اللد محطة القوافل ومهد الحضارات القديمة.. جزء من هوية فلسطين
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
مدينة كنعانية عربية أسسها الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد، وذكرت في العديد من المصادر التاريخية، وعرفت منذ قديم الزمن وعلى مر عصور التاريخ المتعاقبة بعد أن لعبت دورا هاما كملتقى للطرق الرئيسية في المنطقة، وكانت محطة للقوافل التجارية منذ أقدم الأزمنة، وتوالت على حكم المدينة دول وحضارات عديدة .
تقع مدينة اللد على مسافة 16 كلم جنوب شرق مدينة يافا و 5 كيلومترات شمال شرق الرملة، وهي توأم لمدينة الرملة.
اللد في عام 1932.
حملت اللد تاريخيا أسماء متعددة، فقد سميت "رتن" في عصر تحتمس الثالث الفرعوني، وسميت في العهد الإغريقي "ليدا". وفي العهد الروماني زمن أغسطس تبدل أسمها وأصبحت تعرف باسم "ديوسبوليس".
وبلغت المدينة شهرة كبيرة في تلك الحقبة من الزمن، حيث ذكرها المؤرخ الروماني يوسيفوس فلافيوس ضمن كتابه "تاريخ اليهود" في القرن الأول للميلاد، وقال إنها "قرية لا يقل حجمها عن حجم مدينة".
وترد في العهد القديم إشارات إلى أرض الفلسطينيين التي كانت تشمل الساحل الفلسطيني بين يافا ووادي غزة حيث وجد الفلسطينيون بكثافة في خمس مدن كنعانية هي غزة وعسقلان وأسدود وعقرون وجت. وجاء ذكر "لود" أكثر من مرة في العهد القديم بعد أن جرت في منطقتها معارك شديدة بين أهل البلاد من الأيدوميين والفلسطينيين والكنعانيين وبين المحتلين الجدد من العبرانيين.
وبعد الفتح الإسلامي اتخذ عمرو بن العاص المدينة عاصمة لجند فلسطين عام 636، واستمرت كذلك حتى إنشاء مدينة الرملة عام 715، حيث احتلت مركز الرئاسة في فلسطين، وفضل العرب ذكرها باسم اللد وهو الاسم القديم لها.
أصبحت اللد العاصمة المؤقتة للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الذي كان واليا على فلسطين. وفي عام 1099 احتلتها القوات الصليبية، وبقيت كذلك إلى أن حررها السلطان بيبرس عام 1267 بعد انتصاره على الصليبيين.
خلال الحرب العالمية الأولى، انسحب الجيش العثماني عام 1917 من اللد لتصبح المدينة تحت الانتداب البريطاني على فلسطين.
الجيش الاسرائيلي يحتل مطار اللد.
وفي عام 1937 افتتحت حكومة الانتداب "مطار فلهيلما" الذي تحول لاحقا إلى مطار اللد قرب المدينة والذي أصبح المطار الدولي لفلسطين.
ساهمت كغيرها من المدن العربية الفلسطينية في التصدي للمنظمات الصهيونية الإرهابية عام 1948 إلى أن تمكنت هذه العصابات في 11 تموز/يوليو عام 1948 من اقتحام المدينة واحتلالها، بعد أن قرروا شن عملية عسكرية واسعة في منطقة اللد والرملة لإبعاد القوات العراقية والأردنية التي كانت مرابطة في الرملة وللاستيلاء على مطار اللد ضمن العملية التي سميت "عملية داني" و أسفر هذا الهجوم عن وقوع الكثير من الشهداء، ووقعت مذبحة اللد التي قامت بارتكابها وحدة كوماندوز صهيونية بقيادة موشيه ديان حيث اقتحمت المدينة وقت المساء تحت وابل من القذائف المدفعية، وترك رجال المدينة يواجهون الألة العسكرية الصهيونية ببنادقهم القديمة، وبعد القتال ونفاد الذخيرة، اضطروا للاستسلام، فقامت القوات الصهيونية أبادتهم جميعا.
ويذكر تقرير المؤرخ الإسرائيلي بيني مورس انه الجيش الإسرائيلي قتل بعد انتهاء المعارك 167 فلسطينيا من سكان اللد بعد أن جمعوهم في مسجد "دهمش" الذي بقي مغلقا لسنوات طويلة حتى تم ترميمه وافتتاحه من جديد عام 2002.
وشهدت المدينة موجة نزوح كبيرة من سكانها العرب في مقابل ذلك، واستوطنت أعداد كبيرة من اليهود اللد التي تحولت إلى مدينة مختلطة، ولم يكن يسكن اللد بين عامي 1936 و1947 أي صهيوني.
ولم يبق من السكان العرب الذين بلغ مجموعهم آنذاك نحو 19 ألف نسمة سوى 1.052 عربيا. وفي نهاية عام 1949 بلغ عدد ساكني اللد 10.450 نسمة منهم 9.400 مهاجر صهيوني استوطنوا المدينة. ومنذ ذلك الوقت أخذ عدد سكان اللد يتزايد بفعل تدفق المهاجرين اليهود.
ووصل عدد سكانها في عام 2021 إلى 82.629 نسمة، نسبة العرب منهم بلغت نحو 29.8%، أما نسبة اليهود فبلغت 70.2%.
وبدأت سلطات الاحتلال منذ أن احتلت اللد تستغل أراضيها بإقامة المستعمرات عليها وزراعة مختلف أنواع المحاصيل الزراعية فيها، وأهم المستعمرات الصهيونية التي أقيمت في ظاهر اللد مستعمرة "زيتان" في الشمال الغربي، ومستعمرة "ياجل" قرب المطار، ومستعمرة “أحيعزر" بينهما، ومستعمرة "جناتوه" الواقعة شرقي اللد.
وبعد حرب عام 1967 واحتلال الضفة الغربية، أقام الاحتلال طريقا رئيسية جديدة من تل أبيب إلى القدس عبر لطرون، فتقلصت أهمية مدينتي اللد والرملة كملتقى للطرق الرئيسية في المنطقة، وتصل هذه الطريق إلى مطار بن غوريون (مطار فلهيلما سابقا) دون أن يضطر المسافرون إلى دخول المدينة.
وتعد اللد مدينة زراعية بالدرجة الأولى نظرا لوجودها وسط أراض سهلية خصبة تتوفر على مقومات الزارعة فيها كالتربة الصالحة والمياه، وتعرف المدينة انتشارا واسعا لزراعة الزيتون بالإضافة إلى الحبوب والخضار.
وقد أثر المجال الزراعي للمدينة في النشاط الصناعي، حيث تأسست في المدينة مجمعات حديثة تختص في صناعة المواد الغذائية وعصر الزيتون والصابون ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى الصناعات التقليدية مثل صناعة النسيج والجلود والأخشاب ومواد البناء.
وتعد اللد حاليا مركزا تسويقيا للمستعمرات الصهيونية المجاورة، فيتم في أسواقها تبادل المنتجات الريفية ومنتجات المدينة، والمنتجات الصناعية.
وحافظت المدينة على جوانب تجارتها العتيقة حيث يعقد في منتصف الأسبوع سوق أسبوعي يأتي إليه الآلاف من الباعة والمشترين من المدن والقرى المجاورة لعرض أنواع مختلفة من البضائع والحيوانات.
وتضم اللد عددا من المعالم الأثرية، فبالإضافة إلى بئر الزنبق، وهي بئر قديمة منذ عهد الصليبيين، توجد بئر الصحابي الجليل أبي محمد عبد الرحمن بن عوف.
وتشتهر المدينة بكنيسة "القديس جورجيوس"، وهي كنيسة أقيمت على قبر القديس جورجيوس في القرن الثالث الميلادي، ويحظى القديس بالاحترام والتبجيل لدى المسيحيين والمسلمين الذين يسمونه الخضر. ويحتفل به المسيحيون والمسلمون على السواء في عيد خاص ويقام سنويا يوم 16 تشرين الثان/نوفمبر من كل عام ويسمى "موسم الخضر".
كما يوجد في المدينة الجامع العمري الذي بني في عهد المماليك وأمر ببنائه الظاهر بيبرس، إضافة إلى عدد من المعالم الدينية الإسلامية والمسيحية الأخرى.
جامع العمري الكبير في اللد.
قدمت هذه المدينة شخصيات وازنة ساهمت في إثراء تاريخ النضال الفلسطيني، من بينهم الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. بالإضافة إلى مفكرين وأدباء وعلماء وسياسيين ذاع صيتهم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
المصادر
ـ "اللد مدينة فلسطينية تحت الاحتلال"، الجزيرة نت، 23/5/2011.
ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج4، ق2، بيروت، 1972.
ـ الموسوعة الفلسطينية.
ـ "250 فلسطينيا قتلهم الصهاينة في مجزرة اللد بدم بارد"، موقع وصحيفة عربي21، 7 /7/ 2020.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير التاريخية اللد الفلسطينيين فلسطين تاريخ هوية اللد تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی العهد بعد أن فی عام
إقرأ أيضاً:
غارديان: لماذا يُعد البرنامج النووي جزءا أساسيا من هوية إيران؟
قال تقرير مطول نشرته صحيفة غارديان إن إصرار إيران على امتلاك برنامج نووي مستقل ليس مجرد مسألة تقنية أو اقتصادية، بل يعكس جوهر هويتها الوطنية وتاريخها الطويل في مقاومة الهيمنة الغربية ورفض التبعية في اتخاذ القرارات السيادية.
وأكد التقرير أن تمسك إيران بحق تخصيب اليورانيوم لطالما شكّل النقطة الأصعب في محادثاتها مع الغرب، وقد اعتُبر السبب الرئيسي في الهجمات الأخيرة التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة على المنشآت الإيرانية النووية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس: ترشح أول مسلم لمنصب عمدة نيويورك يثير رعب المؤسسة المؤيدة لإسرائيلlist 2 of 2هل يمكن لكل من إيران وإسرائيل وأميركا أن تدعي النصر؟end of listوأشار التقرير إلى أن إيران تعدّ امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية دليلا على الاستقلال والكرامة، لا سيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، وفرضها عقوبات أعاقت قدرة إيران على التجارة مع أوروبا.
وأوضح أن الشعور الإيراني بالخيانة من الغرب عزّز خطاب السيادة والاعتماد على النفس في إيران، لا سيما بعد أن وضعت شخصيات معتدلة -مثل الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف– سمعتها السياسية على المحك لتوقيع الاتفاق، ليقابل الغرب ذلك بالتنصل والمراوغة.
ورأى التقرير أن إيران تنظر بعين الريبة إلى التناقض الغربي، حيث تُقصف هي بسبب برنامج نووي خاضع للرقابة الدولية، في حين يحظى برنامج إسرائيل بدعم مالي وسياسي غير مشروط، رغم أنها لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي.
واستعرض التقرير، بقلم باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي في الصحيفة، جذور برنامج إيران النووي، وكيف تحولت الطاقة النووية من مشروع يدعمه الغرب إلى جزء من هوية إيران واستقلالها.
وذكر التقرير أن مبدأ الاستقلال في السياسة الإيرانية يعود إلى ثورة 1979 عندما أصر آية الله الخميني على إدراج "الاستقلال" مبدأ ثالثا في بيان الثورة، إلى جانب الديمقراطية والإسلام، رافضا التبعية للغرب بعد قرون من التدخل الاستعماري.
إعلانوأضاف أن الكاتب الإيراني ولي نصر، في كتابه "الإستراتيجية الكبرى لإيران"، اعتبر أن مبدأ الاستقلال هو ما تبقى من قيم الثورة بعد تآكل الديمقراطية وتحريف الإسلام السياسي، وأنه لا يزال يشكل جوهر هوية النظام الحالي.
وأشار التقرير إلى أن إيران كانت ضحية تدخلات أجنبية متكررة، أبرزها الانقلاب على رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953 بدعم من وكالة الاستخبارات الأميركية بعد محاولته تأميم النفط، مما رسّخ قناعة بأن الاستقلال يتطلب السيطرة على الموارد الوطنية.
دعم غربيووفق التقرير، لم يبدأ البرنامج النووي الإيراني بعد الثورة، بل كان مشروعا أميركيا-بريطانيا في عهد الشاه الإيراني الأسبق محمد رضا بهلوي ضمن مشروع "الذرة من أجل السلام"، وكان من المخطط أن تبني إيران 23 مفاعلا نوويا لتصدير الكهرباء للدول المجاورة.
وذكر التقرير أن واشنطن وافقت حينها على المشروع، ولم تكن لديها مخاوف من الانتشار النووي، بل إن وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر قال لاحقا إنه لم يرَ في ذلك الوقت خطرا من المفاعلات التي بُنيت بمساعدة ألمانية.
وبعد انتصار الثورة الإيرانية، أوقف مرشد الثورة آية الله الخميني المشروع النووي باعتباره تجسيدا "للتأثير الغربي" وعلامة على اعتماد إيران على التكنولوجيا الغربية.
تحول قوميولفت التقرير إلى أن إيران بدأت تنظر في المشروع النووي بجدية مع تزايد الطلب على الكهرباء والحرب مع العراق.
وأسهم استهداف العراق مفاعل بوشهر أثناء حرب الخليج الأولى وعدم تحرك المجتمع الدولي لحماية إيران في بلورة "القومية النووية" الإيرانية، وتولد شعور وطني بأن المشروع النووي ضرورة سيادية وأمنية.
وأشار التقرير إلى أنه بحلول عام 1990 أعلنت إيران نيتها بناء 10 مفاعلات نووية لإنتاج 20% من طاقتها، ودعا الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني العلماء النوويين للعودة والمساهمة في المشروع.
وأكد أن البرنامج النووي الإيراني ظل لسنوات محاطا بالغموض إلى أن كشفت جماعة معارضة -بدعم من الموساد– عن منشآت سرية عام 2002 في نطنز وكاشان، الأمر الذي فتح باب المواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي.
وفي المقابل، قالت إيران إنها لم تبدأ تشغيل المفاعلات بعد، وبالتالي لا توجد أي مخالفة لمعاهدة حظر الانتشار، وأضافت أن تخصيب اليورانيوم لا يعني السعي نحو سلاح نووي، رغم صعوبة تفسير الهدف من العملية في غياب مفاعلات فعالة.
وتحت ضغط دولي، جمّدت إيران جميع عمليات تخصيب اليورانيوم مؤقتا في 2004 ضمن "اتفاق باريس"، دون أن تعتبر هذا التجميد التزاما قانونيا، بل بادرة ثقة فقط، حسب التقرير.
وعد التقرير انتخاب محمود أحمدي نجاد عام 2005 نقطة تحوّل، إذ تبنى الرئيس الإيراني خطابا أكثر تحديا، واعتبر أن التكنولوجيا النووية "مشروع علمي سلمي" وحق لأبناء إيران، وأن الطاقة النووية تخدم أغراضا طبية وزراعية، وتعد مصدرا لا غنى عنه للطاقة النظيفة.
وأورد أن هذا التصعيد في الخطاب قابله إصرار أميركي على منع أي تخصيب لليورانيوم، في حين تمسكت طهران بحقها في ذلك، لتبقى الدول الأوروبية عالقة بين الموقفين، دون أن تفضي الحلول الوسطية إلى أي نجاح حاسم أو انفراجة دبلوماسية طويلة الأمد.
إعلانونقل التقرير عن محمد البرادعي النائب السابق للرئيس المصري قوله إن إيران لا تسعى لسلاح بقدر ما تسعى للاعتراف بها كقوة إقليمية، وأن التكنولوجيا النووية بالنسبة لها تمثل رمزا للهيبة والمكانة، وليست بالضرورة أداة للدمار.
واختتم الكاتب التقرير بالإشارة إلى ما كتبه الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، بأن "امتلاك الطاقة النووية هو تعبير عن الهوية الإيرانية ومطلب للاحترام الدولي، ولا يمكن فهم إصرار إيران على امتلاك برنامجها النووي الخاص -رغم جميع العواقب- دون فهم أثر الهوية الإيرانية على سياسة البلاد الخارجية.