زوبعة بورسودان- ما بين العمائم الدينية وعكازات السياسة
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
زهير عثمان حمد
أمتعني المقال الذي كتبته الأستاذة رشا عوض، وكان مدخلها: "أهلًا بكم في عالم الكوميديا السوداء، حيث تتداخل السياسة مع الفكاهة في مشهد لا يمكن تصديقه إلا إذا عشته. دعونا نبدأ من بورسودان، حيث تجري أحداث زوبعة تلفزيون البزعي، تلك الزوبعة التي أثارت الضحك والسخرية معًا."
أنطلقت صاحبة القلم السيف البتار بسلاسة وسخرية تدهشك وأوصلت الرسالة بلغة راقية قريب من كل أهل السودان , نضّ الله وجهها وجعلها دوماً صوت أهلنا الثائر، ومدافعة عن حقوقهم، حاملةً راية التنوير والحكمة.
مشهد العكازة والتحدي الهزلي , تصوروا شابًا يحمل عكازه ويملي أوامره على حكومة الأمر الواقع بإقالة مدير التلفزيون البزعي، مهددًا بقاءهم بعكازه: "لو ما أقالتوهو نحن قاعدين هنا بعكاكيزنا"، ثم يضرب الأرض بعكازه كأنه يعلن بداية معركة هزلية. وذروة المأساة الكوميدية تأتي عندما يقول لهم: "كان ما عجبكم امشو الاذاعة الحررتوها في امدرمان نحن حررنا دي".
لا تنخدعوا بالمظاهر! , قد تظنون أن هذه المشاجرة تتعلق باحترام التنوع الثقافي، خاصة بعد منع مذيعة بجاوية من الظهور بالزي الشعبي. ولكن لا تقعوا في الفخ! فالقصة الحقيقية هي صراع سياسي من العيار الثقيل، تحركه جهات نافذة ضد البرهان، مستخدمة المجلس الأعلى لنظارات البجا كواجهة لتلك المعارك السياسية.
لعبة العسكر كيزاني , لا يمكن أن نصدق بسذاجة أن في بورسودان يوجد براح من حرية التعبير يسمح بالاعتصام داخل مبنى حكومي حساس كالتلفزيون، حيث يبث المعتصمون فيديوهاتهم وهم يرفعون عكاكيزهم في وجه السلطة. وفي نفس الوقت، رأينا كيف تتعامل السلطة الانقلابية بوحشية مع المتظاهرين السلميين في ظروف أمنية أفضل. فما الذي جعل الأسد يتحول إلى نعامة هنا؟ نحن منذ الاستقلال لم نحترم التنوع الثقافي ولا نحسن إدارته، وهذا فشل النخب الإعلامية دهرا طويلا.
عبقرية المكان وخطورة الزمان , تكمن الخطورة في المكان: شرق السودان، حيث إذا عطس أصيب السودان كله بالزكام. الحرب هناك قد تتحول إلى حرب وكالة إقليمية تنذر بتقسيم البلاد. فما الذي يخططه العسكر في مطبخهم السياسي المتصارع؟ وما الذي يحاك ضد السودان إقليمياً ودولياً؟
في نهاية المطاف، قد تكون هذه الزوبعة مجرد بداية لمؤامرة أكبر. هل ستتوقف الأمور عند مستوى العكاكيز أم ستتصاعد إلى أمور أخرى؟ الأيام القادمة ستجيب عن ذلك، لكن المؤكد أن المشهد الحالي يعكس كوميديا سوداء من العيار الثقيل، حيث تختلط المأساة بالسخرية في لعبة سياسية خطيرة.
العمامة السودانية والتراث العريق , بينما تعصف الكوميديا السوداء ببورسودان، لا يمكننا أن نغفل عن رمز آخر يعكس جزءًا من الهوية السودانية: العمامة. التي غابت عن مسرح تلفاز بورسودان. العمامة ليست مجرد قطعة من الزي، بل هي رمز للثقافة والتاريخ السوداني.
تاريخ العمامة السودانية , تعود جذور العمامة إلى العمال الذين كانوا يضعونها لتقليل ضغط الأحمال على رؤوسهم أثناء العمل. في السودان، تأتي العمامة في ختام عملية الاستعداد للخروج إلى مناسبة ما، مثل الأعياد والمناسبات الاجتماعية والاحتفالات الرسمية وغير الرسمية.
التنوع الاجتماعي والثقافي
تعكس العمامة التوجه الاجتماعي والقبلي في السودان. لكل مجموعة إثنية أسلوبها الخاص في ارتداء العمامة. كما تعكس حرارة الطقس والبيئة السودانية.
التطورات الحديثة في الأعوام الأخيرة، شهدت العمامة تعديلات في التصميم واللون، مما أثار آراء متباينة. بعض الشباب يرتديها بشكل محدث، في حين يرى آخرون أن ذلك يهدد مكانتها وهويتها الأصلية.
العمامة المستنيرة وتجديد الخطاب الديني في سياق آخر، يشير مصطلح “العمامة المستنيرة” إلى مبادرة تهدف إلى إصلاح الخطاب الديني في السودان. يسعى الجمهوريون من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق توازن بين الجوانب الدينية والاجتماعية، وتعزيز قيم التسامح والتفاهم في المجتمع.
والآن، بيننا عمامة ذات بُعد خبيث تحاول أن تصنع لنفسها مسارًا ومستقبلًا، لكن شعبنا والثوار يعرفونها جيدًا وهم لها بالمرصاد.
و التجديد الديني في كتاب “العمامة المستنيرة” للشيخ عبد المتعال الصعيدي يتناول مساعي التجديد الديني وتحديث الخطاب الديني. يركز الكتاب على التوازن بين الجوانب الدينية والاجتماعية في المجتمع، ويعرض ردود الشيخ على الأفكار المختلفة بما في ذلك التنصير والإلحاد.
سواء كانت العمامة رمزًا ثقافيًا أو جزءًا من مبادرة تجديد الخطاب الديني، فهي تعكس جوانب متعددة من الهوية السودانية. وبينما تستمر الزوبعة في بورسودان، يبقى السؤال عن مستقبل العمامة والعكازات معلقًا في هواء السياسة السودانية الكثيف.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الخطاب الدینی
إقرأ أيضاً:
نقل الرفات إلى مقابر رسمية يجدّد حزن العائلات السودانية
الخرطوم – خلال فترة الحرب في ولاية الخرطوم، اضطرت إيمان عبد العظيم إلى دفن شقيقها في فناء المنزل بمدينة بحري بمساعدة جيرانها، بعد أن أصبح الوصول إلى المقابر مستحيلا بسبب المعارك، وتقول للجزيرة نت إن حزنهم تجدد وعاشوا ألم الفقد مرة ثانية، بعد نقل رفاته إلى مقبرة عامة.
ومثل إيمان، عاشت مئات الأسر في الخرطوم مشهد دفن جثامين ذويها مرتين، الأولى كانت تحت أزيز الرصاص وفي ساحات المنازل والمدارس والمساجد وحتى الميادين العامة، حينما كان الخروج إلى المقابر الرسمية ضربا من المستحيل أثناء المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالعاصمة.
أما الثانية فتجري اليوم وسط ترتيبات رسمية وحملة حكومية تهدف إلى نقل الرفات إلى مقابر مخصصة، لتبدأ معها مرحلة جديدة من الألم.
وأعلنت ولاية الخرطوم مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، بدء حملة منظّمة لحصر ونقل الرفات من مواقع الدفن الاضطراري إلى مقابر مجهزة، وشُكّلت لجانا ولائية (نسبة للولايات) ومحلية تضم ممثلين من الطب العدلي والدفاع المدني والهلال الأحمر السوداني، إضافة إلى لجان التسيير والخدمات بالأحياء.
وقال المدير التنفيذي لمحلية بحري عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن، للجزيرة نت، إن هذه الحملة تهدف إلى تخفيف العبء النفسي على الأسر وتنظيم المشهد الصحي والإنساني في الخرطوم.
ووفق عبد الرحمن، تشرف على هذه الحملة "اللجنة العليا لجمع رفات المتوفين أثناء معركة الكرامة"، وتستهدف نقلها من الميادين والأحياء السكنية.
وتعتمد عملية النقل على 4 مراحل:
حصر مواقع الدفن الاضطراري داخل الأحياء. إبلاغ العائلات وإشراك ممثلين عنهم في كل خطوة من النبش وحتى الدفن. نبش الرفات تحت إشراف مختصين من الطب العدلي. إعادة الدفن في مقابر مخصصة مع توثيق كامل للبيانات. إعلانمن جهته، أوضح مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين -في حديث للجزيرة نت- أن عمليات نقل رفات الضحايا بدأت منذ سيطرة الجيش السوداني على الولاية، حيث قامت فرق ميدانية بدفن جثامين لمواطنين ومقاتلين في مقابر رسمية.
وأكد أن الربع الأول من العام 2026 سيشهد خلو الخرطوم بمحلياتها السبع من أي قبر مدفون خارج المقابر المخصصة، وأشار إلى تحديات تواجه عمل الفرق الميدانية المعنية بعمليات النبش والدفن، منها نقص الأكياس المخصصة للجثامين، "مما قد يؤثر على سير العمل بالصورة المطلوبة".
وحسب زين العابدبن، قامت قوات الدعم السريع بتخريب وحدات الحمض النووي (دي إن إيه) المخصصة لحفظ عينات أعداد من الجثامين المدفونة، وهو ما صعّب مهمة التعرّف على الكثير من الضحايا، وأوضح أنهم لجؤوا لحلول بديلة من خلال ترقيم الجثامين وتوثيق مراحل الدفن، ومن ثم دفنها في مقابر جُهزت خصيصا لمجهولي الهوية.
ودعا مدير هيئة الطب العدلي الجهات الفاعلة والمنظمات والمواطنين إلى مساعدتهم في تجهيز القبور، وأكد أن العمل الذي ينتظرهم كبير ويحتاج لتضافر الجهود بين الحكومة والمواطنين.
من جانبها، قالت نائبة رئيس لجنة التسيير والخدمات بحي شمبات بمدينة بحري شيرين الطيب نور الدائم، للجزيرة نت، إن اللجنة قامت بعمليات حصر للقبور الموجودة داخل المنازل والمساجد والميادين في عدد من الأحياء، كخطوة أولية قبل وصول الفرق الطبية وبدء عمليات النبش ونقل الجثامين.
وأضافت أن الحملة انطلقت في عدد من المناطق بمدينة بحري يوم الاثنين الماضي بمشاركة الجهات الحكومية والمنظمات.
وحول دورهم فيها، أفادت نور الدائم بأنهم يقومون بإبلاغ ذوي الضحايا للحضور ومتابعة الإجراءات الرسمية مع الفرق القانونية والطبية حتى تتم عملية النقل والدفن. وفي حالة عدم حضور أحد من أقارب المتوفين يتم إيقاف عملية النبش وفقا لتوجيهات عمل "اللجنة العليا لجمع رفات المتوفين".
وتشمل أدوارهم في حملة نقل الرفات:
الحصر الميداني، وتحديد مواقع القبور الاضطرارية، وتجميع البيانات، والتواصل المباشر مع الأسر. التنظيم الميداني ودعم الفرق في عمليات النبش والدفن. التنسيق بين الفرق الميدانية وأهالي المتوفين وضمان حضور الأسرة أو ممثل عنها.وطالبت نائبة رئيس لجنة التسيير والخدمات بحي شمبات المواطنين بالتبليغ عن أماكن وجود القبور الاضطرارية حتى تتمكن الفرق الميدانية من الوصول إليها.
وأشارت إلى أن البلاد تحتاج إلى مزيد من الجهود لاستكمال عمليات البناء وإعادة الإعمار، وأن ما يقومون به هو "عمل يمهّد لتهيئة بيئة سليمة لعودة المواطنين".
وعلى الرغم من صعوبة أن يعيش الناس وداعا ثانيا لأحبائهم، فإن عمليات النبش ونقل رفات المتوفين تمثل في جوهرها خطوة من خطوات التعافي وإعادة ترتيب ما خلفته الحرب في ولاية الخرطوم.
إعلان