أكد الدكتور خالد عباس، عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، أن هناك جدلا واسعا ونقاشا مستمرا حول مستقبل الترجمة، ودور الذكاء الاصطناعي في مجالاتها، الأمر الذي دفعنا لعقد المؤتمر السنوي لكلية اللغات والترجمة، للرد على كثير من الأسئلة، ومنها: هل يمكن الاستغناء عن دور المترجم البشري بشكل كامل والاعتماد على الترجمة الآلية بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ وما هي حدود الذكاء الاصطناعي في ترجمة النصوص وتعليم اللغات؟ وهل يمكن الاعتماد عليه أو الثقة التامة بنواتجه؟.

وقال عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، في كلمته على هامش المؤتمر، إننا لا نريد استباق الأحداث، فهذه الأسئلة وغيرها ستطرح في جلسات المؤتمر، وعلى الرغم من هذا التطور الهائل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يرى البعض أن الأفضلية لا تزال للعنصر البشري، خصوصًا في مجالات الترجمة التي يكون التواصل فيها دقيقًا وحساسًا ومصيريًّا، وتنطوي على الشرح الدقيق للحال، ومع المستندات المعقدة ذات النصوص الغامضة أو المحادثات المتخصصة، خاصة في المجالات الدينية والطبية والقانونية؛ حيث قد يتسبب أي خطأ بسيط في نتائج كارثية.

وبين عميد كلية اللغات والترجمة أن الترجمة البشرية ستظل أدق وأكثر تحديدًا وفهمًا للسياق، كما تظل ضرورية في المجالات التي تتطلب دقة عالية وفهمًا عميقًا للسياق الثقافي.

وتابع: مع ذلك، لا يمكن الاستهانة بدور هذه التطبيقات كأداة مساعدة، للتعلم والترجمة، فهي تُسهم في تسريع عملية التعلم وتُحسّن من جودة الترجمة.

وقال عميد الكلية: إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بهذه النخبة المباركة التي تجتمع اليوم في هذا المحفل العلمي، وهو المؤتمر العلمي السنوي لكلية اللغات والترجمة الذي يأتي بعنوان: (التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات: آفاق وتحديات).

وأشار إلى أن موضوع المؤتمر شهد إقبالًا واسعًا من الباحثين من مختلف الجامعات المصرية والهيئات البحثية، حيث وصل عدد الأوراق البحثية المقدمة إلى أكثر من 50 بحثًا علميًّا، يحمل أصحابها في عقولهم قبل أوراقهم رؤى وأفكارًا تهدف إلى حلّ عديد من الإشكالات التي تواجه مجالات الترجمة وتعليم اللغات من حيث ارتباطها بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي خلال الآونة الأخيرة.

الدكتور خالد عباس، عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر

ونوه بأن المؤتمر فرصة كبيرة لتحقيق التواصل بين المترجمين لمختلف لغات العالم؛ ليمثل جسرًا للحوار والتفاهم، وفتحًا لآفاق جديدة للتعاون والتبادل الثقافي.

وأوضح عميد الكلية أن الترجمة شهدت في السنوات الأخيرة نقلة هائلة بفضل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ إذ ظهرت تطبيقات ذكية جديدة للترجمة وتعليم اللغات، أصبحت حديث الساعة في هذا المجال؛ بل إن البعض أصبح يعتمد عليها بشكل كبير في عمله وحياته اليومية.

ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي قد صنع فارقًا كبيرًا في مجال الترجمة، الذي يعد واحدًا من المجالات الأكثر استفادة منه، فالمؤكد أن أدوات الترجمة وتطبيقاتها باستخدام الذكاء الاصطناعي تتميز بدقتها وكفاءتها العالية في ترجمة النصوص والمصطلحات والمفردات، وهو ما يظهر في النتائج المميزة التي تقدمها.

وأضاف عباس أن المؤتمر يسعى من خلال ندواته وجلساته العلمية على مدار يومين إلى خلق حوار معرفي رفيع المستوى حول قضايا التطور العلمي والتكنولوجي في مجال الترجمة وتعليم اللغات في عصر الذكاء الاصطناعي، وذلك في محاولة لمواكبة التطور الخاص في هذا المجال لإيجاد ‏مقاربات فكرية وعلمية نحاول من خلالها الوقوف على كل ما هو جديد، وكذلك المشكلات والتحديات التي تواجهنا، وإيجاد حلول لها، وتطوير إستراتيجيات فعالة لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر الذكاء الاصطناعي الترجمة البشرية عمید کلیة اللغات والترجمة الذکاء الاصطناعی فی هذا

إقرأ أيضاً:

هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟

ترجمة: بدر بن خميـس الظفري

طالما حلم الإنسان بأن تتولّى الآلات عنه الأعمال الشاقّة، وأن تساعده في المهام الذهنية كذلك. وعلى مدى القرون، ازداد اعتماد البشر على الآلات بوتيرة متسارعة، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الروبوتات تؤدي شتى أنواع المهام اليدوية، وتُظهر مهارات لافتة.

وينطبق الأمر نفسه على الأنشطة الفكرية. فمنذ ظهور برنامج «تشات جي بي تي»، أصبح الجميع يدرك حجم الإمكانات التي يحملها الذكاء الاصطناعي. والمشهد مذهل بالفعل: كيف يمكن لبرامج أن تمتلك هذا القدر من المعرفة، وأن تنتج نصوصا واستنتاجات تبدو منطقية؟ وهل هناك حدّ لما قد تبلغه؟ ولماذا تحتاج هذه الأنظمة إلى موارد هائلة من البيانات والطاقة الحاسوبية؟

لكن لنبدأ من البداية، فمصطلح «الذكاء الاصطناعي» ظهر في خمسينيات القرن الماضي، وصاغه عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي خلال ورشة عمل كانت مخصّصة للبحث في مستقبل قدرات الحواسيب. وقد قال لاحقا إن المصطلح لم يأت نتيجة تفكير علمي عميق، بل لأنهم أرادوا عنوانا مثيرا يجذب التمويل اللازم للورشة!

ومع ذلك، فإن فكرة الآلة الذكية سبقت ذلك بكثير؛ ففي عام 1939 عرضت شركة «وستنغهاوس» خلال معرض نيويورك العالمي نموذجا بشريّ الشكل يدعى «إلكترو»، قادرا على المشي والكلام والسمع.

وبمعايير اليوم، كان الروبوت بدائيا للغاية، لكنه جسّد مبكرا مفهوم الروبوت الإنساني، وكان يرافقه جهاز آخر على شكل كلب يُسمى «سباركو». وفي عام 1941، قدّم المهندس الألماني كونراد تسوزه أوّل حاسوب حديث، ثم طُوّرت أنظمة التحكم بالحركات الكهربائية عبر الحاسوب في أوائل الخمسينيات ودخلت مرحلة الإنتاج. تلك الخطوات كانت الأساس الذي قامت عليه الأنظمة الحالية، وإن كان أحد في ذلك الوقت لا يتخيّل مدى ما ستصل إليه الحواسيب اليوم.

هذه التطورات تطرح سؤالا أساسيا: هل يمكن للآلات أن تضاهي الذكاء البشري، أو حتى تتجاوزه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرى أن المسألة تقوم على ثلاثة مستويات.

أولا، درج الذكاء الاصطناعي التقليدي على محاكاة قدرات معرفية بشرية معينة، ولكن ضمن نطاق ضيّق، ومع ذلك، يمكنه إنجاز المهام بسرعة وكفاءة أكبر. من ذلك التفكير الرياضي، ولعب الشطرنج، وقراءة الخرائط للملاحة. اليوم، يُعدّ من المسلّم به أن هذه مهارات بشرية يمكن نقلها إلى الآلات، لكن في عام 1956 كانت أقرب للخيال العلمي.

لقد أصبحت هذه الأحلام واقعا، لكنها لم تعد تُصنّف ضمن «الذكاء الاصطناعي» بالمعنى الشائع. وكما قال مكارثي: «عندما يعمل النظام جيدا، لا يعود أحد يسمّيه ذكاء اصطناعيا». أما الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخل الوعي العام بقوة، ويمتاز بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأصوات جديدة استجابة لتعليمات تُكتب بلغة طبيعية.

غير أن تدريب هذا النوع من «الذكاء الاصطناعي غير المجسّد» يعتمد على كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من الفضاء الرقمي، ويتطلب قدرة حسابية هائلة. وهذا يعني أنه يرتبط بعالمنا الواقعي بشكل غير مباشر للغاية. ثانيا، يمكن إيجاد بيئة رقمية تحاكي قوانين الفيزياء في العالم الحقيقي بهدف إنتاج بيانات أقرب إلى الواقع لتدريب الأنظمة الذكية. في هذه البيئة، تُحاكي الأشياء الافتراضية خصائص الأشياء المادية بدقة كبيرة. فمثلا، تسقط قطرة الماء وتتحرك كما تتحرك في الطبيعة.

وفي هذا «العالم الافتراضي»، أو ما يُعرف بـ«الميتافرس» (العالم الماورائي الرقمي)، يمكن تدريب أنظمة التعلم الآلي على الاستكشاف والتجربة، وتنمية حسّ الفضول والقدرة على التعامل مع تنوّع المواقف.

غير أن هذا العالم، مهما بلغ تشابهُه مع الواقع، يظل من صنع الإنسان ويُصوّر العالم من منظور الإنسان فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع فيه المفاجآت الحقيقية التي شكّلت مسار حياتنا وأسهمت في تطوّر الذكاء البشري.

في المستوى الثالث، يمكن تجاوز تلك القيود من خلال تمكين الحواسيب من العمل باستقلالية داخل العالم الحقيقي عبر الروبوتات التي تستشعر بيئتها باستخدام المجسّات. وبفضل أدوات الحركة المدمجة فيها ـ مثل الأيدي والأذرع والأرجل ـ تستطيع هذه الروبوتات تغيير بيئتها، ثم ملاحظة النتائج المترتبة على ذلك.

وهكذا تنشأ «حلقة مغلقة» تجمع بين الإدراك، والفهم الذكي، وتنفيذ الأفعال. وبذلك يصبح بإمكان الآلة المزوّدة بنظام ذكاء اصطناعي مدمج أو متصل بها خارجيا أن تخرج إلى العالم «بمفردها»، وأن تتعلم وتطوّر ذكاءها الخاص. ويُطلق على هذا النوع من الذكاء اسم «الذكاء المجسّد»، لأنه مرتبط بجسد، ومصمّم بما يتناسب مع خصائص الروبوت نفسه، من طريقة إدراكه للعالم إلى قدرته على التفاعل معه.

ماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟ من الواضح أن دمج الذكاء الاصطناعي بالروبوتات ـ وليس بالضرورة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تمتلك سيقانا، بل بمختلف أشكالها ـ هو الطريق الذي سيُسهم في جعل الآلات الذكية قادرة على أداء مهام مفيدة.

فإذا استطاعت هذه الكيانات «المجسّدة» أن تفهم عالمنا الحقيقي مباشرة، وأن تمزج هذا الفهم بما اكتسبته من الفضاء الرقمي، فقد يؤدي ذلك إلى تآزر أو علاقة تكاملية تجعل الإنسان أكثر ذكاء وتفتح أمامه آفاقا أوسع بكثير.

ويتحمل واضعو السياسات والباحثون مسؤولية رئيسية في الاستثمار في هذا النوع من الروبوتات باعتباره جزءا أساسيا من مهمتهم في دعم تطور الإنسان. كما أن الفوائد العملية لاستخدام هذه الآلات في عمليات الإنتاج ستظهر بوضوح في المدى القصير والمتوسط.

إن البلدان التي تمتلك أعلى كثافة من الروبوتات ـ مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وألمانيا، واليابان ـ تتمتع بأفضلية إنتاجية هائلة. ومن المتوقع أن يتّسع هذا الفارق بدرجة كبيرة مع دخول الوكلاء المجسّدين إلى خط الإنتاج.

أما الدول التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة وموارد بيانات كبيرة، وتعرف كيف توفّق بين البرمجيات وأنظمة الحوسبة المدمجة والمجسّات والميكاترونكس والذكاء الاصطناعي، فهي الأكثر قدرة على طرح هذه الآلات في الأسواق.

وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدول هي بالفعل في طليعة صناعة الروبوتات.

ومع الإنجازات اللافتة التي تحققها الشركات الناشئة الصينية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، ومع الهدف المعلن للصين بأن تصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي المجسّد ـ كما ورد في توصيات الخطة الخمسية الصينية الخامسة عشرة (2026-2030) ومبادرة «الذكاء الاصطناعي بلس» ـ فإننا نتوقع إنجازات كبيرة إذا ما نُفّذت هذه الخطط بذكاء.

كما أن المنافسة الدولية تتصاعد، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بابتكارات لافتة في هذا المجال. وأنا شخصيا لا أطيق الانتظار لرؤية ما سيظهر.

مقالات مشابهة

  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • دمج الذكاء الاصطناعي في مركز اتصال «الموارد البشرية والتوطين»
  • تكريم دولي لإمام مصري من أبناء الأزهر في البرلمان الإيطالي بجائزة إنريكو كاروسو
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • إمام مصري من جامعة الأزهر يحصل على جائزة «إنريكو كاروسو» من البرلمان الإيطالي
  • البرلمان الإيطالي يكرّم إمامًا أزهريًا بجائزة إنريكو كاروسو
  • الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتها
  • بدء فعاليات المؤتمر الدولي الثامن للجمعية الدولية لدراسات الترجمة
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
  • انطلاق مؤتمر الجمعية الدولية لدراسات الترجمة والدراسات الثقافية في جامعة السلطان قابوس