تريم عمران.. قامة إنسانية وفكرية خلّاقة
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
إعداد: جيهان شعيب
اثنان وعشرون عاماً مضت على رحيل تريم عمران تريم، القامة الإنسانية والفكرية، رجل المبادئ والقيم الذي وافته المنية في مثل هذا اليوم، 16 مايو عام 2002، وحتى لحظته الأخيرة كان حاملاً لواء الشرف والعزة على الساحة الإعلامية، معتنقاً الصدق قولاً والالتزام فعلاً والإخلاص عملاً، والأمانة ركيزة لا يتزحزح عنها حاملاً عمق التنوير والمعرفة على عاتقه، ومؤمناً بأنه لا بديل عن الحريات الشامخة لقيام الأوطان.
ومع مرور الأعوام تبقى ذكرى الغائب الحاضر، تريم عمران، نابضة بزخم من مشاعر الحنين له والافتقاد لوجوده الذي كان ينبض بالحياة، فلايزال عالقاً بالذاكرة دور الراحل وشقيقه الدكتور عبدالله عمران تريم، رحمهما الله، في مراحل تأسيس الاتحاد، حيث كانا عضوين في فريق المفاوضات لقيام الدولة، فضلاً عن إصدارهما جريدة «الخليج»، التي تحولت بفضلهما إلى مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، وأضحت صرحاً إعلامياً شامخاً في المنطقة، وهما في ذلك كانا من روّاد تأسيس الصحافة الخليجية.
لا تقتصر مواقف تريم وعبدالله عمران، على ذلك فقط، فخطاهما وأعمالهما يصعب حصرها، وكذا مواقفهما ورؤاهما المستنيرة، التي لايزال يختزنها الفكر وتنبض بها القلوب حزناً على غيابهما، وإن كانت بصماتهما الإنسانية من الصعب زوال تأثيرها. كما أن الأسس المهنية التي رسخاها أضحت ركيزة يستند إليها تلاميذهما في عملهم الصحفي، وستظل عطاءاتهما التي لا تحصى موثقة وشاهدة على ما كانا عليه، ودافعة لدوام رثائهما والترحم عليهما.
المولد والمسيرة
في قراءة لسيرة الراحل تريم عمران، نجد أن الكلمة الأولى جاءت بمولده في إمارة الشارقة عام 1942، ومن ثمّ درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في «مدرسة القاسمية»، ثمّ توجه مع شقيقه عبدالله عمران، إلى دولة الكويت للالتحاق ب«ثانوية الشويخ»، ثم عادا إلى الشارقة ليستكملا دراستهما الثانوية في «مدرسة القاسمية»، وبانتهائها توجه تريم عمران إلى مصر، ليلتحق بكلية الآداب «جامعة القاهرة». وبعد التخرج عمل بمدرسة «ثانوية العروبة»، ثم مديراً لمدرسة «المعارف» بالشارقة.
وفي عام 1972 وحين قيام الدولة، اختاره المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، سفيراً للإمارات في مصر، وظل لخمس سنوات يمارس العمل الدبلوماسي بإجادة لافتة وكفاءة مشهودة، وبحس وطني رفيع، وتوازن في المواقف، وترسّخ لديه وقتذاك الفكر القومي العروبي.
وفي عام 1976 ترأس وفد الإمارات في الجامعة العربية، وبعد ذلك في عام 1977، انتُخب تريم عمران، رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي، وعلى مدار دورتين متتاليتين، أثبت نجاحاً باهراً، لشمولية وموضوعية النقاشات، فضلاً عن وضعه مذكرة مشتركة، ناقشها مع مجلس الوزراء عام 1979، وتضمنت مطالب مهمة، منها توطيد أركان الاتحاد وتعزيزه، وتوسيع الصلاحيات الاتحادية، وتقليص السلطات المحلية، ليعملا معاً لمصلحة الوطن والمواطن، فضلاً عن إصراره على أن تسري التشريعات الاتحادية، ومشروعات القوانين التي يجيزها المجلس، على كل أنحاء الدولة.
«أدوار موثقة»
بالنظر في دور الراحلين تريم وشقيقه عبدالله عمران، في مراحل تأسيس دولة الإمارات ودعم فكر الأب المؤسس الشيخ زايد، وإخوانه المؤسسين في قيام الاتحاد، نجد أنهما كانا يحرصان على طرح أفكاره الوحدوية، بمشاركتهما بالوفد الرسمي لإمارة الشارقة، في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وكانا في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد.
وتوالى دعمهما لقيام الاتحاد وتكريس جوانبه، عبر أقوالهما وكتاباتهما، وعن ذلك ومع قيام الاتحاد، كتب تريم في جريدة «الخليج»: «حتماً ستولد دولة جديدة في هذا الجزء الصغير من الأمة العربية، وهذه المناقشات الطويلة المتدفقة التي ندور فيها هذه الأيام ستنتهي، ويطلب منا أن نوقف الجدل ونبدأ العمل، ومن الآن علينا أن نحدد العمل الذي سنقوم به وقيمته بالنسبة لنا وللأجيال القادمة».
ومن قوله، كذلك، الذي يعكس إيمانه الكامل بدور الاتحاد في تكريس صلابة البناء الداخلي للإمارات «كياننا يعتمد أولاً على أننا عرب، وثانياً على أننا أحرار، وكوننا عرباً يعني أننا مصرّون على المحافظة على الكيان العروبي مالكاً لمصيره بلا مهانة، وبقاء القبيلة العربية إطاراً يحمي التكتل العربي مرحلياً، في مواجهة الأخطار المحدقة به، على أن يطور هذا الإطار بإدخال الجانب العلمي من الحضارة المعاصرة، لرفع مفاهيم الإنسان، وتوعيته بمتطلبات عالم اليوم».
ترجمة الحلم
نأتي للحلم الأكبر الذي كان يشغل كيان تريم وشقيقه عبدالله عمران، رحمهما الله، الذي عملا على ترجمته إلى واقع، بإرادة صلبة وسعي متواصل وتصميم لا يهتز، حيث قررا في عام 1970 تأسيس منبر إعلامي وطني سياسي، يتناولان فيه التغيرات التي تشهدها منطقة الخليج العربي، وكان الأمر بالغ الصعوبة على الصعد كافة، فلا الأجواء السياسية تسمح وقتذاك بمنبر إعلامي قومي يكشف المجريات ويتصدى للثغرات، ولم تكن الإمكانات المادية للشقيقين تمكنهما من ذلك، حيث كانت متواضعة، لكنهما واجها المخاطر وخاضا الحروب المختلفة وأصرّا على تحقيق حلمهما.
ولايزال الجميع يتذكر قول الراحل الدكتور عبدالله عمران: «كان إصدار «الخليج» تجسيداً لرسالة إعلامية ومبادئ آمن بها المؤسسون، وتبلورت بقيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، وتأكيد الذاتية الثقافية العربية، وطرح أفكار للنهوض والتنوير والمعرفة والحريات العامة، والغاية أن تكون «الخليج» ضمير الوطن والأمة، وصوت الإنسان العربي في كل مكان».
«الشروق» و«الخليج»
بدأ الشقيقان تحقيق حلمهما بإصدار مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ومن ثم توجّها نحو إصدار «الخليج»، أول جريدة سياسية، وواجهتهما مشكلات عدة، منها أنه لم يكن بمقدورهما تكبد خسائر أو كلفة إصدار مطبوعة صحفية، ولم تكن في الشارقة والإمارات المتصالحة مطابع مؤهلة لذلك، لذا قررا التوجّه إلى الكويت، واختارا الناشر المعروف فجحان هلال المطيري، الذي يمتلك مطبعة حديثة مع زوجته غنيمة المرزوق، التي تصدر مجلة أسرية تسمى «أسرتي»، وتعهد لهما بطباعة المجلة في البداية ثم الجريدة بعد ذلك، وكانت المادة الصحفية تكتب في الشارقة، وفي الأسبوع الأخير من كل شهر، يحملها تريم عمران إلى الكويت، ويعود بها مجلة مطبوعة.
بعد ذلك فكّرا في إصدار مطبوعة سياسية يومية تتصدى للمستجدات والتحديات بالرسالة الوطنية ذاتها التي جاءت عليها «الشروق»، فكانت «الخليج» التي صدرت في أكتوبر عام 1970، ومثل «الشروق»، كانت تصدر بين الشارقة والكويت، حيث يتولى الصحفيون في الشارقة، جمع الأخبار وتلقيها عبر الهاتف، ثم كتابتها وإرسالها إلى الكويت، وانتظارها صباح اليوم التالي، حيث كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت والشارقة.
حروب ومنغصات
في بداية صدورها، خاضت «الخليج» حروباً مهنية وسياسية، منها أنه عندما شعر أصحاب الصحف في الكويت بالمنافس الجديد، طالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصدارها في بلادهم. وكذلك خاضت الجريدة حرباً شرسة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، وتعرضت لضغوط عنيفة، لتصميمها على بعض القضايا المهمة، ومنها عروبة الخليج، والجزر الإماراتية التي احتلت العنوان الرئيسي للجريدة غير مرة، وهو «لا تفريط في الجزر.. لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل».
وكذلك لم تُرضِ جرأة «الخليج» المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة، فطالب أكثر من مرة بإغلاق الجريدة، لانزعاجه من خطابها القومي الذي يتخطى حدود الإمارات إلى الخليج العربي، لاسيما أنه كان يعي أن الجريدة صدرت من أجل الخليج الموحد.
توقف فعودة
في 29 فبراير عام 1972، قرر الشقيقان إيقاف الصحيفة عن الصدور بسبب للتطورات السياسية المتلاحقة، التي أسفرت عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ولتكليفهما مهام في المؤسسات والوزارات الاتحادية لخدمة الدولة، وفي 5 إبريل عام 1980، استأنفت «الخليج» نشاطها وتفرغ الشقيقان لقيادتها على التوالي، بمجلس إدارتها الذي تولاه أولاً وحتى وفاته، الراحل تريم عمران تريم، ثم الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم وحتى وفاته أيضاً، وخلفه بعد ذلك خالد عبدالله تريم الذي يدير الدفة بمهارة ومسؤولية كبيرة.
وكان تريم عضواً مؤسساً في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، ورئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، ونائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، وعضواً في مجلس أمناء «مركز دراسات الوحدة العربية».
صرح إعلامي شامخ
عادت جريدة «الخليج» قوية في منتصف 1980، وتأسس عنها «مركز الخليج للدراسات»، الذي جاء في إطار مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، وتطور عام 1999من قسم صغير للدراسات إلى وحدة متخصصة، وفي عام 2004 تطورت إلى مركز للدراسات، يختص بإصدار الكتب والبحوث والتقارير، وينظم الندوات العلمية والثقافية الفكرية المتخصصة، إلى جانب الندوات والمؤتمرات المتخصصة، وإصدار الكتب المهمة.
وبمرور السنوات تطورت «الخليج» من 8 صفحات انطوى عليها عددها الأول، إلى الأكثر حالياً، فضلاً عن الملاحق المصاحبة لها، وإصدارها صحيفة «غلف توداي» اليومية أيضاً، باللغة الإنجليزية. ودخولها عالم الصحافة الرقمية، بحضور إلكتروني لافت، حتى أضحت «دار الخليج» صرحاً إعلامياً شامخاً في المنطقة.
قول فخر
قول حق، وافتخار من صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، جاء عن صحيفة «الخليج» عام 2020، خلال الاحتفاء بالذكرى الخمسين على تأسيسها، حيث قال «نعبر عن اعتزازنا بما حققته خلال مسيرتها الإعلامية، ونقلها للرسالة الصادقة، ودورها في إبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات، مسطّرة في صفحاتها نشأة حلم الاتحاد لحظة بلحظة، ومعبرة عن تطلعات وآمال شعب الإمارات في قيام دولتهم، تحت علم واحد ومستقبل واعد ومصير مشترك، فوثّقت قيام الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وإخوانه أصحاب السموّ حكام الإمارات».
وأضاف سموّه «تابعنا في صفحاتها مراحل تطور دولة الإمارات، ونهضتها الميمونة التي شملت كافة مدن ومناطق الدولة، وجعلتها في مصافّ دول العالم المتقدم، متصدرة المراكز الأولى في مختلف المؤشرات، ما يعكس ما وصلت إليه دولة الإمارات من تطور، وازدهار، ورخاء، لشعبها والمقيمين على أرضها، فلم تكن «الخليج» مجرد صحيفة إخبارية يومية، بل هي تمثل تاريخ وطن. ومنذ تأسيسها، حرصت «الخليج» على نصرة الحق، وتقديم الرسالة الإعلامية الموضوعية التي تخاطب شريحة كبيرة من أبناء الوطن العربي، ونجحت في استقطاب الكفاءات الإماراتية، والعربية، لتحقيق هذه الغاية، وأسهمت في إعداد المبدعين، والمتميزين، الذين تركوا بصمات في الصحافة محلياً، ودولياً».
وختم سموّه «نستذكر في احتفالها بيوبيلها الذهبي، مؤسسيها المغفور لهما تريم عمران وشقيقه الدكتور عبد الله عمران، اللذين لم يألُوَا جهداً في خدمة، ورفعة وطنهما، والدفاع عن قضاياه، وإعلاء رايته في المحافل الدولية، سواء من خلال تبوّئهما المناصب الحكومية، أو تأسيسهما لصحيفة «الخليج»، التي غدت منبراً للدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم، وطرح القضايا العربية والمحلية، بكل شفافية ومهنية».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات تريم وعبدالله عمران دولة الإمارات عبدالله عمران عمران تریم تریم عمران الله عمران على أن فی عام
إقرأ أيضاً:
خلدون المبارك لـ «الاتحاد»: «مبادلة» قصة نجاح إماراتية تلهم العالم وتصنع المستقبل
حامد رعاب (أبوظبي)
أكد معالي خلدون خليفة المبارك، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة شركة مبادلة للاستثمار، أن مبادلة نجحت عبر مسيرتها الممتدة نحو 20 عاماً، في أن تسطر قصة نجاح إماراتية تلهم العالم، وأن تتحول إلى قوة استثمارية عالمية بأصول 1.2 تريليون دولار، تغطي 11 قطاعاً حيوياً من قطاعات المستقبل وتنتشر في 88 دولة حول العالم. وقال معاليه في حوار مع «الاتحاد» إن نجاحات مبادلة منذ مشاريعها الأولى في 2004 وحتى اليوم، هي انعكاس لرؤية القيادة الرشيدة ولمسيرة دولة الإمارات وإنجازاتها على مختلف الصُعد، وباتت تشكل فصلاً جديداً يضاف لسجل نجاحات دولة الإمارات وريادتها على المستويين الإقليمي والعالمي، مشيراً إلى أن دور «مبادلة» يتجاوز تحقيق العوائد المالية، إلى المساهمة بشكل رئيسي في تعزيز نهج التنويع الاقتصادي وتطوير وتنمية الكوادر الوطنية لقيادة المستقبل.
وأوضح أن الشركة بادرت منذ وقت مبكر بالاستثمار في قطاعات أثبتت اليوم أنها محورية للاقتصاد العالمي مثل الطاقة النظيفة، والرعاية الصحية، وعلوم الحياة، وصولاً إلى التصنيع المتقدم وأشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي الذي يأتي على رأس أولويات الشركة، لاسيما وأن دولة الإمارات تعد الأكثر تقدماً وانخراطاً على مستوى العالم في مجال الذكاء الاصطناعي.
20 عاماً من النمو
استهل معالي خلدون المبارك حديثه بالعودة إلى البدايات التي شهدت انطلاق «مبادلة»، مشيراً إلى أن الإنجازات الكبيرة تأتي من الأفكار الرائدة، والأفكار الرائدة تُستمدُ من رؤية القيادة الحكيمة. وأشاد بالأسس الراسخة التي أرستها قيادة دولة الإمارات، مؤكداً أن رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، شكّلت على الدوام نهجاً وطنياً أصيلاً يمهد الطريق ويحدد مسارات التطور وآفاق الابتكار والتنمية المنشودة للحاضر والمستقبل.
وذكر كيف تزامنت أولى مشاريع «مبادلة» في عام 2004، عندما كانت الشركة تستثمر في قطاعي أعمال فقط بأصول لا تتجاوز 3.5 مليار درهم، مع الرؤية التي أطلقها آنذاك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الرئيس المؤسس لمبادلة، والتي ركزت في جوهرها على تنمية الإنسان، وتوفير مقومات الحياة الكريمة لأبناء وبنات الإمارات، وبناء اقتصاد وطني متنوع ومترابط مع الاقتصاد العالمي، وتعزيز الابتكار والتنافسية وجذب الاستثمارات.
وتابع معاليه: اليوم، وبفضل هذه الرؤية الثاقبة وبقيادة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، رئيس مجلس إدارة مبادلة، ومتابعته الحثيثة، تواصل مبادلة مسيرتها بعزم لتحقيق أهدافها وتطلعاتها.
وأضاف أن «مبادلة» حرصت منذ انطلاقها، على تعزيز الجهود الرامية لدفع عجلة التنويع الاقتصادي، وترسيخ مكانة الدولة كمركز عالمي للصناعات المستقبلية، وتأسيس شركات وطنية رائدة، والاستثمار مبكراً في القطاعات الحيوية التي تشكل ملامح المستقبل في دولة الإمارات وعلى مستوى العالم، كالطاقة المتجددة، وعلوم الفضاء، والتكنولوجيا المتقدمة وأشباه الموصلات، وصناعة الطيران، والعلوم الحيوية والرعاية الصحية والبنية التحتية، علاوة على إبرام شراكات عالمية مع أبرز الشركات والمستثمرين العالميين.
الاستثمار في الإنسان
وأكد معالي خلدون المبارك أن نجاحات «مبادلة» لا تقتصر على تحقيق إيرادات مالية مجزية فحسب، بل تمتد لتشمل مساهمات الشركة في مجالات متنوعة من بينها العمل على تطوير وتمكين الكوادر الوطنية، واستشهد بمقولة الوالد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»:(إن أكبر استثمار للمال، هو استثماره في بناء أجيال من المتعلمين). وأوضح أن هذا النهج هو ما تسترشد به «مبادلة» بتوجيه مستمر من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الذي يولي اهتماماً كبيراً بتنمية الكوادر الوطنية وتطويرها فالإنسان في فكر القيادة هو عماد التنمية وغاية الاستثمار.
وأشار إلى أن مبادلة تحرص على تعزيز قدرات وطاقات الموارد البشرية الوطنية باعتبارهم (استثمارها الحقيقي)، ولذا تتيح المجال لفرق العمل بها لاكتساب مهارات قيادية، والاحتكاك بفرق عمل وكفاءات عالمية مرموقة، لما لهذا من أثر في صقل المعارف والخبرات وتوطينها، وتأهيل القيادات الوطنية الشابة من خلال تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم المهنية والشخصية، لمواكبة متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية في مختلف قطاعات الأعمال.
قطاعات المستقبل
وفيما يتعلق برؤية مبادلة الاستباقية في الاستثمار في قطاعات مستقبلية، أكد معاليه أن هذا السؤال يقود بالضرورة للحديث حول مساهمات مبادلة المبكرة في عدد من قطاعات الأعمال، ورؤيتها للتوسّع في الاستثمار في المجالات التي تضيف قيمة حقيقية لاقتصاد دولة الإمارات.
وأوضح أن الشركة بدأت منذ زمن طويل في الاستثمار بقطاعات أعمال باتت رئيسية للاقتصاد العالمي، كالطاقة النظيفة، والرعاية الصحية، وعلوم الحياة، وصولاً إلى التصنيع المتقدم وأشباه الموصلات، كما كان لها السبق في الاستثمار في هذه المجالات، استناداً لقناعة راسخة، وهي أن بناء القدرات ووضع أساس متين للابتكار في كل جوانب الطاقة النظيفة والقطاعات المستقبلية الواعدة، هو استثمار لصالح أجيال المستقبل وسيحقق نقلة نوعية للدولة، مدللاً على ذلك بشركات رائدة لمجموعة «مبادلة» مثل «مصدر»، و«غلوبال فاوندريز» و«M42»، و«الإمارات العالمية للألمنيوم» و«ستراتا»، حيث تجسد النهج طويل الأمد في تحقيق القيمة، بما يتماشى مع الأولويات الوطنية وبالشراكة مع رواد قطاعات الأعمال حول العالم.
الذكاء الاصطناعي
وأضاف معاليه، أنه بالنسبة للقطاعات المستقبلية الواعدة، فلا يخفى على أحد اليوم أن الذكاء الاصطناعي، هو المجال الأكثر حيوية وحضوراً على مستوى العالم، فهو يدخل في كل جانب من جوانب حياتنا، ويغير بصورة جذرية نمط ومنهجية تعاملنا مع كل شيء حولنا. ولفت إلى أن دولة الإمارات كعادتها، كانت سباقة في الانخراط في هذا المجال، وأصبحت اليوم من بين الأكثر تقدّماً على مستوى العالم في هذا القطاع الحيوي، استلهاماً للرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والتي عززت مكانة الدولة، ورسخت حضورها ودورها كمركز عالمي رائد في هذا المجال، مؤكداً معاليه أننا شهدنا العام الماضي إنجازات بارزة بقيادة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، حيث يولي سموه هذا القطاع الحيوي اهتماماً كبيراً ويقود الجهود الرامية لترسيخ مكانته.
منوهاً بأن «مبادلة»، ساهمت بالشراكة مع مجموعة جي 42، في تأسيس إم جي إكس، كشركة وطنية رائدة، تستثمر في القطاعات التي يُمكن للذكاء الاصطناعي فيها تحقيق قيمة وتأثير اقتصادي واسع النطاق، بما في ذلك أشباه الموصلات، والبنية التحتية، والبرمجيات، والخدمات المُعتمدة على التكنولوجيا، وعلوم الحياة، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
قوة وتنافسية
وعن النمو الذي تم تحقيقه في نتائج أعمال «مبادلة»، أفاد معاليه، بأن دور الشركة لا يقتصر على تحقيق إيرادات مالية مجزية ومستدامة، وإبرام شراكات استثمارية عالمية مرموقة، وتوفير فرصة جاذبة للأجيال الحالية والمستقبلية، بل باتت «مبادلة» اليوم، مستثمراً عالمياً رائداً ومسؤولاً، ينشط بفعالية في بيئة عالمية تشهد تنافساً كبيراً، كما تسهم الشركة بصورة حيوية في تشكيل المستقبل، عبر الاستثمار الاستراتيجي في شتى القطاعات التي تهم الحاضر والمستقبل، مشدداً على أن «مبادلة» اليوم أقوى وأكثر فعاليةً وتنافسيةً من أي وقت مضى، وتُثبت نتائج الشركة مكانتها الرفيعة بين أعلى الصناديق السيادية أداءً على مستوى العالم من حيث العوائد، كما تسير الشركة قدماً في ترسيخ مكانتها كشركة استثمار سيادية رائدة على مستوى العالم.
وبرهن المبارك، على قوة ومكانة «مبادلة» بارتفاع قيمة أصول الشركة لتصل إلى 1.2 تريليون درهم (330 مليار دولار)، وتحقيق معدل عائد تراكمي على مدى 5 سنوات بلغ 10.1%. وأعلن أنه على صعيد الاستثمار، قمنا في عام 2024 بتوظيف استثمارات جديدة بقيمة 119 مليار درهم (32.5 مليار دولار)، مما عزز مرونة محفظتنا الاستثمارية وشمولها وتنوعها، ولترتفع إيرادات الشركة بنسبة 10% على أساس سنوي، إلى 109 مليارات درهم (30 مليار دولار).
مكانة عالمية لأبوظبي
ورداً على سؤال حول أهمية أبوظبي كوجهة عالمية للأعمال وجذب الاستثمارات، أجاب معاليه، بأن أبوظبي وصلت لمكانة مرموقة كوجهة عالمية للأعمال وجذب الاستثمارات والتركيز على قطاعات المستقبل، ويأتي هذا بتوجيهات ومتابعة سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، حيث يولي سموه اهتماماً كبيراً بترسيخ مكانة أبوظبي كمركز للابتكار واستقطاب الاستثمارات الخارجية ورؤوس الأموال، مؤكداً أن أي نجاح عالمي لمبادلة، يجب أن يتزامن ويترافق مع تحقيق نجاحات ومساهمات وإنجازات وطنية رائدة وملموسة، وهذا ما تعلمناه دوماً من قيادتنا، فتركيزنا منصب على تعزيز آفاق الاستثمار وتطوير قطاعات الأعمال والابتكار، وجذب أبرز المستثمرين العالميين والشراكات لدولة الإمارات، هو نهج أصيل في منظومة مبادلة الاستثمارية.
ولفت معاليه، إلى أن هيكل أعمال «مبادلة» يضم قطاع أعمال متخصصاً للاستثمار في الإمارات، يعد الذراع الاستثماري الوطني لشركة مبادلة، ويهدف للمساهمة في تسريع وتيرة النمو والتحول الاقتصادي لدولة الإمارات من خلال الاستثمار في شركات ومؤسسات وطنية رائدة عالمياً، وتأسيس وتنمية المجمعات الصناعية والتجارية الاستراتيجية، وإبرام شراكات مع شركاء عالميين. وأكد أن الشركة ستواصل من خلال استثماراتها، تعزيز محفظة أعمالها الحالية التي تضم أصولاً وشركات وطنية في قطاعات متعددة، تشمل الطاقة والمعادن وصناعة الطيران والتكنولوجيا والرعاية الصحية والعقارات والبنية التحتية، وستعمل على احتضان وتطوير مبادرات جديدة تهدف لجذب شركاء استثماريين، بهدف تنمية هذه القطاعات، وتأسيس مجمعات اقتصادية جديدة في دولة الإمارات.
شركات وطنية رائدة
وتابع معاليه: استثمرنا كذلك في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وشركة ستراتا، وهما من الشركات الوطنية الرائدة في مجال تطوير وتعزيز قدرات التصنيع الوطني، وتأهيل الكوادر الوطنية المدربة والكفؤة، وحرصنا أيضاً على تعزيز قطاع الرعاية الصحية على مستوى دولة الإمارات من خلال تأسيس مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، وشركة «إم 42» وهما منصتان رائدتان لتقديم خدمات الرعاية الصحية عالمية المستوى في دولة الإمارات علاوة على دور مبادلة في تعزيز القدرات الوطنية لقطاع علوم الحياة وتصنيع الأدوية وتعزيز الأمن الدوائي، مشيراً إلى أهمية مساهمات مبادلة - من خلال منصة هب 71 - في تأسيس منظومة تكنولوجيا عالمية تجمع بين الشركات الناشئة والمستثمرين وروّاد الأعمال والهيئات الحكومية.
ولفت في الوقت ذاته إلى حرص «مبادلة» على إبراز الدور المميز لشركاتها الوطنية الرائدة في منتدى «اصنع في الإمارات»، باعتبارنا شريكاً استثمارياً وطنياً وفاعلاً، إلى جانب مواصلة مجلس أبوظبي للاستثمار، بصفته ذراع الاستثمار غير المباشر لمبادلة، القيامَ بدور فعّال في العمل على تعزيز مجالات الاستثمار في الصناديق والاستثمارات المشتركة.
آفاق مستقبلية
وفيما يتعلق بالآفاق المستقبلية للشركة في ظل تقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، قال معاليه: إن العالم يعيش اليوم عصراً يشهد تحوّلات سريعة ومعقدة، لا يقتصر تأثيرها على دولة بعينها، بل يمتد ليشمل الجميع بلا استثناء. وقال إن هذه التغيرات مع ما يرافقها من ضبابية، تلقي بظلالها على المشهد الاستثماري العالمي، ولكننا متفائلون بأننا قادرون على تجاوز هذه التحديات، وتحقيق أهدافنا وتطلعاتنا». وأضاف:«أننا في /مبادلة/ نحافظ على منظور استثماري طويل الأمد، ونرى إمكانات نمو كبيرة في قطاعات ومناطق جغرافية متعددة، وسنواصل البحث عن الفرص المجزية رغم التقلبات، فالاستمرار في هذا النهج، والالتزام به هو أساس نجاحنا، معرباً عن تطلعه بثقة كبيرة للمستقبل، ومختتماً حديثه بالقول، إن ما تحقق للآن هو جزء يسير من طموحنا وتطلعاتنا المنشودة، وكلي ثقة بأن مبادلة، بتوجيهات قيادتنا الرشيدة، وجهود رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، وشركائنا العالميين، وفريق عملنا المثابر، ستواصل العمل بروح الفريق الواحد، وبكفاءة عالية ووضوح في الرؤية، من أجل صياغة ملامح المرحلة المقبلة من مسيرتنا الوطنية الرائدة».