هل هناك إمكانية لتحقيق التحول الديمقراطي؟ «4- 4»

صديق الزيلعي

نختم إعادة نشر المقالات كتبتها من 21 والي 24 يونيو 2020، وقد تفضل قوقل بتذكيري بها. النضال لإنهاء الحرب، لا ينفصل عن الحوار حول مستقبل ثورتنا ومستقبل قضية التحول الديمقراطي وإقامة دولة مدنية مستقرة. وهذه المقالات هي دعوة للحوار حول التحديات التي تواجه إقامة نظام ديمقراطي مستقر في بلادنا، في ظل كل التعقيدات والخلافات والتحديات.

هذه المقالة تم نشرها في 24 يونيو 2020

كانت ثورة ديسمبر إحدى اهم وأعظم المحطات السياسية في بلادنا، حيث استطاع شعبنا الأعزل ان يقود معركة سلمية ضد أعتى دكتاتورية حكمت بلادنا، وان يهزمها. وصمد لنصف عام في وجه القمع والتعذيب والقتل حتى انتصر. ولكن انحياز الجيش للشعب لم يتم كما في أكتوبر وابريل، وكان مختلفا مظهرا ومبطنا. لم يتكرر، الانحياز، في ديسمبر بسبب سياسات النظام التي حولت الجيش من مؤسسة قومية سودانية الي مؤسسة أيديولوجية تدين بالولاء الكامل للحركة الإسلامية. ورغم المواقف البطولية لبعض صغار الضباط الا ان قيادة الجيش كانت تعمل، بكل طاقاتها، الا تكتمل الثورة. ونجحت بالعنف المفرط والضغوط السياسية والتهديدات ان تفرض اتفاق الوثيقة الدستورية المعطوبة والتي سيطرت، بسياسة وضع اليد، على محاور مهمة واساسية للمرحلة الانتقالية.

تواجه قضية التحول الديمقراطي ، كما ذكرنا، تحديات وعقبات عديدة، أهمها: السلام ومتطلباته، أزمة الاقتصاد المركبة وخاصة معاش الشعب، اصلاح المؤسسات العدلية، تحقيق قومية الجيش، تفكيك دولة التمكين، اتباع سياسة خارجية متوازنة في ظل تدخلات دولية متعددة الاساليب، استكمال الدستورية خاصة المجلس التشريعي والحكام المدنيين للأقاليم ، بطء أداء الحكومة الانتقالية، وحدة قوى الحرية والتغيير في وجه الصراع الحزبي المستمر، انجاز التشريعات التي تمس كل جوانب حياة شعبنا خاصة مجالات الحكم الإداري والاعلام والنقابات والتعاون وحقوق النساء.

فهل امام كل تلك التحديات والعقبات والمصاعب يمكننا تحقيق التحول الديمقراطي وإنجاز مهام المرحلة الانتقالية بسلامة والعبور للديمقراطية التعددية المنشودة؟

لا أميل للإجابات السهلة، ولا منهج أسود وابيض، ولا للأحكام المسبقة والجاهزة المستخرجة من بطون الكتب، ولكني أحاول الاجتهاد، قدر استطاعتي، لقراءة الواقع الملموس. وأؤمن ان التحليل الموضوعي للواقع المادي هي أساس الحل.

واقعنا هو كالآتي: أدى توازن القوى لفرض اتفاق مع اللجنة الأمنية يكرس تقاسم للسلطة، قنن في الوثيقة الدستورية، بكل ما عليها. مفاوضات سلام متطاولة مع غياب أطراف أساسية عنها. اقتصاد يعاني من أزمة مركبة. دولة في طريقها لان تكون دولة فاشلة. مكون عسكري شريك لا يساهم في حل المشاكل الاقتصادية رغم امتلاكه لإمكانيات اقتصادية هائلة. حكومة مدنية محاصرة من أكثر من جهة، داخليا وخارجيا. دولة عميقة تمارس التخريب المتعمد والتعطيل المستمر. الحاح وضرورة تحقيق العدالة في وجه جميع التجاوزات وآخرها مجزرة الاعتصام. أعلام موروث يبطن العداء ويمارس التشويه. ديون خارجية فلكية لا قبل لها بها. يتم تصنيفنا كدولة راعية للإرهاب، مما يحرمنا الاستدانة أو اعفاء الديون. إمكانيات ضخمة لبلادنا ولكنها تحتاج للتمويل الذي لا نملكه. تطلعات شعبية مشروعة ولكنها أكبر من امكانياتنا. مجتمع دولي يوعد ولا يفي بوعوده، أحزاب سياسية لا ترى ابعد من ارنبة انفها.

نعم يمكننا تحقيق التحول الديمقراطي رغم وعورة الطريق وحجم التضحيات والمشاق.

أقول ذلك ليس انطلاقا من الاحلام والامنيات ولا من نظرة بعيدة عن الواقع الملموس. أقول ذلك، وبثقة تامة، لأنني أؤمن ان لدينا أساس قوي للنجاح يتمثل في تمسك شعبنا بالحرية والديمقراطية، بعد ان ذاق مرارة حكم العسكر، وجيل شاب مصادم ومتعلم ومتفتح على العالم، ونساء بواسل قررن الا رجوع للوراء، وأحزاب سياسية متعددة، رغم ضعفها وجمود هياكلها، الا انها فاعلة ومؤمنة بالتغيير الديمقراطي. وتوجد في بلادنا حركة نقابية ديمقراطية ومصادمة تمتد جذورها عميقا في وجدان شعبنا. ولدينا طبقة وسطي حديثة متعلمة وتعرفت، بل عايشت، تجارب الشعوب الأخرى. ولدينا حركات مسلحة من مناضلين اشداء رفعوا السلاح دفاعا عن حقوق مناطقهم المهمشة، ويرنون لمستقبل ديمقراطي لبلادنا. وليس فقط حركات تتكون من مقاتلين، بل هناك ملايين المهمشين، في تخوم البلاد واطرافها، الذين نفضوا عن أنفسهم ظلم السنين وتصدوا لامساك حقوقهم بأيديهم، بعيدا عن أي شكل من اشكال الوصاية، من كل الجهات. والأهم تملك بلادنا إمكانيات طبيعية هائلة وثروات كبيرة وموقع قرب الشرق الأوسط الذي في أمس الاحتياج للمنتجات الزراعية.

ورغم تلك المظاهر الإيجابية التي تدعم تحولنا الديمقراطي لا زلنا نعاني من نواقص ومخاطر يجب علينا مواجهتها لننطلق نحو الديمقراطية المستدامة. هناك التبعية الطائفية، والسيطرة القبلية، والتعصب الجهوي، والانقسامات التي شملت كل منظمات المجتمع، ووجود الدولة العميقة ككابح لاي تغيير، والانقسام الطبقي الحاد حيث يعيش الأغلبية تحت حد الفقر وتتمتع اقلية من الطفيليين بكامل خيرات بلادنا. وفي ظل هذا التوازن بين عناصر القوة المساعدة على التغيير وعناصر الضعف المعطلة للتغيير، ستتطور التجربة الديمقراطية. ستتطور بالإصرار عليها، وبالممارسة التي ستتعرض لمصاعب كثيرة، وصعود وهبوط مستمر، ولكن بالعمل الجماعي والمؤسسي سنتجاوزها.

والتحول الديمقراطي لن تحققه الحكومة الانتقالية وحدها، مهما اجتهدت. من الضروري ان تشارك في إنجازه كل القوى الموقعة على ميثاق التغيير، كتحالف متماسك، وكتنظيمات منفردة. كما ستحققه قوى الثورة خارج القوى الموقعة على ميثاق الحرية والتغيير. ستحققه لجان المقاومة، التي قادت الشوارع في اصعب الظروف، ولا تزال الحارس الأمين ، الذي لا يخون، للثورة. وستحققه الحركات المسلحة وجماهير المهمشين. وستحققه منظمات المجتمع المدني. وسيدعمه، بقوة، أبناء السودان في مشارق الأرض ومغاربها. بمختصر الكلام، التغيير الديمقراطي فرض عين على كل سوداني يحلم بسودان جديد، سودان المساواة والمواطنة، سودان دولة المؤسسات وحكم القانون.

خاتمة:

الآن هناك قبول للشراكة العسكرية المدنية، ولكن يجب ان يكون هناك وضوح تام، حول مهام كل طرف، حتى لا يتمدد الطرف العسكري في الحكومة ويسيطر ببطء، بسياسة وضع اليد، على كل شيء. وهنا يجب، من الآن، الوضوح التام والمعلن حول وضع الجيش في النظام الديمقراطي. فهو مؤسسة أساسية من مؤسسات المجتمع، ولكنه ليس مؤسسة فوق المجتمع، أي حاكمة له. وسيعود الجيش كما كان، سابقا، في بلادنا، في ظل الأنظمة الديمقراطية، تحت قيادة الحكومة المدنية المنتخبة.

المجلس التشريعي، لأهميته ومركزي المحوري في النظام الديمقراطي، يحتاج لنقاش مستقبلي منفصل ومفصل، يناقش الفروقات بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، وأيهما أفضل لبلادنا، والدور المطلوب من المجلس التشريعي في المرحلة الانتقالية.

واجهتنا كمعارضين، عندما كنا ندعو لإسقاط نظام الاسلامويين، أصوات تتحدث عن استحالة ذلك تماما. وفعلها شعبنا بقدراته الذاتية، وأسقط نظام الاسلامويين. ونقول لمن يستبعدون تحقيق التحول الديمقراطي: ان هذا الشعب العظيم لا يزال موجودا وقويا وقادرا رغم كل الصعاب.

siddigelzailaee@gmail.com

مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي «3-4»

الوسومالتحول الديمقراطي الحكومة الانتقالية السودان القوى الموقعة على ميثاق التغيير اللجنة الأمنية الوثيقة الدستورية د. صديق الزيلعي قوى الثورة لجان المقاومة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التحول الديمقراطي الحكومة الانتقالية السودان اللجنة الأمنية الوثيقة الدستورية د صديق الزيلعي قوى الثورة لجان المقاومة فی بلادنا

إقرأ أيضاً:

الإمارات تعرض رؤيتها لتسريع التحول للطاقة النظيفة في “أسبوع الطاقة الدولي” بسنغافورة

 

 

 

شارك سعادة المهندس شريف العلماء، وكيل وزارة الطاقة والبنية التحتية لشؤون الطاقة والبترول، في الحوار الوزاري لمنتدى سنغافورة – الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”، الذي انعقد ضمن فعاليات “أسبوع الطاقة الدولي في سنغافورة” SIEW” 2025″، بمشاركة وزراء الطاقة وصنّاع القرار والخبراء من دول العالم المختلفة، تحت شعار “تصوّر طاقة الغد.. وبناء أنظمة اليوم”.

وأكد سعادته خلال الجلسة الوزارية، حرص دولة الإمارات على دعم الجهود الدولية الرامية إلى تسريع تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة العابرة للحدود، وتعزيز التكامل الإقليمي والعالمي في هذا القطاع، بما يسهم في تحقيق أمن الطاقة واستدامتها ودفع مسيرة التنمية المستدامة.

ودعا سعادته الدول والمؤسسات إلى الانضمام إلى التحالف العالمي لكفاءة الطاقة، الذي تتولى وزارة الطاقة والبنية التحتية قيادته، بوصفه أول منصة دولية أطلقتها دولة الإمارات تجمع الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات العالمية تحت مظلة واحدة.

وأوضح أن التحالف يهدف إلى مضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة عالميًا إلى أكثر من 4% سنويًا حتى عام 2030، مؤكداً أن قيادة دولة الإمارات لهذا التحالف جعلتها قوة دافعة في الحوار الدولي حول الطاقة، ونموذجاً للتعاون متعدد الأطراف لتسريع وتيرة العمل المناخي وتحقيق التنمية المستدامة.

وأكد العلماء، أن نهج دولة الإمارات في تمكين استثمارات الطاقة النظيفة يقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسية هي الاستقرار طويل الأمد في السياسات، والأسواق المفتوحة والتنافسية، إضافة إلى الترابط الإقليمي والعالمي.

وأوضح سعادته أن دولة الإمارات تمكنت من تحقيق أدنى تعرفة كهرباء عالمية في مشروعي الظفرة للطاقة الشمسية ومجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، وهو ما يعكس نجاحها في بناء بيئة استثمارية رائدة تقوم على الشفافية، وتعزز شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، بما يدعم تنافسية الدولة في قطاع الطاقة المتجددة إقليمياً وعالمياً.

وأضاف: أن شركة “مصدر”، التي تعد من الشركات الوطنية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، تطور حالياً مشاريع طاقة نظيفة في أكثر من 40 دولة بطاقة إجمالية تتجاوز 50 غيغاواط، مؤكداً أن هذه الجهود تجسّد قيادة وجهود الإمارات العالمية في مجالات التحول في قطاع الطاقة وتحقيق الحياد المناخي.

كما أوضح أن مشروع الربط الكهربائي الخليجي يُعد نموذجاً متميزاً للتعاون الإقليمي، وأنه مكّن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تجنّب أكثر من 3 مليارات دولار من تكاليف التوليد الإضافية، وأسهم في خفض الانبعاثات وتعزيز مرونة واستقرار الشبكات الكهربائية، مشيراً إلى إمكانية توظيف هذا النموذج في إنشاء ممرات للطاقة الخضراء تربط الشرق الأوسط بجنوب شرق آسيا، التي يُتوقع أن يرتفع فيها الطلب على الكهرباء بنسبة 60% بحلول عام 2040.

وأكد العلماء في ختام حديثه، أن دولة الإمارات ستواصل العمل على تحويل الحوار إلى تنفيذ فعلي، وتعزيز الشراكات الدولية التي تجعل من الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة والترابط الكهربائي ركائز أساسية لتحقيق أمن الطاقة المشترك، والنمو الاقتصادي المستدام، والازدهار العالمي.وام


مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يعلن التعرف على الجثة التي تسلمها من غزة
  • «الموارد البشرية» تحصد 6 جوائز في ملتقى الحكومة الرقمية 2025
  • فوز زهران ممداني يلهم الأوغنديين ويعيد النقاش حول التحول الديمقراطي
  • محمد الكويتي: استباقية الإمارات في الأمن السيبراني تواكب توجهاتها المستقبلية
  • محمد بن راشد: بتوجيهات محمد بن زايد نعمل لتحقيق أولوياتنا الوطنية
  • الإمارات تعرض رؤيتها لتسريع التحول للطاقة النظيفة في “أسبوع الطاقة الدولي” بسنغافورة
  • الإمارات تدين بشدة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في السودان
  • «الخارجية» تدشّن عدة مبادرات تقنية على هامش ملتقى الحكومة الرقمية
  • رئيس ألبانيا يشيد بالرؤية التنموية التي تنتهجها دولة قطر
  • الإمارات تعرض رؤيتها لتسريع التحول للطاقة النظيفة في أسبوع الطاقة الدولي بسنغافورة