لماذا لا يأخذ نتنياهو بايدن على محمل الجد؟
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
قبل أشهر قليلة، بدا أن الكيل قد فاض بالرئيس بايدن من تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدعواته إلى ضبط النفس في غزة، حتى أنه بدا صارما في النهاية.
في شهر مارس، سئل بايدن عما لو أن دعواته لإسرائيل بعدم غزو مدينة رفح جنوب قطاع غزة تمثل «خطا أحمر»، بما يعني أن الغزو سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة.
فقال بايدن: «إنه خط أحمر، لكنني لن أتخلى أبدا عن إسرائيل».
لم يكن واضحا ما الذي أدى إلى تلك النتيجة، ولعله لم يكن واضحا حتى لبايدن نفسه. ولكنني ـ بما أكنه من إعجاب عام لسياسة بايدن الخارجية ـ ملت إلى الاعتقاد بأن الرئيس كان يعني أن الغزو الإسرائيلي لرفح سيؤدي إلى تعليق عمليات نقل الأسلحة الهجومية، ولكن دون انقطاع للأسلحة الدفاعية من قبيل الحماية ضد الصواريخ القادمة.
ثم حدث في أبريل أن اتصل بايدن بنتنياهو وبدا مرة أخرى أنه يرسم خطا ورديا على الأقل. حثه على وقف فوري لإطلاق النار، وأوضح له ـ وفقا لما أعلنه البيت الأبيض «ضرورة أن تعلن إسرائيل وتنفذ سلسلة خطوات محددة وملموسة وقابلة للقياس لمعالجة الضرر الواقع على المدنيين، والمعاناة الإنسانية، وسلامة عمال الإغاثة».
وتابع البيان قائلا: إن «سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بغزة سوف تتحدد من خلال تقييمنا للإجراء الفوري الذي ستتخذه إسرائيل بشأن هذه الخطوات».
وفي مايو، بدا أن بايدن قد وضع مرة أخرى خطا أحمر. فقد قال لشبكة سي إن إن: «إذا ذهبوا إلى رفح، فلن أقوم بتزويدهم بالأسلحة» المستخدمة ضد المدن.
بدا أن كل هذا يشير إلى استعداد بايدن المتأخر للوقوف في وجه نتنياهو واجتناب وقوع كارثة إنسانية في رفح. وبعد حثٍّ واسع النطاق - حتى من زوجته - على بذل المزيد من أجل سكان غزة، بدا أن بايدن شفع المساعدة بشروط من أجل دفع إسرائيل إلى إغراق القطاع بالمساعدات، وتجنب غزو رفح، والتوقف عن قتل عمال الإغاثة والتحرك قدما نحو وقف إطلاق النار.
وفي الفترة التالية لتلك المكالمة الهاتفية الصارمة في أبريل، سمح بايدن مرة أخرى لنتنياهو بالتغلب عليه.
فقامت إسرائيل بغزو رفح، وانخفضت إمدادات الغذاء التي تصل إلى الناس في جنوب غزة، ولقي ما لا يقل عن خمسة عشرة من عمال الإغاثة مصرعهم في غزة، وواصلت إسرائيل قصفها الطائش من قبيل ذلك الذي أضرم النار في مخيم برفح، مما أسفر عن مقتل العشرات.
والآن وقد تعرض خطا بايدن الأحمر والوردي للتجاهل، ما الذي يخطط له الرئيس بعد ذلك؟ تمضي الإدارة قدما في بيع طائرات مقاتلة من طراز إف 15 لإسرائيل بقيمة ثمانية عشر مليار دولار، وليس لدي أي اعتراض على الصفقة من حيث المبدأ، لكن توقيتها يرسل إشارة رهيبة مفادها أنه لا توجد عواقب لتجاهل بايدن.
قال جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في الإدارة ورئيس منظمة اللاجئين الدولية: إن «ما أظهره بايدن لنتنياهو مرارا وتكرارا هو أنه سوف يهدد بإصبعه لكنه لن يفعِّل التهديد».
لقد بدأت هذه الحرب عندما تعرضت إسرائيل لهجوم إرهابي مروع، وكان لها كل الحق في ضرب حماس، لا في أن تسوي أحياء بأكملها بالأرض أو تجوِّع المدنيين. ولقد قام بايدن بتكميم نتنياهو وتوفير الحماية له في الأمم المتحدة حتى عندما وجدت لجنة تابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل مسؤولة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لقد بدا أن بايدن تصور في البداية أن بوسعه التأثير بشكل أفضل على نتنياهو وكبح جماحه من خلال تقريبه منه. ومن الإنصاف القول بأن هذا النهج صادف حظا من النجاح: فإسرائيل لم تغز لبنان في الخريف الماضي، وكانت تفكر في ذلك، وبدا غزوها لرفح أكثر انضباطا من غزوها لمدن غزة الأخرى. ويقول عمال الإغاثة: إنها سمحت أيضا بدخول المزيد من الغذاء إلى شمال غزة.
لكن الخلاصة هي أن سياسة بايدن في غزة ساعدت نتنياهو على البقاء في السلطة لا في تعزيز المصالح الأمنية بعيدة المدى لإسرائيل في رأيي. وتناقضت الحرب مع قول بايدن بأن الولايات المتحدة تدعم «النظام الدولي القائم على القواعد»، فقوضت بالتالي موقفنا في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، وفي عرض سافر يبدي الجحود للرئيس الذي كان بمثابة شريان حياة له، استخدم نتنياهو مقطع فيديو باللغة الإنجليزية لانتقاد إدارة بايدن بسبب عدم دعمها الكافي وإظهاره الاستعداد لتجاوز البيت الأبيض والتحدث مباشرة إلى الكونجرس.
نعلم جميعا أن الدبلوماسية تتعلق بالعصي بقدر ما تتعلق بالجزر. ولو أن نتنياهو لا يأخذ بايدن على محمل الجد، فذلك لأن بايدن يتحدث في الغالب بهدوء حاملا جزرة كبيرة.
بعد هجوم نتنياهو الأخير على إدارة بايدن قبل أيام قليلة، رد البيت الأبيض بأنه رأى تصريحات رئيس الوزراء «مخيبة للآمال للغاية». ومن المؤكد أن نتنياهو تعلم درسا من ذلك.
لقد تساءلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية: «ما الدليل الإضافي الذي يحتاج إليه بايدن ليعلم أن نتنياهو ليس حليفا للولايات المتحدة؟». ونبهت الصحيفة بايدن إلى أن نتنياهو قد «تلاعب به».
وإذا أظهر بايدن أن خطوطه الحمراء عديمة المعنى في غزة، فلماذا تجد له روسيا أو الصين أو إيران أي مصداقية؟ ولو أنه يجبن كل هذا الجبن فلا يستطيع مواجهة حليف يعتمد على الأسلحة الأميركية، فما السبب الذي يدعو إلى الظن بأنه سوف يواجه منافسا؟
تكمن المفارقة في أن لبايدن بشكل عام سياسة خارجية ناجحة، وبخاصة في تشكيل تحالف في آسيا للحد من مخاطر الحرب مع الصين، لكنه يجد نفسه الآن غارقا في فوضى في الشرق الأوسط يمكن أن تتفاقم، فقد تستمر الحرب في غزة على مستوى أدنى لبقية العام الحالي، وتتحدث إسرائيل عن مهاجمة حزب الله في لبنان خلال الأسابيع المقبلة، بما قد يؤدي إلى حرب منفصلة يمكن أن تكون أشد كارثية. ويحاول بايدن منع نشوب حرب في لبنان، لكن ضعفه أمام نتنياهو يحد من تأثيره.
والحقيقة أنني أدرك أنه من السهل كتابة هذه المقالات الانتقادية من موقع الهامش، وأن التعامل مع سياسة العالم الحقيقي أصعب كثيرا. فعالم الدبلوماسية يواجه دائما مشكلات أكثر مما يواجه من الحلول، ويزداد الأمر تعقيدا بفعل تشابك السياسات الأمريكية ومراوغة نتنياهو، ولكن، بعد ثمانية أشهر من الرعب المتواصل في الشرق الأوسط، يجب أن يدرك بايدن أن سياسته في غزة تمثل فشلا أخلاقيا وعمليا وسياسيا لم يساعد أحدا إلا نتنياهو
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عمال الإغاثة أن نتنیاهو أن بایدن فی غزة بدا أن
إقرأ أيضاً:
لابيد لـ ترامب: إسرائيل مستقلة وستحاكم نتنياهو
وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الأحد، طلبا لإسرائيل لإلغاء محاكمة نتنياهو حول قضايا الفساد الداخلي التي ارتكبها منذ مايو عام 2020.
وعلل ترامب سبب الطلب بشمول نتنياهو بعفو رئاسي أمريكي داخل إسرائيل، قائلا: إن نتنياهو قام بعمل رائع حول إزالة التهديد النووي الإيراني من المنطقة خلال الحرب الأمريكية الإسرائيلية ضد إيران.
لابيد يدعوا لاستقلال إسرائيل والاستمرار بمحاكمة نتنياهو
ليرد يائير لابيد على دعوة الرئيس الأمريكي قائلا : إن إسرائيل دولة مستقلة،ولن تقبل أي تدخل خارجي بشأن القضاء، ومؤخرا طلب نتنياهو بإن تكون جلسة محاكمته القادمة سرية خوفا من رد الفعل الداخلي بإسرائيل حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
نتنياهو يسعى للاستمرار بالحرب من أجل البقاء في السُلطة
في إتجاه آخر ظهرت آراء للعديد من المحللين بإن نتنياهو سعي لبقاء الحرب الإسرائيلية مشتعلة طوال عامين لرغبته للبقاء في السُلطة،وعدم محاكمته على جرائم الفساد الداخلي.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جوبايدن نجح في التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس منتصف عام 2023 يٌفرج به عن جميع المحتجزين بين الطرفين ويحقق وقف شامل لإطلاق النار لكن رفض نتنياهو تمرير الاتفاق دون مبرر.
واستمرت الحرب لهدف غير مبرر حسب ما قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بوقت سابق داعيا لفرض عقوبات دولية على إسرائيل لردعها عن الحرب غير المبررة.