صنعاء القديمة.. ذاكرة الحجر والهوية في وجه الزمن والتحدي
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
عند أول خطوة تخطوها عبر “باب اليمن”، لا تدخل مدينة فحسب، بل تنغمس في زمن يتنفس عبق الحضارات، في صنعاء القديمة، لا الجدران صامتة، ولا الأزقة هامدة. كل حجر، كل زخرفة جصّية، كل نقشة على باب خشبي قديم، تحكي حكاية مدينة لم تكن يومًا مجرد عمران، بل كانت ولا تزال رمزًا للهوية، حافظة للذاكرة، ومنارة ثقافية تمتد من سبأ ومعين إلى صدى المقاومة المعاصرة.
يمثّل هذا التقرير رحلة تحليلية استعراضية في قلب صنعاء القديمة، نرصد فيها تفاصيل المكان في أبعاده الجغرافية والمعمارية، نستعرض ألق الهوية الإيمانية التي تكلّلت فوق قباب مساجدها، ونتلمّس نبضها الثقافي المتجدّد من حلقات العلم إلى أسواق الحرف التقليدية. كما نسلّط الضوء على مكانة المدينة الفكرية في المشروع القرآني، ومواقفها من قضايا الأمة، لنختم بكيف يعيش أهلها اليوم رغم التحديات .
صنعاء… حيث بدأ الحِجر يروي التاريخ
نشأت صنعاء القديمة في قلب السهول الجبلية على ارتفاع أكثر من 2,200 متر عن سطح البحر. يعود ذكرها في نقوش المسند إلى القرون السابقة للإسلام، وارتبطت منذ نشأتها الأولى بممالك سبأ وحمير. ويُروى أن سام بن نوح هو من وضع أولى لبناتها، وفق الرواية المحلية. ازدهرت المدينة في العهد الإسلامي المبكر، وتحوّلت إلى مركز ديني وثقافي، حيث شُيّد فيها أول مسجد خارج الحجاز: “الجامع الكبير”.
هذا الامتداد الزمني يجعل من صنعاء واحدة من أقدم العواصم المستمرة في العالم، مدينة تشهد لجغرافيا المقاومة، وروح الحضارات المتعاقبة.
صنعاء.. رمز للهوية الإيمانية اليمنيةمنذ فجر الإسلام، اكتسبت صنعاء مكانة خاصة في قلب الرسالة الإيمانية. فقد وصفها النبي محمد صلوات الله عليه وآله بأنها أرض الحكمة والإيمان، قائلاً: “الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”. ومن هذه الأرض، خرج العلماء والمجاهدون الذين حملوا مشعل الهداية إلى الآفاق بقيادة أعلام الهدى ابتداءً بالإمام علي عليه السلام .
لقد كانت صنعاء القديمة مركزًا علميًا وفكريًا وروحيًا، احتضن حلقات العلم في مساجدها، ومدارسها الشرعية، ومجالسها الثقافية. كما ظلت عبر العصور نموذجًا حيًا للإيمان العملي المتجذر في سلوك الإنسان اليمني، في أمانته، وكرمه، ورفضه للظلم، وتمسكه بقيم الحق والعدل.
تجسّد صنعاء في تكوينها المعماري والاجتماعي نموذج المدينة المؤمنة: تتداخل فيها بيوت العبادة مع الأسواق، والمجالس مع المدارس، والروح مع المادة، في توازن فريد جعل من المدينة بوتقة للهوية الإيمانية الجامعة.
المعمار الصنعاني: الحجر والطين يرسُمان فن الهويةلم يكن المعمار في صنعاء القديمة مجرد بناء، بل كان انعكاسًا لروح الإنسان الصنعاني: بسيط، صامد، جميل. تمتاز البيوت بارتفاعها الذي قد يصل إلى تسعة طوابق، تُبنى أسفلها بالحجر الصلب وتعلوها الطوابق بالطين المدكوك والطوب اللبن. كل طابق يحكي قصة، وكل نافذة ملونة بزجاج القمريات ترسم لوحة.
هذه البنية لم تأتِ عشوائية، بل استجابت للمناخ، والاحتياج، والذوق، وحوّلت المدينة إلى تحفة طينية حجريّة لا نظير لها في العالم.
الرمزية الإيمانية: مدينة تسكنها الروحلم تفصل صنعاء يوماً بين الحجارة والإيمان. إذ تنتشر المساجد في كل حارة وزقاق، أهمها الجامع الكبير، أحد أقدم المساجد الإسلامية. تُعدّ هذه المساجد مراكز للتعليم والتأمل، وتدل هندستها على عمق الروح اليمنية التي جمعت بين البساطة والتقوى والجمال.
رمزية صنعاء الإيمانية لا تتجلى فقط في معمارها، بل في تمسّك سكانها بالمفاهيم الدينية كمصدر للهوية والكرامة، خاصة في أزمنة الجهاد ضد الاحتلال.
الثقافة المتجذرة: مجالس، شعر، وإنشادفي الدور العليا للمنازل، حيث تُقام “المفرّجات”، يجتمع الرجال على القات، لكن ليس فقط للفراغ أو التسلية، بل ليتبادلوا الشعر، والموشحات، والحكمة. المجالس هنا مدارس، والقصيدة أداة تفكير. وحكايات من الموروث الشعبي الشفهي المعبر عن الارتباط بقيم الفخر والاعتزاز بالهوية .
ثقافة المجالس أنجبت مثقفين وحكماء ، وكان لها الفضل في بقاء صنعاء مرجعية ثقافية حتى اليوم.
الحرف: تراث حي في أزقة الزمنتنتشر الحرف التقليدية في كل زاوية من المدينة: صناعة الجنابي (الخناجر اليمنية)، تطريز الثياب، الفخار، وصياغة القمريات. ورش صغيرة متوارثة من الأجداد، لا تزال تقاوم الحداثة الجارفة. لكل حرفة شيخ، ولكل سوق طابع. هذه المهن لا تقدم منتجات فقط، بل تحافظ على هوية حيّة ومتجددة.
المعالم الأثرية: حيث تسكن الأسطورةالجامع الكبير: أقدم من الأزهر، وأكبر من بعض الكاتدرائيات الأوروبية.
قصر غمدان: معلم أسطوري كان يعلو فوق المدينة، وكان يُقال إن له سقفًا من زجاج، ومنه أُلقي الشعراء إلى حتفهم!
باب اليمن: ليس مجرد بوابة، بل رمز سياسي وثقافي وتجاري، من خلاله دخل التجار والفقهاء والثوار.
المتاحف: الذاكرة المُجسّدةلا تزال المتاحف مثل “بيت الثقافة”، و”المتحف الوطني”، و”متحف الموروث الشعبي” تعمل على عرض تاريخ اليمن بصريًا وروحيًا. من النقوش المسندية إلى الملبوسات الشعبية، يُحفظ التاريخ في زجاج العرض، كما يُحفظ في القلوب.
الأسواق: عصب الحياة الصنعانيةمن “سوق الملح” إلى “سوق الجنابي”، تُمثّل الأسواق قلب المدينة النابض. ليست فقط أماكن تجارة، بل مراكز لقاء اجتماعي وثقافي. البائع يحفظ اسم الزبون وأحواله، والزبون يعرف نسب البائع. إنها شبكات اجتماعية أكثر منها تجارية.
العادات والتقاليد: طقوس لها جذورالزواج في صنعاء مهرجان يبدأ من السوق وينتهي في سطح المنزل.
الأعياد تُحيى بالزينة والولائم وتبادل الحلوى المحلية.
جلسات القات طقس يومي يُمارس بأدب وحدود.
المناسبات تُدار ضمن تقاليد قبلية ودينية لا تزال صامدة رغم تغير الزمن.
أشهر المناسبات والمواسم– عيد الفطر والأضحى تتحول المدينة إلى لوحة زاهية، وتُقام الولائم، وتُجهّز المساجد والمنازل بزينة تراثية.
– المولد النبوي، من أهم المناسبات في صنعاء، تُضاء الشوارع وتُلقى المدائح وتوزع المأكولات.
– المهرجانات الثقافية، مثل مهرجان القمريات، ومعارض الحرف اليدوية، والأسابيع الثقافية التي تنظمها مؤسسات المجتمع المحلي للحفاظ على التراث.
صنعاء والمشروع القرآني: هوية في مواجهة التغريببفعل التحولات السياسية، أصبحت صنعاء مركزًا للمشروع القرآني الذي يدعو للعودة إلى مفاهيم العدل، السيادة، والكرامة. وهذا المشروع لا يُروّج فقط بالشعارات، بل بالمساجد، والمؤسسات التعليمية، والمجالس الثقافية التي تعيد صياغة الوعي الجمعي.
مناصرة القضايا الكبرى: صوت صنعاء يصل إلى القدسفي كل وقفة تضامن مع فلسطين، كانت صنعاء حاضرة. في المسيرات، والخطب، واللافتات، وحتى في جدران المدينة القديمة، حيث كُتبت شعارات المقاومة، نُسِج موقف صنعاء من قضايا الأمة، لا بالتحالفات السياسية بل من عمق الانتماء الإسلامي والعروبي.
الحياة اليوم: تحديات البقاء وسط عبق الماضيرغم التحديات الكبيرة، يواصل أبناء صنعاء القديمة الحفاظ على نمط حياة جماعي تقليدي. البيوت لا تزال مأهولة، والحرف متوارثة، والمناسبات تُقام بروح الأصالة. الأسواق نابضة بالحياة، والمقاهي والمجالس لا تزال شاهدة على التقاليد الاجتماعية والثقافية المتجذرة ، هم صامدون، ولا يرحلون عنها لأن الرحيل يعني التخلي عن الذاكرة.
بين الماضي والحاضر: صنعاء لا تموتفي قلب كل يمني، شيء من صنعاء القديمة. فهي ليست مجرد مدينة، بل تراث إنساني عظيم، شاهدة على تطور الإنسان من العمارة إلى الأدب، ومن الحرف إلى الطقوس، ومن الأسواق إلى المتاحف. هي روح اليمن ومهد هويته. الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة لكل من يقدّر قيمة التاريخ والحضارة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: صنعاء القدیمة فی صنعاء لا تزال فی قلب
إقرأ أيضاً:
برشلونة يسابق الزمن لخطف موهبة كوبنهاجن قبل مرسيليا.. ومخاطر طبية من الصفقة
يواصل نادي برشلونة الإسباني تحركاته الجادة والحثيثة للتفوق على أولمبيك مرسيليا الفرنسي في سباق التعاقد مع الجناح السويدي الواعد روني بردجي، في صفقة توصف بأنها تحمل العديد من التحديات والمخاطر الصحية والمالية.
برشلونة يسابق الزمن لخطف موهبة كوبنهاجنيبلغ روني بردجي من العمر 19 عامًا، وبرز اسمه كأحد أبرز المواهب في القارة الأوروبية خلال المواسم الماضية، بعد تألقه اللافت بقميص نادي كوبنهاجن الدنماركي، حيث نشأ وتدرّب هناك. إلا أن مسيرته الواعدة شهدت توقفًا اضطراريًا عقب تعرضه لإصابة قوية في الرباط الصليبي، أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة، مما جعل مستقبله محل تساؤل لدى العديد من الأندية الكبرى.
ومع اقتراب تعافيه الكامل، قرر وكيل أعمال اللاعب التحرك سريعًا، ووصل بالفعل إلى مطار إل برات الدولي الواقع في جنوب غرب مدينة برشلونة، حاملًا معه التقارير الطبية الحديثة وصور الأشعة السينية التي تُظهر تقدم اللاعب في مرحلة الشفاء، والتي سيتم عرضها على الطاقم الطبي لنادي برشلونة من أجل التقييم الفني النهائي.
مدرب ريفر بليت يكشف كواليس مفاوضاته مع كريستيانو رونالدو قبل كأس العالم للأندية 2025 محمود عاشور حكمًا لتقنية الـ "VAR" في مباراة مانشستر سيتي والعين بكأس العالم للأندية عودة اهتمام برشلونة وسباق جديد مع مرسيلياوبحسب صحيفة Mundo Deportivo الإسبانية، فقد أعاد نادي برشلونة فتح ملف اللاعب بعد أن سبق له إبداء اهتمامه به قبل نحو عامين. ومع تجدد الحاجة لتعزيز خط الهجوم، عاد الفريق الكتالوني إلى الصورة بقوة في الوقت الذي يحاول فيه مرسيليا هو الآخر تأمين توقيع اللاعب هذا الصيف.
ويقف في مقدمة الجهات الساعية لإتمام الصفقة داخل النادي الكتالوني كل من المدير الرياضي ديكو، والنجم السابق بوجان كركيتش، إلى جانب أليخاندرو إتشيفاريا، حيث يعمل هذا الثلاثي كدائرة قريبة من اللاعب، تسعى جاهدة إلى تسهيل عملية التعاقد وإقناعه بمشروع برشلونة المستقبلي.