مهما اختلفت المرجعيات الأيديولوجية لمن يتموضعون ضمن الساحة السياسية والثقافية والنقابية والإعلامية والمدنية تحت مسمى "القوى الحداثية" أو "العائلة الديمقراطية"، فإننا لن نجانب الصواب إذا قلنا بأنهم يشتركون في تبني استعارة جامعة هي "التنوير". ولم ينج مفهوم "التنوير" من المصير البائس لأغلب المفاهيم الغربية "المُتونسة" بعد الحصول على الاستقلال الصوري عن فرنسا، ففي ظل مشروع "التحديث" الذي تبنته نخب الاستقلال لتأسيس الجمهورية، وهي في الحقيقة نظام جُملكي، أي نظام هجين لا هو ملكي ولا هو جمهوري، يقوم على عبادة الزعيم وحكم الحزب الواحد والبنية الجهوية-الزبونية للسلطة، لم يكن التنوير يعني أكثر من إعادة هندسة الحقل العام والمجال الخاص؛ بمرجعية لائكية لم يكن أصحابها أوفياء لمرجع المعنى الأساسي لمشروعهم: شعارات الثورة الفرنسية وقيم جمهوريتها.



وإذا ما أردنا أن نفهم كيف تحولت نخب "الاستقلال" من قاطرة للتحرير وبناء مقومات السيادة وتحقيق العدالة وضمان كرامة المواطن (وهي مفردات الخطاب الرسمي ومصدر شرعية النظام)؛ إلى جهاز للقمع وإعادة إنتاج شروط التخلف والتبعية باعتبارها واقعيا النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي -أي باعتبارها وكيلا للاستعمار في مرحلته غير المباشرة- فإن علينا أن نستحضر الدور الذي لعبته استعارة "التنوير" وأن نؤكد على ما يربطها من علاقات استبدالية بـ"التحديث"، ودور ذلك كله في حصول هذا الانحراف التأسيسي. وهو انحراف عانت منه تونس خلال مرحلتي الحكم الدستورية والتجمعية، وما زالت تونس تعاني من آثاره الفكرية والموضوعية حتى بعد "الثورة".

عل من أكبر مفارقات مشروع "التنوير" في تونس -أي مشروع العلمنة على النمط اللائكي الفرنسي- أنه كان مطلبا من مطالب النظام "الجُملكي" أو الاستبدادي الذي يقوم على رأسه ملك غير متوّج
فالتنوير باعتباره أداة التحديث في المستوى الفكري -أي في مستوى تحويل البنيات الذهنية أو تثويرها- كان في جوهره مشروعا متناقضا ذاتيا. فهو واقعيا مشروع يؤبد وضعية "التابع" ويؤسس لنظام ريعي-جهوي- زبوني، ولكنه في مستوى الدعاية السياسية كان يحرص على اكتساب شرعيته من خطاب وطني يحتكر سردية النضال ضد الاستعمار (شرعية المقاومة والتحرير)، ويشرف بنخبه "الوطنية" على مشروع "اللحاق بركب الدول المتقدمة" (شرعية التحديث والتنوير).

بصرف النظر عن دوره في المشروع الاستعماري الفرنسي القائم على النهب الاقتصادي و"الإبادة الثقافية" للبلدان الخاضعة لنفوذها، كان مشروع "التنوير" في سياقه التداولي الأصلي معاديا للملكية وللكنيسة، ورافضا لأي وصاية أو شرعية متعالية على العقل والإرادة الشعبية، كما كان مناقضا لأي حكم فردي ينقض قيم الجمهورية ويهدد بعودة أشباح الماضي.

ولعل من أكبر مفارقات مشروع "التنوير" في تونس -أي مشروع العلمنة على النمط اللائكي الفرنسي- أنه كان مطلبا من مطالب النظام "الجُملكي" أو الاستبدادي الذي يقوم على رأسه ملك غير متوّج. فـ"الزعيم" بورقيبة أو "صانع التغيير" بن علي كانا دستوريا رئيسين، ولكنهما كانا واقعيا ملكين في نظام ملكي غير مُدستر. ففي عهديهما، لا تداول على السلطة ولا دور للشعب في تحديد السياسات الكبرى للدولة، ولا توزيع منصفا للسلطة أو الثروة جهويا وفئويا، ولا حسيب أو رقيب على "محاسيب النظام" من العائلات الريعية المتحكمة في عملية إنتاج الثروة وفي صياغة التشريعات التي تؤبّد هيمنتها الاقتصادية والسياسية على حد سواء.

وجدت منظومة الاستعمار الداخلي في الإسلاميين هذا الخصم الوجودي الذي سيكون له في الاستراتيجيات السلطوية قبل الثورة وبعدها دوران: دور "الخارج المطلق" أو الشر المطلق الذي يهدد النمط المجتمعي التونسي؛ ودور المقابل الفكري والموضوعي للعائلة الديمقراطية بقيادة "الزعيم" الذي ليس في الحقيقة إلا واجهة النواة الصلبة للدولة العميقة
للدفاع عن هذا الواقع السلطوي غير الشعبي وغير القادر على اكتساب مشروعيته من الأداء الاقتصادي أو من واقع الحريات الجماعية، ضخّم النظام في مرحلتيه الدستورية والتجمعية من استعارة "التنوير". ولكن النظام كان يعي جيدا أنه لا معنى للتنوير -باعتباره أساس الشرعية الزائفة للنظام اللاوطني- إلا بوجود "الرجعية" أو "الظلامية". وقد وجدت منظومة الاستعمار الداخلي في الإسلاميين هذا الخصم الوجودي الذي سيكون له في الاستراتيجيات السلطوية قبل الثورة وبعدها دوران: دور "الخارج المطلق" أو الشر المطلق الذي يهدد النمط المجتمعي التونسي؛ ودور المقابل الفكري والموضوعي للعائلة الديمقراطية بقيادة "الزعيم" الذي ليس في الحقيقة إلا واجهة النواة الصلبة للدولة العميقة. ورغم غربة اليسار في مقولاته الصلبة عن فلسفة الأنوار الليبرالية، فإنه قد وفّر للدولة العميقة -منذ أيام المخلوع- الأداة الأساسية للقمع الأيديولوجي المصاغ في شكل استعارة "تحديثية".

لقد كان انتقال اليسار من مواقعه التقليدية المناهضة للرجعية البرجوازية إيذانا بميلاد ما يُسمى بـ"اليسار الوظيفي"، ذلك اليسار الفرنكفوني الذي انتقل من معارضة النظام إلى خدمته رغم إصراره الخطابي على مرجعيته الماركسية "التقدمية". وإذا كان الدكتور الهرماسي لم يستعمل مفهوم اليسار الوظيفي في مقاله القيّم الموسوم بـ"تفاعلا مع مانفستو اليسار: أي يسار؟ وأية سردية"، فإنه قد أشار إلى شروط تحققه بعد أن انزاح جزء كبير من القوى اليسارية إلى مواقع أيديولوجية جديدة (التركيز على المساواة الجندرية بدل المساواة الطبقية، الدفاع عن الحريات الفردية وحقوق الأقليات، تقديس الحريات الدينية والجنسية، التطرف في مناهضة التقاليد المجتمعية وتبني أكثر التأويلات ليبرالية وفردية لحقوق الانسان، استهداف المقدس الديني بتمويل أوروبي.. الخ). وهو ما جعل مسألة "التنوير"، أي فرض اللائكية وفلسفتها التشريعية أساسا لبناء المشترك الوطني، مع ما يصاحبها بالضرورة من استهداف مُمنهج للإسلاميين ولأي إرادة شعبية قد تدفع بهم إلى مركز السلطة، مسألة يسارية بالأساس.

بعيدا عن التفصيلات النظرية التي يضيق بها هذا المقال، فإننا نعتبر أن خطاب "التنوير" كان وما زال عائقا أساسيا أمام المشروع الديمقراطي، بل أمام أي مشروع للتحرير الوطني وبناء مقومات السيادة. فبتبنّيه اللائكية الفرنسية قاعدة للتحديث، فإن "التنوير" لا يمكن أن ينفصل عن مفهوم "الحقيقة" باعتباره أحد المفهومين اللذين يتنازعان مفهوم الديمقراطية كما أكد الباحث بلغيث عون. فقد أشار هذا الباحث إلى أن "الديمقراطية" عند النخب التونسية لا تقوم على أولوية مفهوم "الحرية" (أي اختيار ما يراه الشعب)، بل تقوم على مفهوم "الحقيقة" (اتباع نمط الحياة الأوروبي باعتباره تقدما وعلما وباعتبار ما سواه تخلفا وخطأ).

ونحن هنا أمام حقيقة مطلقة لا تقبل التنسيب ولا مكان فيها لتعدد المنظورات أو المصالح، ولذلك لا حرية للشعب في اختيار ما يريد عندما لا يوافق اختياره مقدسات "النخب" اللائكية أو يهدد مصالحها المادية والرمزية، ولا حرية لأي طرف سياسي يضع اللائكية وتشريعاتها وفلسفتها موضع المساءلة أو يطالب بإعادة التفاوض الجماعي في شأنها بعيدا عن الاستعلاء المعرفي للنخب "التنويرية".

منطق الوصاية على إرادة الشعب بدعوى احتكار الحقيقة لا يمكن أن يساعد على بناء مناخ ديمقراطي صلب وغير قابل للانتكاس إلى اللحظة الاستبدادية، ولا يمكن أن يؤسس لمجتمع تعددي
ختاما، لا شك في أن موقف "القوى الديمقراطية" وسدنة "التنوير" من الإسلاميين -باعتبارهم المقابل الفكري والموضوعي للاّئكية- لا يمكن أن ينفصل عن هذه المقدمات النظرية. كما لا شك في أن منطق الوصاية على إرادة الشعب بدعوى احتكار الحقيقة لا يمكن أن يساعد على بناء مناخ ديمقراطي صلب وغير قابل للانتكاس إلى اللحظة الاستبدادية، ولا يمكن أن يؤسس لمجتمع تعددي.

فعندما تصبح اللائكية الفرنسية هي النموذج العلماني الأوحد وغير القابل للاستبدال أو الاستئناف، وعندما تكون الخيارات الأكثر تصادما مع هوية الشعب ومقدساته هي التجلي الأمثل للعقل "التنويري"، وعندما يكون البرجوازي "الحداثي" أقرب إلى اليساري من المستضعف "الرجعي"، وعندما يكون انتقاد المقدس العلماني ومراجعة الكتابة المزيفة والمطالبة بدور في بناء المشترك الوطني مدخلا للتخوين والشيطنة، وعندما ينحصر مشروع التنويري في تفكيك بنية التسلط الديني -رغم هامشيتها التشريعية ومحدودية دورها في صياغة القرارات السلطوية- ولا يشتغل إلا لِماما على بنية التسلط السياسي والإذلال الاجتماعي والإقصاء الاقتصادي والتبعية البنيوية للخارج -خاصة لفرنسا- فإن مشروع الانتقال الديمقراطي وبناء مقومات السيادة والتحرير الوطني لن يكون سوى مجاز لا محصول تحته إلا ما نرى، وهو ما يجعل منه مشروعا معاديا للديمقراطية وللإرادة الشعبية بالضرورة.

x.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية تونس الإسلاميين تونس الديمقراطية الإسلاميين الحداثة أيديولوجيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

كالغاري- أعلن رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني مؤخرًا عن تشكيل حكومته الجديدة، وسط توقعات مرتفعة بشأن قدرته على قيادة الاقتصاد الكندي نحو التعافي، وتحقيق النمو والاستقرار، في ظل أزمات سياسية واقتصادية عميقة يعاني منها تاسع أكبر اقتصاد في العالم.

وتترقب الأوساط الشعبية، ولا سيما بين المهاجرين الجدد، قدرة كارني على مواجهة هذه الأزمات وتحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية.

وبعد إعلان تشكيلته الوزارية، أوضح كارني أن حكومته تستند إلى فريق أساسي مكلّف بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا الفريق يعمل على تنفيذ التغيير الذي يتطلع إليه الكنديون ويستحقونه، مع التزامه بطرح أفكار جديدة، وجذب الاستثمارات، وبناء اقتصاد مرن قادر على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.

رجل إدارة الأزمات

وفي ما يتعلق بقدرة كارني على إنقاذ الاقتصاد الكندي، يرى الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد في جامعة مكماستر، أن كارني يمتلك سجلًا حافلًا في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويملك دراية عميقة بمقومات الاقتصاد الكندي واحتياجاته، إضافة إلى شبكة علاقات واسعة مع الدول الأوروبية وغيرها، وهو ما يُعزز قدرته على تطوير علاقات تجارية خارجية تفيد الاقتصاد الكندي.

العلاقة التجارية بين كندا والولايات المتحدة تواجه توترا متزايدا بسبب الرسوم الجمركية (الأوروبية)

لكن قبرصي نبّه، في تصريحاته للجزيرة نت، إلى أن فتح أسواق جديدة ليس مهمة سهلة، بل يتطلب موارد ضخمة، خاصة وأن كندا تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لهذا التوسع التجاري.

إعلان

كما أشار إلى التحديات الداخلية، وخصوصًا النزعات الانفصالية المتزايدة في مقاطعتي ألبرتا وكيبيك، التي ستشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا لكارني.

وكان كارني قد أعلن في أكثر من مناسبة عزمه على إزالة الحواجز التجارية بين المقاطعات، والحد من الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن "العلاقة التقليدية بين كندا والولايات المتحدة قد انتهت"، حسب تعبيره.

وفرضت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تعريفات جمركية بلغت 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات الكندية، مما يُنذر بانخفاض صادرات كندا بنحو 15% بحلول عام 2026، بحسب تقديرات معهد "فريزر" الكندي. وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق الكندية.

دعم مشروط من الخبراء

من جانبه، أيّد مدين سلمان، مستشار الأمن المالي، ما ذهب إليه قبرصي، مشيرًا إلى أن كارني، بصفته محافظًا سابقًا لبنك كندا ثم بنك إنجلترا، يمتلك خبرة مالية واسعة تؤهله لإدارة هذه المرحلة الحرجة.

بيد أن سلمان شدد، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، على أن كارني لا يملك "عصًا سحرية" لحل التحديات المتراكمة، وأن نجاحه يعتمد بشكل أساسي على تعاون البرلمان الفدرالي والأحزاب السياسية، لتخطي الإرث الثقيل الذي خلفته حكومة جاستن ترودو.

وتواجه كندا حزمة من التحديات الداخلية، أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء السكن، وتضخم الأسعار، وهي أزمات أسهمت بشكل مباشر في تراجع شعبية الحكومة السابقة، وفاقمت مشاعر الغضب الشعبي، مما يضع مسؤوليات جسيمة على عاتق حكومة كارني الجديدة، التي وعدت باستثمارات ضخمة في قطاع الإسكان، وخفض الإنفاق العام.

تهدئة التوترات الداخلية

وفيما يخص أولويات الحكومة الجديدة، شدد سلمان على ضرورة إعطاء الأولوية لحل الخلافات بين المقاطعات الكندية، وتقريب وجهات النظر، وإزالة القيود المفروضة على التجارة الداخلية، بالإضافة إلى أهمية تنفيذ مشاريع كبرى، مثل إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز بين ألبرتا وساسكاتشوان والساحلين الغربي والشرقي.

إعلان

كما أوصى بتنويع مصادر الاقتصاد، والتوسع في مجالات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، داعيًا في الوقت ذاته إلى مراجعة بعض القوانين البيئية التي يرى أنها تعيق استغلال موارد البلاد بكفاءة.

ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن يمثلان أبرز التحديات أمام الحكومة الكندية الجديدة (رويترز)

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن الشعب الكندي اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، بسبب التهديدات الأميركية بضم كندا اقتصاديًا، وتصاعد وتيرة فرض الرسوم الجمركية، معتبرًا أن نتائج الانتخابات الفدرالية الأخيرة تعكس هذا التماسك.

ورأى الغزالي أن كارني قادر على مواجهة التحديات، لما يمتلكه من خبرات اقتصادية، وحنكة سياسية مكّنته من استقطاب الناخبين، مستفيدًا من التخبط الأميركي في السياسات التجارية، واعدًا بتقوية علاقات كندا مع الاتحاد الأوروبي، والصين، وأسواق جديدة.

انتقادات لرؤيته الاقتصادية

من جهة أخرى، قدّم خبير الخدمات المالية والرهن العقاري، أحمد جاد الله، رؤية نقدية لمقاربة كارني، واعتبر أن خططه شديدة الطموح وتفتقر إلى الواقعية، وتشبه إلى حد كبير مقاربات رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو.

وأشار جاد الله، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إلى أن حل أزمة السكن لا يمكن أن يبدأ بإعلان نية بناء وحدات سكنية جديدة، بل يتطلب أولًا معالجة مشاكل أساسية، مثل نقص العمالة، وارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة الضرائب، وتعقيدات تراخيص البناء، والبيروقراطية المصاحبة لها.

وأوضح جاد الله أن رؤية كارني لتنويع الشراكات التجارية تفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة، وفريق عمل متخصص للترويج للمنتج الكندي في الخارج، كما أنها لا تتضمن آلية فعالة لتفعيل دور الملحقيات التجارية في السفارات، من أجل تقليل التبعية للسوق الأميركي.

إعلان

وأشار إلى غياب حوافز ملموسة لدعم المصنعين والمصدّرين، أو لجذب الكفاءات من الخارج، الأمر الذي قد يعزز من تسرب العقول إلى الولايات المتحدة.

ووصف جاد الله رؤية كارني الاقتصادية بأنها "مَركبَة رياضية أنيقة، لكنها بلا عجلات"، موضحًا أن كارني، رغم مكانته الكبيرة في الأوساط المالية ودوره في احتواء أزمة 2008-2009، لا يملك الأدوات الكافية لإحداث تغيير نوعي في الوضع الراهن، خصوصًا أن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تبعث على التفاؤل.

أرقام وتوقعات

وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى كندا بلغت في النصف الأول من عام 2024 نحو 28.2 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ25.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023.

تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى كندا سجلت نموا ملحوظا في النصف الأول من عام 2024 (رويترز)

ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو خلال عام 2025 بمعدل يتراوح بين 3% و5%، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة.

انتظار شعبي مشوب بالحذر

وفي المحصلة، يبدو أن الكنديين والمهاجرين الجدد يترقبون أداء حكومة مارك كارني في ظل ظروف استثنائية وتحديات غير مسبوقة.

ورغم الإجماع النسبي على خبرته وقدراته القيادية، فإن تحقيق النجاح يتوقف على تهدئة التوترات الداخلية، والقدرة على التعامل مع الضغوط الأميركية، وبناء تحالفات إستراتيجية دولية.

وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان كارني سيحول وعوده إلى واقع ملموس، أم أن حجم التحديات سيتجاوز قدراته وطموحاته.

مقالات مشابهة

  • الصين عن مشروع ترامب "القبة الذهبية": يهزّ أسس الأمن الدولي
  • يحمل اسم شخصية توراتية.. ماذا نعرف عن مشروع "استير" الذي تبناه ترامب؟
  • ما الذي تعنيه عودة نظام سويفت للاقتصاد السوري؟
  • ماذا يعرف العرب عن مشروع إيستر الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟
  • ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • ما هو “مشروع إستير” الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • ما هو مشروع إيستر الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
  • لماذا ألغت شيماء سيف متابعة زوجها.. ومن هو النذل الذي تقصده في رسالتها؟
  • لا يستطيع رفع رأسه.. الألعاب الإلكترونية تشوّه فقرات شاب (صور مرعبة)