د.ليلى الضو أبو شمال
ذات مرة وفي قديم الزمان حيث كان الأمن والأمان والاطمئنان كنت أتحدث عن الوطن وأقول لمحدثي أنني لا أميل للخروج خارج أسواره، ولا أحس بالراحة الا فيه،، فقال لي ولماذا كل هذا الإنتماء ؟ فأرض الله كلها لنا، ومن قال أن هذا المكان لك ؟ وضرب مثلا بالآية الكريمة (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرة وسعة)، ولحظتها كنت أتساءل هل في هجرتنا كانت نية أنها لله سبحانه وتعالى كيف يكون الخروج في سبيل الله ومتى يكون؟ وجدت أننا نخرج بحثا عن اتساع في الأرض ، اي للدنيا، وما نوايانا كانت ( قل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، فأدركت ان النوايا هي أساس العطايا وتذكرت حديث رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأت من الدنيا الا ما قدر له)، وإن الله يعلم في قلوبنا حيث أن الواحد منا يسعى للخروج من أرضه بحثا عن حال أفضل ، ولا شك أن هذا الحال هو حال الدنيا وضعف النفس وقلة الحيلة ، وحال من خرج لا يقل عن حال من بقي، فان وفقه الله لعمل أفضل ونعم مادية الا أنه يشكو من الغربة ووحشتها ويحن للأهل ومقاربتهم ومجالستهم وهذا هو معيار احتياجات الدنيا ، أما معيار الآخرة وحقيقة الوجود فنجده يتمثل في ذاك الرجل الذي بترت أحد أصابع رجليه نتيجة المرض الذي أصابه فأتوا لمواساته وقالوا له كيف حالك فقال( مبسوط الحمد والشكر لله) وبعدها بترت ساقه وحين زاروه قال( مبسوط الحمد والشكر لله) فبترت الساق الثانية فكان أكثر سعادة ورضا وقال الحمد والشكر لله وهكذا فقد كل أطرافه، وما أصابه من ذلك الا نعيم الرضا بما تلقاه من خالقه حتى ذهب للقائه باسما فرحا راضيا ،،كما يتمثل في مشهد آخر لرجل فقد أحد أبنائه وأتوا لعزائه فقابلهم برضا وابتسامة وقال لهم كانوا خمسا اخذ الله واحد وترك لي أربعة وهو راض بقضاء الله وقدره ، وغير ذلك من أمثال حية في حياتنا تدل على أن هؤلاء هم من عرفوا أصل الحياة الدنيا ونعيمها الزائل وعينهم ترنوا لنعيم خالد عند الخالق.
إننا حين نولد ننشأ على ما كان عليه أبوانا في ديننا وفي عاداتنا وفي أخلاقنا وفي بيئتنا ، ويبقى من العسير أن تتبدل تلك الفطرة بما تدخل عليها من مكتسبات إن كانت خيرا أو شرا، إلا أنه ومع تقدم السنوات نصير أكثر نضجا واستيعابا ، ونحاول في كثير من الأحيان أن نبدل حالنا لحال نراه أفضل مما كنا عليه وأرى في ذلك أن تكون بدايات التغيير مع عمر النضوج وهو تجديد النية مصحوبة بمفهوم النية في شرعنا الحنيف وهو إخلاص العمل بنية التقرب إلى الله،،فان فعلنا نجونا فحياتنا ( معائش وأكل وشرب وعمل ) هي ابتغاء مرضاة الله وعلاقتنا بالأقربين والأصدقاء والجيران هي استحضار الإخلاص والتقرب إلى الله وعملنا وعلمنا ونومنا هي لله لتفتحت علينا أبواب السماء والرضا من خالق الأرض والسماء.
كم من مصائب ابتلينا بها لنقص أصاب عقولنا وادراكنا فلتكن هناك مراجعات بين الحين والآخر ووقفة تأمل مع النفس التي بين جنبينا وليكن دائما حديث النفس حاضرا لقد أرغمنا على أشياء كثيرة كنا فيها مسيرين وليس مخيرين ولكن الفعل تسبقه النية، فإذا عزمت فتوكل على الله والعزيمة تسبقها نية مصدرها القلب، فإن أصابك من ذلك الأمر خير فهو خير وإن أصابك شر فهو خير كيف لا وقد قال سبحانه وتعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ، سبحانه تجلت عظمته و قدرته يعلم ولا نعلم وهو علام الغيوب.
[email protected]
////////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أسبوع من الدنيا في لبنان
في بيروت:
«كنتُ أكتشف الدنيا لأولِ يومٍ
كنتُ أكتشف الدنيا...
وأرجعُ من موتي
وأنتحرُ».
من قصيدة «صُور سياحية للأبيضِ المتوسط».
لم نكد ننتصر بتحرر جورج إبراهيم عبدالله من سجنه الفرنسي وعودته إلى بيروت، بعد واحد وأربعين عامًا، حتى باغتنا زياد الرحباني بفقده المفاجئ في اليوم التالي. لكن الدنيا هي الدنيا؛ تلك عادتها القديمة ما بين مولودٍ ومفقود. والدنيا هي الدنيا، تجري في لبنان كما تجري في أي مكان آخر، إلا أنها تمتاز هناك بفُكاهة استثنائية تخفف تركيز المأساة، فتعدِّل مزاج القانطين حتى حين.
لحظةً بلحظة كنتُ أتابع البثَّ الحي لاستقبال جورج عبدالله على قناة «الميادين». كم تمنيتُ لو كنتُ هناك بين اللبنانيين واللبنانيات الذين توافدوا لاستقباله حتى لا أشعر هنا بالوحدة أمام المشهد المنتظر! ربما لم يتوقع أحد منّا أن يخرج المناضل السبعيني من سجنه المديد بتلك الطاقة الثورية الشابة التي بدت في حديثه المرتجل أمام الإعلام والناس الذين طوقوه على باب المطار. في عودته عودةٌ للغة مهجورة لم يعد يتكلم بها أحد، بل أصبحت موصومة بـ«المراهقة الثورية»، لغة تتحدث عن مقاومة الاستعمار والصهيونية والإمبريالية العالمية وكأنها تعيدنا إلى زمن وديع حداد وشعاره «وراء العدو في كل مكان»، الشعار الذي دفع جورج عبدالله في سبيله أكثر من نصف عمره في السجون الفرنسية. لغة جورج عبدالله التي تنفض الغبار عن الكلمات المنسية هي في واقع الأمر تحرج «الجماهير» و«المناضلين المتقاعدين» أكثر مما تحرج الأنظمة والحكومات، ولعل الأسير المحرر كان يعي ذلك ويقصده في هذا المناخ العام من الهزيمة. ولذلك أيضًا لا بدَّ أن نخشى عليه من لحظة إدراك يدرك فيها أن زمنه الثوري الموازي لم يعد يشبه زمن الناس المهزومين. نخشى عليه من غربة في الوطن، كما نخشى عليه من أي انتقام صهيوني أمريكي قد يتهدده.
أسبوع لبناني مشحون بالأيقونات الرمزية: جورج عبدالله وزياد الرحباني وفيروز. لبنان الثقافي والسياسي يتجلى في أسبوع استقبال ووداع غريب. حضور فيروز الصامت في عزاء ابنها كان الأكثر بلاغة في ذلك الطقس الحزين الذي لم يخلُ من حفلة نفاق تنكرية ودموع «14 آذارية» كان أصحابها دائمًا على النقيض الصارخ الذي لا يشبه زياد الرحباني، خاصة في موقفه من المقاومة والصراع مع إسرائيل. ولكن ليس لأحد أن يُصادر دموع أحد ما دمنا نتحدث عن فنان وساخر هو زياد الرحباني الذي «يحق لأي إنسان أن يدّعي صداقته لو لم يره حتى» كما كتب الفنان السوري بسَّام كوسا في صحيفة الأخبار.
ضاق لبنان على نفسه. ضاق من احتقانه بالصدى، ومن لعنة سايكس بيكو التي خلقت منه قطعة انفصال واتصال وظيفية ما بين الجوار السوري والجوار الفلسطيني المحتل، لولا نافذته المفتوحة على الأبيض المتوسط. وهو الآن رهينة لابتزاز دولي وإقليمي يقوده الموفد الأمريكي: لا دولارات من أجل إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل إلا بعد نزع سلاح المقاومة وتدميره! شرط يضع لبنان على حافة حرب أهلية. الأخبار تتحدث هذا الأسبوع أيضًا عن عودة مرتقبة لمورجان أورتاجوس لاستلام المهمة، وذلك بعد أيام من تصريح توم براك الذي هدد لبنان بإلحاقه ببلاد الشام في حال لم ينصع للشروط الأمريكية.
أسبوع من الدنيا في لبنان يكفي لنتأمل شغل التناوب المرهق، بين إشارات الأمل وإشارات اليأس، بين شارات النصر المرفوعة على باب المطار في استقبال المناضل المُحرر بقميصه الأحمر، وأجراسِ الجُنَّاز في وداع العبقرية الموسيقية. يجرحنا هذا التناوب في بلد يتصدَّع بالتناقضات. يجرحنا، نحن كبعيدين عن بلد الأرز، مشغوفون بصورته السياحية، أن ننظر إليه من خارجه وهو يتغرَّب اليوم أكثر فأكثر عن صورته، تلك التي ساهم الرحابنة في اختراعها، والتي كان زياد الرحباني نفسه قد وصفها بأنها «شِي فاشل»... ويجرحنا أن لبنان الذي نعرفه بات يتصحَّر بهجرات أبنائه وموت مبدعيه بلا ورثة. لكننا لا نستطيع أن نطالب لبنان الجميل بأكثر من طاقته؛ لا نطالبه الآن إلا بالحفاظ على نفسه.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني