بقلم: محمد بدوي

من البديهي أن الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ في السودان أنتج حالة دستورية وسياسية جديدة، على المستوي الإقليمي سارع الاتحاد الإفريقي الي تجميد عضوية السودان في ٢٧ أكتوبر٢٠٢١ لان ما تم يخالف للنظام الاساسي للاتحاد الافريقي الذي يناهض الانقلابات العسكرية، داخليا تم اعتقال واقصاء للمكون المدني المشارك في السلطة، أعقب ذلك إلغاء للقرارات الإصلاحية التي تمت خلال الفترة السابقة ل٢٠ أكتوبر ٢٠٢١، على المستوي الشعبي خرج الشارع الذي ثار ضد حكومة الحركة الإسلامية وجناحه السياسي حزب المؤتمر الوطني ثارا ضد الانقلاب، استمر الحال رغم ثورة الشارع والجهود الاقليمية والدولية لإنهاء الانقلاب كاشفا عن الصراع الذي ظل صامتا بين المكون العسكري الممثل في المجلس السيادي الانتقالي الذي انتهي بإشعال حرب ١٥ ابريل٢٠٢٣ المدمرة.


عقب بدء الحرب أشار مجلس الأمن الدولي في أول تناول له إلي توصيف الحالة بالصراع الداخلي، ثم برز منبر جدة للتفاوض والذي انتهي الي تمثيل الاطراف بالقوات المسلحة والدعم السريع رغم المحاولات التي بذلتها وزارة الخارجية لتغيير الامر ليتم التمثيل عبرها بما يضفي صفة الحكومة بدلا من الجيش كمؤسسة تحت مظلتها، استمرت الحالة بإقالة بعض شغالي المناصب السيادية والدستورية الذين تقلدوها بموجب إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠" إتفاق جوبا"، لا أود الخوض في دستورية الأمر في هذا الحيز، لكن عدم تسبيب القرارات والابقاء على آخرين في مواقعهم مقروءة مع حالة الانقلاب في ٢٠٢١ دعمت ما ذهب اليه مجلس الامن في توصيف الصراع بالداخلي بين المكون العسكري كأطراف رئيسية .
لعل الجوهري في السياق هو تراكم سجل القمع وازدياد خطاب الكراهية بشكل عنيف معززا منحي استمرار الحرب وفي المقابل، سجل واسع لانتهاكات حقوق الانسان من الطرفين بما قاد مجلس حقوق الانسان الي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، تعثر لجهود المساعدات الانسانية، تراجع للاقتصاد بنسبة تخطت ال٥٠٪، تدمير للبنية التحتية والخدمات الاساسية المرتبطة بالحق في الحياة، تأثر دول الجوار الغربي ولا سيما التي ظلت تعتمد على ميناء بورتسودان، كما قاد توقف الخط الناقل لنفط دولة جنوب السودان الي تراجع اقتصاد حاد، وتأثرت كذلك بعض الدول المرتبطة لفترات طويلة يمكن القول من ٢٠٠٥ باقتصاديات دولة جنوب السودان، والهجوم على مصنع صك العملة الي توقف طباعة العملة السودانية وكذلك عملة دولة الصومال الفدرالي التي تطبع بالخرطوم منذ ٢٠١٠ والتي اثرت في تحول التعامل المالي للمتعاملين بالعملة الصومالية الي الاستعانة بالتحويلات الرقمية عبر الهواتف والحسابات المصرفية.
التدخل الاقليمية والدولي الذي برز من بداية الحرب لكنه منذ اغسطس ٢٠٢٣ تطور إلي مسار انتقال القتال الي استخدام المسيرات ثم برز تطور اخر في اكتوبر٢٠٢٣ الي ظهور كأشكال اكثر تطورا للأسلحة تعمل بشكل تكميلي عرفت في اعلام الحرب ب " المنظومة" التي برز تأثيرها في تمكن الدعم السريع من السيطرة على حامية الجيش باردمتا بغرب دارفور ثم ظهرت لدي الجيش في اعادة السيطرة على مبان الاذاعة بامدرمان .
عودة العلاقات بين بورتسودان وظهران اعادة لفت الانتباه الي مسار الحالة، واثارت قلق بعض الدول التي تراخت في جهودها التي بداتها كالمملكة العربية السعودية ومنبر جده، على خلفية ان نظام الحركة الاسلامية ظل مقاوما ل٢٦ عاما عمر العلاقة مع طهران ١٩٨٩- ٢٠١٥ وبمجرد انهاءها والتحول الي محوري الامارات والسعودية، تصاعد الصراعات داخل التنظيم والحزب وفقد القادة السيطرة نتيجة للاختراقات التي وصلت الي المفاصل الحساسة بالدولة والتنظيم.
اخيرا جاء مؤتمر باريس وغابت دعوة الحكومة، لكن السجل القريب للحرب كشف ان الظهور الكثيف لكتائب البراء الاسلامية، واعلان حالة الطواري في عدة ولايات واتساع حملات التعبئة من الطرفين التي تتصاعد نحو نسق عرقي في أحدى مظاهرها وظهورها في المنابر الرسمية قادت الي ان بدأت بعض الدول المجاورة في ادارة ظهرها للأطراف في ظل تجاهل نداءات وقف الحرب واستهداف المناطق الاهلة بالمدنيين

خلاصة المشهد التحولات المختلفة والمتواترة في الحالة وتأثيرها على المدنيين والبنية التحتية للبلاد وموارده، اضافة الي تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على دول الجوار واستقرار المنطقة طرح سؤال ماذا بعد مؤتمر باريس ! لتاتي الاجابة في ظل الصراعات المتصاعدة في اوكرانيا، غزة وايران الان على الخط فان الدعم المالي الي جانب طبيعته الانسانية الا انه سياسيا اكسب المانحين شرعية التدخل، بتعبير آخر " الدول المانحة تتدخل بحقها " وهو ما يدفع الب رجحان طرح العودة الجادة الي منبر جده والذي تأطر الحضور فيه كأطراف تحت مسمي الجيش والدعم السريع رغم خطل اقصاء المدنيين دون اقصاء يظل ذلك يفسر عدم دعوة الحكومة لمؤتمر باريس، لأن ما قد يعقب فشل ذلك فربما يقود الي عقوبات فردية بما يجعل اعلانها مربوط بأفراد لطبيعتها في المقام الاول وكيانات اذا نحت نحو العقوبات الاقتصادية، في حال التخطيط للعودة لمنبر جدة على المسهلين استخلاص الدروس من التجربة فقد جاء المنبر اقصر قامة من الازمة وادواته اقل شمولا وما بصم على ذلك توقفه منذ مايو ٢٠٢٣، وتمركزه الجغرافي في قارة دوني ادني اعتبار لتأثير فكرة المكان على شرعية مناهضة التدخل الاقليمي والدولي في دعم اطراف الحرب، وإغلاقه على الطرفيين بينما يتحمل الملايين من المدنيين تكلفة ذلك وهم دون ادني تمثيل حقيقي .
أخيرا : بعد عام من الحرب والحصيلة المريعة من الانتهاكات التي اشرنا اليها فامتداد القتال نحو مدن مليط والفاشر واستمراره في ولاية الجزيرة، واتساع محيط القصف الجوي للاعيان المدنية حول الدلنج، مدني، نيالا والفاشر وغيرها هي خلاصة موقف اطراف الحرب بما يطرح سؤال حول موقف المجتمع الدولي وهل هو جاد في الضغط على الاطراف لوقف الحرب !

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان.. لماذا؟

الرباعية في خبر كان.. لماذا؟

كتب – عادل الباز

1

بالأمس، وبينما كنا نلهث وراء أي معلومة حول انعقاد اجتماعات الرباعية في واشنطن، بعد الزخم الإعلامي والتكهنات السياسية، وفي وقت سارعت فيه المعارضة برفع سقف التوقعات لما يمكن أن تنجزه اجتماعات واشنطن، إذا بصحيفة “الشرق الأوسط” (لاحظوا: الشرق الأوسط، وليس غيرها) تدفع مساء الأمس بخبر عاجل للوسائط، تعلن فيه الآتي:

“أكدت مصادر موثوقة بوزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية بشأن السودان، الذي كان من المقرر أن يستضيفه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، غداً الأربعاء، دون تحديد الأسباب أو موعد جديد للاجتماع.”

مؤكد أن اختيار صحيفة الشرق الأوسط – دون غيرها – لنشر خبر الإلغاء لم يكن اعتباطيًا، بل رسالة موجّهة من الرياض نفسها بأن الرباعية لا يمكن أن تُدار بخيارات منفردة.

من جهة أخرى، أشار السفير المصري في واشنطن، معتز زهران، إلى احتمال تأجيل المؤتمر إلى سبتمبر المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» اهتمام “الرباعية” بمتابعة الضغوط الدولية للتوصل إلى تسوية للأزمة في السودان.

2

إذن، وقد تم العصف بالرباعية. لماذا؟

من المؤكد أن السبب أو الأسباب لا تتعلق بعدم مشاركة طرفي الحرب، ولا بعدم تمثيل المدنيين، ولا في الإخفاق أو عدم الاتفاق حول توسعة الرباعية، الأمر الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.. ولا لأن أميركا أدركت مؤخرًا خطورة محاولة فرض تسوية على السودانيين، وهي التي لا يهمها شيء، وليس لديها مصالح كبرى في السودان تخشى عليها. إذن، لماذا التأجيل – بحسب وزير الخارجية المصري – أو الإلغاء بحسب المصدر الموثوق من الخارجية الأميركية، الذي استندت إليه “الشرق الأوسط” (السعودية) في خبرها؟

عدة أسباب وراء التأجيل/والإلغاء:

أولها: الموقف الإماراتي.

رغم أن الإمارات تمّت دعوتها تحت ضغط السعودية، في محاولة لجر الإمارات بالتزام بما سيتمخض عنه الاجتماع، إلا أنها اتخذت موقفين غريبين يفترقان كلياً عن مواقف الأطراف الثلاثة الأخرى في اجتماع واشنطن (الولايات المتحدة، مصر، السعودية).

أصرّت الإمارات على أن يتضمن البيان الختامي نصًا يشير إلى إبعاد الدعم السريع والجيش من مشهد الفترة الانتقالية، وأن يقود المدنيون السودان دون تعريف مَن هم المدنيون. وهو ذات الموقف الذي عبّر عنه أنور قرقاش في تغريدة بالأمس.

وهذا الموقف، الذي يسعى لإبعاد قيادة الجيش السوداني وقيادة الدعم السريع، يجد تفسيراً له في رغبة الإمارات في إقصاء حميدتي وتنصيب عبد الرحيم مكانه. ومفهوم أيضاً أنها تسعى لإعادة تموضع عملائها في “صمود” و”تأسيس” في المشهد السوداني مجدداً، وهكذا تسعى أبوظبي لاصطياد أربعة عصافير بحجر: تُبعد حميدتي، الجيش، وتمكّن عملاءها عبد الرحيم، وصمود، وتأسيس في الحكم!!

الموقف الثاني الغريب

محاولة الإمارات “حشر” أو الإشارة إلى “تأسيس” في البيان الختامي، باعتبار حكومة (نيالا) حكومة قائمة موازية لحكومة بورتسودان ولو قامت في الأسافير. (هل عرفتم لماذا أعلنوا حكومة عويش “تأسيس” قبل 72 ساعة من اجتماعات الرباعية الملغاة الآن؟)

المدهش في موقف أبوظبي أنها تعلم مواقف الأطراف الثلاثة الأخرى من الحكومة الموازية. السعودية، قبل يوم واحد، أعلنت – وعلى صدر صحيفة الوطن – بقلم سليمان العقيلي بعنوان: “حكومة موازية… مشروع تقسيم بائس!”

قال فيه إن: تحالف تأسيس سيظل خطوة استعراضية، أقرب إلى مغامرة سياسية خاسرة، ستسقط مع أول اختبار حقيقي على الأرض، لأن وحدة السودان أكبر من رهانات الميليشيات وأوهام السلطة السريعة.”

كما أصدرت الخارجية السعودية بيانًا أمس، الثلاثاء 29 يوليو – أي في اليوم الذي كان من المفترض أن تُعقد فيه الرباعية – أعلنت فيه رفضها التام للاعتراف بما يُعرف بـ”حكومة التأسيس” التي أعلنتها قوات الدعم السريع، ووصفت الخطوة بأنها تمثل تهديداً مباشراً للشرعية ووحدة السودان، في ظل ما يشهده البلد من صراع مسلح منذ أكثر من عام. وأضافت الخارجية السعودية في البيان: إن تشكيل حكومة موازية خارج إطار الشرعية المعترف بها دولياً، من شأنه أن يزيد من تعقيد الأزمة، ويقوّض الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل يُنهي الحرب الدائرة في البلاد.

3

أما الموقف المصري، فقد اتخذ ذات الموقف، حين أصدرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صدر يوم 2 مارس 2025، أكدت فيه أن مصر ترفض أي محاولات لتشكيل حكومة موازية تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان. واعتبر البيان أن هذه الخطوة “تعقّد المشهد”، و”تعرقل جهود توحيد القوى السياسية السودانية”، كما أنها “تفاقم الأوضاع الإنسانية” في البلاد.

4

موقف الحكومة الأميركية من محاولات الإمارات لتأسيس حكومة موازية في السودان، فقد أُعلن منذ إعلان نيروبي، حين أصدرت وزارة الخارجية الأميركية – مكتب الشؤون الأفريقية، بالشراكة مع سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم – في 5 مارس 2024 بياناً قالت فيه:

“الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع والجهات المتحالفة معها قد وقّعت على ما يُسمى بـ’دستور انتقالي’ للسودان. إن محاولات إنشاء حكومة موازية لا تخدم السلام والأمن في البلاد، وتعرض السودان لمزيد من عدم الاستقرار، وتخاطر بتقسيم فعلي للبلاد.”

ورغم هذه المواقف المعلنة والواضحة من ثلاثة أطراف من أطراف الرباعية، إلا أن الإمارات وحدها أصرت على أن يتضمن البيان الإشارة إلى حكومة “تأسيس” اللقيطة التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة أيام فقط

الاكثر غرابة أن حكومة أبوظبي تتمسك بهذه اللقيطة التي رفضها العالم كله ولم تجد اعترافا واحد وبالامس اتخذ الاتحاد الأفريقي عبر مجلس السلم موقف ناصعا من الحكومة المزازيه هذه وقال ( أدان المجلس بشدة ورفض الإعلان الصادر في 26 يوليو 2025 بشأن تشكيل حكومة موازية في السودان من قِبل ما يُعرف بتحالف تأسيس بقيادة قوات الدعم السريع.)

 

5

 

الان عجزت أمريكا عن توحيد حتى حلفائها، وسقطت الرباعية في واشنطن مثلما سقطت محطات جدة، أديس، لندن، وجنيف كما تهاوت أوهام “تأسيس”، ولم تصمد أماني “صمود” طويلًا، وجاء الحصرم سريعًا.

ولا يزال “الحل في البل” يتصدر المشهد

السؤال الذي خطر ببالي وانا اختم هذا المقال هو لماذا تفعل ابوظبى ذلك ما مصلحتها؟

نواصل

الرباعية الدوليةالسودانعادل الباز

مقالات مشابهة

  • ذعادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • عناوين الصحف السودانية الخميس 31 يوليو 2025
  • الرباعية في خبر كان… لماذا؟
  • عادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان.. لماذا؟
  • عناوين الصحف السودانية اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025
  • حريق جزئي بمركز كونترول “الشهادة السودانية”.. و”التربية” توضح
  • تحركات الرباعية ربما تضع الحكومة السودانية بين خيارين لا ثالث لهما
  • عناوين الصحف السودانية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025
  • رئيس الجالية السودانية بمصر: نشكر أرض الكنانة على استضافتنا وتسهيل إجراءات عودتنا