لجريدة عمان:
2025-05-14@03:20:51 GMT

يُتم الروائيين العرب «1»

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

لم يكن في خاطري وأنا أكتب هذه المقالة أن أعرض إلى جائزة البوكر في نسختها العربية ولا إلى قائمتيها القصيرة والطويلة ولا إلى الفائز فيها، ذلك أنّ الزمن عوّدني ألاّ أساير الفقاقيع الناشئة عن خيارات الجوائز، وأن أعالج الفائزين بعد مدّة من فوزهم، وأن أقول قولي فيهم بما تقتضيه ذائقتي الأدبيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وأن أشكّك دوما في ذائقة لجنة تحكيم تقرأ مئات الأعمال لتختار منها عملا فريدا (ولم تكن في أغلب الأحيان تبحث عن فرادة)، وكنت أقول قولي الذي يُغضب أصدقائي قبل أعدائي، ولهذا عبّرتُ مثلا عن شدّة استيائي من اللجنة التي فوّزت قصدًا وحسابًا روايةً ضعيفة مثل رواية محمد النعاس «خبز على طاولة الخال ميلاد»، وكتبت عن قلّة حيلة الرواية والروائي، ولكنّي اليوم أشيد بتفويز الكاتب الفلسطيني الواقع في الأسر لعقدين من الزمان باسم خندقجي عن روايته «قناع بلون السماء»، الرواية التي استحسنّا تفويزها لا لقيمتها ولا لفنيّتها ولا لجِدّتها (التي أجهلها، فأنا لم أقرأ الرواية بعد) ولا لعُدولها عن مسار الرواية العربيّة التي بدأت تأكل نفسها، ولا لأنّها ضمّت حكاية غير مألوفة، ولا لكلّ الأسباب المنطقيّة التي يُمكن أن تجعل عملا روائيّا يفوز، بل لأنّها قادمة من أرضٍ تآمر الكون على محْوِها من خارطة الوجود، لأنّها قادمة من أرض مُقدّسة فيها تُقَطَّع أوصال الأطفال والنساء كلّ ساعة والعالم في لهوٍ وضحك، لأنّها قادمة من أرضٍ مقدّسة، فيها الدم يُسَال ويسيل ويُهدَر وتُغتَصب النساء ويُشَرّد الأطفال ولا معتصم يغيث من يطلب الغوث، ولا غيمة تمطر حيث شاءت، ولا واو النداء تنفع، ولا واو الندبة، ولا واو الاستغاثة، كلّ الواوات أضحت ويلات، عادت إلى أصلها ليّنةً مطواعة، وبات العالم في حِلٍّ من قِيَمه التي قَتَلنا بها، ويأتي الغوث دوما من غير مكانه، من طلبة حملوا وعيًا وفكرًا قد يسهمون في تغيير نظريّات نهاية الكون.

فازت روايةُ السجين -التي لا أعرف تفاصيلها- التي نعرف مقامها، واستحسان المثقّفين لتفويزها، راجع إلى أن الجائزة هذه المرّة لم تكن محض جائزة، بل كانت رسالة وخطابا، كانت اعترافا بأدبِ مَن يقبع ظلمًا وقهرًا خلف القضبان، وإيمانا بنضالِ شعب خانه الأقربون قبل الغرباء. هذه كلمة أردتُها على الحساب قبل أن أقرأ الكتاب في شأن فوز الأسير الفلسطيني بجائزة البوكر للرواية العربيّة.

وأعود إلى أصل مقالتي حول يُتم الروائيين العرب، وقصدي من العبارة، أنّ حالةً من عدم الرعاية والعناية بالروائيين العرب تجعل الجيّد منهم يشعر بِيُتم واغتراب، فقد مضى عهدٌ من الزمان، كان الأدباءُ والفنّانون والمثقّفون والصحفيّون والمسرحيّون والسينمائيّون وغيرهم من أهل الفكر والفنّ يتواجدون (أقصد تفاعل الوجْد) ويتواصلون ويتحدّثون ويتبادلون الأفكار والآراء.

ما صرناه اليوم هو أنّ الروائيّ الذي يحتاج إلى صخب الواقع أصبح يعيش بمنأى عن الفضاء الذي منه يتغذّى، تقلّ تدريجيّا العلائق بين المسرحيين والروائيين، بين الموسيقيين والروائيين، تقلّ صلات الفنّانين، والأدهى من ذلك، وهو قصدي من هذا المقال، هو الطلاق البائن بين النقد والرواية، الطلاق بين الرعاية النقديّة والتعهّد العالم بالرواية وعالم التخييل.

قد يبدو كلامي سائبا في ظِلّ وفرة النقد الروائيّ وسيْله، غير أنّه نقد في الغالب الأعمّ منه كأُفٍّ، هو محض ممارسة طفوليّة انطوائيّة انطباعية انفعالية تقوم بها كائنات ورقيّة، تجعلها هبّات العلم الرقيقة تسقط متداعية.

لقد انتبهت وأنا أقرأ كتابا بعنوان «ورد ورماد» جمع رسائل متبادلة بين الكبيرين المغربيين الروائي محمد شكري والناقد والمبدع محمّد برّادة إلى هذه العناية الفائقة التي يخصّ بها الناقدُ الأديب، ويخصّ بها -تبادلا- الأديبُ الناقدَ.

فلقد أبدت الرسائل حوارًا قائمًا لسنوات بين المبدعيْن، من بدايتهما إلى بلوغهما مراتب عالية في الأدب والنقد.

كان محمد شكري في بداياته يعيش فاقةً وحاجةً ونقمةً على الوجود، وكان برّادة في بداياته يعيش رفضا ورغبة في تحقيق الأفضل، وكان الحوار الجامع بينهما مُظهر عدميّة محمد شكري وإيجابيّة برّادة، حتّى بلغا خطّا مشتركا تحقّق فيه برّادة الناقد الحصيف الواعي، المُدرك لهمّ الروائيّ، وتحقّق فيه الروائيّ العدمي الذي كان في أمسّ الحاجة إلى عقل يُؤطّر «شطارته».

لقد كان محمد شكري -على طريقته في الإفصاح عمّا يراه ويشعره- واضحا بيّنا، فإضافة إلى اختياره حياة الهامشيين، فقد كانت هنالك حياة أخرى لمحمد شكري أدركها بفطنته محمد برادة وحاول استخراجها من باطن الأديب، هذه الحياة هي روح الفنّان الذي يُترجم عن الإسبانية والفرنسية، هي روح الفنّان التي تكتب السيَر، هي روح الفنّان التي تُوجِد أواصر صلةٍ مع الأرواح الشبيهة، ومن هذا المنطلق فقد كان هنالك في حياة الروائي السير ذاتي محمد شكري فضاءٌ من الفوضى ورعايةٌ من نقّاد آمنوا به وكان لهم قسط وفير في صدور أعماله، وكان هناك أيضا فضاءٌ من التعجيز والتقزيم، عبّر عنه في رسالة من رسائله بقوله: كدت أنسى أن أخبرك أيضا عن المقال الذي كتبه الطاهر بنجلون في «لومند» عن الحياة الثقافية في المغرب. إنّه يجهل الأدب المغربي المكتوب بالعربيّة، قال عنّي مثلا: شكري روى حياته لبول بوولز! وإنّني مجرّد «حكواتي»، كتبت توضيحا قصيرا في الموضوع وأرسلته إلى «المحرر» لكنهم لم ينشروه. لا أعرف ردّ محمد شكري على الأديب الروائي الطاهر بنجلون، ولكن ما الضرر أن يروي شكري حياته لبول وولز، والروائي يجب أن يكون حاملا لروح الحكواتي.

هذا جانبٌ من الألم في صلات النُظراء والأشباه، وأمّا الجانب الأنجع والأنجح فهو الصلة مع المختلفين، صلةُ شكري ببول بوولز الكاتب الأمريكي الذي قضّى أكثر من نصف قرن من حياته مقيما في طنجة، هي صلةٌ تُظهر منزلته ومكانته التي عبّر عنها بكتاب جميل أظهر هذه الصلة وكشف جوانب من حياة الأديب الأمريكي، وقد حمل الكتاب عنوانا «بول وولز وعزلة طنجة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمد شکری ة التی لأن ها

إقرأ أيضاً:

المخرج عمرو سلامة: موهبة محمد رمضان أكبر من الأفلام التي قدمها

أعرب المخرج عمرو سلامة، عن تمنيه التعاون مع الفنان عادل إمام خلال أعماله القادمة، مشيرا إلى أنه حلم من أحلام حياته.

وقال عمرو سلامة في تصريحات إذاعية: «حلم حياتي أشتغل مع عادل إمام، طول عمري واحدة من أمنياتي إني أشتغل مع الزعيم».

أما عن رأيه في الفنان محمد رمضان، قال عمرو سلامة، إنه ممثل استثنائي، ولكنه لم يقدم حتى الآن أفلام في السينما تستحق موهبته، مضيف: « حاليا هو بيواصل تصوير فيلم أسد وأنا متفائل بيه، واحنا في الوقت الحالي عندنا ممثلين مميزين».

آخر أعمال عمرو سلامة

عرض لـ المخرج عرو سلامة مؤخرا، مسلسل «بريستيج»، بطولة الثنائي محمد عبد الرحمن «توتا» ومصطفى غريب، وذلك عبر منصة «يانغو بلاي».

أبطال مسلسل «بريستيج»

ضم مسلسل «بريستيج» عدد من نجوم الفن بجانب الفنان محمد عبد الرحمن أبرزهم: مصطفى غريب، سامي مغاوري، دينا، راندا عوض، بسام رجب، آلاء سنان، أمينة البنا، معاذ نبيل، وعمر شريف، وآخرين من الفنانين.

قصة مسلسل «بريستيج»

دارت أحداث مسلسل «بريستيج»، المكون من 8 حلقات في إطار كوميدي، حول عاصفة قوية تضرب شوارع القاهرة، مما يجبر 14 شخصًا من خلفيات اجتماعية مختلفة إلى اللجوء لمقهى في وسط البلد بعد انقطاع الكهرباء وعودتها، وتتصاعد الأحداث ويكتشف الجميع أن أحدهم قد قتل، ومع تصاعد التوترات يدركون أن القاتل بينهم، وتتطور الأحداث في إطار من الكوميديا السوداء، بينما يحاول الجميع كشف لغز الجريمة على مدار ثماني حلقات مشوقة.

اقرأ أيضاً«الوثائقية» تستعد لطرح فيلم يوثق حياة الزعيم عادل إمام

بطلة «لام شمسية».. لماذا فضلت فاتن سعيد الفن على مهنة الطب؟

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة يزور الروائي الكبير صنع الله إبراهيم للاطمئنان على حالته الصحية
  • قبيل زيارة ترامب .. محمد الحوثي يوجه دعوة لحكام العرب
  • محمد علي الحوثي يدعو حكام العرب إلى الوقوف مع القضية الفلسطينية
  • طارق سليمان: أبلغت محمد يوسف ان سيحا هو الأفضل.. قولتله "خده على ضمانتي"
  • خده علي ضمانتي.. طارق سليمان يكشف كواليس انتقال سيحا للأهلي
  • طارق سليمان: أبلغت محمد يوسف ان سيحا هو الأفضل.. قولتله «خده علي ضمانتي»
  • المخرج عمرو سلامة: موهبة محمد رمضان أكبر من الأفلام التي قدمها
  • منتخب شباب اليد يُواجه الكويت على برونزية كأس العرب
  • منتخب شباب اليد يواجه الكويت على برونزية كأس العرب
  • محمد شكري في قلب اهتمامات الأهلي.. إعلامي يكشف عن الصفقة المنتظرة