الإمام علي زين العابدين .. ذكرى أفقه أهل المدينة
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
تحتفي الطرق الصوفية بالمولد الرجبي للإمام علي زين العابدين، وذلك بمسجده بمدينة القاهرة، وقد عرف زين العابدين بالسجاد.
لماذا سمي زين العابدين بـ السجاد؟وفي سر تسميته بالإمام السجاد يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء:«سيدنا علي زين العابدين كان يسمى بالسجاد، وذلك لأنه كان يكثر من السجود خارج الصلاة وهذا شئ لم يفعله الصحابة ولكنه وجد قلبه في هذا .
والإمام زين العابدين علي ابن الحسين عليهما السلام، ولد في الخامس من شعبان عام ٣٨ هـ، بالمدينة المنورة، و قيل الخامس عشر من جُمادى الآخرة.
وقد عايش الإمام السجاد عصور إمامة جده الإمام علي بن أبي طالب سنتين وإمامة عمه الإمام الحسن عشر سنوات و إمامة والده الإمام الحسين إحدى عشر سنة، وقد عاش بعد شهادة والده أربع و ثلاثين سنة، وجاء في بعض المصادر القديمة يسمى الإمام زين العابدين علي الأكبر، ولكن اسم علي زين العابدين هو الذي انتشر أكثر لمنع الالتباس بينه وبين علي الأكبر ابن الإمام الحسين الذي استشهد في يوم عاشوراء.
كما أن الإمام زين العابدين لم يكن بامكانه أن يُقاتل إلى جانب والده في كربلاء في يوم عاشوراء بسبب مرض شديد حل به ومنعه عن المشاركة في القتال. لما قتل جنود يزيد اثنين من أبناء الإمام الحسين و الذَين كان اسمهما علي أي علي الأكبر وعلي الأصغر كانوا مُقتنعين أنهم قتلوا الإمام الذي كان سيأتي بعد الإمام الحسين.
وكان ذلك مما زاد في دهشة يزيد لما رأى الإمام السجاد علي ابن الحسين بين الأسرى الذين جيئ بهم من كربلاء. عندما رآه يزيد أراد قتله فورأً من خوفه و لكن عمته زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب حالت بينهم وبينه. كل ذلك والمرض الذي كان ما زال يعاني منه الإمام جعلا يزيد يتجنب الفضيحة وأعرض عن قتله.
ساهمت نشأة زين العابدين في بيت النبوة في بلورة شخصيته التي اتسمت بالعلم والورع والتقوى وإيثار الآخرة على الدنيا، العلم شهد الكثير من العلماء بأنّ زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه كان أعلم أهل الأرض في حينه ومنهم: الإمام الزهري، وسعيد بن المسيب، وسفيان بن عينة، ولعل أشهر ما ينسب إليه صحيفة تسمى الصحيفة السجادية وفيها عبارات بليغة في الدعاء لله والتوسل إليه .
سمي بـ زين العابدين لكثرة عبادته كما قال عنه الامام مالك، وشهد له الإمام الشافعي بأنه أفقه أهل المدينة واشتهر بالورع والطاعة والتقوى والزهد، وقد حضر علي مع ابيه الحسين "كربلاء" لكنه لم يشارك غي القتال لأصابته بالحمى.
وروى الذهبي عن محمد بن إسحاق ما قاله عن زين العابدين وإحسانه : "كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل"، فكان زين العابدين يخرج يوميًا في الليل يوزع الصدقات سرا على بيوت الأرامل والمساكين دون أن يكشف عن هويته.
توفى الإمام زين العابدين في محرم عام 95 هجريًا وقيل إن سبب الوفاة هو "السم" وقد دسه له الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقد دفن بالبقيع بجوار عمه الحسن بن علي، أما الضريح الموجود بالمسجد، مدفون به رأس ابنه الإمام زيد بن علي الذي قتله هشام بن عبد الملك بعد ثورته عليه، وقد أرسل هشام رأس زيد إلى مصر لينصب على جامع عمرو بن العاص بسطا لنفوذه وتخويفا لرعاياه هناك ويروى أن عدد من المصريين أخذوا الرأس ودفنوه بموقعه الحالي.
وكان مما قاله الإمام زين العابدين علي بن سيدنا الحسين رضى الله تعالى عنهما : «مَنْ قَنِعَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ».
وعنه قال الفرزدق الشاعر في مدح آل البيت في شخص سيدنا علي زين العابدين رضى الله تعالى عنه مبينا فضلهم :
من معشر حبهم فرض وبغضهم ** كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ** ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ** في كل بدء ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ** ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
وجاء في وصية زين العابدين علي بن الحسين -رضى الله تعالى عنهما- لابنه : قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر : " أوصاني أبي فقال: لا تصحبن خمسة، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. قلت: جعلت فداك يا أبه، من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقا، فإنه بايعك بأكلة فما دونها، قلت: يا أبه وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها. قلت: يا أبه ومن الثاني؟ قال: لا تصحبن البخيل؛ فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه. قلت: يا أبه ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد. قلت: يا أبه ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. قلت: يا أبه، ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونا في كتاب الله تعالى في ثلاثة مواضع ". [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء]
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الطرق الصوفية الإمام الحسین الله تعالى بن الحسین علی بن
إقرأ أيضاً:
مظاهر كون الشتاء غنيمة المؤمن.. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما هي الأوجه التي تجعل من فصل الشتاء غنيمة للمؤمن حتى أُحْسِنَ استغلال هذا الفصل؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن فصل الشتاء غنيمة للمؤمن، وعليه أن يغتنمه في التقرب إلى الله تعالى بإسباغ الوضوء، وقيام الليل، وصوم النهار، وسائر القربات، وفي ذلك كلِّه حط للخطايا والذنوب والسيئات، ورفع للدرجات في الجنات.
فصل الشتاء ربيع المؤمن
جعل الحق تبارك وتعالى فصل الشتاء للمؤمن روضة للطاعات والقربات، يقتبس فيها من أنوار العبادات، يقصر نهاره فيصومه، ويطول ليله فيقومه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ» أخرجه الأئمة: أحمد وأبو يعلى والقضاعي في "مسانيدهم"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وزاد فيه: «قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ». وحسَّنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 200، ط. مكتبة القدسي، القاهرة).
قال الإمام المُناوي في "فيض القدير" (4/ 172، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ»؛ لأنَّه يرتع فيه في روضات الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه القلب في رياض الأعمال، فالمؤمن فيه في سعة عيش من أنواع طاعة ربه، فلا الصوم يجهده ولا الليل يضيق عن نومه وقيامه كالماشية تربع في زهر رياض الربيع] اهـ.
اغتنام فصل الشتاء يكون بعدة أمور، من أهمها: أولًا: إسباغ الوضوء على المكاره فيه، وهو في شدَّة البَرْدِ من أفضَل الأعمال؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رواه الإمام مسلم.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح الإمام مسلم" (3/ 141، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك] اهـ.
ثانيًا: قيام ليله؛ وهو من أعظم القربات التي يأتي بها المكلف؛ فقد مدح الله تعالى عباده الذين هم أهل الجنة بأنَّهم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: 16]، وقال تعالى مادحًا لهم أيضًا: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: 17]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» أخرجه الإمام مسلم.
وإذا كان قيام الليل مستحبًّا في كل فصول العام إلَّا أنه في فصل الشتاء آكد استحبابًا وأعظم ثوابًا؛ فعن قتادة أنَّ عامر بن عبد الله لمَّا حُضِر -أي حضرته الوفاة- جعل يبكي، فقيل له: ما يُبْكيك؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حِرْصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظَمَإ الهواجر وعلى قيام ليل الشتاء. أخرجه ابن سعد في "الطبقات". وبكى معاذ رضي الله عنه عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالرّكب عند حلق الذّكر. ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص: 524، ط. المكتب الإسلامي). وذكر قبله أنَّ قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه كان يقول: "مرحبًا بالشتاء؛ تنزل فيه الرحمة، أمَّا ليله فطويل للقائم، وأمَّا نهاره فقصير للصائم" أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس".
ثالثًا: صوم نهاره، فعن عامر بن مسعود الْجُمَحِيِّ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ» أخرجه الإمامان الترمذي وأحمد.
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 106، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [«الصَّوْم فِي الشتَاء الْغَنِيمَة الْبَارِدَة»، أي: التي تحصل عفوًا بغير مشقة؛ لقصر النهار، وبرده، وعدم الحاجة مع ذلك إلى أكل وشرب] اهـ.
رابعًا: الدعاء خاصة إن كان اليوم شديد البرد بأن يقول: "اللهم أجرني من زمهرير جهنم"؛ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ! اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ فَاشْهَدِي أَنِّي أَجَرْتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ! اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ»، قَالُوا: مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: «بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، والبيهقي في "الأسماء والصفات".
الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي السؤال: ففصل الشتاء غنيمة للمؤمن، وعليه أن يغتنمه في التقرب إلى الله تعالى بإسباغ الوضوء، وقيام الليل، وصوم النهار، وسائر القربات، وفي ذلك كلِّه حط للخطايا والذنوب والسيئات، ورفع للدرجات في الجنات.