سودانايل:
2024-06-16@05:27:54 GMT

النوايا أساس العطايا

تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT

د.ليلى الضو أبو شمال
ذات مرة وفي قديم الزمان حيث كان الأمن والأمان والاطمئنان كنت أتحدث عن الوطن وأقول لمحدثي أنني لا أميل للخروج خارج أسواره، ولا أحس بالراحة الا فيه،، فقال لي ولماذا كل هذا الإنتماء ؟ فأرض الله كلها لنا، ومن قال أن هذا المكان لك ؟ وضرب مثلا بالآية الكريمة (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرة وسعة)، ولحظتها كنت أتساءل هل في هجرتنا كانت نية أنها لله سبحانه وتعالى كيف يكون الخروج في سبيل الله ومتى يكون؟ وجدت أننا نخرج بحثا عن اتساع في الأرض ، اي للدنيا، وما نوايانا كانت ( قل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، فأدركت ان النوايا هي أساس العطايا وتذكرت حديث رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأت من الدنيا الا ما قدر له)، وإن الله يعلم في قلوبنا حيث أن الواحد منا يسعى للخروج من أرضه بحثا عن حال أفضل ، ولا شك أن هذا الحال هو حال الدنيا وضعف النفس وقلة الحيلة ، وحال من خرج لا يقل عن حال من بقي، فان وفقه الله لعمل أفضل ونعم مادية الا أنه يشكو من الغربة ووحشتها ويحن للأهل ومقاربتهم ومجالستهم وهذا هو معيار احتياجات الدنيا ، أما معيار الآخرة وحقيقة الوجود فنجده يتمثل في ذاك الرجل الذي بترت أحد أصابع رجليه نتيجة المرض الذي أصابه فأتوا لمواساته وقالوا له كيف حالك فقال( مبسوط الحمد والشكر لله) وبعدها بترت ساقه وحين زاروه قال( مبسوط الحمد والشكر لله) فبترت الساق الثانية فكان أكثر سعادة ورضا وقال الحمد والشكر لله وهكذا فقد كل أطرافه، وما أصابه من ذلك الا نعيم الرضا بما تلقاه من خالقه حتى ذهب للقائه باسما فرحا راضيا ،،كما يتمثل في مشهد آخر لرجل فقد أحد أبنائه وأتوا لعزائه فقابلهم برضا وابتسامة وقال لهم كانوا خمسا اخذ الله واحد وترك لي أربعة وهو راض بقضاء الله وقدره ، وغير ذلك من أمثال حية في حياتنا تدل على أن هؤلاء هم من عرفوا أصل الحياة الدنيا ونعيمها الزائل وعينهم ترنوا لنعيم خالد عند الخالق.


إننا حين نولد ننشأ على ما كان عليه أبوانا في ديننا وفي عاداتنا وفي أخلاقنا وفي بيئتنا ، ويبقى من العسير أن تتبدل تلك الفطرة بما تدخل عليها من مكتسبات إن كانت خيرا أو شرا، إلا أنه ومع تقدم السنوات نصير أكثر نضجا واستيعابا ، ونحاول في كثير من الأحيان أن نبدل حالنا لحال نراه أفضل مما كنا عليه وأرى في ذلك أن تكون بدايات التغيير مع عمر النضوج وهو تجديد النية مصحوبة بمفهوم النية في شرعنا الحنيف وهو إخلاص العمل بنية التقرب إلى الله،،فان فعلنا نجونا فحياتنا ( معائش وأكل وشرب وعمل ) هي ابتغاء مرضاة الله وعلاقتنا بالأقربين والأصدقاء والجيران هي استحضار الإخلاص والتقرب إلى الله وعملنا وعلمنا ونومنا هي لله لتفتحت علينا أبواب السماء والرضا من خالق الأرض والسماء.
كم من مصائب ابتلينا بها لنقص أصاب عقولنا وادراكنا فلتكن هناك مراجعات بين الحين والآخر ووقفة تأمل مع النفس التي بين جنبينا وليكن دائما حديث النفس حاضرا لقد أرغمنا على أشياء كثيرة كنا فيها مسيرين وليس مخيرين ولكن الفعل تسبقه النية، فإذا عزمت فتوكل على الله والعزيمة تسبقها نية مصدرها القلب، فإن أصابك من ذلك الأمر خير فهو خير وإن أصابك شر فهو خير كيف لا وقد قال سبحانه وتعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ، سبحانه تجلت عظمته و قدرته يعلم ولا نعلم وهو علام الغيوب.

leila.eldoow@gmail.com
////////////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

حج الموعودين وأرواح المشتاقين

لبيك اللهم لبيك، وكأنها دقات قلوب المشتاقين، تخرج من الأعماق ممزوجة بالرجاء والخشوع والشكر وحمد مالك الملك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..

إنه اليوم الذي يكتسى فيه الجبل بالأبيض الذى يلف أجساد هؤلاء الذين جاءوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق، تركوا الدنيا وراء ظهورهم، وردوا مظالم العباد، وتابوا توبة صادقة عن كل ذنب، وأتوا إليك وحدك سبحانك، دون شك فى ربوبيتك، أو رياء لخلق، دون أمل فى سواك، دون ولد أو حبيب، أو وسيط أو شفيع، أنت وحدك من أرادوا، طائعين طاعة عبد ينفذ كل ما طلب منه سيده دون سؤال عن المعنى والقصد فذلك تمام عبوديته واكتمال خضوعه، لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فالكل مشغول بعبادتك سبحانك، جاءوا يا رب فرادى، مثقلين بالمعاصى، واليقين بأن يعودوا طاهرين مطهرين، كما ولدتهم أمهاتهم على فطرة الإسلام، ذلك الدين الحنيف، إنه حقًّا يقين من أتى ربًا كريمًا، بل أكرم الأكرمين.

ثياب إحرامهم كالأكفان البيضاء، يتساوى فيها الغنى والفقير، كما هو حال الدنيا وحقيقتها، فخلق الله متساوون أمامه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، خلت القلوب من التعلق بمن سواك، أجابوا النداء "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". هنا البيت العتيق، والصفا والمروة، وجبل عرفات، هنا منى والمزدلفة، هنا رمى الجمرات، ولكل مكان منسك، وقصة، أطع واسجد واقترب، وطف وابتهل، ولن تحرم جمال زيارة مدينة رسول الله.

تلك مكافأة حجك المبرور، تلك راحة النفس ولذة القرب من الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.

أما بيتك يا رب فعليه نور، وجمال ومهابة ووقار، ويا لجمال النظرة الأولى، لحظة تأخذ أنوار كعبتك قلوب من جاءوك ملبين، نظرة المكافأة وبداية رحلة الحج الذى تحملوا لأجله مشقة ترك الأهل، والبعد عن الوطن، لحظة يطفئون الشوق، ويتدثرون بالنور، ويسكبون دمع الحنين ويروون شيئًا من عطش القلب بطواف القدوم، يطوفون كملائكتك الكرام، يسبحون ويكبرون ويهللون ويبتهلون إليك راجين طامعين صادقين مخلصين شاكرين أن دعوتهم إلى بيتك وحرمك.

أما من أقعدتهم الموانع، وقلوبهم معلقة هناك، لا يسكت عنها الحنين، ولسان حالهم: يا رب إن القلوب محكومة بالأجساد، والأجساد فى أرض غير الأرض، فلا تحرم المشتاقين شيئًا من فيض الأنوار، نعم، وحقا، إنه لألم لأمثال هؤلاء، بعيدة هى أجسادهم فى أرض الله الواسعة، تهفو إلى عظمة تجلي أنوار نزولك إلى السماء الدنيا فى خير أيام الأرض، يوم عرفة.. خير خير الأيام، ولِمَ لا وقد أقسمت يا رب بالفجر وليال عشر، ويوم عرفة هو تاسع العشر الأوائل من ذي الحجة هو الأفضل بينها، يعقبه عاشر الأيام وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، والعشر قال فيها الحبيب المصطفى: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام)، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء).

يتألم البعيدون، لكن ليس كل بعيد مبعد، إن العطاءات تأتى على قدر المحبة واليقين، والشوق من فيض المحبة قد يطوي المكان، وتحلق الأرواح، وللروح عيون، وللفؤاد لسان، تعلو به التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك طاعةً، وحبًّا، لبيك شوقًا لقرب بيتك، لبيك يا رب أنى أردت أن أكون ضيفك، فلا تحرم عبدك، إنى فقير إليك يا ربي، مشتاق أن أكون بين من قال فيهم المصطفى: "الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم"، مشتاق أن أكون ضيفك، فكل ضيف فى بيت من بيوتك مكرم، فما بالنا بالضيف فى حرمك، عند كعبتك، ومن لا يشتاق إلى مس "ياقوتة الجنة" الحجر الأسود ليشهد له يوم القيامة، لبيك شوقًا إلى لمس الركن والمقام فتتساقط الذنوب، وتمحى الخطايا، شوقًا إلى دعوة من أعماق القلب بين الركن اليماني والحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

تطوف أرواح العاشقين طواف حمام الحمى، تدور حول بيتك المعظم بجناحى شوق ورجاء، وتغبط أسراب الحمام التى لا تكل، ولا تمل فى دوائرها المتعبدة فى سماء يعلوها البيت المعمور، تسبح تسبيحها، لم يعلمها مخلوق سر الطواف، فالسر تعرفه أفئدة الطير، هذا الذى تطوف أعلاه هو البيت العتيق، الذى تهوى إليه الأفئدة فى البلد الأمين، أحب البلاد إلى الحبيب المصطفى عليه صلوات الله، وسلامه، وقبلة صلاة المسلمين في كل بقاع الأرض.

وفى المسعى كانت هنا أمنا هاجر، والطفل إسماعيل عليه السلام، تبدأ السعى خفيفًا ثم تثقل الأقدام، وكأنك تعيد تجربة إنسانية فريدة، يحدوك الأمل فى شربة ماء فى أرض كانت قفرًا، بين جبلى الصفا والمروة، أشواطك السبعة هى نفس أشواطها، ومشقتك لا تقارن بمشقتها، فقد كانت تحت الشمس الحارقة، على الحصى والرمل تسعى، وأنت الآن فى نعيم وظل ظليل، لكنك رغم كل هذا تستشعر تلك المشقة، تلك التى كانت مكافأتها تفجر بئر زمزم تحت قدمى نبى الله إسماعيل عليه السلام، ماء ترتوى منه الأمة منذ آلاف السنين، شفاء ورواء وذكرى لواد غير ذى زرع تفجر فيه بئر فجعل الله أفئدة الخلق تهوي إليه ورزق أهله من الثمرات.

الحج عرفة، ومن لا يتوق إلى جبل وقف عليه نبينا! وخطب فى صحابته رضوان الله عليهم خطبة الوداع وأعلن تمام الدين والنعمة علينا بقول رب العزة سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، هو اليوم المشهود في قوله تعالى: "وشاهد ومشهود"، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة"، في ذلك اليوم العظيم تجتمع العبادات، صومًا وصلاةً وحجًّا وصدقةً ودعاءً وتلاوةً للقرآن، لكن الذين لا يحجون يصومون، وصومه لمن قعد عن الحج يكفر السنة الماضية والقابلة.

هو الحج الذى بدأت أيامه، ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً، وهو جبل عرفات الذى لا يكتمل الحج إلا بالوقوف عليه فى يوم الحج الأعظم، هناك ينـزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بالحجيج الملائكة، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا سُفْعًا، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزَبَد البحر، لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له".

أما راحة القلوب ففى تلك الزيارة التى ربما تكون قبل الحج أو بعده، مسجد رسول الله فى المدينة المنورة، الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" وقال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".

زيارة هى اكتمال رحلة العمر، ومن زار عرف، وليس من رأى كمن سمع، أنوارك يا حبيب الله تفيض على مسجدك، سلام عليك، وعلى جاريك، صاحبيك، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وأرضاهما، سلام على مدينة الأنوار التى فتحت لك ذراعيها، لتضيء رسالتك العالم، سلام على أهلها الذين مسهم من نورك، وحضورك فازدادوا سماحةً وجمالاً، وركعتين فى مسجد قباء، وزيارة لأهل البقيع، وشهداء أحد، سلام سلام، ودعوة خالصة فى أيام مباركة: لا حرم الله المشتاقين.

مقالات مشابهة

  • أنتم عيديتي.. كاظم الساهر يهنئ جمهوره بحلول عيد الأضحى المبارك
  • لهذا السبب..نقل حفل كاظم الساهر من منطقة هرم سقارة لـ القاهرة الجديدة..
  • أفضل سورة للقراءة يوم عرفة.. تفتح لك كنوز الدنيا والآخرة
  • فضل القرآن الكريم وثواب حفظه في الدنيا والآخرة
  • دعاء ليلة عرفة.. خير الدنيا والآخرة وزيادة الرزق
  • «ربنا آتنا في الدنيا حسنة».. أفضل الأدعية يوم عرفة
  • حج الموعودين وأرواح المشتاقين
  • دعاء لا يُرد أبدا في يوم عرفة.. يجعلك من الفائزين في الدنيا والآخرة
  • دعاء يوم التروية بالصور 2024
  • تأملات قرآنية