من قديم الرياض.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الرياض خبر في صورة
إقرأ أيضاً:
هل يفعلها ترامب ويعترف بفلسطين من الرياض؟
علي بن سالم كفيتان
خمَّن الكثيرون فحوى التصريح الغامض الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل وصوله للشرق الأوسط، أن هناك حدثًا كبيرًا سيجري خلال الأيام المُقبلة؛ فالمُتَتَبِّع لنهج ترامب في إدارة الأزمات خلال فترة حكمه الأولى والفترة الحالية، يُدرك أنَّ الرجل يُمكنه الإقدام على أي أمر مهما كانت صعوبته والتحديات التي تكتنفه، وفي غالب الأحيان دون الرجوع إلى الكونجرس، الذي بات الجمهوريون يُشكِّلون الأغلبية فيه؛ مما يعني تمرير الكثير من نبوءات ترامب التي يحلم بها بالليل لينفذها في الصباح مع كوب القهوة في المكتب البيضاوي، وما على العالم سوى المتابعة الشيقة وأحيانًا المؤلمة لتصريحات سيد البيت الأبيض التي لا تنتهي.
الحدث الأبرز بعد التصريح الأخير الذي تم تمريره، هو فتح باب التفاوض مع الصين حول الرسوم الجمركية بين البلدين، والحدث الثاني هو الإعلان عن التفاوض المباشر بين الولايات المتحدة وحركة حماس لإطلاق سراح الأسير عيدان ألكسندر، وتجاهل حكومة العدو الصهيوني، وهو حدث غير مسبوق، وعزَّز ذلك تصريحات ترامب الأخيرة ووصفه للحرب في غزة بـ"الوحشية"، كل تلك المعطيات تقودنا إلى أنَّ الحدث الأبرز الذي أشار له ترامب قد يكون مُفاجأة من العيار الثقيل.
وإذا صدقت النبوءة بإعلان الاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية من الرياض؛ فهذا يعني اختراقاً غير متوقع من الدول التي سوف يزورها الرئيس (وهي: السعودية والإمارات وقطر)، لشفرة نتنياهو وللوبيَّات الكيان الصهيوني في أمريكا، ومن غير المستبعد أن يفعل ترامب ذلك إذا حصل على المقابل المجزي؛ فالرجل تاجر ولا يكترث كثيرًا للسياسة، وهمُّه الأكبر هو الاقتصاد، ومثلما دفعت إحدى النساء اليهوديات 100 مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في الدورة الأولى لحكمه، يُمكنه إعادتها إذا حصل على مبلغ أكبر من دول الخليج، خاصةً مع مناكفته لنتنياهو في العلن ومعارضته لسياساته، وما إعلانه وقف إطلاق النار مع اليمن، مُقابل سلامة السفن الأمريكية دون اشتراط عدم قصف الكيان الصهيوني، إلّا بادرة في الطلاق المتوقع بينهما. وعزز التوقع، عدم وضع إسرائيل على خارطة زيارته الأولى للشرق الأوسط في جولته المرتقبة، مشيرًا إلى أنَّه التقى نتنياهو بما يكفي في البيت الأبيض خلال الشهور الماضية.
ما هو الثمن غير المادي لهذا الاعتراف إن حصل؟ وما الذي سيتحجج به ترامب أمام الكيان الصهيوني ولوبيَّات اليهود في أمريكا؟
أكادُ أُخمِّن أن الخطوة عرَّابوها قادة خليجيون، جربوا كل الحلول مع نتنياهو، من التطبيع المقرون بالسلام، إلى التطبيع المجاني بلا سلام، وربما أرادوا أن يتحركوا خطوة إلى الأمام وهم يوقنون أنها فرصتهم التي لن تتكرر مع أي رئيس أمريكي آخر غير ترامب، عبر الدفع بالكيان إلى التعامل مع الأمر الواقع لدولة فلسطينية تعترف بها أمريكا، مُقابل الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل المزعومة من قبل العرب والمسلمين، وهو ذاته مضمون ما عُرف بـ"المبادرة العربية للسلام" التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود عام 2003 من بيروت، لكنَّ حكومة الكيان رفضتها ولم تعرها اهتمامًا. ولا شك أنَّ هذا سيقود لانشقاق كبير في إسرائيل الداخل، واستنفار في إسرائيل الخارج، للمْلَمَة القنبلة التي قد يتم تفجيرها في الرياض، فهل يفعلها ترامب؟ وهل يستطيع ملوك وأمراء الخليج دفع الفاتورة؟!
سيُعد ذلك- لو حصل- نصرًا مُؤزَّرًا للمملكة العربية السعودية وقيادتها، التي أعلنت دون مواربة عن موقفها الثابت من التطبيع مع الكيان المحتل لفلسطين، فلا تطبيع ولا سلام إلّا بدولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس. وقد استطاعت المملكة الانسحاب من مُستنقع اليمن والتصالح مع إيران وقيادة محور واقعي للاعتراف بدولة فلسطين، بناءً على دراسة مُتغيِّرات الحكومة الأمريكية ولجم جماح الرئيس ترامب في بداية استلامه للسلطة، عندما استسلم لروايات نتنياهو وخداعه، وأصدر تصريحات مجنونة، فحواها استرجاع الأموال التي قدمتها أمريكا لإسرائيل من خلال الاستثمار في غزة، بعد كنس شعبها إلى مصر والأردن. ولا شك أن الرجل استفاق من غفوته تلك، وبات يتعاطى مع حلفائه الخليجيين بشيء من القبول والعقلانية؛ فشغفه بالمال يجعله يستمع ويتنازل، وقد يتخذ خطوات أبعد من ذلك، كما تبدو اليوم في جفاف العلاقة بينه وبين نتنياهو، عبر إبرام صفقات أحادية الجانب مع اليمن وحماس، مُتجاهلًا إسرائيل.
اعتراف أمريكا بفلسطين ربما يكون حُلمًا، وقد يصبح واقعًا، وهذا ما سوف تكشفه الساعات المقبلة.
رابط مختصر