عربي21:
2024-09-20@22:24:13 GMT

بريطانيا في السودان: القاتل الصامت

تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT

(1)
عند تحليل الموقف البريطاني من الحرب الجارية في السودان وآخرها التأثير البريطاني مساء الاثنين (29 نيسان/ أبريل 2024م) وتغيير أجندة جلسة شكوى السودان ضد الإمارات إلى جلسة تشاور عن مدينة الفاشر، وبالتالي استبعاد حضور مندوب السودان، ولفهم الموقف بصورة عميقة لا بد من الوقوف والإشارة إلى عدة نقاط ومحطات لأنها تعطي صورة مكملة للمشهد:

- بحث بريطانيا عن دور في الساحة الدولية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتركيز جهودها على المستعمرات السابقة، ومناطق قلة الاستقطاب مع القوتين الكبيرتين (أمريكا وروسيا) وتجنب حساسية فرنسا، ولذلك انصب تركيزها على السودان، وهي محاولة للعودة للساحة الدولية كقوة فاعلة.

وجاءت مساهمتها في إسناد إسرائيل في حربها على غزة انطلاقا من هذا المفهوم وامتدادا لوعد بلفور، وهو كذلك ما يفسر دورها في "مناورات إيران- إسرائيل"..

- والنقطة الثانية هي تحالف المال مع السلطة، ومن ناحيتين، منها قوة تأثير رجال الأعمال من أصول سودانية (مو إبراهيم وأسامة داؤد وأنيس حجار) في تشكيل الموقف البريطاني وصلتهم من ناحية أخرى مع دول في المحيط الإقليمي، وكلها مخططات لتفكيك الدولة السودانية منذ العام 2018م أو ما نسميها "خارطة الطريق"، ومعروف الدور البريطاني ومساهمته فيما جرى خلال خمس سنوات (2019م- 2024م)، لدرجة دفع بريطانيا رواتب رئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وفريق مكتبه.

- والنقطة الثالثة هي الشعور بالإذلال والرغبة في الانتقام، فمنذ مقتل غردون باشا في 26 كانون الثاني/ يناير 1885م على يد قوات المهدية لم تتوقف مغامرات بريطانيا ضد السودان والسودانيين، ولم تكفها كل مجازرها منذ 1885م وحصار السودان برا وبحرا وحملة كتشنر، واستخدام مدافع ضد مدنيين وحرق قرى ومناطق كاملة امتدت من عكاشة في أقصى الشمال وصولا إلى القلابات في الشرق. وبدأت المعارك في 1899م واستمرت عامين وقتل في كرري وحدها أكثر من 22 ألفا، وحتى الجرحى والأسرى تم قتلهم، ونُهبت العاصمة أمدرمان، وكتب ونستون تشرشل في مذكراته كيف نفذ كتشنر حملة بقتل الجرحى والأسرى.. هذا تاريخ قديم.. ودون أن ننسى فترة الاستعمار حتى 1955م، وفظائعها..

ومع مواقف نادرة للسلطات البريطانية أوائل حكم عبود (1958م-1964م)، فإن المواقف البريطانية عدائية ضد السودان مما أدى لطرد السفير البريطاني في حزيران/ يونيو عام 1995م، ومرة أخرى 2021م. وكان مصدر في مجلس السيادة الانتقالي قد كشف لوسائل إعلام سودانية أنهم طلبوا من د. حمدوك 3 مرات طرد السفير البريطاني ولكنه لم يستجب..

وهناك أسباب جوهرية تؤثر على قرار د. عبد الله حمدوك، فقد غادر إثيوبيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2018م إلى العاصمة لندن وبقي هناك لأكثر من شهرين، كانت تلك مرحلة تشكيل مجموعات الضغط الخارجي وتقوية التأثير البريطاني على مسار الأحداث في السودان، وخاصة بعد تسرب لقاء رجال أعمال سودانيين بريطانيين مع حمدوك في أديس أبابا وبصحبتهم الفريق أول صلاح قوش والذي أصبح دوره مؤثرا فيما جرى 11 نيسان/ أبريل 2019م..

(2)
لم تلتزم السلطات البريطانية بالدعوة لإيقاف الحرب، بل سعت في منابر دولية وإقليمية إلى تعزيز موقف مليشيا الدعم السريع، سواء كان ذلك في ابتدار مشروعات قرارات أو إفشال أخرى، أو دورها في منظمات حقوق الإنسان أو استضافتها لاجتماعات وناشطين من دعاة الحرب
في أيار/ مايو 2023م، وبعد اندلاع الحرب بأيام، فوجئ أعضاء مجلس النواب البريطاني بتحليل وقراءة متكاملة للمشهد أعدته جهة ما، وهو مشروع يعبر تماما عن وجهة نظر مليشيا الدعم السريع.. تلك كانت صورة لحجم تأثير أطراف "ما" على القرار البريطاني الرسمي والذي شعر بالغبن من مواقف المجلس العسكري الانتقالي من السفير البريطاني والمشروع البريطاني ممثلا في "الاتفاق الإطاري"، ولذلك لم تلتزم السلطات البريطانية بالدعوة لإيقاف الحرب، بل سعت في منابر دولية وإقليمية إلى تعزيز موقف مليشيا الدعم السريع، سواء كان ذلك في ابتدار مشروعات قرارات أو إفشال أخرى، أو دورها في منظمات حقوق الإنسان أو استضافتها لاجتماعات وناشطين من دعاة الحرب.. بل إن خبراء أشاروا إلى وجود صواريخ أرض جو جافلين من سلاح النخبة البريطاني في أيدي قوات المليشيا وفي مناطق سكنية وأعيان مدنية، لقد أصبحت بريطانيا "القاتل الصامت في السودان"..

صمتت بريطانيا عن مقتل 15 ألف مواطن سوداني في الجنينة وعن دفن ألفي جريح وأسير في أردمتا بعد إجبارهم على حفر قبورهم، وإبادة القرى في غالب إقليم دارفور..

صمتت بريطانيا وهي تستضيف منظمات حقوق الإنسان عن جرائم تهجير 8 ملايين واحتلال منازلهم والتحصن في مراكز خدمات كالكهرباء والاتصالات والبترول، ولم تنبس بريطانيا بكلمة..

صمتت بريطانيا عن القتل والنهب والسلب في ولاية الجزيرة ومحاولة إفقار المواطنين وإخضاعهم وابتزازهم..

صمتت بريطانيا عن القتل الممنهج في جنوب كردفان وهبيلا والدبيبات لمواطنين لا تربطهم صلة بالحكم.. وصمتت بريطانيا عن أكثر الجرائم الإنسانية بشاعة (الاغتصاب تحت تهديد السلاح وأخذ السبايا وبيعهن في أسواق النخاسة)..

ومع هذا ما زالت بريطانيا مساندة للتمرد المليشي وأعوانه، فقط لأن تحت سلاح المليشيا يمكن ولادة جديدة للمشروع الإطاري وأحلام السيطرة البريطانية..

ولذلك فإن الموقف البريطاني من شكوى السودان هو امتداد طبيعي لدورها ضد أهل السودان وتطلعاتهم منذ أيام الاستعمار، وهي غيبوبة عززتها غريزة الاستعلاء البريطاني على مستعمراتها السابقة دون أن تفكر في نتائج أفعالها وقراراتها..

وهذه حقيقة لا بد أن يدركها صناع القرار في السودان والفاعلون في المشهد، ودعاة حقوق الإنسان وجماعات الضغط وأحرار العالم..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان بريطانيا الدعم السريع جرائم بريطانيا السودان جرائم مليشيات الدعم السريع صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حقوق الإنسان فی السودان

إقرأ أيضاً:

السودان.. طرفا الحرب يردّان على دعوة بايدن

قال الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إنهما منفتحان على الحلول السلمية للحرب المستمرة منذ أكثر من 17 شهراً، وذلك رداً على دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن للطرفين المتحاربين للانخراط مجدداً في محادثات.

وقال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أمس الأربعاء، إن الحكومة تظل "منفتحة أمام كافة الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة".

وفي وقت لاحق، حذا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حذوه، معبراً عن الموقف نفسه في وقت مبكر من اليوم الخميس.

وقال دقلو على منصة إكس: "نجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار. إذ إننا نؤمن بأن طريق السلام يكمن في الحوار، وليس في العنف العشوائي، وسنواصل الانخراط في عمليات السلام لضمان مستقبل خال من الخوف والمعاناة لجميع المدنيين السودانيين".

لكن الرجلين تبادلا الاتهامات بالمسؤولية عن عدم إنهاء الصراع، الذي أودى بحياة أكثر من 12 ألف شخص منذ بدايته في أبريل (نيسان) 2023، واتهم كل منهما الآخر بارتكاب انتهاكات. ولم يحددا خطوات معينة للتوصل إلى حل سلمي.

وقال الوسطاء بقيادة الولايات المتحدة الشهر الماضي إنهم حصلوا على ضمانات من الطرفين خلال محادثات في سويسرا لتحسين وصول المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات أعاق التقدم.

بلينكن: يجب أن يجلس طرفا الصراع في #السودان على طاولة المفاوضات للاتفاق على تنفيذ الاتفاقيات الرامية لوقف الحرب

— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) September 18, 2024

وقال البرهان في بيان: "نحن على استعداد للعمل مع جميع الشركاء الدوليين سعياً للتوصل إلى حل سلمي يخفف من معاناة شعبنا ويضع السودان على الطريق نحو الأمن والاستقرار وسيادة القانون والتداول الديمقراطي للسلطة".

مقالات مشابهة

  • «نزال جوشو ودوبوا»… الأكبر في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية
  • السُّودان بلدٌ فقدَ ظلّه
  • الثقل الإسرائيلي انتقل من غزة إلى لبنان.. مصير الجبهة يُحدّد اليوم!
  • هل دقت طبول الحرب؟.. بريطانيا تدعو رعاياها إلى مغادرة لبنان وتحذر من تصاعد حدة التوترات
  • معضلة الحل في السودان!
  • كاتب صحفي: إسرائيل تحاول نقل الحرب من غزة وجعلها مفتوحة
  • السودان.. طرفا الحرب يردّان على دعوة بايدن
  • الخيار الصعب .. كلاكيت !
  • قلق وتخوف!!
  • من تجليات “اللطف الخفي” في حرب السودان