"طوفان الأقصى" يُعيد برمجة الصراع
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لأكثر من سبعة عقود من الزمن، كانت قضية فلسطين تتنقل وتتأرجَح بين نكبة واغتصاب واحتلال، وكان كلُّ عنوان يستند إلى تعريف لحالة فلسطين من دولة ذات سيادة، إلى أرض منهوبة ومسروقة بوضع اليد والواقع القهري وبمباركة وتوافق إقليمي ودولي، في سابقة لم تعرفها الإنسانية ولا التاريخ السياسي.
الهَوَان العربي الذي رسخته ثقافة "سايكس- بيكو"، بفعلها التمزيقي وفرض ثقافة الدولة القُطرية الدخيلة على ثقافة العربي عبر العصور، جَعَل من الأقطار العربية قسرًا أقطارًا وظيفية لا حول لها ولا قوة، و"طابور خامس" للمستعمر بوعي وبلا وعي.
وزَادَ على هذا الهَوَان فاعلية آلة الإعلام الغربية الضخمة، والتي سكبت في عقول أجيال العرب سرديات تفُوق طاقات استيعابهم للواقع والصراع الوجودي الذي يُحاك لهم من قبل الغرب لزوالهم، أو الإبقاء على حالة التبعية والانبهار للغرب.
حالة فلسطين الاستثنائية في التاريخ الإنساني والسياسي، من الطبيعي أن تنتج أضدادًا مُتنافرة لا تلتقي في الوعي العربي المعاصر، كالنضال والتطبيع، والمقاومة والانتفاضة، وهذه الأضداد أوجدت بالنتيجة لها مناصرين ونُخبًا ودعاة ومواقف عبر تاريخ القضية الفلسطينية.
الغريب أنَّ العقل العربي المعاصر بين فئتيه: النخبوية والعوام، يتفقون على وجوب مقاومة المحتل، ولهم سَوَابق وأمثال في تجارب العديد من الأقطار العربية التي واجهتْ المستعمر حتي نالت استقلالها، وكانت الشعوب العربية نصيرًا ورديفًا لنضالها، بينما ينقسمُ عرب زماننا حول قضية فلسطين ونضال أبنائها، ويهرول بعضهم -وبنجابة وتفانٍ- نحو التطبيع والإقرار بأحقية العدو الصهيوني بفلسطين!!
حالةُ فلسطين يجب أن تعُود بنا إلى أثر المخدرات العقلية الفاخرة التي سكبتها أم الكبائر إنجلترا في عقول العرب، عبر وعد "بلفور" و"سايكس- بيكو" ومشروع تقسيم فلسطين، وصولًا إلى تسليمها لُقمةً سائغةً لأفواه الصهيونية العالمية، وهذا ما لم يكُن ممكنًا لولا تمرير ثقافات تلك الأوبئة الفكرية، والتي أوصلتنا بالنتيجة إلى اعتبار قضية بحجم فلسطين مسألة فيها نظر، بينما كل احتلال في العالم مهما كان حجمه وزمانه جريمة نكراء لا تُغتفر.
قد يقُول قائل إنَّ الوطن العربي ونظامَه الرسمي ما زالا في حالة تبعية وانقياد أعمى لمؤامرات "وعد بلفور" و"سايكس- بيكو" عليهما، وهذا الكلام به منسوب من الصحَّة، ولكن إلى متى سيتَّكِل عرب زماننا على تفاصيل شمّاعة كهذه لتبرير أحقية الصهاينة بفلسطين؟! ثقافة "سايكس- بيكو" لم تجعل من النظام الرسمي العربي نظامًا وظيفيًّا فحسب؛ بل جعلت منه نظامًا على حرب دائمة مع شعبه لحماية سردية "سايكس- بيكو" وتبعاتها.
"طوفان الأقصى" اليوم أعاد برمجة الصراع، وقَلَب الموازين رأسًا على عقب؛ حيث سقطت سردية فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" أولًا، ثم تلاها سقوط سردية "الجيش الذي لا يُقهر"، ثم سقطت سردية "تفوُّق العقل الصهيو-أمريكي" بعد السابع من أكتوبر، واختراق القبة الحديدية والجدار العازل بتقنياتهم التي وُصِفَت بالمعجزة، ثم سقطت سردية قوة الكيان العسكرية والتقنية الحامية للمطبعين مستقبلًا، ثم سَقَطت الحلول العربية للتطبيع مع العدو كحل الدولتين والتي يصفها العدو اليوم بالانتحار.
المواجهة اليوم لم تَعُد بين النظام الرسمي العربي وشعبه لتمرير التطبيع؛ بل بين مُكوِّنات النظام الرسمي العربي نفسه، والذي وقع في حَرَج تاريخي كبير بعد الطوفان، هذا الطوفان الذي أَيْقَظ العالم حول قضية فلسطين العادلة، وتكاتفوا لنُصرتها، وجعل من الدعوة للتطبيع فجورًا سياسيًّا غير مُبرَّر ولا مسبوق.
وفي المقابل، يشهد العالم ثباتَ موقف الشعب العربي عبر فصائله المُقاوِمَة، والتي نأت عن تخاذل النظام الرسمي العربي وواجهت غطرسة الصهاينة ورعاتهم ببسالة نادرة، وأسقطت سردياتهم وهيبتهم أمام العالم.
النظام الرسمي العربي اليوم في أسوأ حالاته وخياراته، وقد تمثَّل ذلك في "قمة المنامة"؛ حيث كانت كلمات غير العرب من الحضور أقوى وأشد غِيْرةً وتعبيرًا لإدانة وحشية الكيان وجرائمه، ونصرة الحق الفلسطيني، أكثر بكثير من أصحاب الحق أنفسهم من العرب الحضور! وما زال الطوفان يتناسل ليعتصر الجديد من المواقف، ويُزلزل الكثيرَ من القناعات المتقادمة.
قبل اللقاء: "كشف طوفان الأقصى مدى الحاجة الماسة للتطبيع بين الأقطار العربية أولًا وأخيرًا".
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محمد شردي: الصراع الإيراني الإسرائيلي معركة إعلامية وسياسية تهدف لتغيير النظام الإيراني
أكد الإعلامي محمد شردي أن المعركة تجاوزت الجانب العسكري لتصبح معركة شرسة على مستوى الإعلام والتأثير النفسي والسياسي.
أشار شردي، خلال برنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة"، إلى حوار لافت أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مع رضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، حيث دعا فيه صراحة إلى إسقاط "نظام الملالي"، معتبرا أن الوقت قد حان لتغيير النظام الإيراني بالكامل.
وربط شردي هذا الظهور الإعلامي بـ"حراك أوسع يهدف إلى تهيئة الرأي العام العالمي لتقبل فكرة إسقاط النظام في إيران" واسترجع ما حدث عند عودة آية الله الخميني من فرنسا في عام 1979 بدعم استخباراتي غربي، معتبرًا أن "السيناريو يُعاد بعكس الاتجاه".
طرح شردي تساؤلات حول مستقبل النظام الإيراني: "هل سيقبل النظام الإيراني بشروط قاسية للبقاء، أم أن هناك توجهًا لدفعه نحو مواجهة داخلية أو حتى انهيار منظم؟". وأكد أن "التصريحات المتتالية، سواء من الرئيس الأمريكي أو من وسائل إعلام غربية، تشير إلى وجود مخطط إعلامي وسياسي منظم لدفع إيران إلى الزاوية".
و تناول شردي الأثر الاقتصادي للأزمة الحالية، موضحا أنها تأتي في توقيت يشهد أزمات عالمية متتالية: جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، الأزمة في غزة، وأخيرًا المواجهة الإسرائيلية الإيرانية.
وتابع شردى قائلا : أن العالم قد يواجه "ضربة اقتصادية عنيفة رابعة في أقل من 6 سنوات".