعيليين في غرب إيران والعراق، وفي أوائل صيف 1072 وصل عبد الملك بن عطاش لمدينة الري، فألتقيت به، ثم وافق على انضمامي، وحدد لي مهمة معينة في الدعوة، وطلب مني السفر إلى مصر لكي يسجل اسمي في بلاط الخليفة الفاطمي بالقاهرة.
ـ وكيف بدأت دعوتك في مصر؟أجاب حسن الصباح متلهفا: «في سنة 1076م تركت الري، ورحلت إلى أصفهان ثم اتجهت صوب أذربيجان ومنها عرجت على ميافارقين فبقيت فيها إلى أن طردني قاضي المدينة بعدما أنكرت سلطة علماء السنة وأصريت على إن الإمام وحده هو الذي لديه الحق في تفسير الدين، فأكملت رحلتي إلى فلسطين عن طريق أرض الجزيرة وسوريا وبيروت، ومن هناك رحلت بحرا إلى مصر في 19 صفر 471 هـ / 30 أغسطس 1078».
وأضاف حسن الصباح مبتسما وكأن الشوق يخرج من عينيه: «بقيت في مصر حوالي 3 سنوات ما بين القاهرة والإسكندرية، ثم اختلفت مع أمير الجيوش بدر الدين الجمالي، فسجنني ثم طردني من مصر على متن مركب للأفرنج إلى شمال أفريقيا، لكن المركب غرق في الطريق ونجيت منه، فنقلوني إلى سوريا ثم تركتها ورحلت إلى بغداد ومنها عدت إلى أصفهان فوصلتها 29 ذو الحجة 473 هـ / 10 يونيو 1081.
ـ وماذا عن دورك في نشر الدعوة الإسماعيلية؟فتنهد حسن الصباح وكأنه يود أن يخبر عن ثقل الرحلة، قائلًا: «تنقلت داخل إيران مستكشفا لها لمدة 9 سنوات، حتى بدأت الدعوة في إقليم الديلم ومازندران وقد كان لها بعض النجاح، وكنت اتفادى المدن في تنقلاتي وانتقل عبر الصحراء، حتى اتخذت دامغان وحولها قاعدة لي ابعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب السكان من هناك، ومكثت بذلك لمدة 3 سنوات حتى أمر الوزير نظام الملك باعتقالي، ولكنني هربت إلى قزوين».
ثم عقد حسن الصباح حاجبيه وأقفل عينيه قليلًا وكأنه سيقر بحقيقة، قائلًا:«كان أول ظهور للباطنية ببلاد الشام في مدينة حلب، التي كانت تحت حكم الملك السلجوقي رضوان بن تتش، حيث أقام الداعي الباطني الحكيم المنجم الذي أرسلته من ألموت لنشر الدعوة في الشام واستطاع استمالة رضوان إلى الباطنية على أساس أن يستغل هذا شجاعة الباطنية في اغتيال خصومه السياسيين، فحفظ الملك رضوان جانبهم وشايعهم حتى أصبح لهم بحلب دار دعوة»، واستطرد: «بعد انتشار الباطنية في حلب والشام، أرسل السلطان السلجوقي محمّد ابن ملكشاه إلى ألب أرسلان بن رضوان بن تتش -الذي تولى الحكم في حلب بعد وفاة أبيه- كي يفتك بالباطنية ويقتلهم، فقرر ألب أرسلان القضاء عليهم، فقبض على أبي طاهر الصائغ وقتله، وقتل إسماعيل الداعي وأخا الحكيم المنجم والأعيان من أصحاب هذا المذهب الباطني بحلب واستصفى أموالهم وتفرقوا في البلاد».
ـ وما هو «ألموت» الذي أرسلت الداعي الباطني الحكيم المنجم منه؟فأجاب:«هي قلعتي الخاصة، كنت أود في تنقلاتي العثور على مكان مناسب يحميني من مطاردة السلاجقة وأقوم بتحويله إلى قاعدة لنشر دعاتي وأفكاري، وقد عزفت عن المدن لانكشافها، لذا لم أجد أفضل من قلعة أَلَمُوت المنيعة، فهي حصن قديم فوق صخرة عالية وسط الجبال على ارتفاع 2، 100 متر، وبنيت بطريقة ألا يكون لها إلا طريق واحد يصل إليها ويلف على المنحدر مصطنع، فالمنحدر الطبيعي صخوره شديدة الانحدار وخطرة، لذلك أي غزو للحصن يجب أن يحسب له لخطورة الإقدام لهذا العمل».
فشردت عينا حسن الصباح إلى اليمين قليلًا ثم رفع حاجبيه لوهلة، وكأنما يعترف بارتكاب بعضها، ثم قال «سأحكي القصة من البداية، كان توزيعي لدعاتي بحيث جزء منهم يذهب إلى المناطق النائية لنشر الأفكار، والجزء الآخر يكون موجودا بالمدن الكبرى. فأول ما عرفت من أحوال الدعوة التي اشتهرت بالباطنية أو الإسماعيلية في أيام السلطان ملك شاه فقد اجتمع منهم ثمانية عشر رجلًا فصلوا صلاة العيد في ساوة فعرف بأمرهم رئيس الشرطة فأخذهم وحبسهم ثم سُئِلَ فيهم فأطلقهم فهذا أول اجتماع عام كان لهم.
ثم إنهم دعوا مؤذنًا من أهل ساوة كان مقيمًا بأصبهان فلم يجبهم إلى دعوتهم فخافوه أن يخبر عنهم فقتلوه فهو أول قتيل لهم فبلغ خبره إلى نظام الملك، فأمر بأخذ من يتهم بقتله فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر فقتل ومُثل به وجروا برجله في الأسواق فهو أول قتيل من طائفتي، وكان والد النجار واعظًا وقدم إلى بغداد مع السلطان بركيارق سنة 486 هـ فحظي منه ثم قصد البصرة فولي القضاء بها ثم توجه في رسالة إلى كرمان فقتله العامة في الفتنة التي جرت وذكروا انه باطني.
ثم صمت برهة واستكمل: «وفي سنة 1092 بدأ السلاجقة في مواجهتي عسكرياً، فبعث سلطانهم ملك شاه حملتين، واحدة على قلعة ألموت، والثانية على قهستان لكن ميليشياتي تصدت للسلاجقة وبمساعدة الأهالى المتعاطفين معهم في روبارد وقزوين فانسحبت القوات من قهستان بعد وفاة السلطان ملك شاه سنة 1092، بعدها اغتيل الوزير نظام الملك نفسه في 16 ديسمبر 1092، في منطقة ساهنا في إقليم نهاوند، عن طريق فدائي متنكر في زي رجل صوفي».
ـ بعض الروايات تؤرخ كونك صديق دراسة للوزير نظام الملك، فهل كان هذا صحيحا؟فأسرع مجيبا: «هذه الروايات يشوبها البطلان، بسبب أدلة عدة يسوقها التحليل التاريخي، فمن المستبعد أن أكون صديق دراسة لنظام الملك، فهو ولد قبلي بحوالي 20 عاماً، فضلاً على أني تلقيت تعليمي بمدينة الري، وليس نيسابور التي تعلم بها وزير الدولة السلجوقية».
ـ وهل أنت من قمت باغتيال نظام الملك؟فتهرب حسن الصباح من الإجابة ولكن كلماته أفصحت عن الحقيقة، حيث قال:« كنت أود أن اشتهر ويذيع صيتي فأنا من أرسى أسس الفدائية، وقد نجحت العملية بقتل هذا الشيطان، فكان قتله بداية البركة»، ثم أقر بعمليات الاغتيال، قائلا: «اغتيال نظام الملك كان من أولى عمليات الاغتيال الكبرى التي قام بها الحشاشون، وكانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات التي قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين، استمرت حتى احتل هولاكو قلعة ألموت عام 1256 وقضى على طائفتنا بالشرق والتي استمرت حوالي القرنين من الزمان».
ـ وماذا عن المذهب النزاري، لماذا قمت بتكوينه؟فأومأ حسن الصباح برأسه، قائلا:«بعد موت المستنصر بالله 487 هـ/1094 م، قام الوزير بدر الدين الجمالي بالدعوة لإمامة المستعلي الابن الأصغر للمستنصر، وإزاحة الإبن الأكبر «نزار» ولي العهد، وبذلك انشقت الفاطمية إلى نزارية مشرقية، ومستعلية مغربية، وانشققت أنا أيضا عن الفاطميين لأدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن جاء مِن نسله، وكنت في ذلك الوقت مجرد عميل للزعماء الفاطميين في مصر ونائب لعبد الملك بن عطاش وخليفته، وقد اتخذت من قلعة ألموت في مدينة رودبار بالقرب من نهر «شاه ورد» في فارس مركزًا لنشر دعوتي وترسيخ أركان دولتي، فكانت هذه الخطوة بمثابة خطوة قوية لتدعيم مقاليد الحكم».
- وماهي طريقتك التي كنت تسيطر بها على عقول أتباعك؟فابتسم ابتسامة يشوبها نظرة خبث، قائلا: «كان يتم اختيار أتباعي فى سن صغيرة، حتى تتم السيطرة عليهم فكرياً ودينياً مع قدرتهم على تحمل التدريبات العسكرية الشاقة، وكانت تتم السيطرة عليهم نفسياً ومعنوياً من خلال إدخالهم حدائق الغناء، وإعطائهم مشروب مخدر فيتصورون أنهم في الجنة، وبعد ذلك يتم دفعهم إلى القيام بالعمليات الإرهابية، مع وعدهم بأنهم إذا قُتِلوا سوف يدخلون الجنة التي عرفوها من قبل».
ـ وكيف كانت نهايتك؟فأجاب: « كانت في 7 ربيع الثاني 518 هـ / 23 مايو 1124 في قلعة ألموت، لم أُقتل ولم أُغتيل، كانت نهاية شخص أذن الله بوفاته».
ـ وماذا تقول عن الآراء التي قيلت عنك بعد وفاتك؟فابتسم، قائلًا:«عاصرت فترة سادت فيها الحروب بين مختلف الطوائف، السلاجقة، العباسيون، الأيوبيون، الصليبيون وغيرهم من الطوائف، إلا أن كلها أجمعت على أني كنت قوي الشكيمة، ودائم حضور الذهن، وأقاتل كل من يحاول الاقتراب من دولتي بغض النظر عن طائفتي، وأن أتباعي يتمتعون بالحرص الشديد والطاعة والمقدرة على تنفيذ المهمات الموكلة لهم».
ـ في نهاية الحوار، نود أن نتعرف عن رأيكم في مسلسل الحشاشين الذي يعرض حاليا على الشاشات؟فانفرجت أسارير وجهه، قائلًا:«لا يخلو من الحبكة الدرامية، فإذا قمنا بمقارنته بما قُلت سابقا، سنجد الكثير من الأحداث التخيلية مختلطة بالواقع».
اقرأ أيضاًمسلسل الحشاشين الحلقة 28.. «بدون رحمة» قتل زوجة حسن الصباح وإعدام يحيى ابن المؤذن
مسلسل الحشاشين الحلقة 28.. مواعيد العرض والقنوات العارضة
ملخص الحلقة 27 من مسلسل الحشاشين.. حسن الصباح يثير الرعب في نفوس أهالي أصفهان
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الحشاشين مسلسل الحشاشين الصباح طائفة الحشاشين مسلسل الحشاشين كريم عبد العزيز حسن الصباح زعيم الحشاشين حسن الصباح أتباع حسن الصباح مسلسل الحشاشین حسن الصباح نظام الملک قلعة ألموت ـ وماذا کان من فی مصر قائل ا
إقرأ أيضاً:
حوار.. محمد الفكي: تحالف الفساد والعنف يقود السودان نحو الهاوية
يرى القيادي في تحالف القوى المدنية الديمقراطية “صمود” محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق أن وقف الحرب يمثل الخطوة الأولى نحو مسار سياسي جديد يفتح النقاش حول القضايا المؤجلة والجروح الطازجة التي خلفها الصراع.
التغيير ــ وكالات
و في حوار مع “راديو تمازج”، يتناول الفكي مأزق قوى الثورة، ومعضلة الهوية، وإمكانيات بناء مشروع وطني جامع، مؤكدًا أن تحالف الفساد والعنف هو من جرّ البلاد إلى هذا الدمار، وأن كسر هذا التحالف يبدأ بالشجاعة في تسمية الأشياء بأسمائها.
كيف يمكن للسودانيين، استعادة الدولة المختطفة دون إعادة إنتاج أدوات القمع ؟
الدولة نفسها الآن على المحك، إذ تحللت معظم ممسكاتها السياسية والاجتماعية نتيجة سنوات طويلة من القمع واختراق المنظومة الأمنية للمجتمع المدني والأهلي والأحزاب السياسية. كانت ثورة ديسمبر علامة مضيئة وفرصة لترميم أجهزة الدولة التي حطمها التمكين والاستبعاد السياسي والإثني. لكن انقلاب أكتوبر 2021، وكان انقلاباً عجولاً وغبياً، لم يُحسن حتى قراءة المهددات الأمنية الداخلية، وسرعان ما تفككت المنظومة الأمنية نفسها، وتقاتلت فيما بينها، فأدخلتنا في هذا النفق المظلم.
بالعودة إلى السؤال، فإن الخطوة الأولى هي إيقاف هذه الحرب وفتح مسار سياسي شامل لطرح عشرات القضايا المؤجلة، وأخرى نتجت لاحقاً من هذه الحرب المزلزلة. وطبعاً لا يمكن الإحاطة بكل هذه القضايا في هذه العجالة.
ما السبيل إلى بناء مشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات الإثنية والجهوية، ويُعيد تعريف الهوية السودانية على أساس المواطنة والكرامة؟
لا يمكن بناء مشروع وطني ما لم يكن هناك اعتراف بأن هذه الرقعة الجغرافية التي تجمعنا تسكنها شعوب شديدة التنوع، ولها كامل الحق والطموح في المشاركة في صياغة هذا الوطن ليصبح ملكاً لنا جميعاً. ولن يتحقق ذلك إلا عبر مشروع ديمقراطي وتمثيل عادل في كافة أجهزة الدولة، وعلى رأسها المؤسسة الأمنية، التي ظلت حتى الآن حصناً مظلماً لا تتوفر معلومات دقيقة حول تركيبته الاجتماعية.
تفاقم الأمر عندما تحولت أجهزة الدولة إلى أدوات عنف تحمل هوية سياسية واضحة وانحيازاً لمشروع إقصائي، وهو ما يظهر جلياً في خطابها في مواجهة “الآخر”.
المشروع الوطني يبدأ بطرح الأسئلة “الممنوعة”، من الهوية إلى تقاسم السلطة والموارد، مروراً بتركيبة الأجهزة الأمنية وضرورة حيادها.
هل تستطيع قوى الثورة أن تنتقل من الاحتجاج إلى التأسيس، ومن الشارع إلى المؤسسات، دون التفريط في جذوة الوعي الثوري؟
قوى الثورة اليوم أمام امتحان حقيقي، وهي بعيدة عن موطن قوتها الأساسي، وهو الجماهير والحراك المدني. تواجه واقعاً معقداً، فالحرب أدواتها مختلفة، والصوت الغالب فيها هو صوت البندقية.
لكن رغم ذلك، يظل مطلوباً منها الكثير في ملف السلم الأهلي، حتى لا تنحدر البلاد من قتال مسلح بين أطراف سياسية إلى حرب أهلية شاملة. عليها أيضاً بذل جهد سياسي ودبلوماسي لدفع المتقاتلين إلى طاولة التفاوض. وقبل ذلك، هناك واجب إنساني ضاغط لا يحتمل الانتظار، يتعلق باللاجئين والنازحين والاحتياجات الإنسانية العاجلة.
كيف يتم تحويل الذاكرة الجماعية للحرب والمجاعات والانتهاكات إلى قوة سياسية وأخلاقية تدفع نحو عدالة انتقالية حقيقية لا تسويات فوقية؟
تجارب الحروب موجودة في كل العالم. هناك شعوب نهضت من وسط الرماد بدروس جديدة وملهمة، وذاكرة حية وطموح نحو حياة أفضل، وهناك شعوب تبددت وأصبحت جزءاً من كتب التاريخ كأممٍ آفلة.
واجب القيادة في هذه اللحظة التاريخية أن تكون ثابتة، تنظر إلى المستقبل وتبشّر به، فالقائد هو من يرى بعيداً، ويظل ثابت الجنان في لحظات المِحَن، ولديه القدرة على مواصلة الطريق.
لدى السودان ما يؤهله للنهوض، من موارد بشرية وطبيعية هائلة. فقط علينا أن ننظر إلى ما يحدث الآن كدرس قاسٍ من دروس التاريخ لا يجب أن يتكرر.
ما هو شكل الاقتصاد الممكن في السودان ما بعد الحرب؟ وكيف يمكن كسر الحلقة الجهنمية بين الفقر والفساد والنخب المسلحة؟
الاقتصاد يواجه أسئلة كبرى. فالحرب دمّرت البنية التحتية الصناعية، من طرق وجسور ومحطات كهرباء. وكان لدينا أصلاً عجز مريع في قطاع الطاقة، والآن تضاعف الوضع تعقيداً.
لكن كل ذلك يظل ثانوياً مقارنة بما حدث من نهب منظم لموارد البلاد خلال الحرب، وتغوّل شبكات الفساد التي نمت وترعرعت وأصبحت صاحبة مصلحة مباشرة في استمرار الحرب.
توحشت هذه الشبكات، وبدأت تمنح الحرب غطاءً دينياً تارة، ودستورياً تارة أخرى، بينما الحقيقة أنهم مجرد لصوص يريدون استمرار غياب الرقابة الشعبية والمؤسسية.
عقب الحرب، من الضروري تفكيك مركزية الاقتصاد وإعادة بناء البنية التحتية، خصوصاً في الطاقة والنقل، ومحاربة الفساد بشكل جذري. بقية القطاعات ستنهض بجهد السودانيين وموارد بلادهم.
كيف يتم التصدى لهيمنة الخطابات العسكرية والدينية الرجعية على الفضاء العام، ونفتح الطريق أمام خطاب مدني إنساني ينهض بالبلاد؟
الخطابات العسكرية والدينية الإقصائية تنمو وتزدهر في لحظات الشمولية والاضطراب. وهي خطابات لا تخاف إلا من النور والمواجهة.
الخطاب العسكري يحب الحرب، فهي ملعبه، وأدواتها بالكامل في يده، وتصبح الحياة كلها ملحقة بالمعركة: الإعلام يصفق، الفن يمجّد، والشعب يُهتف باسمه. أما من يسأل “لماذا نموت؟” فمكانه محجوز في دفتر الخونة.
وقف الحرب واستعادة الحياة المدنية والحريات وفتح الفضاء العام للنقاش الحر، هو الخطوة الأولى لهزيمة هذه الخطابات.
هل تمتلكون الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها: أن الحرب في السودان ليست قدراً، بل نتيجة مباشرة لتحالف الفساد مع العنف؟ وكيف يمكن تفكيك هذا التحالف؟
الحرب في السودان لم تكن قدراً، بل نتيجة مباشرة لانقسام قوى المصلحة في الوحدة والاستقرار، بينما توحّد تحالف العنف والفساد.
وهو تحالف شرس ودموي، لا يتردد في استخدام أقصى درجات البطش إذا ما اقترب أحد من مصالحه. أثبتت الأيام أنه لا مانع لديهم من إحراق البلاد كاملة إذا طالب الشعب بأن تكون بلاده له.
نعم، نحتاج إلى شجاعة التسمية والمواجهة، فهي الخطوة الأولى في طريق التفكيك.
الوسومإيقاف هذه الحرب الاحتياجات الإنسانية العاجلة اللاجئين النازحين تحالف الفساد والعنف عشرات القضايا المؤجلة فتح مسار سياسي شامل محمد الفكي سليمان