آخر تحديث: 23 ماي 2024 - 11:06 صبقلم:سمير عادل  سبق أن تناولنا قضية العلمانية في موضوع خاص تحت عنوان “الحركات الاحتجاجية بين الدولة المدنية والدولة العلمانية غير القومية” نشر عام 2017 في موقع (الحوار المتمدن)، وما دفعنا للكتابة اليوم من جديد عن هوية الدولة والدفاع عنها ووجوب أن تكون علمانية، هما مسألتان، الأولى المساعي الحثيثة لإعادة إنتاج الترهات والسخافات الطائفية في المشهد السياسي العراقي، سواء في الفضائيات أو في شبكات التواصل الاجتماعي، عبر مد الأيدي إلى مستنقع التاريخ لإعادة الكراهية الطائفية وتسويقها في المجتمع، والتي فجرتها المطالبة من قبل القوى الإسلامية في السلطة وخارجها، باعتبار ما يسمى “عيد الغدير” – وهو يوم يحتفل به الشيعة في 18 ذي الحجة من كل عام احتفالا باليوم الذي خطب فيه النبي محمد وعيّن علي بن أبي طالب مولى أو خليفة للمسلمين في منطقة اسمها غدير خم أثناء عودته من حجة الوداع إلى المدينة حسب الرواية الشيعية – عطلة رسمية.

والمسألة الثانية هي ما ينتاب فاعلي ونشطاء الحركة الاحتجاجية في العراق من شعور القلق بأن طرح العلمانية قد يبعدنا عن الجماهير والعمل على توحيد صفوفها من أجل التغيير الجذري للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. إنَّنا نرى ونؤكد أنَّ العلمانية ليست أكثر من فصل الدين عن الدولة، بما يعني إبعاده، بغض النظر إن كانت الهوية إسلامية أو مسيحية أو صابئة أو إيزيدية أو غيرها، عن الدستور وقوانين الأحوال الشخصية. أي بعبارة أخرى يعامل البشر في العراق على أساس المواطنة والهوية الإنسانية، وننهي بهذا الجدل ونسحب البساط من تحت أقدام كل الطائفيين، ونجردهم من سلاحهم المقيت ومن مشاريعهم الطائفية التي تتعقب مصالح مادية بحتة، والتي تعني في الأخير توجيه ضربة قاصمة لقلاع المحتمين بها تحت عنوان حماة الدين والطائفة. العلمانية لا تعني الإلحاد، لا من قريب ولا من بعيد، وأصحاب العمائم الغليظة أكثر من غيرهم وقبل الأحزاب والقوى الإسلامية التي هم مراجع لها، يدركون ماذا تعني بالتحديد. إلا أنَّهم يروجون بأنها كفر وإلحاد، لأنَّها تجردهم من كل الامتيازات الاقتصادية والإتاوات التي يحصلون عليها من الأحزاب والقوى الإسلامية، جراء الخدمات الجليلة التي يقدمونها لها من نشر الخزعبلات والأكاذيب والترهات وتقديس الطائفة. ونقتبس مقطعا من مقالنا المشار إليه “إنَّ العلمانية تعني تجريد أصحاب الاستثمارات الطائفية من إغراق العراق في العطل الدينية لتصل ما يقارب 152 يوما كما هو مطروح في مسودة لمشروع قانون العطل إلى البرلمان، والهدف هو تحويل المناسبات الدينية لنشر الترياق الطائفي ودق إسفين في صفوف الطبقة العاملة وجموع محرومي المجتمع، لتخليد نظام الحكم الإسلامي الطائفي وترسيخ جذوره”. إنَ العلمانية تعني تربية الأطفال وتنشئتهم في المدارس الابتدائية وإعدادهم في الثانويات والجامعات تنشئة إنسانية ترسخ قيم السلام والتعايش والتسامح والحب، وأن يكون العلم والمعرفة نبراسين لهم.  والعلمانية تعني العمل على عدم تمكين أحزاب الإسلام السياسي من استغلال الدين وتحميق المجتمع وتدمير بنيته الاجتماعية وتمزيق نسيجه الاجتماعي. إنَّ العلمانية تعني إنفاق الأموال على بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والملاعب والمسابح عبر مصادرة الأموال المخصصة من موازنة الدولة إلى هيئات الأوقاف الدينية والمذهبية، وفرض الضرائب على الأغنياء الذين يتهربون منها عبر حيلة بناء الجوامع والمساجد. إنها تعني شن حرب إعلامية ودعائية ضروس ضد الإعلام الطائفي والفكر الطائفي والديني والفضائيات التي تبث سمومها الطائفية والدينية عبر تمويل الدولة للإعلام. إنَّ العلمانية تعني إنهاء كل أشكال التمييز الديني والقانوني والاجتماعي والسياسي ضد المرأة في الدستور وقوانين الأحوال الشخصية ومراكز العمل والممارسة اليومية في البيت وحضانة الأطفال والعنف المنزلي. إنها تعني مساواة البشر في العراق وإنهاء صفة الدين أو حتى كتابته في هوية الأحوال المدنية أو أي وثيقة رسمية تصدرها الدولة. وتعني إطلاق الحريات الفردية، وحرية المعتقد، وحرية اعتناق الدين من عدمه. لذا فإنَّنا نرى أنَّ العلمانية اليوم في العراق حاجة ماسة من أجل إرساء أولى الخطوات نحو الأمن والسلام والأمان، فدونها، ستطل علينا كل يوم هذه الأحزاب والقوى الإسلامية برأسها على المجتمع محمَّلةً بمشاريعها الطائفية لتسميم المجتمع، بهدف بقائها في السلطة، ويكون المجتمع في حالة إنذار مستمر، كمن يمسك بندقية ويداه على الزناد ولا تعرف في أي لحظة تضغط عليه مثلما نشاهده اليوم في الصراع على “عيد الغدير”. وهناك سؤال بسيط يجب طرحه على هذه الأحزاب وأيضا على الجماهير، ماذا سيحصل العامل والكادح في العراق مقابل “عيد الغدير” لو أصبح عطلة رسمية؟ هل سيحصل على زيادة في الأجور؟ هل ستحل الميليشيات أم تطلق يدها تحت عنوان حقانية “الشيعة” على أنهم أغلبية؟ ومقولة الأغلبية لا تعني أي شي في مواثيق العهدين الدوليين وحقوق الإنسان للأمم المتحدة، لأنه ببساطة لون البشرة أو العرق أو الجنس أو العقيدة لا تعني شيئا سواء كانوا أكثرية أو أقلية، ولا تحسم مسألة الحقانية بختم جباه جماهير العراق بالهويات الطائفية. هل سيؤسس لنا “عيد الغدير” فيما إذا كان عطلة رسمية محاكمة قتلة متظاهري “تشرين”؟ هل ستنصب المحاكم العلنية لكل الفاسدين والسراق في العملية السياسية منذ تأسيسها تحت حراب الغزو والاحتلال في المجتمع؟ وهنا علينا أن نشرح للناس بتأنٍّ وصبر، أنَّ اللغط الذي يدور حول المطالبة من قبل الأحزاب بأن يكون “عيد الغدير” عطلة رسمية أو غير رسمية، هو من أجل حرف أنظار المجتمع عن الفقر والعوز والفساد التي سببتها هذه الطغمة الحاكمة، ويعني إعادة ترسيخ توجهات وسياسات وأفكار السلطة الميليشياوية والطائفية في المجتمع سواء كان في الحكم أو خارجه. لو كانت هوية الدولة علمانية، لما كان هذا الصراع الدائر منذ أشهر على رئاسة مجلس النواب الذي لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد، حيث يمثل مصالح حثالة أجنحة الطبقة البرجوازية في المجتمع، لكن نسوقه كمثال وحسب التقسيمات التي فرضها الاحتلال منذ مجلس الحكم، على أن يكون رئيس البرلمان من “السنة” ورئيس الوزراء من “الشيعة” ورئيس الجمهورية من “الكرد”. وعلى مائدة السلطة يُرمى الفتات إلى ما يسمى بالمكونات الصغيرة. والعلمانية بالمطاف الأخير تنهي سلطة المحاصصة وتسحب البساط بشكل نهائي من تحت أقدام هذه الأحزاب والقوى الإسلامية بالدرجة الأولى.وأيضا هي تسحب البساط من تحدث أقدام السياسيين الأميركيين الذين أسسوا لحكم طائفي وقومي في العراق. لذا فإنَّ أكثر الحمقى الذين في حاجة إلى مواساة هم شلة المثقفين، إذ توهموا ومازالوا يتوهمون بأن السياسة الأميركية تناصر وتساند حكما علمانيا في العراق، متناسين كيف أسس بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال مجلس الحكم، وقسم مقاعده حسب الطوائف والقوميات كي يسهل شراء الذمم، وتسير أمور الحكم، وعندما يرفض أي طرف ما تمليه السياسة الأميركية أو المؤسسات المالية مثل صندوق الدولي والبنك الدولي، تحرك المياه الآسنة للأطراف الأخرى، وتحت عنوان حقوق الشيعة أو حقوق السنة أو حقوق الكرد، وغيرها من الترهات. إن فاعلي ونشطاء الحركة الاحتجاجية، هم أكثر الأطراف مسؤولية عن شرح مسألة علمانية الدولة للجماهير، وعليهم أن يصارحوها بالحقيقة بكل جرأة وحقانية، وليس التنازل إلى المشاعر الرجعية التي تقويها القوى والسلطات الميليشياوية في المجتمع. وعليهم أن يبينوا للجماهير كيف قتلت الميليشيات القوى السياسية التي تطالب اليوم بأن يكون “عيد الغدير” عطلة رسمية، المئات والمئات من الأبرياء على أساس الهوية، وأنَّ مناطق شيخ معروف والسدة في بغداد وأطرافها مثل جرف الصخر وغيرها تشهد على مجازر تلك الميليشيات، وهي من اكتوت بنار عصابات داعش وقتلت في معسكر سبايكر على سبيل المثال، الشباب العزل، ما يقارب 1500 شاب بعمر الزهور، لأنهم مصنفون على الهوية الشيعية، وكيف استغلت الميليشيات الشيعية تلك الجرائم للتطهير الديموغرافي والاستيلاء على الأراضي والأملاك في مناطق الموصل وبابل وديالى وبغداد وغيرها. علينا أن نشرح لهم أنَّ العلمانية تضع هذه الميليشيات والقوى السياسية التي تقف خلفها عارية أمام المجتمع.إنَّ أولئك القتلة والمجرمين والفاسدين من الميليشيات والقوى الإسلامية، وبالرغم كل الأهوال التي جلبوها للمجتمع وفرضوها على الجماهير، لا يترددون في إعادة أنتاج أفكارهم ومشاريعهم اللاإنسانية، فلماذا نتردد في الدفاع عن العلمانية التي تعني خطوة نحو السلام والأمان. إنَّ المجتمع العراقي اليوم في حاجة كما قال فولتير أحد أعلام الثورة الفرنسية عشية اندلاعها، إلى الجرأة ثم الجرأة ثم الجرأة.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: فی المجتمع عطلة رسمیة عید الغدیر فی العراق تحت عنوان أن یکون

إقرأ أيضاً:

نينوى تحت مجهر الفساد: شبكة تستغل عقارات الدولة لمصالح شخصية

11 يونيو، 2025

بغداد/المسلة: يواصل العراق جهوده الحثيثة في مكافحة الفساد واستعادة الأموال العامة، حيث أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية عن ضبط 12 متهماً في محافظة نينوى بتهمة التجاوز على عقارات مملوكة للدولة. وكشفت الهيئة، في بيان رسمي، أن ملاكات مديرية تحقيق نينوى رصدت استغلال ثماني قطع أراضٍ حكومية قرب مديرية المرور في مركز المحافظة، حيث حولها المتهمون إلى ساحات لوقوف السيارات، مستوفين مبالغ مالية من المواطنين بطرق غير قانونية دون الحصول على موافقات رسمية.

وأسفرت العملية، التي نفذت بموجب مذكرة قضائية، عن تنظيم محاضر ضبط أصولية، وعرض المتهمين على قاضي محكمة التحقيق المختصة، الذي قرر توقيفهم وفق القرار 154 لسنة 2001.

ويعكس هذا الإجراء تصاعد وتيرة العمليات الأمنية والقضائية لمكافحة الفساد في العراق، حيث تشير إحصاءات هيئة النزاهة لعام 2024 إلى تنفيذ أكثر من 300 عملية ضبط في مختلف المحافظات، أسفرت عن توقيف مئات المتهمين واستعادة أراضٍ وعقارات بقيمة مليارات الدنانية.

وتؤكد الهيئة أن هذه العمليات تأتي ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى حماية المال العام وتعزيز الشفافية، خاصة في محافظات مثل نينوى التي عانت من الفوضى الإدارية عقب تحريرها من تنظيم داعش.

ويبرز هذا الحدث أهمية تعزيز الرقابة على الأملاك العامة، حيث تكشف تقارير حديثة عن استمرار التجاوزات على الأراضي الحكومية في عدة محافظات، مما يكبد الخزينة العامة خسائر كبيرة. وتسعى الحكومة العراقية، بدعم من القضاء، إلى تسريع وتيرة التحقيقات ومحاسبة المتورطين، في ظل مطالب شعبية متزايدة بإصلاح النظام الإداري ومكافحة الفساد. وتؤكد مصادر مطلعة أن هيئة النزاهة تخطط لتوسيع عملياتها خلال عام 2025، مع التركيز على القطاعات الحيوية كالعقارات والخدمات العامة.
وتشير المعطيات إلى أن العراق يواجه تحديات كبيرة في استعادة الأصول المنهوبة، حيث قدرت تقارير دولية قيمة الأموال المنهوبة منذ عام 2003 بأكثر من 150 مليار دولار. وتظل قضايا الفساد، بما فيها التجاوز على الأراضي الحكومية، من أبرز العوائق أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • “حماس “تطالب المجتمع الدولي بوقف الآلية الدموية التي استحدثها العدو الصهيوني لتكريس التجويع والإبادة
  • نائب:السوداني وحكومته باعوا العراق بثمن بخس
  • نينوى تحت مجهر الفساد: شبكة تستغل عقارات الدولة لمصالح شخصية
  • صوفان: من ضمن الصلاحيات التي طلبناها من رئيس الجمهورية إمكانية القيام بإجراءات، منها إطلاق سراح الموقوفين الذين لم تثبت إدانتهم إضافة إلى أمور تفاعلية مع مؤسسات الدولة
  • تشاور لا تحالف… لعبة الوقت بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ!
  • انعكاس العراق الانتخابي 2025: ولادة دولة أم موت بريطاني
  • افتتاح معرض «الإمارات للثلاسيميا» في أبوظبي
  • معرض «جمعية الإمارات للثلاسيميا».. في أبوظبي
  • محافظ أسيوط يوزع 10 أجهزة عرائس على الأسر الأولى بالرعاية
  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات