تشهد جبهة الجنوب اللبناني تصعيداً بوتيرة ومستوى غير مسبوقيْن، ما يشير إلى انعطافة في المواجهة، مع تسجيل زيادة كمية ونوعية في عمليات حزب الله الابتدائية والردية، مقابل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية مع بدء الهجوم البري الاسرائيلي شرق مدينة رفح.

وفي هذا السياق كتبت" الاخبار": برز في الأسبوعين الأخيرين تطور ميداني ذو أبعاد مختلفة، مع إدخال حزب الله على خط المواجهة تكتيكات ووسائل قتالية مغايرة نسبياً لما كانت عليه العمليات في الأشهر الأخيرة، مع تفعيل مضاعف لسلاح الاستخبارات الذي وصل إلى مستويات متقدّمة جداً، لناحية الجمع والمسح المعلوماتي، ما سمح له بتوجيه ضربات نوعية ودقيقة «منها ما يُعلن عنه ومنها ما لا يُعلن»، وفقاً لتعبيرات وسائل إعلام العدو التي بدأت تتملّص، وإن تلميحاً، من تأثير الرقابة العسكرية في منع نشر الكثير مما يحدث على الجبهة مع لبنان.

ولذلك، لم تكن العملية النوعية بإسقاط منطاد تجسسي فوق ‏مستعمرة أدميت، بعد تحديد مكان إدارته ‏والتحكّم به، «فلتة شوط»، بل ضمن مسار تصاعدي في انتقاء الأهداف، واستكمالاً لإعماء العين الإسرائيلية عبر التركيز اليومي على التجهيزات التجسسية واللوجستية.
وفي هذا السياق أيضاً، جاء الاستخدام المكثّف للمُسيّرات في عمليات نوعية استهدفت تجهيزات القبة الحديدية والباتريوت في يفتاح ورموت نفتالي وكفرجلعادي وبيت هلل، واستخدام الصواريخ البصرية (ألماس) ضد التجهيزات خلف المواقع المعادية. كما كان لافتاً في الفترة الأخيرة مسار موازٍ بالرد المباشر والفوري على غارات العدو على المنازل المدنية باستهداف مبانٍ في المستوطنات المقابلة. فبعد استهداف الخيام وكفركلا، ردّ حزب الله بقصف مبانٍ في مستوطنة المطلة، وبعد استهداف ميس الجبل استهدف مستوطنة المنارة، وبعد الاعتداء على يارون ومارون الرأس ردّ بقصف مبانٍ في مستوطنة أفيفيم، وعند الاعتداء على قرى في القطاع الغربي ردّ باستهداف مستوطنتي برانيت وشتولا.
عبر هذه الردود المتصاعدة، وإن ضمن قواعد الاشتباك الحالية، ومع تأكيد حزب الله أولاً أن الجبهة اللبنانية عامل إسناد للفلسطينيين في ظل الحرب على غزة، إلا أنه في ما يتصل بالساحة اللبنانية وأبعادها، يؤسّس لمعادلات ميدانية سيكون لها تأثيرها الخاص والمانع للعدو، خصوصاً في ما يتعلق بـ«شهيته» المفتوحة وطموحاته الواسعة حول الترتيبات الأمنية والعسكرية والسياسية التي يسعى إليها بجهود شركائه في أوروبا وأميركا، في المرحلة التي تلي الحرب.
حتى الآن، وهو ما بات واضحاً، أسقط حزب الله الرهانات على إمكان ردعه بالمواجهة وإخضاعه بالتهديد لشروط العدو ومطالباته، وأفهم تل أبيب وصانع القرار فيها، عملياً، أنه على استعداد للذهاب بعيداً في حال قرّرت توسيع المواجهة الحالية إلى ما هو أسوأ، وصولاً إلى المواجهة الشاملة، علماً أن قرار الحرب نفسه لا يزال، حتى الآن، قراراً ابتدائياً من جهة إسرائيل، وردياً دفاعياً من جهة حزب الله، وهي معادلة قابلة للفحص والتدقيق تباعاً وفقاً للمتغيّرات.
في التقديرات حول ما سيلي، وتحديداً في المدى المباشر، قد يكون الواقع الميداني مرشحاً لمزيد من التصعيد، يُرجح أن لا يقتصر على الحدود، وإن كان سيُحافظ في المدى المنظور على قواعد الاشتباك الكلية بين الجانبين، من دون استبعاد احتمال كسرها أو تجاوزها. وإذا كان الطرفان قد أثبتا حتى الآن إمكانية منع تطور المواجهة المحدودة نحو الأسوأ، فلن يكون الأمر كذلك في ظل التقديرات بتنامي التصعيد والضغوط، ما يعزّز بالتالي مخاوف الإدارة الأميركية، وقد يستدعي تدخلاً أكثر تأثيراً منها للحؤول دون ما كانت تحذّر تل أبيب منه: استمرار الحرب في قطاع غزة، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تصعيد الوضع على الجبهة اللبنانية.
ميدانياً، واصل حزب الله أمس العمليات النوعية ضد مواقع جيش العدو وتجهيزاته الفنية والتجسسية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة. فبعد تتبّع مستمر لحركة المنطاد التجسسي الذي يرفعه العدو فوق ‏مستعمرة أدميت للمراقبة والتجسس على لبنان، وبعد تحديد مكان إدارته ‏والتحكم به، استهدف مقاتلو الحزب بالأسلحة الصاروخية ثلاثة ‏أهداف عائدة له بشكل متتال، وهي قاعدة إطلاقه التي دُمرت وأُفلت منها ‏المنطاد، وآلية التحكم به وتمّ تدميرها بالكامل، وطاقم إدارته الذي أصيب بشكل ‏مباشر ووقع أفراده بين قتيل وجريح. ‏وعلّقت صحيفة «معاريف» العبرية على العملية، بأن «الضرر الذي لحق ببالون المراقبة التابع للجيش الإسرائيلي اليوم هو استمرار لجهود حزب الله لتدمير أصول المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي، ولكنه أيضاً استمرار لاتجاه التصعيد الذي اتّبعه حزب الله في الأيام الأخيرة».‏
واستهدف حزب الله أمس مبانيَ يستخدمها جنود العدو في مستعمرتي المالكية وأفيفيم، ومقر ‏قيادة اللواء 801 في ثكنة معاليه غولاني بالأسلحة الصاروخية، وموقع ‏السماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة. ‏

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

التصعيد يعود لشرق الكونغو وقلق من تمدد الحرب.. هل انهار اتفاق السلام؟

عاد التوتر من جديد إلى شرق الكونغو الديمقراطية وذلك بعد أقل من أسبوعين من توقيع اتفاق سلام وُصف بـ"التاريخي" في واشنطن بين الرئاسيان الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، والرواندي بول كامي برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

فقد وقع البلدان يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر الجاري في واشنطن اتفاق سلام برعاية أمريكية يهدف إلى إنهاء سنوات من التوتر والصراع في شرق الكونغو والحيلولة دون تحوله إلى حرب إقليمية.

ونص الاتفاق على تعهد الكونغو بتفكيك جماعات المتمردين الروانديين مقابل التزام رواندا بوقف دعمها لحركة "إم 23" وسحب قواتها من المناطق الحدودية، وإنشاء آلية مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الأمني.

"إم23" تشعل التوتر من جديد
لكن حركة "إم23" المتمردة والمدعومة من رواندا، أشعلت التوتر من جديد بشرق الكونغو الديمقراطية وأعادت الصراع بين كينشاسا (عاصمة الكونغو الديمقراطية) وكيجالي (عاصمة رواندا)، إلى الواجهة وسط قلق متصاعد من أن يتطور الصراع إلى حرب إقليمية.

فقد شنت الحركة المتمردة هجمات على عدة مناطق بشرق الكونغو، ما أسفر عن اندلاع اشتباكات بين عناصر الحركة والجيش الكونغولي المدعوم بآلاف الجنود البورونديين في جنوب كيفو.

وسيطر مقاتلو الحركة على مدينة أوفيرا في إقليم جنوب كيفو وانتشروا في شوارع المدينة التي توصف بالاستراتيجية لوقوعها على ضفاف بحيرة تانغانيقا، فضلا عن موقعها على الطريق الحدودي مع بوروندي.


اتهامات بجر المنطقة للحرب
وفي تصعيد أمريكي واضح اتهمت واشنطن بشكل صريح رواندا بجر المنطقة للحرب وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، وتعهدت باتخاذ إجراءات لفرض احترام الاتفاق.

وقال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة مايك والتز خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي إنه "بدل إحراز تقدم نحو السلام تجر رواندا المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار والحرب".

وأضاف: "لدينا معلومات ذات مصداقية عن زيادة في استخدام مسيّرات انتحارية ومدفعية من جانب إم 23 ورواندا، بما في ذلك تنفيذ ضربات في بوروندي".

كما اتّهم الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، رواندا بخرق التزاماتها، مضيفا: "رغم حسن نيتنا والاتفاق الذي تمّت المصادقة عليه أخيراً، من الواضح أن رواندا تخرق التزاماتها بالفعل".

وتعهد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالرد على "انتهاك" رواندا اتفاق السلام، مضيفا في منشور عبر منصة إكس: " تشكل تصرفات رواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية انتهاكا واضحا لاتفاقات واشنطن التي وقعها الرئيس ترامب، وستتخذ الولايات المتحدة إجراء لضمان الوفاء بالوعود التي قطعتها للرئيس".

شبح انفجار إقليمي
وحذرت الأمم المتحدة من أن التطورات الجديدة في شرق الكونغو، تنذر بتوسع الصراع، ما قد تكون له تداعيات بالغة الخطورة على الاستقرار بالمنطقة.

وقال مسؤول عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة جان بيار لاكروا، إن هذا الهجوم الجديد "أيقظ شبح انفجار إقليمي لا يمكن تقدير تداعياته".

وأضاف: "الضلوع المباشر أو غير المباشر لقوات ومجموعات مسلحة تأتي من دول مجاورة إضافة إلى التحرك عبر الحدود للنازحين والمقاتلين يزيدان بشكل كبير خطر انفجار إقليمي".

وأبدى المسؤول الأممي خشيته من تفكك تدريجي لجمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب اتساع سيطرة حركة "إم 23" على مزيد من الأراضي وإقامتها إدارات موازية.


اقتتال عنيف
وأفادت الأمم المتحدة أنها رصدت اقتتالا عنيفا مقاطعة كيفو الجنوبية، فيما يتدهور الوضع بشكل حاد جراء توقف المساعدات.

وقالت الأمم المتحدة في بيان نشرته عبر موقعها على الإنترنت إن نحو 70 شخصا قتلوا خلال الأيام الأخيرة وتشرد أكثر من 200 ألف آخرين وانقطعت المساعدات الإنسانية عن آلاف آخرين.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي تعليق عملياته في جميع أنحاء جنوب كيفو شرق الكونغو، ما أدى إلى قطع الدعم الغذائي المنقذ للحياة عن 25 ألف شخص، وفقا لما ذكره نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق والذي قال للصحفيين في نيويورك: "تتقاسم الأسر المضيفة - التي تعاني أصلا من مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي - ما تبقى لديها من طعام مع النازحين".

وأغلقت 32 مدرسة على الأقل في أوفيرا، تدعمها منظمة الأغذية العالمية، أبوابها لإيواء الأسر النازحة، ما ترك أكثر من 12 ألف طفل دون وجبتهم الساخنة اليومية الوحيدة. وحذرت منظمات الإغاثة الإنسانية من أن مخزونات الغذاء في المنطقة قد تنفد في غضون أسابيع إذا لم يتم استئناف الوصول إلى الإمدادات وتوفير التمويل.

تعدد اللاعبين يعقد المشهد
ويرى الصحفي المتابع للشؤون الأفريقية محمد الأمين عبدوتي، أن الاتفاق الموقع في واشنطن كان اتفاقا هشا، وبدى واضحا أن تطبيقه سيواجه جملة من الصعوبة.

ولفت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن من يعرف تعقيد الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية وتعدد للاعبين فيه وتباين أجندة هؤلاء اللاعبين يدرك صعوبة تطبيق الاتفاق.

وأضاف أن الهجمات التي نفذتها "إم23" والتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأمريكيين تؤكد أن اتفاق السلام انهار بالفعل وأن المشهد في شرق الكونغو عاد للمربع الأول.

وتابع: "ستشن حركة إم23 خلال الأيام القادم مزيدا من الهجمات، وستتبادل الأطراف الاتهامات بشأن خرق الاتفاق في ظل حالة الاحتقان الحالية والمتصاعدة".

وأكد أن تمدد الصراع إلى باقي مناطق الإقليمي وارد جدا، إذا لم يحصل ضغط دولي جدي على الأطراف لاحتواء تمدد هذا الصراع.

جذور الصراع
يعد الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى بأفريقيا، حيث بدأ التوتر بين البلدين منذ حقبة الاستعمار البلجيكي، لكنه تصاعد بشكل كبير على خلفية اتهام رواندا للكونغو بإيواء جماعات مسلحة معارضة لها.

واستمر هذا التوتر في التفاقم بعد أن اتهمت أيضا الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل الذهب وغيره.

وتأسست هذه الحركة (M23) سنة 2012 على يد منشقين عن الجيش الكونغولي، بحجة أن الحكومة المركزية في العاصمة كينشاسا لم تف بالتزاماتها معهم وفقا لاتفاقية سلام أبرمتها معهم عام 2009 وأنهوا بموجبها تمردهم وانضموا إلى القوات المسلحة للبلاد.

وتمكنت الحركة خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على العديد من المناطق في الكونغو الديمقراطية، خصوصا في شرق البلاد الذي تنتج مناجمه كميات كبيرة من الذهب، بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى.

وتقول الحركة، إنها تدافع عن مصالح "التوتسي" خاصة ضد "مليشيات الهوتو العرقية" مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي أسسها "الهوتو" الذين فروا من رواندا بعد مشاركتهم في حملة إبادة جماعية عام 1994 لأكثر من 800 ألف من "التوتسي".

وعلى مدى السنوات الماضية ظلت كينشاسا (عاصمة الكونغو) تؤكد أن رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.

ومطلع العام الجاري تصاعدت حدة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من السكان إلى بلدان مجاورة.

وخلف هذا الصراع خلال السنة الحالية فقط أكثر من 7 آلاف قتيل، كما أنه تسبب في عمليات لجوء ونزوح واسعة، فضلا عن تداعياته الاقتصادية والصحية.

وتعد منطقة شرق الكونغو ساحة صراع تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية، وتنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن.

مقالات مشابهة

  • التصعيد يعود لشرق الكونغو وقلق من تمدد الحرب.. هل انهار اتفاق السلام؟
  • إصابة شاب برصاص العدو الصهيوني واقتحامات واسعة لبلدات في الضفة الغربية
  • بعد ساعات من إعلان ترامب وقف إطلاق النار.. مواجهات دامية وإغلاق معابر بين تايلاند وكمبوديا
  • أمريكا تستعد لمصادرة مزيد من السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • الجمعية اللبنانية للأسرى: 23 أسيراً يقبعون في سجون العدو الإسرائيلي 9 منهم بعد وقف النار
  • طبول الحرب تقرع في الكاريبي: 3 مؤشرات لاقتراب المواجهة بين أمريكا وفنزويلا
  • خبير أوكراني: الحرب تحولت إلى مواجهة اقتصادية.. وأوكرانيا لن تتنازل عن أراضيها رغم التصعيد الروسي
  • قبائل بني بحر تؤكد جاهزيتها لإفشال مؤامرات العدو الصهيوني
  • أمانة العاصمة تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة”
  • وقفات حاشدة بصنعاء تحت شعار جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة