الخيارات الفلسطينية في مواجهة نتنياهو
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
إذا كانت كلّ الشواهد تدلُّ على أنَّ استمرار الحرب على غزّة هو الخيار الأوحد الذي يتمسّك به نتنياهو ومَن حوله في مجلس الحرب، فما هي الخيارات الفلسطينيّة في مواجهة ذلك، وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع بنتائج حقيقية بعد كل ما قدّمه الشعب الفلسطيني – وخاصة في غزة – من تضحيات جسام ومعاناة، لا يمكن وصفها بالكلمات بعد ستّة أشهر ونصف تقريبًا من حرب الإبادة الصهيونيّة؟
أولًا: استمرار المقاومةمن البديهي أن يكون الفعل المقاوم هو السلاح الأقوى في مواجهة أيّ عدوان مهما بلغ عنفوانه ودرجة إجرامه؛ لأن الفعل المقاوم هو الذي يمنع استقرار المحتل، ويخلق لديه حالة من عدم اليقين، كما يدخله في مرحلة استنزاف لا يستطيع تحملها، بينما تستطيع المقاومة ذلك، وكذلك الشعب المؤمن بها وبدورها.
وكلما زادت التضحيات والأثمان التي يدفعها أي شعب، زاد تشبّثه بالحقوق، وعدم الاستعداد للتنازل بثمن بخس، بل ترتفع الأثمان على المعتدي كلما أوغل في عدوانه.
وبهذه الطريقة تصبح إستراتيجية استمرار الحرب هي أفشل إستراتيجية يتبعها المحتل؛ لأنها تدخله مختارًا في نفق بلا نهاية، وتستنزف قدراته وطاقاته وتضطره إلى التكيف مع أوضاع جديدة، لا يملك وحده القول الفصل فيها، بل يكون للمقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لها، الكلمةُ الأخيرة.
وحتى لو فكّر نتنياهو في تغيير إستراتيجية الحرب والذهاب بأي اتجاه آخر، سواء من باب المناورة أو للهروب إلى الأمام من الضغوط المتزايدة عليه داخليًا وخارجيًا، فإن هذا التغيير لا يمكن تطبيقه دون مراعاة الموقف الفلسطيني، وخصوصًا موقف المقاومة.
ومن العناصر الإيجابية التي تفيد في هذا الاتجاه، أنّ ما أظهرته المقاومة في غزة من قدرات خلال الأشهر الماضية، يدلّ على استعداد عالي المستوى على صعيد الكوادر البشرية المدربة والمستعدة لقطع الشوط إلى آخره، كما أن الإمكانات المطلوبة لمقاومة فاعلة ليست كبيرة ويمكن توفيرها محليًا، كما هو الحال في سلاح الياسين والتي بي جي، والعبوات المتفجّرة وسلاح القنص "الغول"، وهذه كلها صناعات محلية أثبتت فاعليتها، وفتكت بقدرات جيش الاحتلال باهظة الثمن، الأمر الذي يجعل تكاليف هذه المرحلة أكبر بكثير من سابقتها.
ثانيًا: اتساع مساحة المواجهة أفقيًا ورأسيًاكان من اللافت ما قاله وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت، لدى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، ولقائه بنظيره الأميركي، حيث ذكر أن الاحتلال يقاتل على سبع جبهات، وقد حاولت إحصاء هذه الجبهات السبعة في حينه، فلم أستطع القطع بها، فما نعرفه نحن أن هناك جبهة غزة، وجبهة الشمال مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، وهناك جبهة اليمن التي يمثلها الحوثي، وجبهة العراق، وإن كانت أقل حدة من ذي قبل، بل ربما تكون قد هدأت تمامًا. فأين هي الجبهات الأخرى؟
وقد تبيّن لاحقًا أن ما يقصده غالانت يتعلق بالجبهات المرشحة للانفجار، أو التي يستعد الاحتلال لمواجهة انفجارها باعتبارها أصبحت جاهزة للدخول في مرحلة جديدة من التفاعل والانسجام مع حالة استمرار الحرب، وعلى رأس هذه الجبهات الضفة الغربية التي يبدو واضحًا حدوث تطورات متسارعة ومتصاعدة فيها، تتمثل في سلسلة من العمليات الفردية والاشتباكات الدائمة في جنين ونابلس، ومناطق متفرقة في الضفة؛ ردًا على تحركات عدوانية متصاعدة للمستوطنين الذين سلّحهم بن غفير، وحرّضهم على تصعيد نشاطهم الاستيطاني على حساب نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة.
وهناك أيضًا الجبهة السورية التي لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية عليها، واستهداف بعض المجموعات والمواقع فيها، حيث كان الهجوم على القنصلية الإيرانية آخرها، بما يشير إلى أنها تستعد بشكل أو بآخر للانضمام إلى شقيقتها اللبنانية، ولذلك مبررات كثيرة يمكن التفصيل فيها في موضع لاحق.
ومن الجبهات المرشحة، الجبهة الأردنية وهي أخطر الجبهات على الإطلاق من الناحية السياسية، وقد شاهدنا مؤخرًا أن هذه الساحة قد التهبت بشكل كبير، وباتت قاب قوسين أو أدنى من التحرك نحو الحدود، وهي خطوة قد تتطور بشكل أسرع مما يتخيله البعض؛ بسبب العلاقة الوطيدة والعضوية بين الضفتين: الشرقية والغربية لنهر الأردن، اللتين كانتا تاريخيًا وحدة واحدة، لولا وجود الاحتلال وفصله بينهما.
وأما الجبهة السابعة المقصودة أو التي نرجّح أن غالانت كان يقصدها، فهي إيران والتي
اشتعلت فعلًا وتطورت بشكل خطير خلال الأيام الأخيرة، رغم أن هذه الجبهة لا يرغب أحد في اشتعالها واستمرار ذلك، وخصوصًا الإدارة الأميركية؛ لأن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاضية لإستراتيجية بايدن والدولة العميقة في الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وستكون بمثابة النهاية لمرحلة من مراحل الهيمنة الأميركية على خيرات الشرق الأوسط، فإيران ستفتح الطرق لروسيا والصين، وهما العدوان اللدودان للولايات المتحدة.
وهذا الاحتمال كان يبدو مستبعدًا، لكنه لم يعد كذلك بعد الهجوم على القنصلية، والرد الإيراني المثير للقلق، وكل هذه التطورات كان يتوقعها غالانت، وحذر منها نتنياهو، وما زال الاحتلال يهدد بتوجيه ضربات جديدة لإيران؛ ردًا على هجمات المسيرات والصواريخ، بينما ستكون الردود الإيرانية أكثر قوة كمًّا ونوعًا، فغالبًا سيكون على الطرفين استخدام القوة الرادعة في أي مرحلة لاحقة.
أما إدارة بايدن، فإن أسوأ كوابيسها، وهي تقترب من الاستحقاق الانتخابي نهاية العام أن تتوسع دائرة الحرب الصهيونية مع المحيط العربي، وأن تشمل إيران؛ لأن مثل هذا الوضع سيعني خسارة محققة وحاسمة للديمقراطيين الذين تؤرّقهم حرب غزة وحدها، فكيف إذا ما توسعت وتنوعت وتعددت الجبهات، ووجدت الصين وروسيا لهما مواطئ أقدام جديدة في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة وحلفائها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل غضب شعوبهم؛ بسبب ما ارتكبه الاحتلال من فظائع ومجازر، وبسبب ما رأوه من دعم غربي وأميركي غير مبرر لحرب الإبادة على غزة.
ثالثًا: المبادرات السياسيةقد يبدو هذا الخيار نظريًا إلى حد كبير، ولذلك تم تأخيره عن سابقيه؛ لأن المشهد الحالي لا يوحي بأن هناك أي فرصة لنجاح مثل هذا الخيار، نظرًا للتكوين السياسي لحكومة الاحتلال التي لن تستطيع التعامل مع أي مقترح سياسي، أو حل سياسي، يحقق الحد الأدنى من التطلعات الفلسطينية، فهي حكومة ترفض "أوسلو" وتداعياتها كافة، وترفض إعطاء صلاحيات للسلطة الفلسطينية برئاسة عباس، والسماح لها بالتمدد نحو غزة – رغم ما حدث من إدخال مجموعة أمنية تابعة لرام الله بذريعة تأمين المساعدات- فالاحتلال يقبل أي مساعدة أمنية من جانب أي طرف، لكنه لا يقبل تقديم أي ثمن سياسي في المقابل، وقد بات معروفًا أن الخلاف الجوهري بين بايدن ونتنياهو، هو على المآل السياسي، وكيف ستكون الصورة في اليوم التالي لتوقّف العدوان.
وربما تكون هذه هي المساحة الضيقة التي يمكن العمل فيها ومحاولة استغلالها من قبل القوى السياسية الفلسطينية، كل حسب طريقة عمله، ولكن ضمن رؤية مشتركة وتفاهمات محددة حتى لا يتحول هذا الأمر إلى مساحة للمناكفات الداخلية الفلسطينية، وبالتالي ينعكس سلبًا على مسار المعركة والفعل السياسي المصاحب لها. ومن حيث المبدأ يفترض أن يكون الفعل السياسي خلال أي حرب أو معركة مساندًا للعمل العسكري، وليس متعارضًا معه أو محبطًا له.
وقد كانت هذه الإشكالية على الدوام مصدر الضعف الفلسطيني؛ لأن العمل المقاوم يخضع دومًا للتجريم من قبل الاحتلال والقوى الدولية، ويتم وصمه بالإرهاب، ويخضع الكل الفلسطيني للتهديد؛ بسبب الدفاع عن المقاومة أو مساندتها بأي حال من الأحوال، بل يتم مطالبة السلطة الفلسطينية بالتعاون أمنيًا، وإحباط أي عمل مقاوم، بينما ترعى الحكومة الصهيونية بشكل رسمي نشاطات المتطرفين من المستوطنين، ويتم تسليحهم وتحريضهم للاعتداء على الشعب الفلسطيني، وإجباره على الهجرة، مما يتيح لهم مصادرة مزيد من الأراضي، وتوسيع المستوطنات.
لقد آن الأوان أن يجتمع الكل الفلسطيني؛ لصياغة مشروع وطني فلسطيني، يتناسب مع "طوفان الأقصى"، ويتم من خلاله وضع بعض المقترحات السياسية على طاولة المجتمع الدولي، مما يمكّنه أن يفيد في المرحلة القادمة، بتحويل كل ما مرّ به الشعب الفلسطيني خلال العدوان، وبسبب حرب الإبادة الصهيونية، إلى إنجاز سياسي كبير، يضع الأسس لمستقبل فلسطيني مشرق وفجر جديد.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: قرار نتنياهو بمهاجمة إيران لا يعفيه من كارثة السابع من أكتوبر
رغم النشوة التي أصابت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عقب الضربات الأخيرة التي وجهها لعدة أطراف في المنطقة، وآخرهم إيران، لكن أوساطا اسرائيلية أخرى دعت لعدم المسارعة للاحتفاء به، لأن عار السابع من أكتوبر ما زال ملتصقا به، ويحاول اليوم أن يُصوّر نفسه منقذا للدولة، رغم أنه يواصل تفكيك عوامل بقائها من الداخل.
بن كاسبيت الكاتب في موقع ويللا، ذكر أنه "رغم الضربات المتواصلة للبرنامج النووي الإيراني لكن الاسرائيليين لا يعلمون ما إذا كان هذا البرنامج سيكون له يوم استعادة وانطلاقة من جديد، أم لا، ولا نعلم حتى الآن ما إذا كان النظام الإيراني سيتمكن من البقاء بمفرده، كما لا نعلم ما إذا كان نتنياهو سيفهم في النهاية أنه على النقيض من الحرب على إيران، فإن الحرب في غزة قد استنفذت نفسها منذ زمن طويل، وأن الوقت قد حان للسعي لوضع حدّ لها، وإعادة الرهائن الذين تخلّى عنهم منذ ذلك الصباح".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "رغم استمرار الهجمات الاسرائيلية على إيران لليوم العاشر على التوالي، فلا تزال الكثير من الأشياء غير واضحة، أما الشيء الواحد الواضح تماما، فهو أن الإرث الأمني الذي أصاب الدولة بكثير من التصدّعات يتحمل مسئوليتها نتنياهو شخصيا، ولوحده، رغم أنه بحث عن صورة نصر بعد حرب غزة 2021، ومحاولته تنفيذ عملية مترو الأنفاق، لكن بطريقة مزيفة".
وأوضح أن "هذا العصر انتهى في السابع من أكتوبر بانفجار دموي، ماء بارد أيقظ دولة بأكملها، حتى باتت تتصرف بمنطق أن "رب البيت أصبح مجنونًا"، وهذه حالته الدائمة، مما يعني فشل استراتيجية بدء الحرب ضد التهديد غير التقليدي فقط، والدولة اليوم تقوم بسداد الديون المتراكمة عليها منذ السابع من أكتوبر، وبفعل هذه السياسة تم إنهاء الحرب ضد حزب الله في لبنان، وقد تنتهي بذات الطريقة ضد إيران، بالتنسيق مع ترامب".
وزعم أن "الهجوم الاسرائيلي على إيران لم يكن فقط بسبب المشروع النووي، لكن بسبب نجاحها بتطوير مجموعة من الأسلحة، وتسريع نهجهم الخفي نحو القنبلة النووية، وتوزيع مجموعات من العلماء كي يتعامل كل منهم مع قضية منفصلة، وقد اقتربوا بالفعل من هدفهم، حيث رصدت الاستخبارات الإسرائيلية قراراً إيرانياً بزيادة مخزونها من الصواريخ الباليستية من ثلاثة آلاف مساء السابع من أكتوبر، إلى ثمانية آلاف في المرحلة الأولى، وما يصل إلى عشرين ألفاً في المرحلة الثانية".
اظهار ألبوم ليست
وأوضح أن "هذه الكمية من الصواريخ الباليستية التي تحمل رؤوساً حربية تزن طناً أو أكثر تشكل تهديداً وجودياً بنفس مستوى التهديد النووي، أو حتى أكبر منه، كما ظهرت مؤشرات واضحة على أن إيران لا تتخلى عن "خطة التدمير"، بل على العكس فهي تنوي استعادتها، ومساعدة وكلائها على التعافي، وتحويل "حلقة النار" من خلال وكلائها إلى حلقة نار باستخدام ترسانة باليستية ونووية غير مسبوقة".
وكشف أن "قرار مهاجمة إيران اتخذ في نوفمبر وديسمبر 2024، حيث قبله نتنياهو بناء على توصية رئيس الأركان آيال زامير، ورئيس الاستخبارات العسكرية شلومي بيندر، ورئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية عوديد بسيوك، وقائد سلاح الجو تومار بار، ورئيس الموساد ديفيد برنياع، وتم صياغة الخطة، وإعدادها من قبل رئيس الأركان السابق هآرتسي هاليفي، وهو أول من بدأ بتنفيذ المشروع، ثم نجح نتنياهو في ذلك في منتدى ضم سبعة وزراء: يسرائيل كاتس، رون ديرمر، جدعون ساعر، بتسلئيل سموتريتش، إيتمار بن غفير، وآرييه درعي".
وأوضح ان "السرية المطلقة كانت شرطا لنجاح الهجوم، فقد كان ممنوعاً على الوزراء حتى التحدث لزوجاتهم حوله، وفي هذه الحالة، وبشكل غير مسبوق، لم يتحدث نتنياهو مع زوجته سارة، لأنها كانت خاضعة لمراقبة مستمرة من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية لاعتقادهم أنها من صناع القرار الإسرائيلي، حيث تقرر إبقاؤها في الظلام، وكانت منشغلة إلى حد لا يوصف بتحضيرات حفل زفاف ابنها، بينما كان زوجها مشغولاً بمشروع مختلف تمامًا".