بعد فيديو التهديد.. ما مصير العلاقات بين السعودية والسودان؟
تاريخ النشر: 7th, May 2024 GMT
موجة من الانتقادات الكثيفة طالت السعودية، من ناشطين وإعلاميين سودانيين، على خلفية مقطع فيديو ظهر فيه عدد من عناصر قوات الدعم السريع، فيما قال متحدث في المقطع إنهم "يحتلفون بتدريبهم على استخدام أسلحة المدفعية والقنص في أحد المعسكرات بالسعودية".
وتشارك قوة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ضمن التحالف الدولي الذي تقوده السعودية بمشاركة دول أخرى لمواجهة الحوثيين في اليمن.
⭕️هام جداً *
ظهرت قوة عسكرية تابعة لمليشيا الدعم السريع المحلولة الارهابية تم تخرجها يوم أمس الأربعاء تدعى انها في اراضي المملكة العربية السعودية .
عليه على القائمين على الأمر التاكد من صحة هذا الفيديو . وعلى الاشقاء في المملكة العربية السعودية توضيح تفاصيل هذا الفيديو ومدى صحته.… pic.twitter.com/B7g2epqkVt
وعقب انتشار مقطع الفيديو، اتهم ناشطون وإعلاميون سودانيون قيادة المملكة "بتدريب قوات الدعم السريع بدلا عن طردها من أراضيهم، أو تسليمها إلى السلطات السودانية"، مشيرين إلى أن قائد الجيش السوداني أصدر قرارا بحلها، "مما نزع عنها الشرعية".
في المقابل طالب ناشطون وإعلاميون وزارة الخارجية السودانية باستدعاء السفير السعودي لدى السودان، علي بن حسن جعفر، ومساءلته عن مقطع الفيديو.
وبعد تصاعد الحملة الناقدة للسعودية في مواقع التواصل الاجتماعي، تضاربت الأنباء بشأن موقف السلطات السودانية، إذ ذكرت منصات إعلامية مقربة من الجيش أن "وزارة الخارجية استدعت السفير السعودي ولم تعلن عن ذلك".
بينما أوردت صحف محلية أخرى أن وزارة الخارجية "استفسرت" من السفير السعودي عن محتوى الفيديو وتاريخ تصويره.
بدورها، ذكرت وكالة الأنباء السودانية، أن "المدير العام للعلاقات العربية والآسيوية بوزارة الخارجية، عمر عيسى، التقى السفير السعودي علي بن حسن جعفر".
ولم تشر الوكالة الرسمية إلى أن وزارة الخارجية السودانية استدعت السفير.
وبحسب وكالة السودان للأنباء، فإن "السفير السعودي أكد رفض بلاده استخدام أراضيها في أي نشاط يهدد السودان أو أي دولة شقيقة أخرى، أو الإساءة للقيادة السودانية أو أي مسؤول رسمي".
وذكرت الوكالة أن السفير السعودي أشار إلى أن مقطع الفيديو يعود لأربعة أشهر سابقة، وأن تصويره جرى عقب دورة تدريب أساسية يتلقاها الجنود المشاركون في قوات التحالف، لا تتضمن التدريب على المدفعية أو المسيرات أو الأعمال الطبية".
"غبن وأجندة سياسية"ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية، عبد المنعم مالك، أن "الانتقادات الموجة إلى السعودية من قبل إعلاميين سودانيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، مردها إلى الغبن الشعبي الواسع تجاه انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين".
وقال مالك لموقع الحرة، إن "قطاعات واسعة من الشعب السوداني ممن تعرضوا إلى الانتهاكات من قبل الدعم السريع، ينظرون إلى أن كل من يساند تلك القوات، فهو يقف ضد الشعب السوداني، ولذلك كثفوا حملاتهم ضد السعودية".
ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن "حديث أحد المتحدثين في مقطع الفيديو عن أن قوات الدعم السريع الموجودة بالسعودية، جاهزة لدك معاقل الجيش السوداني، أجج المشاعر الناقدة للقيادة السعودية".
وتابع قائلا "صحيح أن هناك إساءات غير مبررة لحقت بالسعودية، لكن هذا لا يعفي قيادة المملكة من اتخاذ موقف صارم تجاه قوات الدعم السريع الموجودة على أراضيها، وفي الحد الأدنى أن تلزمها بالحياد، أو الصمت عن ما يجري في السودان".
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن "الحملة الناقدة للسعودية على خلفية مقطع الفيديو، لا تخلو من غرض وأجندة سياسية".
وقال المنصور لموقع الحرة، إن "معظم الإعلاميين والناشطين الذين تصدروا الحملة الناقدة للسعودية، من منسوبي نظام الرئيس السابق عمر البشير وجماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية السودانية".
وأضاف قائلا "الذين ينتقدون السعودية لا يتحركون بسبب مقطع الفيديو، وإنما تحركهم أجندة سياسية خاصة بهم، وهؤلاء لن يتصالحوا مع السعودية، حتى إن لم يظهر مقطع الفيديو".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "السعودية لم تُظهر موقفا مساندا لقوات الدعم السريع بعد اندلاع الحرب الحالية، مع أنها تملك علاقة راسخة مع قائدها حميدتي، بل كانت أول دولة تسارع لطرح وساطة لوقف الحرب من خلال دعوة الجيش والدعم السريع إلى منبر جدة".
ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب. ولاحقا انضم إلى المبادرة ممثلون عن الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد".
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو الماضي، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".
مستقبل العلاقاتمن جانبه يقول مالك إن "البلدين تمكنا من تفكيك الخلاف الذي نشب جراء مقطع الفيديو، بعدما نفى مسؤولون سعوديون أن تكون بلادهم قد دربت قوات الدعم السريع للمشاركة في القتال الدائر بالسودان".
ولفت إلى أن "السعودية أظهرت مواقف إيجابية في الأزمة السودانية الحالية، على عكس دول كان السودانيون يظنون أنها حريصة على أمنهم واستقرارهم، قبل أن يثبت أنها من أكبر الداعمين لقوات الدعم السريع، والمساندين لاستمرار الحرب".
وعقب تصاعد الحملات على السعودية، تبرأت وزارة الخارجية السودانية من "ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية".
وقالت الوزارة في بيان إنها "تابعت كتابات وتعليقات لكُتاب أعمدة وناشطين سودانيين في الوسائط الاجتماعية تتناول العلاقات السودانية السعودية بما لا يعبّر عن حقيقة موقف الحكومة والشعب السوداني تجاه المملكة".
وتابع البيان "ترفض وزارة الخارجية ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية، لا تشبه ما عرف به الشعب السوداني من تهذيب واحترام لأشقائه، وخاصة أصحاب السمو والفخامة والمعالي ملوك وأمراء وقيادات الدول الشقيقة".
وفي المقابل، توقّع المنصور أن "تستمر الانتقادات التي يقف وراءها عناصر نظام البشير، ضد السعودية"، مشيرا إلى أن "الهدف الرئيس من هذه الانتقادات تخريب علاقة السودان والسعودية، بما يقود في خاتمة المطاف إلى إيقاف المبادرة السعودية الساعية لإنهاء الحرب في السودان".
وأضاف قائلا "عناصر نظام البشير يعلمون أن إنهاء الحرب سيجعلهم ملاحقين بتهم الفساد وقتل المتظاهرين، كما أن الأطراف الفاعلة عسكريا وسياسيا في السودان ترفض وجودهم ضمن أي عملية سياسية تعقب وقف الحرب، ولذلك ينشطون ضد أي مبادرة تهدف للحل السلمي التفاوضي".
وذكرت صحف ومواقع إخبارية سودانية، أن قوات الدعم السريع وجهت منسوبيها في السعودية بعدم تصوير أو نشر أي مقطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأورد موقع "سودان تربيون" الإخباري أن قوات الدعم السريع عممت على جميع عناصرها بالسعودية توجيها يحظر عمليات التصوير، وتوعدت أي فرد يخالف التعليمات بالمساءلة القانونية.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم إلى مناطق داخل وخارج السودان.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع وزارة الخارجیة السفیر السعودی مقطع الفیدیو إلى أن
إقرأ أيضاً:
البرهان يرسل رسائل مهمة عبر مقال في “وول ستريت جورنال” .. يكشف كيف اندلعت شرارة الحرب في السودان ولماذا يحارب الدعم السريع .. نشر مقال قائد الجيش السوداني
متابعات تاق برس- دعا قائد الجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الولايات المتحدة وحلفاء بلاده الإقليميين إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل 2023، مؤكداً أن “أي سلام دائم يستلزم تفكيك قوات الدعم السريع”.
وقال البرهان في مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، الثلاثاء، تحت عنوان “هذه حقيقة الحرب في السودان” إن السودانيين ينظرون بإيجابية إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير الخارجية ماركو روبيو الأخيرة بشأن الحرب، معتبراً أنها “سمّت الأشياء بمسمياتها، وحددت الطرف المسؤول عن اندلاع الصراع”.
وأضاف أن الشعب السوداني ينتظر من واشنطن “البناء على هذا الوضوح واتخاذ الخطوة التالية”، مشيراً إلى أن هناك قناعة واسعة بأن الإدارة الأميركية الحالية تمتلك “الصرامة الكافية” لمواجهة الأطراف الخارجية التي تساهم في إطالة أمد الحرب.
وتابع: “على نفس المنوال، كانت التصريحات الإيجابية للرئيس دونالد ترمب عقب لقاءاته مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مُشجعة”.
ورحب في هذا الإطار بـ”الجهود الصادقة التي تبذلها الولايات المتحدة والسعودية لضمان سلام عادل ومنصف في السودان”، وقال: “نُقدّر حرصهما المُستمر والتزامهما بالعمل على وقف إراقة الدماء”.
وجدد قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، اتهام قوات الدعم السريع بإشعال الصراع في السودان.
اعتبر أن “الحقيقة واضحة، فقد اندلعت الحرب لأنّ قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا مدجّجة بالسلاح ذات سجل طويل من الوحشية، تمرّدت على الدولة”، وفق تعبيره.
أتى ذلك، بعدما أكّد مبعوث الرئيس الأميركي إلى أفريقيا مسعد بولس، أمس الثلاثاء، أن طرفي النزاع في السودان غير موافقين على مقترح وقف إطلاق النار، ودعاهما إلى قبول خطة واشنطن من “دون شروط مسبقة”. وقال بولس للصحافيين في العاصمة الإماراتية أبوظبي “نناشد الطرفين قبول الهدنة الإنسانية كما عُرضت عليهما دون شروط مسبقة”.
في حين اتّهم البرهان الأحد الماضي الوساطة الأميركية بأنها “غير محايدة”، وانتقد أيضاً مقترح “الرباعاية الدولية” التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة، السعودية ومصر والإمارات.
فيما أعلنت قوات الدعم السريع في السادس من نوفمبر قبولها مقترح هدنة إنسانية، بعد سيطرتها في 26 أكتوبر على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور بغرب السودان.
ينشر تاق برس نص مقال البرهان ..
صحيفة (وول ستريت جورنال)
حقيقة الحرب في السودان
بقلم: رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان
السودان بلد عميق الذاكرة؛ فتمتد جذور تاريخه إلى مملكة كوش التوراتية، إحدى أعظم حضارات أفريقيا. غير أنّ الحرب التي تشنّها الآن ميليشيا قوات الدعم السريع ليست كأيّ صراع واجهناه من قبل؛ فهي تمزّق نسيج مجتمعنا، وتقتلع ملايين الأشخاص من ديارهم، وتهدد كامل الإقليم بالخطر. ومع ذلك، لا يزال السودانيون ينظرون إلى حلفائهم في المنطقة وفي واشنطن بأمل. فالسودان يخوض معركة من أجل بقائه، ومن أجل سلامٍ عادل لا يمكن بلوغه إلا بدعم شركاء يدركون حقيقة كيف بدأت هذه الحرب وما الذي يتطلّب إنهاؤها.
وغالباً ما يسمع من هم خارج السودان روايات متضاربة حول جذور النزاع. وبوصفي القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي—الهيئة الحاكمة المؤقتة التي أُنشئت عقب الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير في عام 2019—أعلم أنّ الحقيقة واضحة. لقد اندلع الصراع لأنّ قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا مدجّجة بالسلاح ذات سجل طويل من الوحشية، تمرّدت على الدولة. وعلى الرغم من نفيها استهداف المدنيين، فقد وثّق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجهات أخرى، عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وترويع للمدنيين ارتكبتها الميليشيا. وعندما استولت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في أواخر أكتوبر، أفيد بأنها ذبحت آلاف المدنيين. وقد ذكر مدير مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة (ييل) أن مصادر ميدانية قدّرت عدد القتلى بنحو 10 آلاف شخص قبل أن يفقد المختبر الاتصال—وهو رقم يقارب خمسة أضعاف ضحايا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، في مقياس قاتم لحجم الفظائع التي أُطلقت.
لقد أدركتُ منذ وقت طويل أنّ قوات الدعم السريع كانت بمثابة قنبلة موقوتة. فقد نشأت هذه القوات، التي كانت تُعرف سابقاً بالجنجويد، في مطلع الألفية كميليشيا مساندة في دارفور، ثم تحوّلت لاحقاً إلى قوةٍ مستقلة واسعة النفوذ. وبحلول فترة الانتقال السياسي في 2019، كانت قد تطوّرت إلى تشكيلٍ شبه عسكري مستقلّ، شديد التسليح، يتصرف خارج منظومة القيادة الرسمية للدولة. هذا الهيكل—مقترناً بمواردها المالية الخاصة وسجلها الموثق بالانتهاكات—شكّل تهديداً مباشراً لاستقرار السودان ووحدة مؤسساته الوطنية.
ولذلك سعت الحكومة السودانية في ديسمبر 2022 إلى اتّباع مسار يهدف إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بصورة مسؤولة. كان هدفنا منع نشوب الصراع، وحفظ التماسك الوطني، وتوحيد جميع التشكيلات المسلحة تحت قيادةٍ قانونية واحدة. لم تكن نيتنا المواجهة بل الإصلاح؛ ولا التصعيد بل التوحيد المنضبط للقوات التي تدافع عن السودان. لكنّ قوات الدعم السريع انقلبت في أبريل 2023 على الجيش الوطني الذي تعهّدت بالانضمام إليه؛ فحرّكت قواتها سراً حول الخرطوم ومدن كبرى أخرى، واستولت على مواقع استراتيجية، وهاجمت منشآت حكومية وعسكرية. لقد غرست تلك الخيانة السودان في أتون حرب.
وما يزيد هذا الوضع إيلاماً هو يقيننا بأنّ قوات الدعم السريع لا تتحرك وحدها. إذ نعتقد نحن وجهات أخرى، بينها إدارة الرئيس ترامب، أنّ هذه الميليشيا تحظى بدعم خارجي كبير في العتاد وغيره، من أطراف تظن خطأً أنّ تمكين مجموعةٍ تتهمها الولايات المتحدة نفسها بارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي سيخدم مصالحها الضيقة. والسودانيون يرون ذلك بوضوح؛ فهم يدركون كلفة تحويل بلادهم إلى ساحةٍ لتصفية طموحات الآخرين.
ولن تبقى هذه الساحة حبيسة حدود السودان. فالحرب تهدد استقرار البحر الأحمر شرقاً ومنطقة الساحل الهشّة غرباً، كما تشكّل خطراً مباشراً على المصالح الأميركية. لقد عبّرت قوات الدعم السريع عن عدائها للولايات المتحدة بوضوح لا لبس فيه. ففي وقت مبكر من الحرب، أفادت شبكة (إن بي سي) عن هجوم على ما يبدو نفّذته عناصر مرتبطة بالدعم السريع على موكب دبلوماسي أميركي. ومؤخراً، في سبتمبر 2024، توفي عنصر امن في السفارة الأميركية أثناء احتجازه لدى قوات الدعم السريع، وفقاً لمكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية. هذه ليست أفعال قوةٍ تسعى للسلام أو تحترم المعايير الدولية.
في هذا السياق، استمع كثير من السودانيين باهتمام شديد إلى حديث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن الحرب خلال قمة مجموعة السبع في كندا قبل أسابيع. كانت تصريحاته مشجّعة لا لأنها خفّفت عنا، بل لأنه قال الحقيقة الصعبة. فقد سمّى الحرب بما هي عليه، وعرّف قوات الدعم السريع، وسلّط الضوء على الأيادي الخارجية التي تغذي العنف. لقد اتسمت كلماته بوضوحٍ افتقده العالم كثيراً حين يتعلق الأمر بالسودان، حيث يجري تناول الأزمة بلغة مبهمة أو تصوّرات مريحة للغير. فغالبية العالم ما زال ينظر إلى الصراع باعتباره مجرد صراع على السلطة بين جنرالين، لا تمرّداً عنيفاً ضد الدولة السودانية وشعبها.
وبالروح ذاتها، كانت تصريحات الرئيس ترامب الإيجابية عقب لقائه بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، مشجّعة. ونحن نرحب بالجهود المخلصة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من أجل تحقيق سلامٍ عادل ومنصف في السودان، ونقدّر اهتمامهما والتزامهما المستمر بإنهاء إراقة الدماء. ونؤكد استعدادنا للعمل الجاد معهما من أجل السلام الذي طالما تاق إليه الشعب السوداني. غير أنّ أي حلّ يضمن سلاماً دائماً في المنطقة يستلزم تفكيك ميليشيا الدعم السريع ومرتزقتها. فلا مكان لهم ولا لحلفائهم في مستقبل السودان الأمني أو السياسي. أما النافذة الوحيدة التي قد تبقى مفتوحة لأفراد الدعم السريع فهي إمكانية دمج بعض عناصر الميليشيا في الجيش الوطني، ولكن وفق معايير مهنية صارمة، ولمن هم غير متورطين في أي جريمة.
وينظر الشعب السوداني اليوم إلى واشنطن لاتخاذ الخطوة التالية: البناء على صراحة الرئيس الأميركي والعمل معنا—ومع من في المنطقة ممّن يسعون بصدق إلى السلام—لإنهاء هذه الحرب. والإجماع بين السودانيين أن السيد ترامب قائد يتحدث مباشرة ويتحرك بحسم، ويعتقد كثيرون أنه يمتلك الإرادة لمواجهة الأطراف الأجنبية التي تطيل أمد معاناتنا.
والسودان لا يطلب صدقة ولا يطلب من الخارج اختيار طرف دون آخر. بل يطلب من العالم أن يختار بين الاستقرار والعنف؛ بين دولةٍ ذات سيادة تحاول حماية مواطنيها وميليشيا تمارس التطهير العرقي تسعى لتدمير المجتمعات. وعندما تنتهي الحرب—ويجب أن تنتهي—يريد السودان أن يكون شريكاً قوياً للولايات المتحدة؛ أن يساهم في حماية الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وإعادة بناء المدن والبلدات المدمّرة. وسيكون للشركات الأميركية دور مهم في إعادة الإعمار والاستثمار والتنمية طويلة الأمد.
ونريد أيضاً أن يستعيد السودان دوره كقوة إقليمية إيجابية. فقد اتخذ السودان في عام 2021 خطوة تاريخية بانضمامه إلى (الاتفاقات الإبراهيمية). ونحن نؤمن بأنّ السلام والتعاون هما الطريق الوحيد نحو شرق أوسط وقرن أفريقي مستقرّ. ولا يزال هذا النهج هو ما يوجّه بوصلتنا.
ولكن دعوني أكون واضحاً: إنّ السلام الحقيقي في السودان لن يتحقق عبر النصر العسكري وحده. يجب أن يقوم على الديمقراطية وسيادة القانون وحماية حقوق شعبنا. وتظل القوات المسلحة السودانية ملتزمة بالانتقال إلى الحكم المدني—عملية قطعتها الحرب لكنها لم تُهمل. فشعبنا يستحق فرصة اختيار قادته وتحديد مستقبله.
يقف السودان اليوم على مفترق طرق: طريقٌ يؤدي إلى الانهيار وفوضى إقليمية، وآخر يقود إلى التعافي وتحقيق الوعد المؤجل للديمقراطية والاستقرار. ولا يمكننا سلوك هذا الطريق وحدنا؛ فنحن بحاجة إلى شركاء يدركون خطورة اللحظة ويملكون الشجاعة لمواجهة الحقائق الصعبة.
لقد عانى الشعب السوداني ما يكفي. وعلى العالم أن يقف معه، لا مع من يسعون لتمزيق بلاده. والسودان مستعد للعمل البنّاء مع إدارة الرئيس ترامب ومع كل من يسعى بصدق إلى السلام.
فالسلام لا يُبنى على الأوهام، بل على الحقيقة. وفي هذه اللحظة، الحقيقة هي أقوى حليف للسودان.
البرهانالجيش السوداني الدعم السريعشرارة الحرب في السودان