أم قرون ودواس الساسة الذكوريين!
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
أم قرون ودواس الساسة الذكوريين!
بثينة تروس
حكاية ام قرون التي فرضت على الفضاء العام (يا أم قرون انت أساس) هتاف في مؤتمر (تقدم) ضمن مساعيهم الجادة من اجل السلام ووقف الحرب، وتأكيدهم الحثيث في انهم لا يمثلون جميع القوي المدنية، وهذا من باب الحق وليس الحياد، فنحن في الأصل دعاة سلام.. ذاك الاستدعاء لأم قرون من واقعها المنسي، مسكينة هي، وقع عليها عنف الدولة، وكلفة الحروب العبثية منذ فجر تأسيس الدولة.
وظلت ام قرون مطوية ومقصيه في مناهج التعليم، الجهادية الاسلاموية، في مقصورة الامتعة، بعيداً عن سهام بنت من بنات الخرطوم، والهام بنت من بنات حلفا تلاقيتا في القطار، حيث تزور الهام عمتها التي تقطن (غرب دار الإذاعة)! دار الإذاعة التي ارهقت المواطنين تحت الحرب الحالية ما بين احتلال الدعم السريع لها وفشله في ان يستخدمها في إذاعة بيانه الأول! وبين تحرير الجيش لها، وفشله في ان يعلن من خلالها ان البلاد في امان من الدعم السريع، وقبلاً كانت قبلة لبيانات الضابط المغامرين فبيان وحيد منها كان كفيل ان يخول للمؤسسة العسكرية دكتاتورية الحكم المطلق، حتي يثور الشعب عليها مقدماً أبناؤه شهداء أو كباش فداء لثورات مجهضة.
هذه التباينات السياسية هي نتاج احتكار الدولة للعنف، واستخدام وسائل التفرقة العنصرية، لذا فات على الكثيرين، ان الاستخدام الفطير لقضايا المرأة، من الجانبين، وبهذه الصورة الحماسية السمجة، لم يحل في السابق، ولن يحل في الحاضر القضايا الشائكة للمرأة، لأنه لا يعدو أن يكون استخداما لها كأداة من أدوات الاعلام الدعائي، وكغطاء سياسي جهوي من قبل الأطراف المتحاربة، وهو إذن لن يرفع عن كاهلها التمييز والذل الممنهج، ولن يوقف حرباً.. بل أكثر من ذلك يؤكد على فداحة العقل الذكوري الراهن، في عدم الثقة في ان النساء جديرات بصنع السلام، وفاعلات في حل النزاعات، كما هن فاعلات في صناعة التغيير، وأنهن لسن بديكور او اعلان سياسي، بل هن صاحبات الوجعة، يقع عليهن عبء الحروب، والانتهاكات من قبل الدعم السريع، وكذلك من قبل الجيش وميليشياته، من المستنفرين، والجهاديين.. اما جنوح المدافعين والمهاجمين واندلاق حبرهم، في ان طرفي القتال لا يتساويان! ومعركة الانحيازيات البئيسة، فهو لا يحدث فارقا يذكر في وطن تطهي فيه النساء أوراق الشجر حتى لا يموت صغارهن من الجوع والمسغبة.
فهلا افقتم من سبات الاماني، والانحيازات الحزبية الضيقة، ووراثة الشحناء المدنية، لتوقفوا حرباً قد تتطاول لسنوات! وحتى ذلك الحين هلا أحطتم علماً بكيف تصنع بهن الحرب؟ لا سبيل للحصر، ولكن ستجدون تلك الاخوات الثلاث في ود مدني السني اللائي لا يرفعن صوتهن في النهار الا همساً، حتي لا يعرف دعامة الارتكاز امام منزلهن ان هنالك نسوة شابات، فهن يخشين حين يغيب وعي هؤلاء(الجنجويد) ليلاً، وهم صبية اغرار نفخهم غروراً حملهم لأسلحة فتاكة، وغلبتهم علي جيش كان يستخدمهم لصناعة الموت.
وبالتأكيد سوف تخزيكم مخاوف تلك الشابة التي نهب المستنفرون من ديارهم ما تبقي! فندهت كل الأنبياء والصالحين، بعد ان سكبت على سحنتها كل ما من سبيله ان ينفر ويصرف شر المتحرشين جنسياً بها. ولن
تجدوا الشجاعة الكافية لتخيل ما الذي يمكن ان يحدث للنساء في المعتقلات من الانتهاكات، وللنازحات واللاجئات داخل سوح المدارس، والبيوت المهجورة، وماَسي من هن خارج حدود البلاد، بلا وجيع ولا داعم مالي. هل يا تري يعلم المتاجرون بقضاياهن من الداعمين لاستمرار الحرب هذا الجحيم؟ إن الذين لا يرجون ان تنطفي نيرانها، غارقين في الفساد والاتجار فيها، انها سوق تنتفخ فيه الجيوب، وتلمع فيها أسماء اللايفاتية الكذوب، الذين يوجهون سهامهم الصدئة للقوي المدنية بدلاً عن طرفي القتال.
الشاهد ان استمرار الحرب لدي الفلول هو من باب الثأر لسلطة مفقودة، وهيبة منتزعة من انهزام المشروع الإسلاموي، ولقادة الحركات المسلحة الانقلابية البرهانية من أمثال مالك عقار (انا الرجل التاني في الدولة دي) لا تعبأ بالحد من المعاناة الإنسانية، ولقد فضح امرهم بعد اتفاقية السلام، فلا هم حموا عرض أم قرون، ولا عروض نساء الهامش في مناطقهم! كما أنهم غير جديرين بفض النزاعات، ولا يهمهم إنقاذ أجيال الشباب من ويلاتها. أما الذين يتلهون بالضحك، والتصفيق من تصريحاته (لا ماشين جدة ولا ماشين جدادة)، هم تربية اخلاق المشروع الاسلاموي الكيزاني في (صرف البركاوي) و(أمريكا تحت مركوبي) و (اغتصاب الجعلي للغرابية شرف) فهي تصريحات جوفاء لن تستر عرضا، ولن تحفظ ارضا، ولن تجلب السلام.
الوسومأم فرون الذكورية بثينة تروس حرب السودان مؤتمر تقدمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الذكورية حرب السودان مؤتمر تقدم
إقرأ أيضاً:
السودان بين الثكنة والمنبر- قراءة في بنية الصراع لا مراحله
من يراقب المشهد السوداني الراهن بعد أكثر من ثلاثة اعوام على تفجّر الحرب الشاملة، يدرك أن ما يجري ليس مجرد فشل سياسي عابر أو صراع نفوذ بين مركزين للسلطة، بل هو تعبير عن أزمة بنيوية عميقة تشكّلت عبر عقود تتقاطع فيها الدولة المأسورة بجهازها العسكري، مع مشروع أيديولوجي استنزف المجال العام، وحوّل مفهوم الدولة من فضاء للمواطنة إلى ساحة لتصفية الهويات المتصارعة.لقد أسس انقلاب 30 يونيو 1989 نقطة الانعطاف الحاسمة التي غيّرت بنية الدولة السودانية. فمنذ ذلك التاريخ، لم يعد الجيش جهازًا سياديًا محايدًا، بل تحوّل إلى رافعة أيديولوجية لحكم شمولي، تبنّى خطاب "التمكين" وأعاد هندسة البنية المؤسسية لتخدم جماعة بعينها لا الشعب. وهكذا نشأت ثنائية الثكنة والمنبر، حيث اندمج العسكري بالمقدّس، وتحولت العقيدة القتالية إلى أداة في مشروع إسلاموي لا يؤمن بالدولة الوطنية، بل بـ"الخلافة المؤجلة".هذا التحالف البنيوي أنتج ما يمكن تسميته بـ"الدولة الحارسة للجماعة"، دولة غير شرعية أخلاقيًا لأنها لا تقوم على العقد الاجتماعي، بل على عقد القوة والولاء. وبذلك، أُفرغت مفاهيم مثل السيادة، والمواطنة، والمشروعية، من مضامينها الحديثة لتحل محلها شرعيات هجينة: شرعية البندقية، وشرعية العقيدة، وشرعية "الاستثناء".مع ثورة ديسمبر المجيدة، كان هناك أمل في إعادة تعريف الدولة السودانية على أسس ديمقراطية، ولكن لم يكن ممكنًا تحقيق انتقال حقيقي طالما ظل الجيش مُخترقًا أيديولوجيًا، ومُرتبطًا بشبكات مصالح اقتصادية وعقائدية مرتبطة بالحركة الإسلامية. هذا ما جعل كل مشروع مدني هشًا أمام تماسك تحالف الثكنة والمنبر، وأدى إلى الانقلاب على الانتقال الديمقراطي في أكتوبر 2021، ثم الانفجار الكارثي في أبريل 2023.إن ما نشهده اليوم من قصف للمدن، وانهيار للبنى التحتية، وتدمير للمنشآت الحيوية، خصوصًا في بورتسودان، ليس مجرد تطور عسكري، بل هو تكثيف درامي لفشل الدولة السودانية في التحرر من بنيتها المأسورة. غياب العقيدة الوطنية داخل الجيش، واستمرار الاشتغال بخطابات "الطُهر الأيديولوجي"، و"الاستثناء السيادي"، جعل من الحرب وسيلة لإعادة تعريف السودان وفقًا لمفاهيم القوة العارية، لا السياسة التعاقدية.لقد أصبح واضحًا أن سلطة بورتسودان ـ التي تسوّق الحرب كحرب تحرير وطني ـ لا تملك الشرعية الديمقراطية ولا الرؤية التأسيسية، بل هي امتداد لصيغة قديمة تنهار أمام أعيننا: صيغة الهيمنة باسم الدين، والحكم باسم الجيش.وفي هذا السياق، فإن فك الارتباط العضوي بين الجيش والإسلامويين ليس مجرد إصلاح مؤسسي، بل هو تحوّل بنيوي لا بد منه لتأسيس دولة حديثة. يتطلب ذلك إعادة هيكلة الجيش عقيدة وتنظيمًا، تجريده من الامتيازات السياسية والاقتصادية وتحت إشراف سلطة مدنية شرعية، وليس وفق توازنات ما بعد الحرب، التي لا تولّد سوى إعادة تدوير القمع بثوب جديد.كما أن الخروج من المأزق لا يمر عبر تسويات فوقية أو توزيع الغنائم بين أطراف الصراع، بل من خلال مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للمواطنة كمصدر وحيد للشرعية، ويؤسس لمسار عدالة انتقالية لا يعرف المساومات على دماء الضحايا.في هذا الإطار، فإن الرهان على "الحسم العسكري" أو "المعركة الأخيرة" ليس سوى استنساخ للفكر السلطوي الذي أورد السودان المهالك. وحدها المقاربة السياسية الأخلاقية، التي ترى في الإنسان لا في الجماعة، وفي العقد لا في القوة، الطريق إلى الخلاص.على امتداد سنوات ما بعد الثورة السودانية، ظل شعار "لا للحرب" يُرفع كمانفستو أخلاقي في مواجهة عسكرة الحياة العامة. هذا الشعار، المنحدر من إرث طويل من مقاومة الانقلابات والحروب الداخلية، أخذ مكانه بوصفه تعبيرًا عن موقف مبدئي يتجاوز الاصطفاف السياسي. لكنه اليوم، في خضم الحرب الشاملة التي فتكت بجسد الدولة السودانية ومجتمعها، يبدو وكأنه يُستنفد دلاليًا. فالسؤال لم يعد فقط: "هل نرفض الحرب؟"، بل: "كيف نبني سلامًا حقيقيًا في ظل بنيات إنتاج الحرب؟"هذا التحول من الرفض الأخلاقي إلى البحث عن أدوات الخروج من الحرب يستدعي مساءلة أعمق لمفرداتنا السياسية. فـ"لا للحرب"، إذا لم تُرفد برؤية استراتيجية تعي تعقيد البنية العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تُنتج الحرب، تظل مجرد احتجاج رمزي. نحن نعيش في دولة لم تُبْنَ بعد، بل في فضاء جيوسياسي هش، تُسَيّره شبكات مصالح إقليمية ومحلية، وتتنازعه روايات متضاربة للهوية والسلطة.في هذا السياق، فإن مجرّد رفض الحرب دون مواجهة الأسباب الجذرية لاستمرارها — مثل تفكيك الاقتصاد الريعي العسكري، وإعادة تعريف العلاقة بين المركز والأقاليم، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وسؤال العدالة في توزيع السلطة والثروة — يجعل من الشعار فعل عزلة، لا مدخلًا للفعل السياسي.من هنا، تتطلب الإجابة على الحرب ليس فقط توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، بل تأسيس تصور جديد للدولة السودانية: دولة لا تقوم على الغلبة أو المحاصصة، بل على العقد الاجتماعي، والمواطنة المتساوية، وسيادة القانون. وهذا يتطلب قطيعة معرفية وأخلاقية مع سرديات "المنقذ العسكري" و"المشروع الخلاصي"، لصالح وعي تاريخي يرى أن أزمات السودان ليست طارئة، بل هيكلية ومتجذرة في بنية الدولة نفسها منذ الاستقلال.في هذا الإطار، فإن الرهان على "الحسم العسكري" أو "المعركة الأخيرة" ليس سوى استنساخ للفكر السلطوي الذي أورد السودان المهالك. وحدها المقاربة السياسية الأخلاقية، التي ترى في الإنسان لا في الجماعة، وفي العقد لا في القوة، الطريق إلى الخلاص.لكن هذا الطريق لا يمكن أن يُعبد دون دور واضح وفاعل للقوى المدنية، تلك التي رفعت شعارات الثورة وواجهت أنظمة الاستبداد، لكنها تجد نفسها اليوم أمام امتحان عسير: إما أن تتحول إلى مجرد متفرج أخلاقي على الحرب أو أن تُعيد تنظيم صفوفها في الداخل والخارج، لتقدم مشروعًا مدنيًا متماسكًا لا يقوم على المصالح الضيقة أو التنافس الفصائلي، بل على رؤية استراتيجية للدولة ما بعد الحرب.لقد عانت هذه القوى من التشتت والاختراق، ومن العجز عن إنتاج قيادة موحدة قادرة على مخاطبة الشعب بلغة جديدة تتجاوز خطاب "الثورة المجيدة" إلى خطاب العقد الاجتماعي الجديد. غير أن الفرصة ما تزال قائمة، لا بل مُلحة، لأن غياب القوى المدنية عن مشهد ما بعد الحرب سيعني ببساطة أن السودان سيُعاد تشكيله بمنطق البندقية، لا بمنطق السياسة. لذلك فإن الشرط الأول لإنقاذ السودان من دوامة التوحش، هو أن تستعيد هذه القوى موقعها كحامل تاريخي لمشروع الدولة الديمقراطية، لا كمعلق دائم على هامش الصراع.
zuhair.osman@aol.com