مقدمة الترجمة
الزمكان هو اصطلاح خرج من النظرية النسبية لألبرت آينشتاين، ويعني نسيج الفضاء الذي يشتبك فيه المكان مع الزمان في شبكة واحدة. لغرض التقريب، يشبه الأمر شبكة صيد مطاطية ضخمة مشدودة، ما إن يوضع شيء ثقيل عليها حتى تنحني بسبب ثقله، وتثبت النظرية النسبية أن ذلك يحدث بالفعل، فكل من المكان والزمان يتشوهان بسبب وجود الكتلة فيهما، وكلما زادت كتلة النجم على سبيل المثال، فإن اقترابك منه يعني أن الزمن سيتباطأ بالنسبة لك.
وبعد آينشتاين، حرص العلماء على استكشاف التركيبة الأساسية للزمكان نفسه، كيف نشأ ومم يتكون بالأساس؟ في هذه المادة القصيرة من نيو ساينتست يعرض مايكر بروكس بعضا من النظريات التي تحاول فهم التركيب الجوهري لهذا الكون.
نص الترجمة
نحن نميل إلى التفكير في الزمكان باعتباره البنية الأساسية للكون. ولكن ما إذا كان ذلك حقيقيا أم أن الزمكان ينبثق من شيء أعمق، فهو سؤال يبقي الفيزيائيين مستيقظين طوال الليل. تقول ماريكا تايلور من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة إنها "ليست مجرد مسألة فلسفية تناقشها أثناء احتساء الجعة، إنه في الواقع شيء يدخل في العمليات الرياضية التي يقوم بها الناس في هذا النطاق".
ولفهم الأمر، فإن أفضل مكان للبدء هو ميكانيكا الكم، التي تصف سلوك الجسيمات دون الذرية. ومن المعروف أن أحد المبادئ الأساسية لهذه النظرية هو أن الروابط بين الجسيمات يمكن أن تتجاوز مفاهيمنا المعتادة عن المكان والزمان. ويحدث هذا من خلال ظاهرة تسمى التشابك الكمي، حيث يمكن للجزيئات أن تؤثر على خصائص بعضها البعض حتى عندما تكون متباعدة بمسافة تقدر بنصف الكون كله!
ويقبل علماء الكونيات الآن أن التشابك يرتبط ارتباطا وثيقا بنشوء الفضاء نفسه، فإذا عرفنا درجة التشابك بين جسيمين كميين، فيمكننا استنتاج المسافة بينهما. وبالتالي فإذا قمت بحساب الأمر بالنسبة لشبكة من العديد من الجسيمات فستبدأ في تشكيل هندسة يمكن أن ينشأ منها ما نسميه "الفضاء". ربما ينبثق الفضاء إذن من التشابك الكمي.
علاوة على ذلك، فإن التقدم في نظرية الأوتار، المرشحة لتصبح "نظرية كل شيء"، يقول إن ما يحدث في داخل الفضاء يمكن وصفه بالكامل من خلال البيانات الموجودة على السطح الخارجي لهذا الفضاء، أو بمعنى أوضح "حدود ذلك الفضاء"، وهي ظاهرة تعرف باسم "الثنائية الهولوجرامية"، وبجمع ذلك مع التشابك الكمي، يمكنك فهم بناء الكون المكاني الذي يمتلك مسافات بين الأشياء وهندسة للفضاء.
عمل سبيريدون ميشالاكيس، عالم الفيزياء الرياضية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، مع شون كارول من جامعة جونز هوبكنز في ميريلاند، وتشارلز كاو في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، على بناء تفسير مثير للاهتمام لأصول الزمكان.
وبحسب ما توصلوا إليه، فإن التشابك بين الجسيمات على حدود الزمكان يؤدي إلى ظهور "مسافة" معينة، وتترجم مسافات التشابك إلى "جيوديسيا" (أي المسارات التي تتبعها الجسيمات أثناء تحركها عبر الكون)، تبني هذه الجيوديسيا هندسة للزمكان، تشبه الهندسة المنحنية التي تقول النظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين إنها تكمن وراء الجاذبية.
ويقول ميكالاكيس "يتحول التشابك إلى انحناء، ويمكن اعتبار هذا الانحناء بمثابة هندسة للفضاء".
ولكن هذا لا يجيب عن السؤال الأساسي، فالقول إن المكان والزمان ينشآن من السطح الحدودي للفضاء هو إلقاء بالسؤال لمنطقة أخرى لا أكثر، يقول تايلور: "لم نقم بشرح سبب وجود الفضاء بالمعنى العميق".
وقد تكون الإجابة شيئا مختلفا تماما. وهذا بالتأكيد ما تعتقده كيارا مارليتو من جامعة أكسفورد. وهي تعمل مع زميلها في الجامعة نفسها ديفيد دويتش وآخرين على "النظرية البنائية"، التي تهدف إلى التعبير عن قوانين الفيزياء بشكل مختلف يعتمد على التحولات الممكنة للنظام الفيزيائي، بالإضافة إلى صهر كل البيانات المتاحة في صورة كميات من المعلومات.
ونظرا لأن الكون يبدو وكأنه يعمل كنوع من معالج المعلومات (مثل معالجات الحواسيب)، فإن النظرية البنائية تبحث عن نظرة مبنية على المعلومات حول أصول الفضاء. يقول مارليتو "نود أن نقول إن الزمن ليس جوهريا في هذا الكون من الأساس، والزمكان ليس جوهريا أيضا". ومع ذلك، لا تزال مثل هذه الأفكار قيد التنفيذ.
وتقول تايلور إن الفهم الأعمق للزمكان سيأتي من خلال دراسة الظواهر الكونية، مثل الثقوب السوداء والمفردة الموجودة في مركز كل منها. وتضيف أن "فكرة الزمكان بأكملها تنهار هناك، وفهم كيفية انهيارها يرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة كيفية ظهورها في المقام الأول. نحن نعلم أن الأمور تجري بشكل جنوني هناك. وبمجرد أن نفهم ذلك، يمكننا قلب الصورة ورؤية كيف تظهر الأبعاد المكانية الثلاثة فعليا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
تكنولوجيا تكسر حاجز الزمن.. طائرة الصين الخارقة تلف العالم في ساعتين
في سباق عالمي نحو المستقبل، أعلنت الصين أنها تعمل على تطوير طائرة فريدة من نوعها تفوق سرعتها سرعة الصوت، قادرة على التحليق بسرعة تصل إلى 19 ألف كيلومتر في الساعة، أي ما يعادل 12427 ميلاً في الساعة.
وهذه السرعة الهائلة كفيلة بتحقيق حلم طالما راود البشرية: السفر حول العالم في أقل من ساعتين، وبحسب تقرير نشره موقع Sustainability Times، يُتوقع أن يُحدث هذا المشروع ثورة في عالم الطيران التجاري والعسكري على حد سواء، ويعيد رسم خريطة الزمن والمسافة بين القارات.
تمثل الطائرة الجديدة إحدى أكثر المبادرات طموحًا في مجال الطيران الأسرع من الصوت، إذ أنها تستند إلى نظام دفع مبتكر يختلف جذريًا عن التقنيات التقليدية، ويعتمد على مزيج من التفجير الدوراني والمائل، ما يُمكّنها من تحقيق سرعات تتجاوز 15 ضعف سرعة الصوت (15 ماخ).
فعلى سبيل المثال، تُختصر الرحلة من نيويورك إلى لندن من 7 ساعات إلى 16 دقيقة فقط، ما يُمثل نقلة نوعية في كفاءة الوقت والتواصل بين الشعوب والأسواق.
المحرك الصيني فائق السرعة.. كيف يعمل؟يعتمد هذا الابتكار على مبدأ الدفع بالتفجير الدوراني (Rotating Detonation Engine) في مرحلته الأولى، إذ يدخل الهواء إلى حجرة أسطوانية ويدور داخليًا لخلق موجة تفجير مستمرة تعزز الكفاءة وتُولّد قوة دفع جبارة.
وعندما تتجاوز الطائرة سرعة 7 ماخ، ينتقل المحرك إلى آلية التفجير المائل (Oblique Detonation)، حيث يُضغط الهواء ويُشعل بزاوية معينة داخل الحجرة، ما يُبقي المحرك مستقرًا عند السرعات الفائقة للغاية، مع الحفاظ على كفاءة استثنائية في استهلاك الوقود.
البُعد البيئي.. وكفاءة الطاقةلا يتوقف الابتكار عند حدود السرعة، بل يمتد أيضًا إلى البعد البيئي، إذ يسعى المصممون إلى تقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن هذه الطائرة مقارنة بالطائرات التقليدية، مستفيدين من كفاءة احتراق الوقود العالية للنظام الجديد.
وإذا ما تم تجاوز العقبات الفنية، فإن هذه التقنية قد تُحدث تأثيرًا إيجابيًا في تقليل البصمة البيئية للطيران على المدى الطويل، خاصة في ظل الضغوط العالمية للحد من الانبعاثات الحرارية.
التحديات أمام هذا "الحلم الطائر"رغم الطابع الثوري لهذا المشروع، إلا أن تحقيقه على أرض الواقع يواجه تحديات ضخمة، أبرزها:
• الحرارة الشديدة التي تولدها السرعات الفائقة، والتي تتطلب مواد جديدة متطورة تتحمل الإجهاد الحراري العالي.
• اعتبارات الأمان والسلامة في نقل الركاب بسرعات قد تفوق الخيال.
• البنية التحتية الأرضية المطلوبة لدعم عمليات الإقلاع والهبوط والصيانة.
ويُجمع الخبراء على أن تحقيق التوازن بين الأداء الفائق والسلامة سيكون العامل الحاسم في تحويل هذه الطائرة من حلم نظري إلى واقع ملموس.
من الخيال العلمي إلى سماء الواقعقد تبدو فكرة السفر من بكين إلى نيويورك في أقل من ساعة أشبه بفصل من رواية خيال علمي، لكن الصين تسير بخطى واثقة نحو جعل هذا الأمر واقعًا خلال العقود القليلة المقبلة، مدعومة بعقود من البحث والتطوير في مجال الطيران الأسرع من الصوت.
ومع تسارع الابتكارات في مجالات الدفع الجوي والمواد المتقدمة، فإن الطائرة الصينية الخارقة قد تُغير مستقبل السفر، ليس فقط بسرعة غير مسبوقة، بل وبأثر بيئي أقل، وكفاءة تشغيلية أعلى.
تُجسد هذه الطائرة الصينية الطموحة قفزة علمية وتكنولوجية هائلة، في وقت يتطلع فيه العالم إلى حلول أسرع وأكثر استدامة في مجال النقل الجوي. وإذا ما استطاعت الصين التغلب على العقبات التقنية والبيئية، فإنها ستكون قد فتحت الباب لعصر جديد من الطيران... حيث لا حدود للزمن، ولا مسافات مستحيلة.