عتبر إصدار كتاب "العمل والعادات والتقاليد في فلسطين" باللغة العربية حدثا معرفيا ضخماً

اعتبرت وزيرة الثقافة هيفاء النجار، أن أهمية موسوعة "العمل والعادات والتقاليد في فلسطين" للباحث والمستشرق الألماني وعالم اللاهوت والآثار واللغات القديمة، غوستاف دالمان تأتي من حيازتها معلومات وصورا وتوثيقا لأنماط الزراعة والعمران والنسيج والتطريز وأسماء الأماكن وبلهجة أهالي المنطقة، والأغاني التي تواكب حياة الإنسان في كل تفاصيلها.

اقرأ أيضاً : بيان لنقابة الفنانين الأردنيين بشأن مهرجان جرش

وبينت النجار خلال رعايتها حفل إشهار المركز العربي للأبحاث، مساء أمس الأربعاء، في المركز الثقافي الملكي، موسوعة "العمل والعادات والتقاليد في فلسطين" للباحث والمستشرق الألماني وعالم اللاهوت والآثار واللغات القديمة، غوستاف دالمان (1855 – 1941"، في عشرة مجلدات- أن كل تلك التفاصيل الغنية شكلت ذاكرة الإنسان في مواجهة محاولات السرقة والتشويه والمحو، التي يتعرض لها الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة حاليا، نتيجة العدوان الإسرائيلي الهمجي.

ويعتبر إصدار الكتاب باللغة العربية، حدثا معرفيا ضخماً، إذ يعتبر وثيقة فريدة تاريخية وأنثروبولوجية، تسجيلية وتحليلية، يتناول فلسطين بحضارتها وتاريخها وتراثها ومعالمها وأرضها وشعبها، كما يدرس مدينة القدس ومحيطها الطبيعي والبشري بمنهجية علمية رفيعة.

وشارك في حفل الإشهار الذي أدارته، وزيرة السياحة السابقة مها الخطيب، وبحضور وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور مهند المبيضين، كل من: الباحث والمترجم الرئيس للموسوعة محمد أبو زيد، والباحث والأكاديمي عمر الغول، والباحث والأكاديمي الفلسطيني محمد مرقطن، والباحثة والمترجمة نادية سختيان، والمحرر والباحث في المركز العربي للأبحاث، صقر أبو فخر.

بالنسبة لأبي زيد فإنه يتوقف كثيراً ويستعيد كل ما بوسعه من تفاصيل وذكريات رافقت رحلة ترجمته للموسوعة، مستحضراً كيف عرض عليه "شيخ الجغرافيين الفلسطينيين"، الراحل كمال عبد الفتاح، بحضور الراحل فايز الصياغ، مدير وحدة ترجمان في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، المشاركة في ترجمة الكتاب ونقله إلى العربية، والكاتبة الراحلة ليلى الأطرش، المشاركة في تعريب موسوعة غوستاف دالمان.

يقول أبو زيد عن الموسوعة: "لم يكن غوستاف دالمان يبحث عن سبل سهلة، بل اختار طرقا وعرة ربما كانت السبب وراء صنع هوية جديدة مركبة، حيث منح جهده الحقيقي الممتد على مدار 18 عاما في جمع المعلومات ومطابقتها على الواقع، حتى خرج بهذه التحفة التاريخية الفريدة، التي توضح حق الشعب الفلسطيني في أرضه وعاداته وتقاليده وطقوسهم اليومية". 

على أن الغول نهل من ذكرياته أيضاً إبان تواصله مع العديد من دور النشر والمؤسسات العربية، لعرض فكرة ترجمة الموسوعة، معلناً عن سعادته بموافقة المركز العربي للأبحاث على ترجمتها، على الرغم من اسنادها لمترجمين آخرين، يقول : "كان همي أن تظهر الموسوعة باللغة العربية، إذ بقيت الفكرة في رأسي لأكثر من 15 عاما".

وعن ترجمته لجزء "القدس ومحطيها الطبيعي" من الموسوعة، بين الغول: "يتضمن الكتاب وصفا دقيقا بالاعتماد على الحفريات الأركيولوجية والصور والخرائط، التي مكنت غوستاف دالمان من تقديم دراسة تفصيلية لتضاريس المدينة ومعالمها التاريخية في بداية القرن العشرين، على نحو يضيء التحولات العمرانية والسكانية التي عاشتها آنذاك، كما أن وصف المؤلف للمدينة، يتخذ أهمية خاصة، لأنه يجيء بعد عقد شهد كثيرا من الحوادث، خاصة الاستيطان اليهودي، مستخدما أسماء المواقع العربية التي كان قد جمعها".

واستعان مرقطان، بـ"سلايد مصور"، لعرض أهمية كتب الموسوعة بجميع أجزائها، رابطاً تلك الأهمية بتوثيق الموسوعة للمشهد الثقافي الفلسطيني، كما كان في بداية القرن العشرين، حيث جمع غوستاف دالمان ما يمكن اعتباره، ثقافة أرض الكتاب المقدس.

يقول : "الموسوعة مفتوحة أمام علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار والجغرافيا واللاهوت والنبات والمعادن والباحثين في الدراسات الفلسطيني، لتتبع ما أنجزه دالمان، واثبات أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه، ونفي محاولات الاحتلال لسرقة الأرض والتاريخ والطقوس اليومية ونسبها له ".    

أما سختيان التي ترجمت الجزئين الأول والثاني من الموسوعة إلى اللغة الانجليزية فاعتبرت الترجمة " حلم وتحقق"، مؤكدة انه أصبح بامكان الكثير من الباحثين في العالم الإفادة والتعرف على حقائق وثقها وأبرزها عالم فذ مثل دالمان ". 

ويتألف الكتابين من 300 صفحة من القطع المتوسط لكل منهما، ويتحدث الجزء الأول منه عن الخريف والشتاء في حياة الفلاحين الفلسطينيين، فيما يتحدث الجزء الثاني عن الربيع والصيف، وجميع الأعمال التي يمارسها الفلاح في هذه الفصول. 

ولا يبالغ أبو فخر في قوله " إن موسوعة غوستاف دالمان أفضل كتاب عربي عن فلسطين يصدر منذ 50 عاما، أي منذ أصدر أنيس صايغ "الموسوعة الفلسطينية" بأجزائها العشرة أيضا، حسبما أكد في مداخلته التي اعترف خلالها بأن تحرير الموسوعة أضناه وأورثه آلاما في العمود الفقري، وشحا في الإبصار، لكنه شغف بالكتاب أيما شغف، وانهمك في تفصيلاته المدهشة، طوال ثلاث سنوات.

يقول  : " مثلما شغفت بهذا السفر الرفيع، شغف غوستاف دالمان بالقرى الفلسطينية وبحياة البدو وطرائق العيش التي أتقنها الفلسطينيون في مدائنهم وأريافهم وبواديهم، فكان لا ينفك جائلا في الأمكنة البهية، فينام في بيوت الفلاحين وخيام البدو وأحياء المدن ". 

وبهذه الطريقة، تمكن الألماني من جمع معلومات ثرية عن الحياة في فلسطين بين أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن الماضي، وأن يعقد صلة متينة بين الماضي والحاضر وبين الجغرافيا والإثنولوجيا والحياة اليومية للسكان قبل أن تدهمهم عواصف النكبة وأعاصير الاستعمار.

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: وزارة الثقافة وزيرة الثقافة هيفاء النجار المرکز العربی للأبحاث

إقرأ أيضاً:

الإبراهيمية والماسونية: جذور تاريخية وشكوك معاصرة

23 مايو، 2025

بغداد/المسلة:

ليث شبر

*تسعى هذه السلسلة التوعوية، المكونة من خمسة مقالات، إلى تمكين القارئ العربي من فهم قضايا مثيرة للجدل بعقل ناقد يتحرى الحقيقة بعيدًا عن التضليل ونظريات المؤامرة، وذلك لتعزيز وعي يحترم التعددية والعدالة في إطار دولة علمانية*.

يستكشف هذا المقال الرابع الشكوك حول العلاقة المزعومة بين الإبراهيمية والماسونية، ويركز على جذورهما التاريخية: هل تشكل الماسونية قوة خفية وراء الإبراهيمية؟ وكيف يواجه سياسي علماني هذه التساؤلات دون الانزلاق إلى التكهنات؟

تأتي الشكوك حول ارتباط الإبراهيمية بالماسونية من تاريخ طويل يحيط المنظمات السرية بهالة من الريبة، لكن النقاش يتطلب الرجوع إلى جذور كلا المفهومين. بدأت الماسونية في أوروبا خلال القرن السابع عشر كجمعيات للحرفيين البنائين، وتطورت إلى منظمة رمزية تركز على الأخوة والأخلاق، مستخدمة طقوسًا مستوحاة من التقاليد المسيحية واليهودية القديمة.

*بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت رمزًا للنفوذ الخفي في السياسة والاقتصاد، خاصة في الغرب، مما غذى نظريات المؤامرة التي تربطها بالسيطرة العالمية*.

أما الإبراهيمية، فظهرت كمصطلح حديث في القرن العشرين، مستوحى من فكرة إبراهيم كأب مشترك للديانات التوحيدية، لكنها اكتسبت زخمًا مع مبادرات معاصرة تدعو إلى الحوار الثقافي.

فلماذا تلتقي هذه الجذور التاريخية في الشكوك الحالية؟

يربط البعض بين الماسونية والإبراهيمية بسبب تقاطع رمزي في استخدام التراث الديني، لكن هذا الربط يثير جدلًا معقدًا. يرى نشطاء علمانيون في تونس، على سبيل المثال، أن الإبراهيمية، كما طُرحت في مؤتمرات دولية عام 2024، قد تستغل الرموز الدينية لتعزيز تحالفات سياسية، مشيرين إلى أن الماسونية استخدمت تاريخيًا رموزًا مشابهة لتوسيع نفوذها.

*ففي القرن التاسع عشر، اعتمدت الماسونية طقوسًا مستوحاة من التقاليد الإبراهيمية لجذب أعضاء من خلفيات متنوعة*. لكن تدافع منظمات ثقافية في الأردن عن الإبراهيمية كإطار للتعاون الثقافي، وتنفي أي صلة بالماسونية، مؤكدة أن الحوار يهدف إلى تعزيز السلام دون أجندات خفية. وتُبرز هذه الردود جدلية مؤداها: هل تعكس الشكوك قلقًا مشروعًا من استغلال الرموز، أم مبالغة ناتجة عن إرث تاريخي؟

تتطلب رؤية علمانية التعامل مع الإبراهيمية بحيادية، دون رفضها أو تصويرها كضد للعلمانية. *فالدولة العلمانية، التي تفصل الدين عن السياسة، تستطيع استيعاب الحوار الثقافي إذا احترم التعددية ولم يتحول إلى أداة للحكم الديني* . لأن المخاوف من الإبراهيمية لا تنبع من الحوار بحد ذاته، بل من إمكانية استغلاله لتعزيز مصالح سياسية، كما حدث في القرن الثامن عشر عندما استخدمت الماسونية شبكاتها لدعم النخب السياسية في أوروبا. ومع ذلك، تُظهر الوقائع أن الإبراهيمية الحديثة، كما طُرحت في فعاليات مثل قمة أبوظبي للتعايش 2023، تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي، لكن غموضها يُغذي الشكوك، خاصة في سياق إقليمي مشحون بالتوترات.

يُثير النقاش سؤالًا جوهريًا: هل تستند الشكوك إلى أدلة، أم تُغذيها روايات تاريخية مبالغ فيها؟

بينما تُحذر أوساط أكاديمية في مصر من أن التركيز على الماسونية كتهديد قد يُصرف الانتباه عن قضايا ملحة، كالعدالة الاجتماعية. ففي تقرير لمركز دراسات مصري عام 2024، أُشير إلى أن ربط الإبراهيمية بالماسونية يعكس خوفًا من التغيير أكثر منه دليلًا ملموسًا. بالمقابل تُصر أوساط شعبية في العراق على مشروعية الشكوك، مشيرة إلى أن التاريخ يُظهر استخدام الرموز الثقافية لخدمة مصالح النخب.

تُشير هذه التوترات إلى ضرورة تقييم الإبراهيمية بعقلانية، دون الانجرار إلى نظريات المؤامرة.

ومن هنا يتضح الموقف السليم : *يُرحب بالحوار الثقافي إذا احترم التعددية وخدم العدالة، لكن تُرفض أي محاولة لاستغلال الثقافة أو الرموز التاريخية لأغراض سياسية* .

فالدولة العلمانية قادرة على قيادة هذا الحوار دون السماح لأي مبادرة بتقويض مبادئها، سواء ارتبطت بتكهنات حول الماسونية أم بمبادرات غامضة. وبدلاً من الخوف من الأجندات الخفية، *نقترح رؤية علمانية تضمن أن يظل الحوار أداة للتقدم، مستلهمة قيم المساواة التي تحمي التنوع الثقافي* .

ومع هذا النقاش، تبرز تحديات جديدة: كيف تستجيب الدولة العلمانية لتعقيدات العولمة والمبادرات الثقافية؟ يناقش المقال القادم هذه التحديات، لمواصلة البحث عن الحقيقة بروح نقدية ملتزمة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الإبراهيمية والماسونية: جذور تاريخية وشكوك معاصرة
  • الإمارات تشارك باجتماع المنظمة العربية للتنمية الإدارية في القاهرة
  • مايكروسوف تحظر رسائل البريد التي تحتوي على كلمات فلسطين وغزة
  • الشربيني يؤكد أهمية توطين الصناعة فيما يخص كافة المهمات التي تحتاجها محطات التحلية
  • باعوين يترأس وفد عُمان في اجتماع المنظمة العربية للتنمية الإدارية
  • مندوب الجامعة العربية في الأمم المتحدة: تحركات قوية لحماية الشعب الفلسطيني |فيديو
  • الراجحي يرأس اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتنمية الإدارية بالقاهرة
  • كيف يتجاوز سكان قطر حرارة الصيف؟ مزيج من التكنولوجيا والتقاليد
  • عُمان تشارك في اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتنمية الإدارية بالقاهرة
  • راندا معروفي أمام جمهور كان: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم والصمت الدولي