الثورة نت:
2025-06-06@19:18:30 GMT

كتاب سلطة المثقف والسياسي للدكتور محمد الحوثي

تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT

كتاب سلطة المثقف والسياسي للدكتور محمد الحوثي

يحيى اليازلي

يقول عبدالله البردوني في قصيدة بعنوان «بين الرجل والطريق» من ديوان «وجوه دخانية في مرايا الليل»:
(كان رأسي في يدي مثل اللفافة
وأنا أمشي، كباعات الصحافة
وأنادي: يا ممراتُ، إلى أين
تنجرُّ طوابيرُ السخافة؟
يا براميل القماماتِ، إلى
أين تمضينَ ..؟ إلى دور الثقافة
كل برميلٍ إلى الدور ..؟ نعم
وإلى المقهى .

.؟ جواسيسُ الخلافة
ثم ماذا ..؟ ورصيــفٌ مـثـقـلٌ
برصيفٍ .. يحسبُ الصمتَ حَصافهْ)
قصة أو أجواء هذه القصيدة كما سمعت من أحد الأصدقاء.. أن البردوني وهو بصير/ كفيف… كان ماشيا في الشارع ورآه الناس وقد داس بقدمه على جرائد فيها قصيدته وصورته.. فقالوا له يا أستاذ عبدالله أنت تدوس على صورتك.. فكانت فرصة ليقول ما كان يجول بخاطره وراح فكتب هذه القصيدة.. لكني سمعت البردوني شخصيا في لقاء تلفزيوني يحكي مغازيها حينما سألته المذيعة: من هم البراميل المقصودون في قصيدتك.. فقال هم الموظفون في الثقافة وليسوا أهلها… وقال إنه حينما يكون المسؤول على الثقافة غير مثقف تكون النتائج كارثية.. القصيدة تناقش جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي التي يهدف إليها الباحث محمد الحوثي في كتابه سلطة المثقف.. وإن كان في منتهاه والتي ذكرها في مبتداه لا يرى علاقة واحدة بينهما… لكني أظن العلاقة التي لا يراها أن لا انسجام بينهما.. مع إمكان تواجدهما في حقل.. مما يعني تزامل صوري مفروض.. وقد يبدو أسلوب عرضي للكتاب من هذه البداية أنه متعلق بالثقافة في حين أنه متعلق بكل جوانب الحياة.. لأن مفهوم المثقف واسع ومتعدد بحسب موقعه..
اختار الدكتور محمد محسن زيد الحوثي بعناية لوحة غلاف كتابه سلطة المثقف والسياسي.. لوحة غلاف جميلة ومناسبة لمضمون الكتاب… وهي عبارة عن وردتين بيضاء وحمراء كل منهما مغمور الساق في كأس فيه سائل بلون الآخر… إضافة إلى وجود خلفية حائطية لكل من الكأسين ذويا الوردتين مخالفة للون الوردة التي قباله… أحدهما يرمز إلى المثقف والآخر يرمز إلى السياسي وهذا لا يحتاج عبقرية لاكتشافه لأن الجميع يعرف أن اللون الأحمر أقرب إلى السياسة واللون الأبيض أقرب إلى الثقافة.. والعلاقة بين هذا وذاك واضحة من خلال تبادل الوردتين موقع الآخر في الكأسين… وهذا يدل على إمكانية أن يحل أحدهما مكان الآخر.. فالسياسي بإمكانه أن يشغل دور المثقف والمثقف كذلك بإمكانه أن يحل مكان السياسي.. أو أن كليهما يستطيع تأدية دور الآخر أو أن يكون مثقفا وسياسيا في ذات الوقت..
الغلاف الأخير نشر فيه المؤلف مقطوعة من مقدمة أدب الكاتب لابن قتيبة يكاد يلمس فيها خلاصة مراد الكتاب بصيغة أدبية كلاسيكية تعكس تاريخ الثقافة العربية وجدلية علاقتها مع السياسة على امتداد العصور.. ويصور ابن قتيبة أسباب تطير ونكوب أهل زمانه عن الأدب.. وأن العلماء مغمورون مقموعون.. بكرة الجهل.. كاسدة بضاعتهم فيما أموال الملوك محل إغراء ضعاف النفوس.. وخلاصتها أن العلم والأدب في الهامش والجهل والسفالة في المتن.. وينعكس ذلك سلبا على الدين والحياة..
طبعا هذا الكتاب كانت الهيئة العامة للكتاب على وشك طباعته، إلا أن ظروفاً حالت دون ذلك، ولكن بإذن الله سيجد الكتاب طريقه إلى الطباعة، وسأحاول أن أقف عند بعضه باختصار في هذا العرض لكي أعرف أهميته قدر الإمكان، فأطرق بعض العتبات.. منها: العنوان والغلاف والمدخل والعناوين الرئيسية للمحتوى.. إنه بحق كتاب مهم دسم وفوائده كثيرة وقد بذل الباحث فيه مجهودا كبيرا.. وقد أجرى تحليلات ومقارنات وناقش إشكاليات مهمة.
في البداية تحدث المؤلف عن شيئين… أنه لن يتناول مفهوم الثقافة لأنه من المفاهيم التي قدم فيها باحثون تعريفات كثيرة وجرت حولها نقاشات كثيرة وفيها إشكاليات معقدة.. لكنه حاول سبر أغوارها والتقريب والمعالجة والتوفيق علميا على أسس موضوعية.. مع ربطها بالواقع. والشيء الثاني وبناء على المسلمة السابقة قال أنه لا يوجد علاقة واحدة بين المثقف والسلطة… لكن تظل الجدلية بينهما موجودة ومستمرة ما دام العقل الإنساني يعمل في الفضاء المعرفي الواسع… لكنه بالمقابل توصل إلى خلاصة لتعريفات المثقف وبنى عليها أشياء سنتعرف عليها بالتالي. لكن أهم محاور الكتاب.. عموما: اتجاهات تعريف المثقف.. اتجاهات تصنيف المثقفين.. علاقة المثقف بالسلطة.. المشكلات المحيطة بالمثقف.. إشكالية علاقة المثقف بالجماهير.
بعد أن انتهى من نتائج البحث حول مفهوم المثقف بحسب تموضعاته… خلص إلى عنوان مهم وهو «دور المثقف»… ولأن المؤلف مستوعب مسألة دور أو مهمة المثقف وتأثيرها الفعال فقد جعله محورا مهما في كتابه، وهناك كتاب مهم لعلي شريعتي تحت عنوان مسؤولية المثقف.. ومثله على صعيد مقارب توجد ملزمة لحسين بدر الدين بعنوان مسؤولية أهل البيت… وبالمناسبة لم يأنس الباحث في كتابه بشيء من كتاب شريعتي ولا من ملزمة بدر الدين.. وقد لمته على ذلك فقال إنه لم يتوفر لديه كتاب شريعتي.. حين كتابة بحثه قبل تسع سنوات.. وبالنسبة للسيد حسين فذكر في الكتاب أنه سيفرد له كتابا خاصا.. باعتباره مثقفا عضويا. لذلك أحببت أن أشير إليهما بعجالة في هذا العرض.
المسؤولية في قالبيها الأخلاقي والديني.. نجدها لدى حسين بدر الدين في ملزمة مسؤولية أهل البيت وقبل ذلك لدى علي شريعتي في كتابه مسؤولية المثقف وهو كتاب يستند ككل مواضيع شريعتي على الركيزة الأخلاقية.. مع كون فكره ينبني على وجهين ديني وأخلاقي.. لكنه في هذا الكتاب تحديدا تجلى على الصعيد الأخلاقي كفيلسوف ومنظر بدرجة كبيرة… لأنه وهو يوجه خطابه المتعلق بالثقافة والمسؤولية الثقافية لحاضره في القرن العشرين والذي هو عصر الحضارة الفلسفية والثورة والحداثة والتكنولوجيا… بالإضافة إلى كونه رجلاً مثقفاً وفيلسوفاً تشرب التاريخ بما يحمل من علوم ومعارف وأديان شرقية وغربية.. لم يقف موضع الحيرة من أنه لا بد من أن يضيف جديدا إلى ما سبق وأن يقدم إضافة فكرية ومفيدة لزمنه المتسم بأنه وجه الحضارة المشرق… ما أحدث بدوره نقلة كبيرة في إعادة تشكيل مفهوم الثقافة لدى جيله والأجيال التالية في مجتمعات كثيرة وما يزال تأثيره إلى اليوم..
حسين بدر الدين وهو يقدم محاضرته حول مسؤولية أهل البيت.. يمثل القالب الديني مع كونه يمزج بين الجانبين الديني والأخلاقي في سائر ملازمه.. إلا أنه في هذه الملزمة تجلى كرجل دين بدرجة أساسية والمهم أنه ترك أثرا كبيرا في أوساط السادة من أهل البيت فاتجه معظمهم إلى ساحات الجهاد..
يقول المؤلف في القسم الذي خصصه تحت عنوان لمحة يمنية وهو عنوان يسبق نهاية البداية من مجمل الكتاب انه أستحسن تخصيص حيز في البحث طرح فيه بعض الأشكالات المتعلقة بالمثقف اليمني وعلاقته بالسلطة والصعوبات والمعوقات بإيجاز ليس لتميز المثقف اليمني عن غيره ولكن بحكم صيرورة اليمن التاريخية والاجتماعية. وفي نهاية هذا الحيز خلص الباحث بعد بحث إلى سمات المثقفين اليمنيين وإلى أنه لم ير فرقا كبيرا لا في السمات ولا في الصفات أو في الإشكاليات لكنه قد ناقش مع ذلك بعض السمات ومنها محدودية الفاعلية والتأثير.. والفقر النظري.. والتوتر النفسي.. وتحميل قوى خارجية مسؤولية السقوط والهزيمة.. والتناقض والاحتدام السياسي الذي يؤدي إلى قمع النخبة المثقفة لنفسها نتيجة لسياسة التهميش.. وناقش بعد ذلك إشكاليات منها انعدام سياسة واضحة للبحث العلمي.. وأيضا أزمة المثقف التي بدأت واكتملت مع تحول الأنظمة إلى تكتلات ومصالح ملتفة حول الدولة، لكنه يرى علاقة المثقف بالجماهير من أعقد الإشكاليات المؤثرة عليه أي المثقف من خلال نتاجه الذي قد يتقبله أو لا يتقبله الجمهور. وفي الباب الأخير بعنوان «نهاية البداية».. وبعد بحث وتنقيب في إشكاليات البحث وسبر أغوار في العلاقة بينهما أي الإشكاليات المستقلة والتابعة طرح الباحث بأسلوب جديد المفاهيم في مفهوم واحد مستوعبا كل عناصر المفهوم للمثقف ودوره محتويا عناصر مفهوم (المثقف النقدي /العضوي.. المثقف القدوة.. المثقف المؤمن).

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: بدر الدین أهل البیت فی کتابه

إقرأ أيضاً:

ما الذي يمنح السلطة شرعيتها؟ كتاب يفتح الباب لمقاربة فلسفية جديدة

في عالم يشهد اضطرابات سياسية متكررة، وانهيار الثقة بالمؤسسات التقليدية، وصعود الحركات الاحتجاجية في مختلف أنحاء العالم، يظل سؤال الشرعية السياسية سؤالا ملحا ومفتوحا: ما الذي يمنح السلطة حق الحكم؟ هل تكتفي صناديق الاقتراع؟ أم تحتاج السلطة إلى ما هو أبعد من مجرد الأطر القانونية والدستورية لتبرير وجودها؟ وهذا هو جوهر كتاب توماس فوسن "في مواجهة السلطة؛ نظرية في الشرعية السياسية".

صدر هذا الكتاب عن مطبعة جامعة أكسفورد عام 2023، وترجمه حديثا إلى العربية الدكتور محمود هدهود عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف تفكر الدول في العنف المنظم؟list 2 of 2لماذا اغتال بيبرس السلطان قطز في وهج الانتصار؟end of list

يرتكز الكتاب على سؤال الشرعية السياسية، الذي هو على الأرجح أحد أهم الموضوعات في الفلسفة السياسية وأعقدها؛ وهو: كيف يمكن عمليا التعامل مع النظام السياسي الذي يجد المرء نفسه في مواجهته؟ وما الموقع الذي ينبغي أن يتخذه حيال هذا النظام؟

تحاول نظريات الشرعية السياسية عادة أن تجد الشروط الكافية والضرورية للحكم على نظام ما بأنه شرعي، ولذلك تسعى إلى صياغة المبادئ النظرية السليمة للشرعية السياسية وتحديدها، سعيا إلى مقاربة الصواب في تحديد من هو الأحق بالسلطة في إطار الصراع على الشرعية.

لا يكتفي فوسن في كتابه بتحديد شروط شرعية السلطة، بل يقترح مدخلا تأويليا سرديا لفهم كيف تبنى الشرعية، وكيف تتهاوى، وكيف تختبر في لحظات الأزمة، لا سيما خلال الاحتجاجات.

إعلان مسار الشرعية

يقف فوسن ضد التصورات التي ترى الشرعية بوصفها صفة تمنح مرة واحدة للسلطة، سواء من خلال الانتخابات أو عبر مطابقة معينة مع قواعد القانون أو مبادئ العدالة. وبدلا من ذلك، يقترح أن الشرعية هي عملية سردية وتأويلية مستمرة، تقوم بها السلطة أمام الناس سعيا لإقناعهم بأنها تستحق أن تطاع.

في هذا السياق، تصبح الشرعية شبيهة بالحوار، حيث لا يكفي أن يكون الحاكم "قانونيا"، بل عليه أن يقدم سردية عن سبب وجوده في الحكم، وعن مشروعه السياسي، وأن يربط ذلك بماض جماعي ذي معنى، وبمستقبل يبعث الطمأنينة في نفوس الناس. فالشعوب لا تطلب فقط من يحكم، بل تطلب من يقنع، ويشرح، ويعد.

بهذا التصور، ينقل فوسن الشرعية من مجال القانون الصارم إلى مجال المعنى السياسي؛ من حرفية النص إلى روح الخطاب. وهذه النقلة تحدث فرقا جوهريا في طريقة فهمنا للحكم.

الاحتجاج السياسي ليس مجرد رفض بل هو دعوة إلى الحوار وهذا ما يسميه فوسن "المواجهة التفسيرية" (شترستوك) الاحتجاج ليس تهديدا

من أهم إسهامات فوسن إعادة النظر في الاحتجاج بوصفه وسيلة سياسية لاختبار الشرعية؛ ففي نظره، لا تكون السلطة شرعية حين لا تواجه بالاعتراض، بل تختبر شرعيتها فعليا حين تساءل، ويطلب منها أن تبرر وجودها في مواجهة النقد.

فالاحتجاج السياسي إذن ليس مجرد رفض، بل هو دعوة إلى الحوار، وهذا ما يسميه فوسن "المواجهة التفسيرية"؛ أي اللحظة التي تجبر فيها السلطة على مواجهة روايتها عن نفسها، وربما تعديلها أو مراجعتها، بل حتى التخلي عنها أحيانا.

فالثورات، على سبيل المثال، لا تفهم بوصفها حركات سياسية فحسب، بل بوصفها أفعالا سردية: تعيد كتابة الماضي (بإدانة السلطة السابقة)، وتعد بمستقبل مختلف، وتدعو إلى شرعية جديدة مبنية على قصة بديلة.

ويركز فوسن كثيرا على البعد الزمني في بناء الشرعية، إذ تحاول كل سلطة تبرير وجودها بالارتباط بسردية زمنية: فقد تشير إلى ماض مجيد (كالاستقلال الوطني)، أو إلى خطر راهن يستوجب الطاعة (مثل الإرهاب أو الفوضى)، أو إلى مستقبل مشرق (كوعود التنمية أو العدالة).

إعلان

لكن حين تفشل السلطة في الحفاظ على هذا السرد -أي عندما يفشل الحاضر في تمثيل الماضي أو الإعداد للمستقبل- فإن ذلك يؤدي إلى اهتزاز شرعيتها. ولهذا، فإن كثيرا من أزمات الحكم تبدأ حين ينكشف التناقض بين الرواية الرسمية والواقع المعيش، وبهذا تصبح الشرعية علاقة تربط بين الحاضر والماضي والمستقبل، لا مجرد علاقة بين الحاكم والمحكوم.

إذا ما توقف الحاكم عن الإصغاء وعن تقديم رواية منطقية ومقنعة لقراراته فإن تمثيله يصبح شكليا فقط وتبدأ شرعيته بالتآكل (شترستوك) نقد فوسن لمفاهيم الشرعية الكلاسيكية

يجادل فوسن في أطروحته أبرز فلاسفة السياسة المعاصرين؛ فهو يرى أن مفاهيم مثل "الشرعية القائمة على العقل العمومي" التي يقدمها جون راولز، أو "الشرعية القائمة على الخطاب التواصلي" التي يقدمها يورغن هابرماس، رغم عمقها، تفترض شروطا مثالية نادرا ما تتحقق في الواقع.

فالسياسات الواقعية كثيرا ما تمارس في ظل انقسام عميق، ومحدودية في التواصل، وسياقات غير متكافئة، تجعل من اشتراط الحوار العقلاني شرطا نظريا صعب التطبيق. ومن هنا، يقترح فوسن بديلا أكثر مرونة، وهو أن نقيس الشرعية بقدرة السلطة على تقديم مبررات مفهومة حتى لخصومها، وإن لم يوافقوا عليها.

وليست الانتخابات كافية للتمثيل في هذا السياق؛ إذ ينتقد فوسن الاختزال الشائع للتمثيل السياسي في الانتخابات وحدها، فحين يصوت الناس، لا يعني ذلك أنهم يفوضون ممثليهم إلى الأبد، بل يتوقعون علاقة مستمرة من الحوار والاستجابة والتفسير.

وإذا ما توقف الحاكم عن الإصغاء، وعن تقديم رواية منطقية ومقنعة لقراراته، فإن تمثيله يصبح شكليا فقط، وتبدأ شرعيته بالتآكل، حتى لو كان منتخبا.

وهكذا، فإن التمثيل عند فوسن هو علاقة ديناميكية لا ميكانيكية؛ علاقة تتطلب تجديدا دائما الثقة عبر الخطاب والفعل.

وإذا أردنا تطبيق نظرية فوسن على العالم العربي، رغم أن الكتاب لا يتناول حالات بعينها، فإن فكرته عن الشرعية بوصفها سردا سياسيا يمكن أن تطبق على حالات مألوفة في العالم العربي.

إعلان

ففي سوريا، مثلا، تحولت السلطة إلى رواية أمنية مغلقة، ولم تستطع سلطة الأسد تقديم سردية جديدة تستوعب مطالب الثورة. وفي تونس ما بعد الثورة، نشأ صراع مفتوح حول من يملك حق تمثيل الشعب، وأي دستور يعكس إرادته، وهو صراع على السرديات السياسية قبل أن يكون صراعا على المؤسسات.

إذا كان الطغاة يفضلون أن يطاعوا من دون سؤال فإن المجتمعات الحرة تصر على أن تقدم لها الأسباب وأن يحترم وعيها (شترستوك)

وفي لبنان، كانت انتفاضة أكتوبر/تشرين مثالا حيا على مواجهة الرواية السياسية القائمة، ورفضها من جموع غاضبة لم تجد في خطاب السلطة تفسيرا مقنعا لحالتها الاقتصادية والمعيشية.

وفي كل هذه الحالات، تبرز مركزية السؤال الذي يطرحه فوسن: من له الحق في الحديث باسم الجماعة السياسية؟ ومن يملك شرعية تفسير الماضي وتحديد الطريق نحو المستقبل؟

ورغم قوة النظرية التي يقدمها فوسن، فقد يطرح عليها اعتراض مهم، وهو: أليست السلطة، في الواقع، تفرض بالقوة أحيانا، من دون حاجة إلى تبرير؟ أليس التاريخ زاخرا بأنظمة استبدادية نجحت في البقاء رغم افتقارها إلى سرد مقنع؟

فوسن لا ينكر هذا الواقع، لكنه يقول إن السلطة بلا شرعية تكون دائما هشة، وأكثر عرضة للانفجار؛ فهي تسيطر لكنها لا تقنع، وتحكم لكنها لا تطاع طاعة حرة. وهكذا تصبح الشرعية ضرورة للاستقرار الطويل الأمد، لا مجرد ضرورة فكرية.

في السياسة لا مهرب من التفسير

يذكرنا توماس فوسن في كتابه بأن السياسة ليست مجرد إدارة للموارد أو تقنين للصلاحيات، بل هي نشاط تفسيري بامتياز؛ أن تحكم يعني أن تشرح، وأن تفهم، وأن تبني قصة يمكن للناس -وإن اختلفوا معك- أن يتفاعلوا معها.

وإذا كان الطغاة يفضلون أن يطاعوا من دون سؤال، فإن المجتمعات الحرة تصر على أن تقدم لها الأسباب، وأن يحترم وعيها، وأن تعامل بوصفها طرفا واعيا في العقد السياسي.

إعلان

فكتاب "في مواجهة السلطة" ليس إسهاما فلسفيا محضا، إنما هو نداء لإعادة التفكير في علاقتنا بالسلطة، وفي حق المواطن ومسؤوليته في المطالبة الدائمة بالسرد، وبالحوار، وبالتفسير، لا بالرفض والاحتجاج فحسب؛ لأنه في نهاية المطاف، لا شرعية بلا قصة تقنع، وتلهم، وتسائل في آن معا.

مقالات مشابهة

  • فتوى تلغي مفهوم الثأر في سوريا.. و"إشادة أميركية"
  • القومي للمرأة يهنئ الكاتبة سماح أبو بكر عزت لفوزها بجائزة مجلس الكتاب
  • قصور الثقافة تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال المناطق الجديدة الآمنة بالإسكندرية
  • محمد الحوثي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الأضحى
  • دعاء مؤثر للدكتور علي جمعة+* في يوم عرفة على شاشة قناة الناس
  • "لست وحدك.. نحن أخوتك" ضمن عروض المسرح المجانية لقصور الثقافة بالغربية
  • دارة الملك عبدالعزيز تصدر كتابًا يوثّق المقامات في المسجد الحرام
  • مجلة "تراث" تستعرض صورة النخلة ومكانتها في الثقافة الإماراتية
  • ما الذي يمنح السلطة شرعيتها؟ كتاب يفتح الباب لمقاربة فلسفية جديدة
  • محافظ قنا يشهد ندوة توعوية ضمن مبادرة "معًا بالوعي نحميها" بقصر الثقافة