صحيفة البلاد:
2025-06-27@19:10:55 GMT

هل يُقاس معوجّ بمعتدل؟

تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT

هل يُقاس معوجّ بمعتدل؟

الزينة والبشاعة طرفا نقيض، والاعوجاج غير الاعتدال، وهذا ما أثار ذهني عندما جلستُ مع صديقي في مكتبة قديمة تعج برائحة الكتب العتيقة وأوراقها المصفرّة، محاطين بأرفف تضم كنوز الأدب والحكمة، أشعلتُ المصباح الزيتي الذي يضفي على المكان نورًا خافتًا وشعورًا بالسكينة، جلسنا على مقعدين خشبيين عتيقين، وأمامنا طاولة صغيرة تراكمت عليها الكتب والأوراق.

في ذلك المساء، لاحظتُ أن صديقي يحمل كتابًا قديمًا بين يديه، وعلامات التفكير العميق ترتسم على وجهه، لقد كان الكتاب يحتوي على أشعار وقصائد عن الحياة والدنيا، قلت له مستفسرًا: “ما الذي يشغلك يا صديقي”؟

أجابني بابتسامة خفيفة: “كنت أقرأ في هذا الكتاب عن قيمة المال والحياة، وهو ما يشغل بالي كثيرًا في تلك الآونة، وأشعر حقًّا أني أزهد عن المال والدنيا، ولا أريد شيئًا منها، يكفيني ما أكنّه في نفسي من السعادة والرضا”.

قلت له بصوتٍ هادئ: “عليك بعقلية الوفرة والتكسب من الدنيا ما وسعت، وإياك أن تكون من أولئك الصعاليك الذين يرددون شعارات فارغة “المال وسخ الدنيا” ولو رأوه لجروا وراءه جري الوحوش، أما سمعت قول الشاعر:
إن الدراهم في المواطن كلها .. تكسو الرجال مهابةً وجمالًا
فهي اللسان لمن أراد فصاحةً .. وهي السلاح لمن أراد قتالا.”

نظر إليّ صديقي نظرةً تأمليّة وقال: دع عنك الدنيا فالفقر ليس منقصةً، والمال هم وسيّد فاسد، وإذا كان الفقر ابتلاء فالغنى ابتلاء أعظم.
لم أكن لأستسلم بهذه السهولة، فأردفت قائلًا: “ولكن يا صديقي، الفقر مذلة والغنى ستر، قال الإمام علي بن أبي طالب: “لو كان الفقر رجلًا لقتلته”، ألا ترى أن المال يمكن أن يحقق لنا الحرية والاستقلال؟ أن يكون لنا كرامة دون الحاجة إلى سؤال الآخرين”؟
ابتسم برفق وقال: “نعم، ولكن الغنى الحقيقي هو غنى النفس. كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “ليس الغنى عن كثرة العرض” إن المال قد يفتح لنا الأبواب، لكنه لا يضمن لنا السعادة ولا الطمأنينة.

وأمام سيل كلماته ، رأيتني لا أتوافق معه البتّة وشعرت بصدى كلماته في أعماقي، فقررت أن أبحث عن نقطة توازن بين أفكارنا، قلت: “ربما يكون الحل في الوسط، المال إذا كان في اليد وليس في القلب، يمكن أن يكون وسيلةً لتحقيق الخير، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا .. تعبت في مرادها الأجسام
لنجعل المال في أيدينا وسيلةً لتحقيق أهدافنا السامية دون أن نكون عبيدًا له.”

هزّ رأسه موافقًا وقال: “أحسنت القول، يا صديقي. التوازن هو المفتاح، الزهد الحقيقي هو أن نملك المال دون أن يملكنا، أن نستخدمه بحكمة في خدمة الآخرين وفي بناء حياة متوازنة، تذكر قول جبران خليل جبران: “ليس التقدم بتحصيل الأموال، بل بتوجيهها في وجهتها الصحيحة”.

في تلك اللحظة، شعرت بأننا قد وصلنا إلى فهم أعمق لمعنى الحياة، أدركنا أن الإدارة الحكيمة للمال والزهد ليست في الرفض الكامل للدنيا ولا في اللهث وراءها، بل في استخدام الدنيا وسيلةً لتحقيق أهدافنا النبيلة دون أن نفقد قيمنا ومبادئنا.
نهضنا من المكتبة ونحن نشعر بسلام داخلي، مدركين أن الحياة تتطلب منا أن نعيشها بتوازن بين التكسب والزهد، بين الغنى الخارجي والداخلي، وكان اتفاقنا النهائي أن نجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، وأن نعيش بحكمة ورؤية تتجاوز المظاهر السطحية إلى جوهر الأمور.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

الإخوان والاقتصاد قبل وبعد 30 يونيو.. كيف حاولت الجماعة السيطرة على مفاصل المال العام؟

فتش عن التمويل لتتوصل الى مصدر الإرهاب.. حيث شهدت الجماعة الإرهابية تغلغلا غير عادي داخل مؤسسات الدولة، في فترة حكم الإخوان بسبب التمويل الضخم الذي تتلقاه الجماعة، فبدأت الشراكات المشبوهة والتدخلات برعاية الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، الذي سمح ليد الجماعة بالتغلغل خاصة في المؤسسات الإقتصادية، لتوجية الاقتصاد في خدمة الجماعة.

بديل بطاقة التموين.. ماذا تعرف عن الكارت الموحد وكيفية استخراجه واستخداماته؟بالأسماء| الأهلي يستقر على رحيل 6 لاعبين من نجوم الفريق.. ويُخطط لـ3 صفقات قوية

ثروة امبراطورية الإخوان

لا توجد إحصاءات أو تقديرات دقيقة حول الثروة التي يمتلكها تنظيم الإخوان، بوجه عام، فجميعها عبارة عن تقديرات تقريبية، بُنيت على مؤشرات تتعلق بالاستثمارات التي تم الوصول إليها والتأكد من تبعيتها للتنظيم.

لكن تلك المؤشرات تعكس إلى حدٍ كبير ضخامة هذه الإمبراطورية، خاصة تلك المتعلقة بالأرقام المعلنة من جانب اللجنة القضائية المُشكلة لحصر أموال الإخوان في مصر منذ عام 2014 في أعقاب وضع الجماعة على قوائم الإرهاب وحظر أنشطتها وتعقب مصادر تمويلها.

7 لاعبين في القائمة.. حقيقة فرض عقوبات على لاعبي الأهلي بعد وداع مونديال الأنديةغابت 7 سنوات.. ماذا فعلت الفنانة عبلة كامل لتتصدر الترند؟

أهمية البعد الاقتصادي لدى الإخوان

يمكن الاستدلال على أهمية البعد الاقتصادي لدى جماعة الإخوان، من خلال عدد من النقاط كالآتي:

أولاً: يمثل الاقتصاد بالنسبة لجماعة الإخوان حجر الزاوية وضمانة الاستمرار منذ نشأتها عام 1928 على يد حسن البنا، الذي سرعان ما بدأ في تأسيس إمبراطورية التنظيم المالية التي بدأت مع تدشين شركة للأوراق المالية عام 1938، ثم اعتمدت الجماعة على توسيع نشاطها الاقتصادي منذ ذلك التاريخ مروراً بتأسيس ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي، وتأسيس شركات نقل البضائع، وتجارة الأقمشة والسلع الغذائية، والاستحواذ على توكيلات العلامات التجارية وأيضاً سوق الصرافة، والبنوك، والكومبيوتر، والإنترنت.

ثانيا: برزت الأهمية القصوى للملف المالي داخل تنظيم الإخوان بالتزامن مع توظيف الأموال لخدمة “العنف” في أعقاب عام 2013، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال محورين: الأول يتعلق بالصراعات الداخلية الطاحنة بين قيادات الجماعة للسيطرة على مصادر التمويل، وأبرزها حالة الصراع بين القيادي الإخواني محمد كمال، المُشرف على نشاط الأذرع المسلحة للتنظيم، ومحمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، وقتها، بعد القبض على المرشد محمد بديع، وما نتج عن هذا الصراع من إعلان المجموعة التي أطلقت على نفسها “الكماليون”، نسبة للأول، انشقاقها عن التنظيم وعدم الاعتراف بشرعية الثاني، واستمر النزاع قوياً ومؤثراً في الجماعة حتى مقتل كمال في مداهمة لقوات الأمن المصرية شهدت تبادلاً لإطلاق النار مع مجموعته عام 2016، ومن ثم تمكن محمود عزت من إحكام سيطرته بشكلٍ كامل على كافة مفاصل التنظيم حركياً ومالياً.

ثالثاً: حاولت الجماعة منذ بداية ظهور الخلافات حول القيادة للعلن عام 2016 توظيف الأمر لخدمة بعض أهدافها، بادعاء أن الخلاف بين عزت وكمال كان “أيدولوجياً”، يتعلق بمسألة استخدام العنف والأذرع المسلحة للتنظيم، ولكن تطورات الصراع، والمعلومات التي جاءت على لسان قيادات التنظيم فيما بعد أكدت زيف هذا الإدعاء.

رابعاً: تمثلت السيطرة على الملف المالي، الأداة الناجحة لطرفي الصراع في حسمه، ومحو أية قدرة للتأثير من جانب الطرف الآخر، خاصة أن أدوات الحسم ترتبط جميعها بالملف المالي سواء في مسألة استرضاء القواعد بالعودة إلى تقديم الدعم المالي المطلوب لهم ولذويهم، أو السيطرة على وسائل الإعلام التابعة للتنظيم وتوجيهها لخدمته، فضلاً عمّا تتيحه الموارد المالية من قدرة في التحكم في كافة الروابط التنظيمية التابعة للتنظيم بشكل مباشر أو المؤسسات التي تعمل لصالحه تحت عطاءات مختلفة.

خامساً: يمثل الاقتصاد ركيزة رئيسية لدى جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتم توظيفه في خدمة مشروع الجماعة الفكري والسياسي من ناحية، والتغلغل في المجتمع من ناحية ثانية من خلال بناء المشروعات ذات الطابع الخدمي التي تستهدف الفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع. كما لا يمكن، بأية حال، فصل المشروع السياسي عن نظيره الاقتصادي داخل جماعة الإخوان، فكلاهما يرعى الآخر ويسهم في بقائه وتنميته، ويعتبر الاقتصاد هو كلمة السر في بقاء الجماعة حتى الآن، فهو الدرع الواقي الذي يحمي الكيان من الاختفاء، خاصة وأن التنظيم الدولي له كيان اقتصادي متشعب في أكثر من 80 دولة.

مفاجأة في كرتونة البيض.. تراجع أسعار الفراخ البيضاء والساسو تنخفض 6 جنيهاتمفاجأة ريبييرو.. التشكيل النهائي للأهلي يخلو من الحريف والتغيير في 3 لاعبينمحاور عمل لجان الاخوان اقتصاديا ومحاولات إيقاع الدولة

عملت اللجنة الاقتصادية داخل الإخوان على محورين، الأول: تعزيز اقتصاد الجماعة والحفاظ على أكبر قدر من مصادر التمويل بعيداً عن الملاحقات.

والثاني: هو ضرب الاقتصاد الرسمي المصري، لصالح الاقتصاد الموازي (الخاص بالتنظيم)، وبحسب البيان الصادر عن وزارة الداخلية المصرية، آنذاك، كان حسن مالك يخطط مع مجموعة من قيادات الإخوان في الخارج لتنفيذ مخطط لضرب الاقتصاد المصري لصالح اقتصاد التنظيم، ورفع قيمة الجنيه لإنهاك الدولة المصرية باستغلال شركات الصرافة الإخوانية، وقد وضعت الجماعة مبلغاً شهريا لهذا المخطط يقدر بـ” 500 مليون دولار” ـ بحسب ما جاء في نص التحقيقات ـ ثم تبين من التحقيقات التي جرت في وقت لاحق من العام نفسه، أن حسن مالك ونجله والقيادي الإخواني عبد الرحمن السعودي، كانوا يتولون إدارة اللجنة الاقتصادية المركزية التابعة لمكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان التي تهدف لتغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهما والمنشآت العامة والإضرار بالاقتصاد القومي بالبلاد، وقد نجحت الجهود المصرية سواء الأمنية أو الرقابية والقضائية في محاصرة نشاط اللجنة الاقتصادية للتنظيم وبالتالي قطع أحد أهم أذرعه في الداخل المصري.

طباعة شارك الإخوان والاقتصاد 30 يونيو السيطرة على مفاصل المال العام الرئيس المعزول مصدر الإرهاب الجماعة الإرهابية حكم الإخوان

مقالات مشابهة

  • الإخوان والاقتصاد قبل وبعد 30 يونيو.. كيف حاولت الجماعة السيطرة على مفاصل المال العام؟
  • عاجل | شاب أردني يُقتل طعنًا بعد رفضه دفع المال لمدمن مخدرات
  • المشاط: الاستثمار في صحة الإنسان قرار استراتيجي يحقق النمو المستدام لأي دولة
  • «الاتحاد للتأمين» تخفّض رأس المال إلى 230 مليون درهم وتؤكد قوة ملاءتها المالية
  • ديوان المحاسبة: شكشك بحث بناء المؤسسات والرقابة على المال العام 
  • نائب:سرقة المال العام محمي حكوميا وسياسيا
  • ميندي يرد على اتهامه بالانتقال إلى الأهلي من أجل المال
  • محافظ جديدة لادخار مكافأة نهاية الخدمة لموظفي «الخاص»
  • قرار لوزير المال.. هذه تفاصيله
  • بنك التنمية الصناعية يوافق على زيادة رأس المال المرخص إلى 10 مليارات جنيه