الانتخابات التشريعية.. كيف يؤثر فوز اليمين المتطرف أو اليسار على الاقتصاد الفرنسي؟
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
باريس- في جو من عدم اليقين والضبابية بشأن نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا، والغموض الذي يحيط بالأغلبية المستقبلية في الجمعية الوطنية، ينتشر القلق بأقصى سرعة في الأوساط الاقتصادية والمالية في البلاد.
فمنذ إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون حل البرلمان مساء الأحد 9 يونيو/حزيران الجاري بعد النتائج التاريخية التي حققها التجمع الوطني بالانتخابات الأوروبية، شهدت البلاد صدمة سياسية واقتصادية أدت إلى ارتفاع أسعار الفائدة على ديون الدولة وانخفاض بورصة باريس.
ويرتبط التراجع المفاجئ في ثقة رجال الأعمال الفرنسيين بالآفاق الاقتصادية بعد نتائج السابع من يوليو/تموز المقبل، بالخوف الناجم عن الوضع السياسي الحالي.
وفي حملات انتخابية خاطفة استمرت 3 أسابيع، تشكلت ائتلافات الكتل الرئيسية الثلاث (حزب التجمع الوطني، والجبهة الشعبية الجديدة، وحزب النهضة) ووضعت الخطوط العريضة لبرامجها الاقتصادية في وقت قياسي.
تفاؤل منخفضووفقا لأحدث المشاورات الرئيسية لرجال الأعمال التي أجراها معهد أبحاث السوق "أوبنيون واي" المتخصص في إجراء أبحاث التسويق واستطلاعات الرأي في فرنسا والعالم، انخفض المؤشر الذي يقيس تفاؤل قادة الأعمال بمقدار 9 نقاط في شهر واحد فقط.
وقال 19% فقط من المديرين إنهم واثقون من آفاق الاقتصاد الفرنسي خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وهي نسبة أقل بـ7 نقاط عما كانت عليه في مايو/أيار الماضي.
من جانبه، كشف استطلاع اتحاد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة -الفترة من 20 إلى 24 يونيو/حزيران الجاري- عن المقاييس الرئيسية لمختلف الأحزاب والائتلافات بين قادة الأعمال.
وأجاب 58% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم سيؤجلون مشاريعهم الاستثمارية في حالة حصول الجبهة الشعبية الجديدة على أغلبية بمجلس الأمة، وأكد 36% أنهم سيفعلون الأمر ذاته إذا فاز التجمع الوطني، و12% في حالة فوز حزب النهضة وحلفائه بأغلبية.
وبحسب مديري الشركات الصغيرة والمتوسطة الذين أجابوا عن استبيان الاتحاد، فإن نتيجة الانتخابات التشريعية المبكرة سيكون لها تأثير قوي على فرنسا ولكن أيضا على مشاريعهم الخاصة. ويعتبر 78% منهم أن زيادة الإنفاق العام من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس البلاد ووضعها تحت إشراف صندوق النقد الدولي.
حالة ترقبوجعلت نتائج الانتخابات الأوروبية والضبابية المحيطة بالهيئة التشريعية المقبلة الأسواقَ المالية في حالة من الترقب. فعلى سبيل المثال، انخفض مؤشر كاك 40 (مؤشر الأسهم الرئيسي لبورصة باريس) بنسبة 6.42% في الشهر الحالي، وهو أسوأ أداء لها منذ يونيو/حزيران 2022.
وقبل يومين من الجولة الأولى للانتخابات، أقفل مؤشر كاك 40 الرئيسي، أمس الجمعة، على خسارة 0.68%، وهو أدنى مستوى له منذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي. ومنذ بداية الأسبوع التالي لحل البرلمان، لوحظ تراجع طفيف في قيمة اليورو مقابل الدولار.
في المقابل، ارتفعت أسعار الفائدة التي تقترض بها الدولة في الأسواق المالية، وبلغت الفجوة بين أسعار الاقتراض الفرنسية والألمانية أعلى مستوى لها منذ عام 2012. وتُعتبر الديون الألمانية الأكثر أمانا في منطقة اليورو.
وقد وضع الخبراء الإستراتيجيون في بنك الاستثمار العالمي والخدمات المالية "سيتي" 3 سيناريوهات لتطور الأسواق استنادا إلى نتائج الانتخابات:
السيناريو الأول: التوصل إلى "نتائج حميدة" وعدم اعتبار السياسة المالية قضية كبيرة مع وجود ائتلاف وسطي أو حكومة أقلية بقيادة التجمع الوطني، ويظل احتمالا ضعيفا لا يتجاوز نسبة 20%. السيناريو الثاني: يبلغ احتماله نحو 40%، يعتمد على مبدأ "الإغلاق" حيث تستمر المخاطر المالية وعدم اليقين السياسي. وفي هذه الحالة، إما أن يتم تعطيل البرلمان في غياب أغلبية واضحة أو أن يقود حزب التجمع الوطني حكومة يمكنها تنفيذ بعض وعودها، مع بقاء العجز العام مرتفعا. السيناريو الثالث: تُقدَّر احتمالاته بـ40%، وهو انتصار حكومة "متطرفة" لحزب اليمين أو اليسار ستسعى إلى تنفيذ أغلب تدابيرها وبرامجها، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الدين إلى مستوى أقرب إلى مستوى إيطاليا. برامج متباينةأوضح زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا لقناة "فرانس 2" أن مسألة إلغاء إصلاح نظام التقاعد، الذي اعتُمد في أبريل/نيسان 2023 ويرفع السن القانوني للتقاعد إلى 64 عاما، لم يعد من الأولويات في حملة حزبه الانتخابية بعد أن كان من أوائل معارضيه لفترة طويلة.
وفيما يتعلق بملف الطاقة، يريد التجمع الوطني تخفيض ضريبة القيمة المضافة من 20% إلى 5.5% على منتجات الطاقة (الكهرباء والوقود والغاز) لكنه بعد أن اقترح التفاوض على إعفاء من سوق الكهرباء الأوروبي ليكون قادرا على تنفيذ سقف للسعر، وقام بسحب هذا الاقتراح خلال الحملة.
ويريد تحالف الأحزاب اليسارية تجميد أسعار السلع الأساسية مثل بعض المنتجات الغذائية والطاقة والوقود، فضلا عن زيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 200 يورو واقتراح زيادة بنسبة 10% في نقطة المؤشر لموظفي الخدمة المدنية.
وبالنسبة للتدابير التي اقترحها المرشحون في برامجهم الانتخابية، فقد أعلن اللاعبون الاقتصاديون، بأغلبية ساحقة (82%) عدم تأييدهم لتطبيق الحد الأدنى للأجور بصافي 1600 يورو شهريا والتخفيض العام في وقت العمل الأسبوعي القانوني إلى 32 ساعة.
وبحسب استطلاع معهد أبحاث السوق "أوبنيون واي" أعرب 41% من أصحاب الشركات والمشاريع عن استعدادهم لاتخاذ إجراءات جذرية. ولن يكون أمام أكثر من واحد من كل 10 رواد أعمال (14%) خيار سوى التوقف عن نشاطهم، بينما سيقوم 3 من كل 10 (27%) بتسريح جزء من موظفيهم لإنقاذ أعمالهم.
وإذا قَبل نصفهم ببرامج الأحزاب، قد يؤدي ذلك إلى التضخم بتمرير هذه الزيادة في الأجور إلى أسعار البيع، وسيكون مدير واحد فقط من كل عشرة قادرا على استيعاب هذه التكلفة الإضافية في هوامش أرباحه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التجمع الوطنی
إقرأ أيضاً:
أنت فرد أو رائد أعمال.. كيف تعيد هندسة قراراتك المالية بعد خفض الفائدة؟
قرر مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في 10 ديسمبر/كانون الأول 2025 خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 3.50-3.75%، في ثالث خفض متتال خلال العام، وفق ما أوردته صحيفة فايننشال تايمز.
وقالت الصحيفة إن القرار جاء في ظل مؤشرات على تباطؤ نسبي في النشاط الاقتصادي الأميركي، مقابل استمرار الضغوط التضخمية فوق المستوى المستهدف البالغ 2%، مما وضع صانعي السياسة النقدية أمام معادلة شديدة الحساسية بين دعم النمو والحفاظ على استقرار الأسعار.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أين تستثمر في الذكاء الاصطناعي خلال 2026؟list 2 of 210 حلول مالية تساعد رواد الأعمال على حماية شركاتهمend of listمن جهتها، قالت وكالة رويترز إن القرار اتُّخذ وسط انقسام داخلي واضح داخل لجنة السوق المفتوحة، حيث صوّت بعض الأعضاء لصالح خفض أكبر، في حين عارض آخرون أي خفض من الأساس، في إشارة إلى تباين عميق في تقييم المخاطر الاقتصادية.
وبينما رحبت الأسواق المالية بالقرار باعتباره إشارة دعم أكدت منصات تحليل مالي -من بينها "إنفستنغ دوت كوم"- أن التأثير الفوري على المستهلكين والشركات يظل متفاوتا وبطيئا في بعض القنوات.
ويحاول هذا التقرير تقديم قراءة تقنية لتداعيات خفض الفائدة، مع طرح حلول عملية تستهدف الأسر ورواد الأعمال، بعيدا عن التفسيرات المبسطة أو التوقعات المفرطة بالتفاؤل.
خلفيات القرار النقدي وحدوده الفعليةأوضح الاحتياطي الفدرالي في بيانه الرسمي أن خفض الفائدة يعكس تباطؤ وتيرة التوظيف وتراجع زخم الطلب الاستهلاكي، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن التضخم لا يزال أعلى من المستوى المستهدف، وفق ما نقلته "فايننشال تايمز".
وبحسب الصحيفة، قال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول إن البنك المركزي لا يرى نفسه في بداية دورة تيسير نقدي طويلة، بل في مرحلة "ضبط دقيق" تستند بالكامل إلى البيانات الاقتصادية الواردة.
وأضافت وكالة رويترز أن التوقعات المحدثة لأعضاء اللجنة تشير إلى احتمال خفض محدود إضافي خلال عام 2026، مع بقاء الفائدة عند مستويات تُعد تقييدية نسبيا مقارنة بمتوسطات ما قبل الجائحة.
إعلانويعكس الانقسام داخل اللجنة -وفق محللين نقلت عنهم الوكالة- اختلافا في قراءة مخاطر التضخم من جهة، ومخاطر التباطؤ الاقتصادي من جهة أخرى، وهو ما يحد من قدرة الأسواق على التسعير المسبق لمسار السياسة النقدية.
وبالتالي، فإن خفض الفائدة الحالي يُفهم تقنيا كإجراء وقائي محدود الأثر، لا كتحول جذري في بيئة التمويل.
تداعيات خفض الفائدة على الأسر.. بين الدين والسيولةوقالت وكالة رويترز إن الأثر الأسرع لخفض الفائدة يظهر في أدوات الدين متغيرة السعر، مثل بطاقات الائتمان والقروض المرتبطة بسعر الفائدة الأساسي، حيث تبدأ بعض المؤسسات المالية بتعديل أسعارها خلال أسابيع.
وأوضح مات شولتس كبير محللي التمويل الاستهلاكي في منصة "ليندينغ تري" في تصريحات نقلتها الوكالة أن:
التخفيضات المتتالية باتت تُترجم وفورات حقيقية، لكنها لا تزال محدودة مقارنة بمستويات الفائدة المرتفعة التي سبقتها. الاستخدام الأمثل لهذه الوفورات يتمثل في تسريع سداد الديون وتقليص الأعباء المالية المستقبلية، لا في توسيع الاستهلاك أو زيادة الاعتماد على الائتمان.أما في ما يتعلق بالرهون العقارية فأشارت منصة "إنفستنغ دوت كوم" إلى أن أسعار الفائدة على القروض السكنية لا تتحرك بالضرورة بالتوازي مع قرارات الاحتياطي الفدرالي، إذ تتأثر أيضا بعوائد سندات الخزانة وتوقعات التضخم طويلة الأجل.
وبناء عليه، ينصح الخبراء الأسر بإجراء حسابات دقيقة قبل الإقدام على إعادة التمويل، وتشمل الرسوم وفترة الاسترداد، مع الحفاظ على مستويات كافية من السيولة تحسبا لتراجع عوائد الادخار.
رواد الأعمال بين فرصة خفض التكلفة ومخاطر الإفراط
بالنسبة لقطاع الأعمال ترى صحيفة فايننشال تايمز:
أن خفض الفائدة يخفف جزئيا تكلفة رأس المال.وفي الإطار التحليلي، فإن هذا التخفيف النسبي في تكلفة الاقتراض قد يسهم في إعادة تقييم بعض المشاريع المؤجلة أو تسهيل إعادة هيكلة الديون القائمة، لكن دون أن يشكل بالضرورة أساسا لتوسع استثماري واسع أو لرفع مستويات المخاطرة. حذرت الصحيفة من أن الإشارات الصادرة عن الاحتياطي الفدرالي لا تدعم افتراض انخفاض سريع ومستمر في أسعار الفائدة، مما يستدعي قدرا عاليا من الحذر في القرارات الاستثمارية.
أما وكالة رويترز فأشارت إلى أن:
الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه بيئة تمويلية أقل تشددا مقارنة بالعامين السابقين، لكنها لا تزال مطالبة بإدارة مخاطر الطلب وتكاليف التشغيل في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي. ينصح خبراء نقلت عنهم الوكالة بمواءمة آجال الديون مع التدفقات النقدية المتوقعة، وعدم الاعتماد المفرط على التمويل قصير الأجل، حتى مع تراجع تكلفته.وبحسب خبراء، فإن استثمار وفورات الفائدة في تحسين الكفاءة والإنتاجية بدل التوسع السريع، باعتباره الخيار الأكثر استدامة في المرحلة الحالية.
قراءة تحليلية للمخاطر والفرص المستقبليةورغم خفض الفائدة فإن منصة "إنفستنغ دوت كوم" تؤكد أن التضخم لا يزال الخطر الأكبر الذي يقيد هامش المناورة أمام الاحتياطي الفدرالي، ولا سيما في ظل اضطرابات التجارة العالمية والضغوط الجيوسياسية.
وأضافت المنصة أن أي ارتفاع مفاجئ في أسعار الطاقة أو السلع قد يعيد إشعال المخاوف التضخمية، ويدفع البنك المركزي إلى التريث أو حتى عكس مسار التيسير.
وبالنسبة للأسر تمثل هذه البيئة: فرصة لإعادة هيكلة أوضاعها المالية وتعزيز مرونتها بدل الرهان على استمرار انخفاض تكلفة الاقتراض. أما رواد الأعمال فبإمكانهم الاستفادة من نافذة خفض الفائدة لإعادة التفاوض مع المصارف وتحسين شروط التمويل، مع الحفاظ على سيناريوهات تحفظية في التخطيط. إعلانوالخلاصة، وفق قراءة اقتصادية تقنية أن خفض الفائدة الحالي ليس دعوة مفتوحة للمخاطرة، بل أداة محدودة الزمن لإعادة ترتيب الأولويات المالية وبناء قرارات أكثر توازنا في بيئة لا تزال شديدة التقلب.