غليان سياسي بفرنسا.. اليسار يستنفر لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف ولوبان تعد بمفاجآت
تاريخ النشر: 15th, June 2024 GMT
وضعت أحزاب اليسار الفرنسي، الجمعة، انقساماتها بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط جانباً لتقدّم برنامجاً مشتركاً يشكّل "قطيعة كاملة" مع الماضي، وذلك في محاولة منها لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف الذي وعد من جانبه بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" في حال فوزه بالانتخابات التشريعية المبكرة.
وبعد هزيمة المعسكر الرئاسي في الانتخابات الأوروبية وحلّ الجمعية الوطنية من جانب الرئيس إيمانويل ماكرون، اجتمعت أحزاب اليسار الرئيسية، الجمعة، لكي تحتفي بوحدتها التي تحقّقت بشقّ الأنفس ولكي تعرض برنامجها للحُكم في حال فازت في الانتخابات المقررة على دورتين في 30 حزيران/ يونيو و7 تمّوز/ يوليو.
ومن أبرز الوعود التي أطلقتها الأحزاب اليسارية إطلاق إجراءات اجتماعية وزيادة الحدّ الأدنى للأجور وإلغاء إصلاح نظام التقاعد وإعادة فرض ضريبة على الثروة.
والتحالف الجديد الذي أطلق عليه اسم "الجبهة الشعبية الجديدة" هو ثمرة مفاوضات شاقة وتضمن برنامجه توافقاً على مسائل تتعلق بالسياسة الدولية انقسم حولها اليسار بعمق في الأشهر الأخيرة.
فعلى صعيد الشرق الأوسط، يدعو البرنامج إلى "التحرّك من أجل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين... والإفراج عن المعتقلين السياسيين الفلسطينيين".
وكان توصيف الهجمات التي شنّتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أثار انقساماً في اليسار الفرنسي إذ كان حزب فرنسا الأبيّة (يسار راديكالي) يرفض خصوصاً اعتبار حماس "منظمة إرهابية" كما تصنّفها "إسرائيل" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويومها، أدّى هذا الاختلاف بين فرنسا الأبيّة وشركائها إلى انفراط عقد تحالف اليسار السابق (نوبيس) الخريف الماضي بعدما شُكّل في إطار الانتخابات التشريعية التي أجريت في 2022.
وتشكّلت "الجبهة الشعبية الجديدة" على عجل في محاولة من اليسار لقطع الطريق على حزب التجمّع الوطني (يمين متطرف) بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية.
وينصّ برنامج الجبهة أيضاً على "الاعتراف فوراً بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل على أساس قرارات الأمم المتّحدة" و"فرض حظر على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل".
وعلى صعيد الحرب في أوكرانيا التي تثير بدورها خلافاً في صفوف اليسار، تعهّدت الجبهة الشعبية الجديدة بـ"الدفاع من دون كلل عن سيادة الشعب الأوكراني وحريّته" وضمان شحنات أسلحة "ضرورية" لكييف.
واقترح الائتلاف كذلك "إرسال جنود دوليين لضمان أمن المحطات النووية" الأوكرانية.
ووضع الائتلاف جانباً مسائل خلافية أخرى مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو).
كذلك، فإنّ كبار المسؤولين في الأحزاب؛ الاشتراكي والشيوعي والخضر وفرنسا الأبيّة، لم يتّفقوا بعد على الشخصية التي ستتولّى رئاسة الحكومة في حال فوز ائتلافهم في الانتخابات.
وبهذا الصدد، قال الاجتماعي-الديمقراطي رافاييل غلوكسمان الذي حلّ في المرتبة الأولى في صفوف اليسار في الانتخابات البرلمانية الأوروبية: "يجب اختيار شخصية تحظى بتوافق"، مستبعداً جان-لوك ميلانشون زعيم "فرنسا الأبيّة" الذي يثير انقسامات والمتّهم بأنّه قريب من روسيا، وتبنّي مواقف يعتبرها البعض مبهمة بشأن معاداة السامية.
وأثار ميلانشون مؤخّراً جدلاً بقوله إنّ معاداة السامية "هامشية" في فرنسا.
وفي برنامجها المشترك تؤكّد "الجبهة الشعبية الجديدة" أنّ "الأعمال العنصرية والمعادية للسامية والمعادية للإسلام (...) تشهد انفجاراً مثيراً للقلق وغير مسبوق".
القضاء
وبعد توحيد صفوفه بات اليسار يأمل في "الفوز" إلا أنّه يواجه التجمّع الوطني الذي يبقى في موقع قوة مدفوعاً بنتيجته غير المسبوقة في الانتخابات الأوروبية مع حصوله على 31.,3 بالمئة من الأصوات.
ويُعتبر التجمّع الوطني الأوفر حظاً للفوز، وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي، وهو يسعى لتوسيع قاعدته للوصول للمرة الأولى في تاريخه إلى السلطة.
وقالت زعيمته مارين لوبان، الجمعة، إنّ حزبها سيشكّل "حكومة وحدة وطنية" لإخراج فرنسا "من المأزق" في حال فوزه بالانتخابات.
ووعدت لوبان بالإعلان عن "عدد من المفاجآت"، الأحد، آخر يوم لتقديم الترشيحات.
وأضافت خلال زيارة إلى إينان-بومون في شمال فرنسا: "سنجمع كلّ الفرنسيين، رجالاً ونساءً، من أصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون الوضع الكارثي لبلادنا".
ومنذ الأحد، نجح التجمّع في الحصول على دعم أطراف عدّة من بينها إريك سيوتي رئيس حزب "الجمهوريين" المحافظ الرئيسي.
إلا أنّ الدعوة غير المسبوقة التي وجّهها سيوتي للتحالف مع اليمين المتطرّف أدّت إلى تشرذم في حزبه الذي أتى من صفوفه كثير من رؤساء البلاد السابقين.
وأقالت هيئات الحزب سيوتي إلا أنّ الأخير تمسّك بمنصبه وتقدّم بشكوى ضدّ قرار الحزب أمام محكمة في باريس. ومساء الجمعة قضت المحكمة بإبطال قرار إقالة سيوتي.
وفي إزاء تبدّلات المشهد السياسي السريعة، ندّد رئيس الوزراء غابرييل أتال بـ"اتفاقات هامشية ضيّقة" في أوساط اليمين واليسار على السواء، وحاول رفع معنويات المعسكر الحكومي الذي تُظهر استطلاعات الرأي أنّه سيمنى بهزيمة كبيرة.
ومن باري في إيطاليا حيث يشارك في قمة مجموعة السبع، اعتبر إيمانويل ماكرون أنّ وضعه على الساحة الدولية "لم يضعف" رغم احتمال كبير أن يضطر إلى تعيين رئيس وزراء من المعارضة بعد الانتخابات التشريعية.
وردّ رئيس حزب التجمّع الوطني جوردان بارديلا على ولادة هذا الائتلاف اليساري، الجمعة، بالقول إنّه سيكون "خصمه الرئيسي" في الانتخابات التشريعية، فيما يتأخّر معسكر ماكرون في استطلاعات الرأي.
وارتفعت في فرنسا أصوات تحذّر من صعود اليمين المتطرف.
وأطلق حساب "سكويزي" على "يوتيوب" الذي يحتلّ المرتبة الثانية في فرنسا من حيث عدد المشتركين (19 مليون مشترك) تحذيراً من "صعود جذري لليمين المتطرّف".
ومساء الجمعة شارك آلاف المتظاهرين في مونبيلييه (جنوبا)، وحوالي ألفين آخرين في ليون (جنوب شرق) في احتجاجات ضدّ اليمين المتطرف، على أن تجرى في مدن عديدة أخرى تظاهرات مماثلة يومي السبت والأحد تلبية لدعوة أطلقتها هيئات نقابية.
وردّ بارديلا بإدانة الدعوات "الخطرة للغاية" إلى "التمرّد"، مؤكّداً أنّه "متمسّك بشدّة بحرية التعبير".
وكان ماكرون أبدى الخميس أمله في أن يؤدّي اقتراب موعد دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس (من 26 تمّوز/ يوليو إلى 11 آب/ أغسطس) إلى ثني الفرنسيين عن اختيار قادة "غير مستعدّين" لضمان تنظيم العرس الرياضي العالمي.
وردّ بارديلا عبر منصة "إكس" على ماكرون، بالقول إنّه لن "يعدّل" في تركيبة "الجهاز التنظيمي" للألعاب الأولمبية إذا ما ترأّس الحكومة المقبلة.
وفي مطلق الأحوال، أثارت حالة عدم اليقين في البلاد قلق أسواق المال، إذ سجّلت بورصة باريس أسوأ أسبوع لها منذ آذار/ مارس 2022 بتراجعها بنسبة 6.23 بالمئة، لتخسر بذلك كل المكاسب التي حققتها هذا العام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية اليسار اليمين الانتخابات فرنسا فرنسا انتخابات اليسار اليمين المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات التشریعیة الیمین المتطرف فی الانتخابات فی حال
إقرأ أيضاً:
أول رد فعل لـ ماكرون عقب هجوم إسرائيل ضد إيران واغتيال علماءها النووين
أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون قرر عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن والدفاع الوطني، لمتابعة التطورات المتسارعة في المنطقة، وذلك عقب الضربات الجوية الواسعة التي شنتها إسرائيل على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، ورد طهران بتوعدها برد قوي.
وأوضحت الإليزيه في بيان مقتضب اليوم الجمعة، أن "الرئيس ماكرون يتابع عن كثب التصعيد الخطير الحاصل في الشرق الأوسط، وقرر الدعوة إلى اجتماع لمجلس الدفاع والأمن الوطني في قصر الإليزيه لبحث تداعيات هذا التصعيد على الأمن الإقليمي والدولي، ومراجعة جاهزية فرنسا للتعامل مع أية انعكاسات محتملة لهذا التصعيد".
اتصالات مصرية عربية مكثفة لبحث تداعيات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران
إيران: الحرب معنا لعب بذيل الأسد وسنحرم النوم على عيون الصهاينة
وتأتي هذه الخطوة الفرنسية في وقت يتجه فيه النزاع بين تل أبيب وطهران إلى مرحلة غير مسبوقة من المواجهة المباشرة، مع اتساع رقعة الاشتباك وخطر انتقال المواجهة إلى دول الجوار وزعزعة استقرار المنطقة برمتها. ويُعد الاجتماع المزمع عقده أرفع هيئة حكومية فرنسية معنية بصياغة التوجهات الاستراتيجية والسياسات الدفاعية للبلاد في مواجهة الأزمات الدولية.
من جانبها، أبدت فرنسا قلقاً بالغاً إزاء تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، محذّرة من مخاطر اتساع رقعة الصراع بشكل يهدد الاستقرار الدولي ويعرض مصالح المجتمع الدولي للخطر. وفي هذا السياق، جددت باريس دعوتها لكافة الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن أي أعمال قد تؤدي إلى انفجار الموقف بشكل شامل.
وفي تعليقات لوسائل الإعلام الفرنسية، شدد مسؤولون في وزارة الخارجية على أن فرنسا "لن تدخر جهداً في التنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين لاحتواء التصعيد وتفادي انهيار أمن المنطقة"، مؤكدين أن "التصعيد العسكري لا يخدم أي طرف، وأن الحلول السياسية والدبلوماسية تبقى السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف المتصاعد".
ويأتي التحرك الفرنسي في وقت تصاعد فيه القلق الدولي من تداعيات المواجهة العسكرية المفتوحة بين إسرائيل وإيران، بعد أن استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية ما وصفته بمواقع باليستية ومنشآت استراتيجية داخل إيران، في حين هددت طهران بالرد بقوة على ما اعتبرته "عدواناً سافراً وانتهاكاً صارخاً للسيادة الإيرانية".
ويعكس التحرك الفرنسي محاولة استباقية للحفاظ على خطوط الاتصال الدبلوماسي ومنع الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تهدد الأمن الإقليمي والدولي، في ظل حالة من الترقب والقلق تخيم على العواصم العالمية حيال السيناريوهات المحتملة للأيام المقبلة.