بقلم محمد خالد

تتكرر مطالبات ودعوات ومناشدات مؤسسات حكومية (إذا جازت تسميتها حكومية حاليا)، ومنظمات مجتمع مدني، ولجان مقاومة، وسودانيين وسودانيات للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وللمجتمع الدولي لإدانة الدعم السريع ومعاقبته على إنتهاكاته في الحرب الحالية. آخر هذه الدعوات كما ورد على صفحات الإعلام الإلكترونية، تشكيل رئيس مجلس السيادة لجنة برئاسة وزير العدل لتولي الدعاوى الدولية ضد قوات الدعم السريع وقادتها والدول المساندة لها، وأكد القرار أن المقاضاة ستكون أمام جهات الإختصاص من محاكم ومنظمات إقليمية ودولية.

هذه المطالبات والدعوات صحيحة في مسعاها لتسليط الضؤ على إنتهاكات الدعم السريع، ولكن بخصوص دعاوى الحكومة فهي قد أخطأت خطاءا فادحا في حق الشعب السوداني (بعيدا عن الاتهامات بتسببها في الحرب نفسها) خلال الحرب، بإتخاذها موقفا سلبيا وعدوانيا تجاه بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس)، وطردها لرئيس البعثة فولكر بيرتس كشخص غير مرغوب فيه. هذه الحكومة تريد من المؤسسات الأممية أن تكون مجرد صدى صوت فقط لما تردده، وهو ما لن يكون لهذه الحكومة، وهو مما لا يفوت على المتابع لكيفية عمل المنظمات الاممية والدولية. تعاطي المكون العسكري مع المجتمع الدولي كان خاطئا، وهو من إرث الإنقاذ وإحدي استراتيجياتهم أن يكون السودان معزولا عن المجتمع الدولي. فمثلا على مدى سنوات عارض المكون العسكري، بشقيه القوات المسلحة والدعم السريع وكانا على إتفاق ضد الثورة، تسليم البشير والمطلوبين معه للمحكمة الجنائية الدولية. كذلك كانت الوفود بما فيهم فولكر بيرتس تترى من الخارج والداخل لإثناء المكون العسكري من الإنقلاب على الحكومة المدنية الإنتقالية، وكان تعامل الحكومة مع هذه الوفود يتم بلا موضوعية وسطحية وإصرار عجيب على عدم التعاون، وغيرها مما لا يحصى من التعاطي السلبي مع المنظمات الأممية والدولية.
الآن تطرق هذه الحكومة أبواب المنظمات الدولية والأممية لرصد وإدانة ومعاقبة الدعم السريع على إنتهاكاتها، مما يطرح سؤالا هل المنظمات الدولية والأممية تعمل فقط وفق ما تريد هذه الحكومة وفي الوقت الذي ترغب؟. الإجابة بالتأكيد هي لا. فولكر رئيس البعثة الذي طردوه، خلال حوار حصري مع الإذاعة الألمانية بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٥ أي بعد ٢٠ يوم فقط من إندلاع الحرب، أشار إلى وجود تحركات في مناطق مثل دول الساحل ومالي والنيجر وتشاد، لجهات وأشخاص وصفهم ب (الباحثين عن الثروة والمرتزقة) يحاولون الاستفادة من الحرب، وأن ''هناك عدد غير قليل منهم يدعم أحد الأطراف المتحاربة في السودان وهو قوات الدعم السريع''. وأضاف المسؤول الأممي أن "هذه ليست سياسة رسمية لهذه الدول، لكن هؤلاء هم الأشخاص الذين يحاولون العثور على فرص للاستفادة من الحرب الأهلية في السودان، وهي في كثير من الأحيان فرص للسرقة والنهب والإثراء". هذا اللقاء الإذاعي مع فولكر كان قبل طرده، فما الذي دعاهم لطرده؟؟ إنه الغرض والغرض مرض. لنا كسودانيين أن نتخيل إذا ظلت البعثة تحت رئاسة فولكر موجودة خلال هذه الحرب، في أسوأ الأحوال كانت هذه الإنتهاكات ستكون مرصودة وموجودة في ملفات الأمم المتحدة، كذلك فإن غالبية موظفي البعثة هم سودانيون ولها مكاتب في عدة أقاليم، بالتالي كانت ستكون التقارير والاتصال بشهود العيان ممن شهدوا قتلا او نهبا او اي انتهاك أسهل بكثير، كذلك كان الحصر للإنتهاكات سيكون أشمل ومن الأمم المتحدة نفسها. الآن تبحث الحكومة عن الإدانة للدعم السريع لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. بالطبع طريقة الحكومة في التعاطي مع المنظومة الدولية لا تعفي هذه المنظومة من واجباتها، ولكن كما يأتي في الأخبار أن هذه الحكومة نفسها ما زالت تعيق عمل المنظمات الدولية بعدم إعطاء التأشيرات وغيرها من المضايقات. المنظمات الدولية والأممية ليست تحت أمر الحكومة ولها موجهات ومعايير وطرق معلومة تعمل بها. بالطبع هناك أعداد غير قليلة من الناس لها تساؤلات مشروعة عن عدالة هذه المنظمات وحياديتها، طرح هذه التساؤلات بين مؤيد ومعارض للدور الذي تلعبه المنظمات الدولية والأممية لا يفيدنا كثيراً في ظل الحرب، بل علينا أن نفكر في دورها وفوائده لنا كسودانيين في حالة الحرب هذه، أكثر من التساؤل حول حياديتها وحدود تدخلها في قضايا أخرى، فهذا هو الواقع وعلينا التعامل معه والاستفادة منه لصالح بلدنا. أبلغ دليل على أننا يجب أن نتعامل مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هو أن من سيروا المسيرات ضد يونيتامس ورئيسها تحت دعاوي باطلة كالكرامة وغيرها، الآن يناشدون المنظمات الدولية والأممية للتدخل لإدانة ومعاقبة الدعم السريع ولكن وفق غرضهم وطريقتهم بحيث لا يشملهم أي إدانة أو حساب على ما سبق من جرائم كفض إعتصام القيادة أو قتل وتعذيب المحتجين على إنقلاب ٢٥ أكتوبر. هل ستراجع هذه الحكومة موقفها من التعامل مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أم ستستمر في التعامل بإرثها الإنقاذي في التعامل معه؟، لا أعتقد ذلك فهذا السلوك متجذر لدى هذه الحكومة وجزء من استتراتيجيتها لتحقيق أهدافها، إعتادت هذه المنظومة على تجريب المجرب، ومن جرب المجرب حاقت به الندامة. ختاما، هناك مقولة منسوبة لألبرت إينشتاين تقول (الجنون هو أن تعيد نفس الفعل والتجربة وفي نفس الظروف مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة)

مرفق رابط مقابلة فولكر بيرتس الرئيس السابق لبعثة يونيتامس مع الإذاعة الالمانية بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٥
https://www.dw.com/ar/%D8%AD%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D9%80-dw-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%B9%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B2%D8%B9%D8%B2%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8/a-65528142

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المتحدة والمنظمات الدولیة الأمم المتحدة الدعم السریع فولکر بیرتس هذه الحکومة

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي: روسيا تلعب دورًا مهمًا في تشكيل موقف موسكو تجاه القضايا الدولية

قال الدبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف إن الضغوط الغربية المفروضة على روسيا تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الموقف الروسي الحالي تجاه القضايا الدولية، لكنها ليست عاملاً قادرًا على تغيير السياسات الاستراتيجية لموسكو، موضحا أن روسيا تنظر إلى هذه الضغوط باعتبارها امتدادًا لتحرك غربي «بالوكالة»، يهدف إلى تحقيق مصالح جيوسياسية لا تُعلن بشكل مباشر.

التنسيق بين الدول الغربية

وأضاف ماتوزوف، خلال مداخلة هاتفية في برنامج "عن قرب مع أمل الحناوي"، من تقديم الإعلامية أمل الحناوي، على شاشة "القاهرة الإخبارية"، أن التنسيق بين الدول الغربية، وما وصفه بـ«الحملة الجماعية» ضد روسيا، يعكس رغبة واضحة في تقليص نفوذ موسكو على الساحة الدولية، خصوصًا في ظل التحولات الجارية في النظام العالمي. لكنه شدد على أن هذه الضغوط، مهما بلغت قوتها، لن تدفع روسيا إلى إعادة النظر في ثوابتها أو التراجع عن مواقفها السياسية والعسكرية التي ترى أنها تتوافق مع مصالحها القومية.

روسيا تتعامل بحذر مع المقترح الأمريكي وتستخدم التصعيد لإعادة رسم قواعد التفاوضقانون جديد للتجنيد.. ألمانيا تفعل خطة للمواجهة مع روسيا | تفاصيل

وأشار ماتوزوف إلى أن موسكو باتت أكثر حذرًا في قراءة التحركات الغربية، وأن استمرار العقوبات لن يؤدي إلى انهيار القدرات الروسية كما يتوقع البعض، بل ربما يعزز النزعة الروسية نحو الاعتماد على الذات وتطوير شراكات جديدة مع قوى شرق آسيا والشرق الأوسط. وختم بالتأكيد أن الضغوط الحالية، رغم تأثيرها، لا تشكل تهديدًا يستدعي تغيير المسار الاستراتيجي لروسيا.

طباعة شارك موسكو روسيا فيتشسلاف ماتوزوف الدول الغربية

مقالات مشابهة

  • نفير الحرب.. جبهات كردفان تشتعل والدعم السريع تزحف نحو هجليج في أكبر حشد منذ بداية الصراع
  • دبلوماسي: روسيا تلعب دورًا مهمًا في تشكيل موقف موسكو تجاه القضايا الدولية
  • تقارير إعلامية: الأمم المتحدة تطالب بضمان وصول آمن للمساعدات بالسودان
  • أول تعليق لـ الدعم السريع على حادث معبر أدري الحدودي بين السودان وتشاد
  • بعد تعثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • أﻃﺮاف الحرب اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ﻓﻰ ﻗﺒﻀﺔ واﺷﻨﻄﻦ
  • بعد عثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • كيف نقرأ قرار الحكومة العراقية بتصنيف (حزب الله وأنصار الله) ضمن المنظمات الإرهابية؟
  • «فولكر تورك» يحذر من «كارثة وشيكة» في كردفان ويدعو لوقف القتال فوراً
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع نفذ عمليات قتل واختطاف وتجنيد قسري