أعادني مشهد عبور الصواريخ والمسيرات الإيرانية نحو الأراضي المحتلة، إلى مشهد سقوط صواريخ سكود العراقية على تل أبيب في فبراير 1991م. فأعداء الثمانينيات -إيران والعراق- اهتديا إلى العدو الحقيقي بعد تجرعهما علقم حرب ثماني سنوات، والتي قضت على الأخضر واليابس في البلدين الجارين ولم ينتصر فيها إلا الكيان الصهيوني الذي استغل الحروب العربية والخلافات الإقليمية لتدمير القوى الوطنية في المنطقة سواء بالتدخل المباشر كما حدث في اجتياح بيروت، أو تقويض الحركات السياسية المناهضة للكيان من الوصول إلى صنع القرار.
لا يخفى على ذي بصيرة بأن المشروعات السياسية في المنطقة واضحة لا ضباب يسترها ولا غبش يواريها، فالمشروع الأول تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل، مشروع يبرئ الصهاينة من جريمة احتلال فلسطين ويقبل بالكيان الصهيوني عنصرا فاعلا في الأمن والاقتصاد ويراه شريكا مهما للقضاء على إيران، وأن القضية الفلسطينية قد وئدت في الاتفاقيات والصفقات السرية منها والمُعلنة، أما المشروع الثاني فهو المحور الإيراني السوري الداعم للمقاومة لاستعادة الأراضي المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان، محور يصارع الصهاينة وأدواتهم في أكثر من جبهة ولا يفرط في حقوق الفلسطينيين ولا يتاجر بمعاناتهم على طاولات المفاوضات، فأي المشروعين أقرب إلى المواطن العربي؟، لقائل أن يقول إن إيران تتدخل في الشؤون العربية ولديها أذرع في بعض العواصم العربية، وهذا صحيح ولكن ماذا عن الوجود الأمريكي والبريطاني والفرنسي والتركي في الكثير من القواعد الجوية والبحرية في المنطقة؟.
نعم لدى إيران مصالح في المنطقة مثلها مثل أي دولة، ولا أحد يثني دولة عن السعي خلف مصالحها ومشروعاتها، فالمصالح الأمريكية والبريطانية والفرنسية ينظر إليها بعين الرضا وهي التي زرعت وربت وحمت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ولا تزال الدول الثلاث تحمي إسرائيل من المساءلة الدولية ومن قرارات مجلس الأمن الدولي.
بالعودة إلى الضربات الإيرانية فبصرف النظر عن تحقيق أهدافها أم لا فإن طهران نفذت تهديداتها وتعرف بأن الحرب مع الكيان الصهيوني مفتوحة على عدة جبهات، وتدرك القيادة الإيرانية أن العقوبات المفروضة عليها ليس فقط لإبطاء برنامجها النووي وإنما لموقفها الداعم للقضية الفلسطينية منذ وصول الثورة إلى سدة الحكم عام 1979م، وقطع العلاقات مع تل أبيب بعد زوال نظام الشاه الذي اعترف بإسرائيل عام 1953 لتكون بذلك ثاني بلد مسلم يعترف بإسرائيل بعد تركيا.
كم مرة علينا التذكير بأن العدو الفعلي في المنطقة قبل الكيان الصهيوني، هو الجهل فعدم التمييز بين الصديق والعدو سذاجة وغباء، مثله مثل التعامي عن خطر المشروع الصهيوني المتستر بالمشروع الإبراهيمي في إقامة علاقات كاملة مع الدول العربية والتخلي عن مشروعية استعادة الحق الفلسطيني لتحرير أرضه وعودة اللاجئين، فالمشروع الإبراهيمي مثل أي مشروع يجري تنفيذه في المنطقة العربية مثل تسفير المجاهدين العرب إلى أفغانستان وخوض معركة ضد السوفييت نيابة عن الولايات المتحدة، أو الحرب على اليمن ومقاطعة قطر وغيرها من الأزمات والويلات التي جرتها على المنطقة ولا تزال تعاني منها.
سنظل ندعو إلى عدم السير خلف المستعمرين وتنفيذ خططهم التي تستنزف الثروات ومقدرات شعوب المنطقة تحت أكثر من عنوان ولافتة مرة بالاستثمار ومرة بالحماية من أعداء وهميين.
وإلى أن تأتي اليقظة المنتظرة، نردد كلمات الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش (1941-2008) م
« من لغتي ولدتُ
على طريق الهند
بين قبيلتين صغيرتين
عليهما قمر الديانات القديمة
والسلام المستحيل
وعليهما أن تحفظا
فلك الجوار الفارسي
وهاجس الروم الكبير»
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية ترحب بقرار خمس دول فرض عقوبات على وزيرين في الكيان الإسرائيلي
رحبت جامعة الدول العربية بقرار كل من بريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا والنرويج فرض عقوبات على وزيرين متطرفين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب تحريضهما المستمر على العنف ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.
وأوضح أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، في بيان اليوم، أن هذا القرار يعد خطوة مهمة نحو محاسبة مسؤولين في حكومة الاحتلال تورطوا في تحريض واضح على العنف واستهداف الشعب الفلسطيني في الضفة من قبل المستوطنين، مع الإفلات من العقاب.
وأكد أبو الغيط أن فرض العقوبات على الوزيرين يكشف للعالم مدى الإجرام الذي تورط فيه مسؤولون بالغو التطرف في الكيان الإسرائيلي، بما أفضى إلى ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة.
ونوه الأمين العام إلى أن قرار الدول الخمس خطوة أولية مهمة نحو إعادة التوازن للموقف الدولي من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، واتخاذ إجراءات عملية نحو محاسبة المتورطين في العنف والتحريض على التطهير العرقي والإبادة.
وكانت استراليا ونيوزيلندا والنرويج وبريطانيا وكندا، قد أصدروا بيانا أمس الثلاثاء، اعتبر عنف المستوطنين في الضفة الغربية انتهاكا لحقوق الإنسان، وأكدوا خلال البيان التزامهم بحل الدولتين، وكذلك فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش لتحريضهما على العنف.