بين الواقع والمواقع فساد أخلاقي يضرب المجتمع
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
يقول عليه الصلاة والسلام: “إنما بُعِثْتُ لِإِتْمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلَاق”.. لكن ما نعيشه اليوم وما نراه في أفعال أفراد المجتمع يضعنا أمام نقطة استفهام كبيرة أين نحن كمسلمين من هذا الحديث..؟.
وماذا أخذنا من أخلاق خير المرسلين؟ إنه حقا واقع محزن ما بتنا نعيشه، فساد من الكبير قبل الصغير، هذا عاق لوالديه ألقى بهما في دور كبار المسنين، سوء تفاهم يجر إلى شجار وقد ينتهي بجريمة قتل بكل دم بارد، أَمَة تُغتصب في وضح النهار، وحرمة تدنس، والفاعلون ضعاف النفوس غالبا يتنفسون تحت تأثير المهلوسات، فلم يعد يوم يمر علينا دون أن تتمزق قلوبنا لأخبار موجعة ضربت أخلاق المجتمع في مقتل.
يختلف أفراد المجتمع باختلاف جنسهم ودينهم وأعمارهم، وما يجمع بينهم روابط القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة، إلا أن هذه القيم شهدت تدهور كبير داخل المجتمع الذي يجب إعادة إنتاجه وتشكيله قبل فوات الأوان بسبب غياب الأخلاق، فالأخلاق الحسنة أعظم ما يميز الأمم، وبقدر ما تعلو أخلاقهم تعلو حضارتهم، ويفشل أعداؤهم، وبقدر ما تنحط أخلاقهم تذهب هيبتهم ويصبحون فريس سهل استساغها.. والسؤال المطروح: فأين نحن من هذه المسؤولية العالية؟.
أجل فالكل مسؤول، انطلاقا من الأسرة إلى المجتمع والمدرسة والإعلام، وكل من أعطى لنفسه مهمة نقل رسالة أو التأثير في الغير، فالكل مسؤول عن إعطاء القدوة الحسنة، لقول الشاعر: لا تنهى عن أمر وتأتي بمثله.. عار عليك وإن فعلت حسنا.
أما الآن وقد وقعت الأزمة، وصارت الأخلاق قاب قوسين أو أدنى من الارتقاء، علينا أن نتدخل بسرعة ونتصرف بطريقة ذكية وحكمة بالغة، وبدلا من أن نعطي لأنفسنا مهمة القاضي ونحكم على المفسدين، لنكن نحن مصلحين، ونساهم في التغيير، نقتدي بسيد المرسلين، الذي قاد التغيير وصنع الرجال العظماء ونقل الناس من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم، وأنشأ أروع حضارة عرفتها البشرية، وذلك باتباع مكارم الأخلاق التي غرسها في نفوس العباد، والتي نزلت من رب الأرض والسموات.
الإسلام دين الرحمة..فتمسكوا بالعروة الوثقى في تربية أولادكم
قال تعالى “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، لما رأوا من حسن المعاملة وجميل الأخلاق وصفاء العقيدة وسُمُوها، ولما شاهدوا جمال الخلق ورفعته أحسوا أن هذا الدين ينشئ نشا جديدا، فابرز سمات هذا الدين قاعدته الأخلاقية العريضة الشاملة لكل تصرفات الإنسان، وارتباط هذه القاعدة الأخلاقية بحقيقة الإيمان، فالإيمان بأن ما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه هو الحق يقضي الالتزام بالمعايير الخلقية كما أقرها منهجنا الإسلامي هذا حلال وهذا حرام، هذا حسن وهذا قبيح، هذا مباح وهذا غير مباح، وان المؤمنين هم الذين يلتزمون بهذا كله، بمقتضى أنهم مؤمنون.
بهذا المنهج كانت العزة والرفعة، ولكن حدث تحول في كيان الأمة حتى عادت إلى جاهلية حديثة، طمست بصيرة الإنسان وربطته بالمادة دون الروح والقيمة الحقيقية للأشياء.
وقد أفرز هذا التحول ظاهرة باتت واضحة للعيان مجتمعاتنا المسلمة، ألا وهي الأزمة الأخلاقية، حيث طغت المادة على النفوس وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة في كثير من الأحيان، وأصيبت الأمة بشلل مسّ أجهزتها الخلقية وملكاتها النفسية وأعاقها عن التحرك الصحيح، وشاعت فيها أمور لم تكن في سابق عهدها، تفككت الأسرة، وصار كل فرد ينادي بحقوق غير آبه بالآخر، التربية الإسلامية من مدارسنا صارت مادة ثانوية لا قيمة لها، فالأجدر بنا أن نصلح هذه العوامل التي لها تأثير مباشر في تلقين القيم، حتى نخرج جيلا متشبعا بالأخلاق نتباهى به أمام الأمم.
فلا يختلف اثنان أن الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة من محاسن هذا الدين وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال: “وخالق الناس بخلق حسن”.
فما السبيل يا ترى للخروج من هذه الأزمة؟حقا هي أزمة باتت تضرب في القاعدة الأساسية للمجتمع، والخروج منها لا تكفيه كلمات بضع كلمات، ولا أيام معدودات، ولا مناهج دراسية تشتمل مدونات السلوك الأخلاقي، لا تكفيه خطب الجمعة وإمام ينادي هلموا إلى تغيير أخلاقكم، وما إن يلتفت جمهور المستمعين كل لعالمه يضرب بتلك الخُطب عرض الحائط، بل لابد أن يستشعر الإنسان قبل كل شيء ربه في كل تصرفاته، وما المصير الذي سيلقاه، وعاقبة كل خلق أبداه صالحا كان أم طالح، لابد أن نستشعر أهمية التحلي لأخلاق الحسنة لديننا ودنيانا.
ثم لابد أن نلتزم جميعنا الصدق في الكلام والمشاعر، فيرى الناس أجمل الخلق فيتبعونه.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح
تقرير أميركي: هل يشهد قطاع النفط الليبي انتعاشًا حقيقيًا أم مجرد موجة عابرة؟ليبيا – تساءل تقرير تحليلي نشرته مجلة “إنيرجي بوليسي” الأميركية عمّا إذا كانت ليبيا تمر بمرحلة إحياء حقيقي لقطاع النفط، أم أن المؤشرات الحالية تعكس انتعاشًا ظرفيًا لا يزال مرهونًا بعوامل سياسية واقتصادية حساسة.
جولة التراخيص وإمكانية عودة ليبيا كلاعب رئيسي
التقرير الذي تابعته وترجمت أهم ما ورد فيه صحيفة المرصد أوضح أن جولة التراخيص الجديدة لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز تسلط الضوء على فرصة قوية لانتعاش القطاع، وعلى تجدد اهتمام الشركات العالمية بالبلاد رغم المخاطر المعقدة. وبين التقرير أن نجاح خطط التوسع في الإنتاج يعتمد على استمرار الحد الأدنى من التوافق بين الحكومتين المتنافستين، إضافة إلى الصفقات التي تُعقد لضمان موافقة الوسطاء السياسيين المؤثرين.
أهداف 2030 ودور ليبيا داخل “أوبك+”
ووفقًا للتقرير، فإن نمو الإنتاج الليبي يشكل عنصرًا محوريًا في تحقيق هدف العام 2030 بالوصول إلى مليوني برميل يوميًا، وهو هدف يرتبط مباشرة بمكانة ليبيا داخل منظمة “أوبك+”. وذكّر التقرير بالدور التاريخي للنفط الليبي في الأسواق العالمية، بعد أن ساهم خام البلاد الخفيف الحلو في خلق فائض عالمي بالستينيات جعل منها لبرهة سادس أكبر منتج عالمي.
الانتعاش الحالي وحدوده الواقعية
وأشار التقرير إلى أن ليبيا تراجعت بشكل كبير بعد أحداث 2011، إلا أنها قد تسجل هذا العام متوسط إنتاج يصل إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، وهو أداء يُعد الأفضل منذ سنوات. وأكد أن هذا الانتعاش قائم بالكامل تقريبًا على الأصول القائمة، فيما يبقى نجاح المشاريع الجديدة عاملًا حاسمًا في تحديد المسار المستقبلي.
تحديات النمو وسرعة الاستكشاف
وبيّن التقرير أن عمليات الاستكشاف في الجولة الجديدة قد لا تتقدم بالسرعة الكافية لإحداث تأثير جوهري قبل 2030، ما يجعل تحقيق هدف المليوني برميل يوميًا مرهونًا بتطوير الاكتشافات الحالية، ومعالجة الأعطال الفنية، وتعزيز الحقول الناضجة، وإصلاح مشكلات البنية التحتية والطاقة.
تحولات الشركات الدولية وشروط ليبيا التعاقدية
وأرجع التقرير الزخم الجديد إلى تداخل عوامل دولية، من بينها توجه شركات النفط العالمية للبحث عن استثمارات خارج الولايات المتحدة بعد نضوج قطاع النفط الصخري، وعودة شركات أوروبية كبرى مثل “شل” و”بريتيش بتروليوم” إلى تطوير النفط والغاز بعد أن كانت تميل نحو مشاريع غير هيدروكربونية. كما أشار إلى تحسن شروط ليبيا التعاقدية التي كانت في السابق غير جاذبة، حيث اعتمدت نماذج تشبه ما هو متبع في العراق.
مخاطر السياسة واستقرار الاستثمار
وتطرق التقرير إلى قدرة ليبيا على زيادة الإنتاج دون إشعال حرب أسعار، رغم إدراك الشركات لتعقيدات الوضع السياسي. وخلص إلى أن نجاح الجولة الحالية مرتبط بتقدير الشركات لاحتمالات التقارب بين طرابلس وبنغازي، وبمدى فعالية الوساطة الخارجية، لا سيما التركية، في خلق بيئة مستقرة نسبيًا للاستثمار والعمل.
ترجمة المرصد – خاص